صوت قضمة خفيفة…

“واه، طعمها رائع حقًا! فيها نكهة الشوكولاتة… وأيضًا…”

قالت آشا وهي تمضغ بفمها الممتلئ بالخبز، تتحدث بصوت مكتوم.

“آشا، كلي بهدوء، لا يزال هناك المزيد.”

“حسنًا! لكن، سمو الأميرة، هل تعلمين أن أخي يتمتع بشخصية باردة كسيف تم صقله للتو؟”

“إذن، الدوق الشاب يتمتع بشخصية باردة.”

“بل وبشدة! إنه قاسٍ جدًا. والأكثر إثارة للغضب هو أنه يظن أن هذا يجعله جذابًا!”

أومأت إيزابيلا برأسها موافقة، وهي تدفع كوب الحليب بلطف نحو آشا، التي ابتلعت الخبز في فمها بسرعة.

“لقد كان ذلك صعبًا عليكِ، أليس كذلك؟”

“ليس كثيرًا؟”

“حقًا؟”

بابتسامة تعبر عن الرضا، أفرغت آشا كوب الحليب الذي قدمته إيزابيلا دفعة واحدة، ثم جالت بنظرها على الحلويات اللذيذة الموضوعة في طبق بثلاث طبقات، واختارت كعكة الفراولة التي بدت الأكثر إغراءً.

نظرت إيزابيلا إلى آشا بنظرة ملؤها الدفء وقالت: 

“بالمناسبة، آشا، لدي شيء لكِ.”

“حقًا؟”

مدت إيزابيلا يدها وأعطت آشا ظرفًا أنيقًا، مبتسمة بلطف.

“إنها دعوة إلى صالوني الاجتماعي.”

“صالون اجتماعي؟”

صالون اجتماعي… 

مكان تتبادل فيه النظرات الحاسدة والمنافسة الخفية بين الآنسات كالسهام الطائرة! 

وما يزيد الأمر تعقيدًا، أن يكون هذا الصالون تابعًا للأميرة، مما يعني أنه مليء بالآنسات ذوات النفوذ في هذه الإمبراطورية. 

لماذا تدعوني إلى هناك؟ 

كل ما أردته هو تعزيز صداقتي مع الأميرة، لكنني وجدت نفسي فجأة أُسحب إلى صالون اجتماعي كما حدث مع والدتي من قبل. 

نظرت إليها بعينين مترددتين، فبدت إيزابيلا وكأنها أساءت فهمي، فشرحت بهدوء:

“نعم، صالون اجتماعي. لن تكوني عضوة رسمية، لكن يمكنكِ الحضور كضيفتي. وبما أنكِ ابنة الدوق يوسبوف، فمن الغريب ألا تكوني موجودة هناك.”

“هاها…”

أنا بخير حتى لو لم أكن هناك! 

لم أكن واثقة من قدرتي على التحدث بلباقة أو التصرف بأناقة، فأنا أفضل المواجهات المباشرة. 

لكن مثل هذا السلوك لن يكون مقبولًا هناك، أليس كذلك؟
 
بينما كنت أتردد، قالت إيزابيلا كلمة جعلتني أشعر وكأنها أصابت قلبي:

“نعم، وإذا كنتِ موجودة، سأشعر… بقليل من الراحة.”

بدت عيناها الحمراوان وكأنهما ترتجفان بحزن. 

أمام هذا الجمال المزلزل وتلك الكلمات المؤثرة، استسلمت تمامًا.

يا للروعة! 

يجب أن أذهب! 

إذا كنتِ تشعرين بالراحة بوجودي، فهذا أحد أجمل ما سمعت في حياتي السابقة والحالية. 

شخص يحتاجني… 

في عالم يصعب فيه إيجاد شخص يحبني ويحتاجني بصدق، مهما كان لدي من مال أو قدرات، كانت هذه الكلمات كسحر لا يقاوم. 

شعرت بقلبي ينفتح على مصراعيه. 

بصراحة، لم أكن أعرف الكثير عن آداب الصالونات الاجتماعية، سوى ما تعلمته سريعًا من السيدة أبا قبل بدء القصة. 

ومع ذلك، أمام ابتسامة الأميرة الرقيقة، وجدت نفسي أومئ برأسي دون وعي. 

كيف يمكنني أن أرفض وهي تقول إن وجودي يريحها؟

“نعم، سأذهب!”

“شكرًا لكِ. سأرسل عربة إلى قصركِ.”

فكرت في نفسي: “حسنًا، سينجح الأمر بطريقة ما، أليس كذلك؟”

“توقفي! أنفاسي! آه!”

“سيدتي! ألم أخبركِ أمس ألا تأكلي الكثير من الكعك؟”

مع اقتراب موعد الصالون الاجتماعي، كانت سيلفانا، التي كانت أكثر استعدادًا وحماسًا مني، تشد الشريط المربوط حول خصري بكل قوتها. 

لو لم يكن الأمر يتعلق بالأميرة، لما فكرت حتى في الذهاب إلى مثل هذا المكان. 

ربما كنت قد أكلت الكثير من الكعك بنية التمرد، لأن الشريط الذي تشده سيلفانا كان يضغط بشدة.

“آه، لا أريد فعل هذا.”

بمجرد أن انتهت سيلفانا من تهيئة ملابسي، جلست على الأريكة متمتمة. 

كانت هذه هي الحقيقة التي انزلقت مني دون قصد، تبًا.

لقد استسلمت لجمال الأميرة ووافقت بحماس، لكن فمي كان متسرعًا. 

فكرة الذهاب إلى هناك بدلاً من الاستلقاء والراحة جعلتني أشعر بالضيق.

“سيدتي، اليوم يوم مهم جدًا! أنا متحمسة لأنكِ ستلتقين بآنسات في عمركِ بعد وقت طويل!”

“سر بيني وبينكِ، أنا بخير حتى لو لم ألتقِ بهن.”

“هذا ليس سرًا.”

“حقًا؟”

ضحكت بخفة أمام نبرة سيلفانا الحازمة، ثم عدت لأعبس. 

الجميع يعرفني جيدًا. 

إذن، فليعرفوا هذا أيضًا: أنا لا أريد الذهاب!

مرت ساعة منذ وصولي إلى هذا المكان الذي لا أرغب فيه. 

والمدهش أنني لم أتسبب في أي مشكلة حتى الآن.

“أن أرى ابن الدوقة يوسبوف في صالون اجتماعي… أمر مدهش حقًا.”

مضغت بهدوء.

“بالفعل، لم تظهري في مثل هذه المناسبات من قبل، كنت أظن أنكِ لا تهتمين بهذه الأمور. أليس كذلك؟”

“هاها، كنت أفكر بنفس الطريقة. لكن بما أنكِ صديقة الأميرة، يمكنكِ الآن المشاركة بنشاط، أليس كذلك؟ بالطبع، لن يكون الأمر سهلاً.”

مضغت بهدوء. 

قررت عدم التحدث في هذا الصالون الاجتماعي، فأمسكت بقطعة كانولي أمامي وبدأت أتناولها، ناظرة بهدوء إلى الآنستين اللتين كانتا تتحدثان بحماس.

يا للروعة، إنهما تتحدثان كثيرًا!

فكرت أن هذا هو مستوى النبلاء الحقيقي، فنظرت إليهما بعيون مندهشة، ومرت الدقائق بسرعة. 

الآنسة رومانوف، ذات الشعر الأسود والعينين السوداوين، والآنسة إيلوين، ذات الشعر الوردي والعينين الزرقاوين، تحدثتا لمدة ساعة دون توقف، دون أن تتناولا حتى رشفة من الشاي أمامهما. 

بجانبهما، كانت الأميرة إيزابيلا تتناول شايها بملامح غير مبالية، تبتسم لي بين الحين والآخر، لكن وجهها كان يوحي بالملل الواضح.

“بالمناسبة، سمو الأميرة، أنتِ أيضًا لئيمة بعض الشيء. لو أخبرتموني أنكِ تريدين دعوة ابنة الدوق، كنت سأدعوها بنفسي دون إزعاج.”

تحدثت الآنسة رومانوف إلى إيزابيلا، التي كانت تجلس بملامح خالية من التعبير. 

لكن تلك الكلمات… 

لم أكن الوحيدة التي شعرت بعدم الراحة تجاهها. 

من الواضح أن الأميرة هي المضيفة لهذا الصالون.

‘يا لجرأتها!’

أردت أن أصفق للآنسة رومانوف التي تجرأت على قول هذا أمام أقوى الشريرات في هذا العالم. 

لكنني سمعت ضحكة خافتة من إيزابيلا، ضحكة سخرية واضحة، جعلت الأجواء تهدأ فجأة. 

تجمّدت الأجواء حول إيزابيلا، وعيناها الياقوتيتان الباردتان سيطرتا على المشهد. 

مذهولة من التغيير المفاجئ، توقفت عن المضغ، فمي مملوء بالكانولي، ونظرت إلى الثلاث نساء.

“هل تملك الآنسة رومانوف كل هذه القوة؟ بدلاً من هذه الهمسات، من الأفضل أن تستمعي إلى والدكِ.”

بهدوء متعجرف، رفعت إيزابيلا فنجان الشاي بأناقة. 

يبدو أن كلماتها أصابت الهدف، إذ ارتجفت الآنسة رومانوف، لكنها لم تستسلم، فرفعت رأسها بتحدٍ وابتسمت بمكر.

“نعم، بالطبع. لكن والدي لديه رأي أيضًا. هاها، إنه يؤمن بشدة أن سمو الأميرة، وجه الإمبراطورة، ستحافظ على الكرامة الملائمة.”
“…”

نظرت بسرعة إلى إيزابيلا بعد هذا التصريح الجريء من رومانوف، لكنها لم تقل شيئًا، مبتسمة ببرود. 

‘الأمور تزداد سوءًا.’

تعليقات عن سلوك الأميرة ووجه الإمبراطورة بنبرة كهذه! 

كنت أتمنى لو أن الأميرة، كشريرة حقيقية، تنفجر غضبًا أو تهدد بطريقة مخيفة، لكنها، رغم كونها الشريرة المزعومة، ظلت تتناول شايها بهدوء، مما جعلها تبدو وحيدة بشكل ما. 

على النقيض، نظرت الآنسة رومانوف وإيلوين بابتسامات متعجرفة، وكأنهما انتصرتا، مما أثار غضبي. 

أشخاص لا يملكون نصف قوة أو جمال الأميرة، كيف يجرؤون على التصرف هكذا؟ 

هذه المرأة هي خط الحياة بالنسبة لي! 

رغم أنها قد تصبح شريرة في المستقبل، لكن بالنسبة لي، الأميرة إيزابيلا الدافئة أهم بكثير من هؤلاء الثرثارات.

لذلك، وأنا أنظر إلى إيزابيلا والآنستين المتعجرفين، انزلقت الكلمات من فمي دون وعي:

“إذن، يبدو أن مظهر الماركيز رومانوف ليس بالجيد.”

“… ماذا قلتِ؟”

“فكرت فقط أن مظهر الماركيز رومانوف قد لا يكون مميزًا.”

ابتلعت الكانولي وبدأت أتحدث بوضوح.

“هل تقصدين أن والدي قبيح؟”

“يا إلهي، سيكون من المحرج أن تفهميها هكذا. أنا فقط استعرت كلماتكِ. يقولون إن الأبناء هم وجه آبائهم، لذا افترضت أن مظهر الماركيز ليس بتلك الروعة.”

“… هاه.”

ضحكت إيزابيلا بهدوء، وهي تتناول شايها بأناقة، محاولة كتم ضحكتها. 

بعد لحظات من التحديق في الفراغ، بدت الآنسة رومانوف وكأنها فهمت أخيرًا، فعضت شفتيها بغضب.

“يبدو أن كلام ابنة الدوق يحمل نية خفية، أم أنني أتوهم؟”

لم أرد أن أوافق على كلماتها المحتفظة بالهدوء بصعوبة.

“لا؟”

عندها، فقدت الآنسة رومانوف أعصابها، فقامت من مكانها وغادرت بسرعة، تلتها الآنسة إيلوين دون حتى أن تحيي أحدًا.

“…”

“…”

هدأت عينا آشا الخضراوان المتوهجتان، ولمست عينيها المحمرّتين من الغضب. ثم أمسكت بالكانولي بهدوء. 

مثل هؤلاء الآنسات لا يمثلن شيئًا بالنسبة لي. 

في الماضي، عندما كنت أتعرض للتنمر من أبناء عمومتي الطامعين، كان هذا لا شيء. 

على الرغم من أنني لا أحب استرجاع تلك الذكريات. 

عادت الحديقة التي كان يُقام فيها الصالون الاجتماعي إلى الهدوء، مع صوت مضغ آشا للكانولي وتنفس إيزابيلا الهادئ. 

نظرت إيزابيلا إلى آشا التي كانت تأكل بنهم، ثم مدّت يدها بلطف لتمسح عينيها المحمرّتين.

“… آشا، كنتِ رائعة.”

“لا، أنا لإ أطيق الظلم عندما أراه.”

فهمت إيزابيلا كلامها المكتوم بسبب فمها المملوء بالخبز، وتحدثت بنبرة مؤثرة:

“أنتِ حقًا…”

لم تكمل إيزابيلا جملتها، بل عانقت آشا بحرارة.

“ماذا؟”

“آشا، أعرف صدقكِ جيدًا. حتى لو كنتِ خائفة وأصبحت عيناكِ حمراوين، فأنتِ تفكرين بي.”

ماذا؟ 

نظرت إلى إيزابيلا التي كانت تنظر إليّ بعطف وفخر، ولم أستطع الرد لأن فمي كان مملوءًا بالخبز. 

لم أكن خائفة ولم تتحمر عيناي لذلك! 

لكن هذه الأجواء ليست سيئة. 

لم أقصد إثارة هذا التأثير، لكنني قررت أن أستمتع بهذه اللحظة العاطفية. 

نعم، أنا أبكي.

— ترجمة إسراء