لهذا السبب كانت كيت سبنسر تتشبث بكارينا.
إذا كانت العائلة الإمبراطورية ترى في الطفل غير الشرعي لآيدان مصدر إزعاج لها، فقد يُصبح هدفاً للاغتيال في أي لحظة.
ومع ذلك، لم يكن لدى كارينا أي سبب لتقبل توسلاتها رفضتها ببرود، وأمرتها ألا تأتي مجدداً.
**ألا يمكنكِ تبنّي الطفل؟**
إلى أن نطق آيدان بتلك الفكرة السخيفة، كانت كارينا تحاول بكل جهد أن تتجاهل الأمر تماماً.
وحين عادت تلك الذكريات لتطفو بوضوح، لم تبدُ كيت سبنسر الواقفـة أمامها الآن شخصاً يبعث على الارتياح.
وعند التفكير في الأمر، في حياتها السابقة، حين تعرّض آيدان لهجوم، كانت هذه المرأة أول من جاء لزيارته، وبقيت إلى جانبه لأيام.
هل عليّ أن أقطع الأمر من جذوره الآن؟
إن لم تحمل كيت بطفل من آيدان فقد لا تقع الحادثة التي اتُّهمت فيها أنا وعائلة هيويت، مع آيدان بالخيانة والإبادة.
تساءلتُ إن كان تجاهلي لوجودها طويلاً، حفاظاً على كبريائي، هو أصل المشكلة من البداية.
“الآنسة كيت سبنسر.”
كان صوت كارينا هادئاً لكنه حازم.
وكأن كيت لم تتوقع أن تناديها كارينا باسمها بهذه الدقة، إذ ارتجفت وانحنت برأسها.
في هذا التوقيت، لم تكن كارينا قد التقت بها من قبل.
فعلى الرغم من أن كيت سبنسر ظهرت في المجتمع عند بلوغها الثامنة عشرة، إلا أن طريقيهما لم يتقاطعا بشكل غريب.
عرفت كارينا بوجودها بعد حفل الزفاف مباشرة، لأنها كانت المرأة التي التقى بها آيدان سراً في ليلة الزفاف.
بعد ذلك، التقتا بضع مرات في الولائم الإمبراطورية، لكن كارينا لم تبادر يوماً بالكلام معها.
وكيت سبنسر، ربما بسبب علاقتها بآيدان كانت حريصة على ألا تلتقي بنظرات كارينا ولذا، في هذه اللحظة التي لم يلتقيا فيها رسمياً بعد، بدا من الواضح أن كيت تفاجأت بمعرفة كارينا الدقيقة لها.
بالنسبة لكيت سبنسر، كانت هذه أول مواجهة مع كارينا، أما بالنسبة لكارينا، فكان وجهاً رأته بما يكفي لتتذكره جيداً، حتى وإن لم ترغب بذلك، طوال ثلاث سنوات.
لكن كيت بدت أصغر بكثير من الصورة التي تحفظها عنها في ذاكرتها.
وبالطبع، فهي الآن لم تتجاوز التاسعة عشرة.
“أنتِ تعرفين من أكون، أليس كذلك؟”
“ن-نعم، صاحبة السمو، ولية العهد.”
وعلى الرغم من أنهما لم تلتقيا من قبل، إلا أن حفل الزفاف كان بالأمس فقط، فلا بد أنها تعرف وجه كارينا.
“إذن لا بد أنكِ تدركين مدى وقاحتكِ الآن.”
ارتجفت كيت سبنسر عند سماع الصوت البارد، لكنها سرعان ما رفعت رأسها لتنظر إلى كارينا.
“لم أكن أعلم أنكِ هنا، يا صاحبة السمو حقاً.”
هل يُعدّ ذلك عذراً الآن؟
سواء كانت كارينا هنا أم لا، لم يكن ينبغي لكيت أن تكون في هذا المكان أصلاً.
“عودي أدراجك لستُ أعلم منذ متى أصبح القصر الإمبراطوري مكاناً يدخله أي أحد.”
وبعد هذا التوبيخ الجليدي، أومأت كارينا برأسها للحراس ليعيدوها.
اقترب الفرسان الذين كانوا يراقبون ردة فعل كارينا من كيت، وحثّوها على المغادرة، لكنها دفعت أيديهم بعيداً.
“أرجوكم، دعوني فقط أطمئن على حال سموّه!”
عند هذا الرجاء المفاجئ، ظهرت تجعيدة خفيفة بين حاجبي كارينا.
وبينما أخذت نفساً عميقاً بهدوء، أعادت نظرها نحوها.
“أنا قلقة حقاً أرجوكِ.”
كانت عينا كيت تلمعان بالدموع ما الذي كان رائعاً في آيدان إلى هذا الحد؟ لم تستطع كارينا أن تفهم تلك المشاعر إطلاقاً.
“صاحب السمو يستريح الآن حالته ليست خطيرة إلى الدرجة التي تستدعي قلق الآنسة سبنسر، لذا يمكنكِ أن تطمئني وتعودي أدراجك.”
“أرجوكِ، دَعيني أرى صاحب السمو.”
جثت كيت على ركبتيها تتوسل، فتصلّب وجه كارينا عند هذا الطلب المفرط.
كيف يمكنها أن تكون بهذه الوقاحة حتى وإن كانت صغيرة في السن؟
ألم يعلّم آل سبنسر ابنتهم أدب التصرف؟ أم أنها قررت أن تسعى لنيل مكانة عشيقة بعدما رأت أنه لا توجد مشاعر بين كارينا وآيدان على أي حال؟
سواء كانت غبية أم تفتقر إلى التهذيب، فالنتيجة واحدة.
“ألم تسمعي ما أقوـ—!”
“يا صاحب السمو!”
قبل أن تتمكن كارينا من إنهاء جملتها، نادت كيت بصوت عالٍ نحو آيدان.
وفي اللحظة نفسها، حاولت أن تدفع الحراس لتتخطاهم وتدخل غرفة آيدان.
حتى كارينا نفسها، التي لم تتوقع أن تصل بها الجرأة إلى هذا الحد، بدت مذهولة.
كيف لابنة كونتٍ بسيطة أن تحاول اقتحام غرفة ولي العهد بهذه الوقاحة؟
“ما الذي تفعلونه!”
صرخت كارينا في وجه الحراس، وعندها فقط تحرك اثنان منهم بسرعة للإمساك بذراعي كيت.
وبفضل ذلك، لم تتمكن كيت، التي كانت تحاول دخول الغرفة، إلا من مواصلة مناداة آيدان بصوت يائس
“يا صاحب السمو!”
“لماذا مَن يحرُس غرفة ولي العهد بهذا القدر من الإهمال؟!”
عند انتقاد كارينا لهم، تبادل الحراس النظرات ثم خفضوا رؤوسهم بخجل.
“الأمر هو… أن صاحب السمو كان يسمح أحياناً للآنسة سبنسر بدخول غرفته، لذا…”
تنهدت كارينا عند سماع هذا العذر الذي قيل بصوت خافت بالكاد يُسمع.
أتُراه كان يسمح لها بالدخول إلى غرفته؟
مهما كانت زيجتهما خالية من المشاعر، فكيف يجرؤ، بصفته أميراً، على تصرف طائش كهذا؟
استدارت نحو الغرفة وقد اشتعل الغضب في صدرها، لكنها لم تستطع الدخول ومواجهته.
فالشخص الذي بداخلها الآن لم يكن آيدان الذي كان يعقد لقاءات سرية مع كيت سبنسر.
“آآااه!”
عند الصرخة المفاجئة، التفتت كارينا لترى كيت تعض ذراع أحد الحراس لتحرر نفسها من قبضته، ثم تهرع راكضة نحو الغرفة.
وبينما وقف الحراس مذهولين من تصرفها غير المتوقع، لحقوا بها متأخرين إلى الداخل.
“يا صاحب السمو!”
رفع آيدان، الذي كان جالساً على السرير، رأسه لينظر إليها بتعبير يملؤه الذهول أمام هذا الاقتحام المفاجئ.
“يا صاحب السمووو…”
اختنق صوت كيت حين التقت عيناها بعيني آيدان.
حاول الفرسان الذين اندفعوا إلى الداخل سحبها للخارج، لكن آيدان رفع يده آمراً إياهم بالتوقف.
تبادل الفرسان النظرات مع كارينا قبل أن يتراجعوا بصمت.
“لا تعلم كم كنت قلقة عليك، يا صاحب السمو لو حدث لك شيء، أنا… هاهق…”
انهمرت الدموع على خدي كيت.
“أنا آسف، ولكن…”
تحدث آيدان الذي كان يحدّق بها
“من أنتِ…؟”
تجمدت الدموع في عيني كيت فجأة كما لو أصابها الصدمة.
أما كارينا، التي كانت تقف خلفه، فتنهدت في داخلها بصمت.
“إنها أنا! كيت سبنسر!”
“كيت سبنسر؟”
بدا على آيدان أنه لا يعرفها إطلاقاً.
وهذا طبيعي، طالما أن الروح في ذلك الجسد لم تكن روح آيدان الأصلية.
“في الليلة الماضية، نحن…!”
“آه.”
قاطعها آيدان ببرود.
“يبدو أنكِ صاحبة لسان منفلت.”
اتسعت عينا كيت أكثر عند كلماته التي ألقاها بلا مبالاة.
“أظن أنني قلت لكِ إن الأمر سرّ.”
قد يبدو كلامه للآخرين كما لو أنه يؤكد بأنه أوصاها بكتمان السر، لكن بالنسبة لكارينا، بدا كأنه يخمّن ما دار بين الأمير وعشيقته السرّية.
وربما كان محقاً، فمن الطبيعي أنه قد قال لها إن العلاقة يجب أن تبقى سريّة.
فلم تكن بينهما علاقة يمكن إعلانها أمام الناس.
“حتى لو كان ما تقولينه صحيحاً، فأنا لا أتذكّر كل امرأة قضيتُ معها ليلة.”
“يـ-يا صاحب السمو…؟”
“هلّا توقفتِ عن وقاحتكِ مع زوجتي وغادرتِ المكان؟”
عند هذه الكلمات، انهارت كيت على الأرض يائسة،ربينما وضعت كارينا يدها على جبينها لسبب مختلف تماماً.
كان من الجدير بالثناء أنه تدارك الموقف دون أن يثير الشبهات حول تغيّر روحه، لكن… أسلوب حديثه، هذا الأسلوب المزعج في الكلام، كان المشكلة الحقيقية.
كلماته مثل لسان طائش و اخرجي من هنا، كانت فظة للغاية.
وبمجرد أن أصدر آيدان أوامره، قام الفرسان بسحب كيت سبنسر التي سقطت على الأرض، وجرّوها إلى الخارج بالقوة.
راقبت كارينا ظهورهم وهم يغادرون، لكنها شعرت بنظرة مسلّطة عليها، فاستدارت لتقابل عيني آيدان.
كان وجهه يحمل ملامح انتصار واضحة.
“ألا تظنين أنني تعاملت مع الموقف جيداً؟”
عند سؤاله الذي بدا وكأنه ينتظر المديح، كتمت كارينا تنهيدة ثقيلة.
“يبدو أن الآنسة سبنسر لن تشكّ في أن روح سموّك قد تغيّرت، ولكن في المقابل، قد تصبح الشائعات حول نزوات سموّك النسائية أكثر إثارة وتفصيلاً.”
قالت ذلك، لكن بالنسبة لكارينا، لم تكن الشائعات عن علاقات آيدان النسائية هي المشكلة الحقيقية.
ما جعل رأسها يؤلمها هو إدراكها أنها ستضطر إلى البدء فوراً بتعليمه آداب الحديث والسلوك من جديد.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"