كان ذلك صحيحاً، لكن آيدن الحقيقي لم يفكر بهذه الطريقة قط لقد عاش طوال حياته خائفاً من أن يهدده الإمبراطورة إن برز ولو قليلاً كان يؤمن بأن بإمكانه تجنب تهديداتها إن هو خفض من شأنه وأظهر أنه لا رغبة له في أن يصبح إمبراطوراً، وأنه لا يشكّل عائقاً في طريق لويد
“كما تعلِمين، أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.”
كان الأمر غريباً حقاً فبدلاً من آيدان الأصلي، الذي عاش وتعلّم طوال حياته كأمير ووريث شرعي للعرش…
“لذا عليّ أن آخذ ما أريده قبل أن يُنتزع مني.”
لماذا بدا هذا الرجل أكثر شبهاً بالأمير من آيدان نفسه؟
“تجعل الأمر يبدو سهلاً أتظن أنك ستصبح إمبراطوراً لمجرد أنك ترغب في ذلك؟”
كان أمام آيدان جدار هائل لويد والإمبراطورة ولحسن الحظ، لم يكن الإمبراطور قد انحاز بعد لأيٍّ من الأميرين، ولم يعلن من سيكون الوريث الرسمي للعرش وعلى الرغم من أن الإمبراطورة كانت صاحبة نفوذ حيّ، فإن دوقية هيويت وعدداً من الأسر النبيلة البارزة ما زالوا يدعمون آيدان، مشككين في شرعية لويد
ليس بالأمر السهل، لكنه ليس مستحيلاً، أليس كذلك؟ ما دمت قد ولدت وفي فمي ملعقة من ألماس، فعليّ أن أحاول الحصول على ما أستطيع.”
ملعقة من ألماس؟ رغم أن بعض كلماته كانت غريبة وغير مفهومة تماماً، إلا أن طموحه كان واضحاً جلياً.
ذلك القدر من الثقة وحده ربما جعل هذا الرجل أنسب لأن يكون أميراً أو إمبراطوراً من آيدان الأصلي مع أنني لست متأكدة بعد مما إذا كان يملك من القدرة ما يوازي ثقته.
نصف عام… أعادت كارينا التفكير في المدة التي اقترحها إن أظهر هذا الرجل، بخلاف آيدان سلوكاً يليق بأمير حقيقي، فهل سيتغير شيء؟ حتى إن سارت الأمور كما كانت من قبل، فلن تخسر شيئاً، إذ ستكون مطلقة ومنفصلة عن العائلة الإمبراطورية بعد نصف عام.
“إن كنت ترغب في أن يعترف بك كوريث شرعي للعرش، فسيكون أمامك الكثير لتفعله من الآن فصاعداً، والكثير لتتعلمه.”
أول ما يجب إصلاحه هو طريقته في الكلام وتصرفاته؛ فهما يفتقران إلى الوقار اللائق بأمير لو ظهر أمام الإمبراطورة بهذا الشكل، فسترتاب فيه على الفور على الأقل خلال نصف العام الذي ستبقى فيه في القصر الإمبراطوري، كانت تأمل ألا تقع أي حوادث فقد كان يراودها شعور مشؤوم بأن هذا الرجل قد يسبب المشاكل بطريقة مختلفة تماماً عن آيدان الذي في ذاكرتها.
“لهذا السبب قلت إنني بحاجة إلى مساعدتك، يا كارينا.”
نطق اسمها بنبرة أكثر دفئاً وتودداً من ذي قبل، وكأنه يتعمد ذلك.
أي شخص يسمعه كان ليظن أنه يفيض حباً وحناناً تجاهها.
ابتلعت كارينا الإحساس الحاد المزعج الذي ارتفع في حلقها، وحوّلت نظرها بعيداً عنه.
“هل أعتبر هذا موافقة؟”
قال آيدان إنه سيتعامل مع عدم رفضها باعتباره جواباً إيجابياً وفي كل الأحوال، لم يكن أمام كارينا أي خيار لم تكن تأمل إلا أن تمر الأشهر الستة القادمة بسلام.
“لقد قلت كل ما أردت قوله، لذا سأغادر الآن.”
لم يكن من الخطأ أن تبقى، بصفتها ولية العهد، في غرفة نومه، ولكن ذلك جاء مباشرة بعد أن تخلّى عنها في ليلة الزفاف مجرد وجودها هنا الآن قد يثير الكثير من الهمسات بين الناس في الخارج.
“أترحلين بالفعل؟”
سأل آيدان بنبرة يملؤها الندم.
آه… لا أستطيع أن أعتاد على هذا أبداً، أن يُظهر آيدان الندم تجاهي.
“إن شعرت بالملل، فاطلب من أحدٍ في الخارج أن يجلب لكِ بعض الكتب لتقرئها”
كانت ملاحظة عابرة بلا تفكير، لكن آيدان أصدر صوتاً خافتاً يدل على التفكير ثم أضاف أنه يفضّل كتب التاريخ والجغرافيا إن أمكن قال إنه بما أنه أمير، فعليه أن يبدأ ببناء معرفة أساسية عن بلاده، مما جعل كارينا تندهش مرة أخرى.
**هل ستذهبين إلى المكتبة؟ ربما يجدر بك أن تذهب لاحقاً قليلاً…**
كانت بيرنيس قد منعت كارينا ذات مرة من الذهاب إلى مكتبة القصر الإمبراطوري.
**في الواقع… صاحب السمو هناك الآن…**
كان من المفاجئ أن يكون آيدان في المكتبة فلم يسبق لي أن رأيته يقرأ كتاباً واحداً، فما الذي تغيّر فجأة؟
**وما علاقة وجود صاحب السمو هناك بعدم قدرتي على الذهاب الآن؟ هل أغلق المكتبة واحتكرها لنفسه**
حتى وهي تسأل، بدا الأمر لها سخيفاً ما الذي قد يدفع آيدان لفعل شيء كهذا؟
لكن عند سؤالها، تحركت عينا بيرنيس بتوتر واضح وكأنها مترددة في الكلام.
**بيرنيس، لا تخفي الأمر، قولي الحقيقة.**
وحين ألحّت قليلاً، فتحت بيرنيس فمها على مضض وقالت إن صاحب السمو كان يلتقي الآن بالسيدة الشابة من عائلة سبنسر في المكتبة، ولهذا منع الآخرين من دخولها.
بالنسبة لـآيدان كانت المكتبة مكاناً كهذا — ليست مكاناً للقراءة، بل مكاناً يلتقي فيه سراً بعيداً عن أعين الناس.
تذكّرت ذلك الآيدان ، فكان آيدان الحالي، الذي يطلب كتب التاريخ والجغرافيا، بمثابة صدمة جديدة لها.
حسناً… ربما يكون هذا أفضل من ذي قبل.
“سأجعلهم يرسلون إليك بعض كتب التاريخ والجغرافيا الجيدة.”
“شكر—”
بانغ!
قاطع صوتٌ مرتفع كلمات آيدان التفت آيدان وكارينا معاً نحو المدخل الذي صدر منه الصوت، وسرعان ما تلا ذلك صوت أشخاص يتحدثون.
نظرت كارينا إلى آيدان، ثم تذكّرت أنه مريض لا يستطيع الحركة، فأطلقت تنهيدة خفيفة قبل أن تستدير.
“ما الذي يحدث؟”
فتحت الباب وسألت، فحدّق بها الفرسان الواقفون أمام الغرفة بوجوه متوترة.
انتقلت نظرات كارينا متجاوزة إياهم إلى الشابة الواقفة خلفهم.
“كيت سبنسر.”
السبب في أن آيدان تخلى عنها في ليلة زفافهما، وشريكته في اللقاءات السرّية.
قبضت كارينا قبضتها دون أن تشعر، وشعرت بكتلة حارة من العاطفة ترتفع من أعماق حلقها.
قبل عودتها بالزمن، كانت تعتقد أن ليلة الزفاف لا أهمية لها إطلاقاً وحتى في تلك اللحظة، لم تكن تكنّ أي مشاعر خاصة تجاه كيت سبنسر، تلك التي كانت شريكة آيدان في لقاءاته السرّية فقد كانت الشائعات قد ربطت آيدان بعد ذلك بعدة فتيات أخريات.
ومع ذلك، كانت كيت سبنسر تختلف قليلاً عن سائر أولئك الفتيات فعلى عكس الأخريات اللواتي كنّ يغضبن ويشعرن بخيبة الأمل ثم يبتعدن كلما غيّر آيدان شريكته، ظلت كيت سبنسر تحوم حوله باستمرار وربما بسبب ذلك الإخلاص المستميت، انتهى بها الأمر إلى أن تحمل بطفل من آيدان
**الطفل في أحشائي هو بلا شك من دم صاحب السمو، لذا أرجوكِ، احمي هذا الطفل.**
كيف كان ينبغي لها أن تتصرف عندما جاءت كيت سبنسر ترجُوها المساعدة؟ حتى كيت سبنسر، التي لم ترَ أحداً غير آيدان طوال حياتها، رأت أن الشخص القادر على حماية الطفل في رحمها لم يكن آيدان، بل كارينا هيويت، فجاءت إليها ترجُوها المساعدة.
بصراحة، كان الأمر مثيراً للسخرية ويدعو إلى الغضب.
لماذا كان عليها أن تستمع إلى مثل هذا الطلب السخيف من عشيقة زوجها؟
كانت النار تغلي في صدرها، وكان من الصعب عليها حتى أن تحافظ على هدوئها.
**لا أفهم لماذا تطلبين مني حماية طفلك ذلك الطفل سيحمل اسم عائلتك، سبنسر، لا غريفيث.**
كانت تلك الكلمات تعني أنها لا تعترف بالطفل في رحمها بوصفه ابن آيدان
توسّلت إليها كيت سبنسر بعينين دامعتين ألا تتخلى عنها وعن طفلها.
لكن سواء كان يجب التخلي عنهما أو حمايتهما، فالأمر لم يكن يعني كارينا في الأصل.
فـآيدان هو من تسبب بالمشكلة، لا هي.
فعندما تلد عشيقة الإمبراطور طفلاً، إذا كانت مكانتها الاجتماعية معروفة ومؤكدة، فقد يُعترف ضمنياً بالطفل بوصفه من دم الإمبراطور، رغم أنه لا يُمنح رسمياً لقب أمير.
كان لويد مثالاً واضحاً على ذلك.
لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة لطفلٍ غير شرعي للأمير.
فإمبراطورية غريفيث كانت تعاني من قلة الورثة إلى حدٍ كبير، ولهذا كان الاعتراف بأبناء الإمبراطور غير الشرعيين يُعدّ إجراءً احتياطياً لتأمين وجود ورثة محتملين في حالات الطوارئ.
أما بالنسبة لطفلٍ غير شرعيٍّ لأمير، ولا سيما لأميرٍ لم يُعترف به رسمياً بعد كوريثٍ للعرش، فلم يكن لذلك أي معنى.
بل على العكس، إن لم يعتلِ ذلك الأمير العرش الإمبراطوري، كان يُنظر إلى وجود طفلٍ غير شرعيٍ له على أنه مجرد بذرة جديدة للاضطرابات.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"