ومع ذلك، أن يكون أميراً؟ لقد كان يشعر وكأن مكانته تركب أرجوحة هوائية، ترتفع وتهبط بسرعة مفرطة على الرغم من بعض المشاكل البسيطة، فإن ولادته وفي فمه ملعقة من فضة، لا، بل من ألماس، كانت شيئاً عظيماً بحد ذاتها كان وضعاً مبالغاً فيه بالنسبة لـبارك جين هو الذي قضى حياته كلها يتدحرج في الوحل.
**لهذا السبب لا يمكن الوثوق بالأوغاد الذين بلا أصل! هذه هي النتيجة عندما لا يتلقى المرء تربية عائلية لائقة!**
يتيم من دار رعاية تلك الصفة كانت دائماً تكبّله مهما حاول واجتهد، فقد كان عليه أن يتحمّل كل أنواع الظلم فقط لأنه لقيط بلا جذور، لا يعرف حتى من هم والداه.
“أميرٌ…”
حين أظلم الخارج، انعكست ملامحه على زجاج النافذة ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي آيدان وهو يتمتم ناظراً إلى انعكاسه، ثم عادت ملامحه إلى حالها مهما فكر بالأمر، فقد كانت هذه فرصته الثانية في الحياة، وضربة حظٍ نادرة سقطت في حجره.
أما حقيقة وجود أعداء يهددون حياته؟ فلم تثر في نفسه أي شعور كيف يمكن أن يثير ذلك شيئاً فيه، وقد كان في حياة بارك جين هو أعداء أكثر بكثير؟ لم يكن بارك جين هو قادراً حتى على إطفاء الأنوار أثناء نومه كان يعيش متوتراً على الدوام، لا يعلم من الذي قد يحاول قتله في الظلام.
كما أن عدم معرفته من العدو ومن الحليف داخل القصر الإمبراطوري لم يكن شيئاً جديداً فـبارك جين هو عاش أيضاً دون أن يثق بأحد وفي النهاية، لقي حتفه مطعوناً على يد ذلك الرجل الذي تطوع ليكون ذراعه اليمنى، فماذا يمكن أن يقال أكثر من ذلك؟
لذا، ومهما نظر إلى الأمر، كانت حياة آيدان أفضل من حياة بارك جين هو، أو على الأقل ليست أسوأ منها فهنا كان يمتلك أصلاً وجذوراً ومكانة محددة.
جذور حين تأمل تلك الكلمة، خرجت منه ضحكة ساخرة كان من المضحك أن يكون الأب الذي يخون زوجته علناً هو الإمبراطور يبدو أنه حين تكون إمبراطوراً، يمكنك أن تتخذ عشيقة علناً وتنجب منها أيضاً والأكثر سخرية أن حتى مثل تلك الجذور كانت أفضل من انعدامها تماماً.
لقد عاش بارك جين هو حياة أشد قسوة من أي شخص آخر ليعوّض ما ينقصه كان يصرّ على الدراسة بكل ما أوتي من قوة، لأنه كان يكره تلك النظرات المليئة بالتحيّز التي تقول إنه كذلك فقط لأنه يتيم.
تحمّل كل الصعاب عندما قال له من حوله إن الأمر مستحيل، وإن عليه أن يتخلى عن حلمه لأنه لا يملك مالاً كافياً لدفع الرسوم الدراسية كان يأخذ إجازات من الجامعة ثم يعود، ويتنازل عن نومه ليعمل بدوام جزئي كي يدفع نفقات دراسته.
ورغم ذلك، لم تتراجع درجاته قط عاش بعزيمة جعلت الجميع يصفونه بالوحشية كان يؤمن بأنه إن عاش على هذا النحو، فإن شيئاً ما سيتغير، وأن الناس سيغيّرون نظرتهم إليه إذا تخرّج من جامعة مرموقة وحصل على وظيفة محترمة رغم كونه يتيماً…
لكن الواقع كان أكثر قذارة مما تخيّل.
**لابد أن ذلك الوغد هو الفاعل! لقد نشأ بلا شيء، فلابد أنه جنّ بسبب المال!**
عندما اندلعت فضيحة اختلاس في شركة الأوراق المالية التي التحق بها بشق الأنفس، أشار إليه زملاؤه كمذنب دون تردد، حتى قبل أن تبدأ الشرطة تحقيقها والسبب؟ لأنه يتيم فقط لذلك، كان على بارك جين هو أن يصبح المختلس.
كانت الحياة حقيرة بحق فالولادة أمر لا يمكن تغييره بالجهد، ومع ذلك، كانت تلك الحقيقة تعيقه في كل مرة.
وإن كان أمراً لا يمكن تغييره مهما حاول، وإن كان سيُعامل كالنفايات مهما اجتهد، فقد رأى أنه لا بأس إن عاش في القاع.
**سمعت أنك بارع في إدارة المال؟ تعال واعمل لديّ، سأعاملك جيداً.**
السبب في أنه لم يرفض اليد التي امتدت نحوه في تلك اللحظة لم يكن إغراء العرض، بل كان انتقاماً من العالم بأسره.
لكن ذلك القاع كان حقيراً أيضاً كان صحراءً موحشة مليئة بأناسٍ يمزق بعضهم بعضاً طمعًا في القليل من المكاسب.
وقد نجا بارك جين هو في ذلك العالم وصعد حتى أصبح اليد اليمنى للزعيم مقارنةً بذلك المشهد، كان صراع السلطة داخل العائلة الإمبراطورية أشبه بمزحة.
***
زارت كارينا قصر آيدان في وقتٍ مبكرٍ من الصباح كان الخدم، الذين لم يتوقعوا أن تأتي مجددًا اليوم بعد زيارتها بالأمس، في حالة ارتباك، لكن بدا أنهم يحملون بعض الأمل في أن تتحسن العلاقة بين آيدان وكارينا، تلك العلاقة التي كانت فوضى منذ بدايتها.
قالت كارينا وهي تدخل غرفة نوم آيدان مترددة قليلًا
“ما أحضرته هو… أُه…”.
ثم نظرت حولها وأشارت إلى السرير قائلة للخادم الذي تبعها
“ضَعْه هنا.”
“هـ… هنا؟”
تردد الخادم في تنفيذ أمرها كان المكان عند طرف السرير حيث ينام آيدان وكان من الطبيعي أن يتردد، متسائلًا إن كان من اللائق وضع شيء هناك بهذه البساطة.
“لا بأس، ضعه.”
عندما كررت كارينا أمرها، وضع الخادم ما كان يحمله على السرير كما لو لم يكن أمامه خيار آخر.
سأل آيدان بنظرة متحيرة وهو يرى لفائف الورق الملقاة عند قدميه
“ما كل هذا…؟”
تجاهلت كارينا نظرته، وصرفت الخادم الذي تبعها، ثم أغلقت باب غرفة النوم أولًا.
“هذا مفاجئ بعض الشيء ألا توجد تحية حين ترين وجهي أولًا؟”
وأشار بعينيه إلى اللفائف المكدسة على السرير.
“لأن هذا أكثر إلحاحًا من تحية سموّك.”
ثم أمسكت بإحدى اللفائف المربوطة بخيط ذهبي، وفكّتها لتُريه ما بداخلها.
“هذا هو جلالة الإمبراطور.”
عند كلماتها، اتجهت عينا آيدان نحو اللفافة كانت تحتوي على صورة لرجلٍ في منتصف العمر الإمبراطور؟ نظر إليها مستفسرًا بعينيه، فأومأت له كما لو كانت تتوقع سؤاله.
ثم تابعت قائلة وهي تفتح لفافة أخرى مربوطة بخيط ذهبي وترفعها أمام وجهه
“وهذه هي جلالة الإمبراطورة.”
“لا تخبريني أن هذه كلها صور للنبلاء الذين يأتون ويغادرون القصر الإمبراطوري؟”
“أسماء أصحاب الصور وألقابهم مكتوبة على ظهر كل لوحة، لذا عليك أن تحفظها جميعًا دون أن تفوّت واحدًا.”
كان هذا أول ما ينبغي فعله إذا كان قد قرر العيش في هذا القصر الإمبراطوري متظاهراً بأنه آيدان فالأعذار من قبيل فقدان الذاكرة بسبب الإصابة لن تنطلي هنا وإذا اكتشف الناس أن آيدان لا يستطيع حتى تمييز وجوه النبلاء بشكل صحيح، فسيكون هناك من يحاول الإطاحة به بكل وسيلة ممكنة.
نظر آيدان أيابًا وذهاباً بين الإمبراطور والإمبراطورة في اللوحات، ثم رفع رأسه لينظر إلى كارينا ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة مائلة في هدوء.
“أن تجمعي كل هذا في يومٍ واحد فقط، فهذا يدل على أنكِ أكثر كفاءة مما كنت أظن.”
عقدت كارينا حاجبيها عند سماع كلماته، غير متأكدة مما إذا كان يسخر منها أم يمدحها.
“ليس هناك مكان تقريباً لا تصل إليه يد عائلة دوق هيويت.”
حين جاء الدوق هيويت بالأمس، كانت قد طلبت منه أن يجمع لوحاتٍ لجميع النبلاء الذين يرتادون القصر الإمبراطوري ولحسن الحظ، ظنّ الدوق أن هذا أمرٌ تحتاجه كارينا من أجل حياتها المستقبلية في القصر، وعندما قالت إنها تود الحصول عليها بأسرع وقت ممكن، جمع لوحات معظم النبلاء في ليلةٍ واحدة وأرسلها عند الفجر.
عند سماع كلامها، أطلق آيدان همهمة طويلة من أنفه، وبدأ يفرد اللفائف واحدة تلو الأخرى، متفحصاً الوجوه المرسومة في اللوحات، والأسماء والألقاب المكتوبة في ظهرها.
“من المؤسف أنها ليست واضحة كالصوَر الفوتوغرافية هل أنتِ متأكدة أن من رسمها ماهر؟ سيكون الأمر مزعجاً إن لم تتطابق الوجوه الحقيقية مع ما سأحفظه من هذه الرسومات.”
“لا أظنها سيئة إلى الحد الذي يجعلك غير قادرٍ على تمييزهم طالما أن نظر سموّك ليس الأسوأ.”
عند ردها اللاذع بعض الشيء، ضحك آيدان بخفة وهو يحدّق بها، ثم خفّض نظره ليفرد اللفافة التالية.
“آه…”
تأوّه وهو ينحني ليلتقط لفافة كانت موضوعة في مكان بعيد عن متناوله، فارتسمت على وجهه ملامح ألمٍ واضحة اتجهت أنظار كارينا إليه على الفور، وتحديداً نحو بطنه ورغم أن قميصه كان يخفيه، إلا أنها كانت تعلم منذ الأمس أن ضماداً يلفّ تلك المنطقة تحته.
“تفضل.”
جمعت جميع اللفائف الموضوعة بعيداً وسلّمتها له حتى لا يضطر للانحناء أكثر وعندما مدّ آيدان يده ليتناولها، لامست أصابعه يد كارينا لبرهة تفاجأت من الملامسة غير المتوقعة، فارتجفت قليلاً دون قصد، فرفع آيدان رأسه ينظر إلى وجهها.
“لا تخبريني أنكِ تتصرفين هكذا لمجرد تلك اللمسة الطفيفة؟”
تسللت إلى شفتيه ابتسامة ماكرة، بينما أدارت كارينا رأسها مبتعدة، متجنبةً نظراته دون أن تجيب.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"