ناول كارينا حِزمةً من الزهور كانت أزهار فريزيا صفراء زاهية.
“قال إن الفريزيا ترمز إلى البدايات الجديدة.”
عند هذا التعليق ذي الدلالة، نظرت كارينا إلى كاي.
“أعتقد أنّ هذا اليوم سيكون كذلك لسموّه.”
هو أيضاً لم يكن يعلم نوايا آيدان على وجه اليقين، بل لا يملك سوى التخمين.
بداية جديدة.
وما إذا كانت تحمل معنى حسناً أم سيئاً، فلم يكن معروفاً بعد.
فإنْ أدّى أداءً جيداً في بطولة الفرسان التي سيشاهدها الإمبراطور وجميع الوزراء، فستكون فرصةً مناسبة لمحو صورته السابقة بوصفه عديم الجدوى.
ولكن إن حدث العكس، وإن خسر في المباراة الأولى، فلن يؤدّي ذلك إلا إلى تعزيز رأي المعارضين بأن آيدان أمير عديم الجدوى.
“هل ستحضر صاحبة سمو أيضاً؟”
سأل كاي.
“سأتناول فطوراً سريعاً مع الأميرة إيلينا أولاً وبمجرد أن تبدأ بطولة الفرسان، فلا أحد يعلم متى ستنتهي.”
“سأرافقكِ إلى الملحق.”
“لا داعي لأن تتكلف…”
“أعلم أنّ العديد من فرسان السيدة يشاركون في البطولة اليوم وبما أنّ الحراسة قد تضعف، فقد أمرني سموّه بحمايتكِ حتى تنتهي البطولة.”
لم تستطع الرفض بعد أن سمعت أنّه أمرٌ من آيدان.
“انتظر قليلاً سأستعدّ وأخرج.”
عادت إلى غرفة النوم المتصلة بغرفة الاستقبال، وطلبت من خادمتها إعداد ثياب لتبديلها وبينما كانت تضع باقة الفريزيا التي أرسلها آيدان على الطاولة، اكتشفت بطاقة بداخلها.
[شكراً على ما حدث البارحة ، نمتُ جيداً بفضلك.]
كان محتوى البطاقة بسيطاً.
في الليلة الماضية، وما إن عادت كارينا إلى قصرها، حتى كلّفت بيرنيس بتسليم رسالة مختومة بخاتمها إلى طبيب عائلة هيويت.
وقد طلبت منه الحصول على ترياق لمضادّ الشهوة دون طرح أسئلة ودون أن يعلم أحد وبعد نحو ساعة، حصلت بيرنيس على الترياق وسلّمته إلى كاي في الحال شرحت له الوضع باختصار وأخبرته أن يعطيه لآيدان.
مع أنّ آيدان قال إنه بخير وإنه قادر على تحمّل الأمر وحده، إلا أنّها لم تستطع أن تطمئن.
فهي لم تظن أنه سيجنّ برغبة جامحة ويغادر جناحه، ولكن إن عانى من الحمى طوال الليل، وحتى بعد زوال مفعول الدواء، فلا بدّ أنّ ذلك سيؤثر على أدائه في بطولة اليوم.
وفوق كل شيء، فقد كانت قلقة بشأن حالته لم تستطع الوقوف مكتوفة اليدين وهي تتذكّر كيف كان يضغط قبضتيه حتى تبيّض مفاصله ويتصبّب عرقاً بارداً.
ولحسن الحظ، يبدو أنّ الدواء قد نجح ارتسمت ابتسامة على وجه كارينا عند قراءتها كلماته عن نومه الهانئ.
‘ما أريده هو كارينا هيويت نفسها، لا مجرد جسدك.’
تذكرت كيف قاوم حتى النهاية، وكافح ليضبط نفسه محاولاً إبعادها رغم معاناته.
كان عليها أن تعترف بأن إرادته مبهرة وصبره كذلك وإن كان هو من هذا النوع من الرجال…
‘هل تودّين مواعدتي؟’
رفرف قلبها عند صوته الذي بدا أنه يتردد صداه في أذنيها.
***
تسرّبت أشعة الشمس عبر الفجوات بين الستائر التي تغطّي النافذة بدا خيط الضوء الرقيق أكثر سطوعاً حين لامس عينيه لويد، الذي غطّى عينيه بيده، ابتسم وعيناه مغمضتان حين أحسّ بحركةٍ بجانبه.
في الليلة الماضية، حصل على ما كان يريده أكثر من أي شيء فمع أنّ الجميع قالوا إنه مخطئ ويجب أن يتخلّى، إلا أنه كان محقّاً ما دامت كارينا ستقول إنها تريده، فقد كان واثقاً من قدرته على إعادة كل شيء إلى بدايته.
“يا صاحب السمو، حان وقت الاستعداد.”
ناداه أحد الخدم من الخارج.
وبعد أن أجاب بأنه فهم، جلس لويد وبابتسامة راضية وهو ينظر إلى السرير بقربه، رأى امرأة نائمة وشعرها الطويل مبعثر، يحجب وجهها.
“كارينا.”
ناداها بصوت مفعم بالعاطفة.
“عليك النهوض الآن يجب أن نعيدكِ قبل أن يراكِ أحد…”
لكن صوته خفت حين كشف الضوء المتسرّب عبر الستائر لون شعرها لم يكن أشقراً لامعاً، بل بنياً كان شعر كارينا أشقرَ ساطعاً يلمع مثل ضوء القمر.
إن لم تكن كارينا… فمن إذن؟ فجأةً شعر بشدٍّ في مؤخرة رأسه.
قفز من السرير وتوجّه نحو النافذة، دافعاً الستائر جانباً تحرّكت المرأة تحت ضوء الشمس المتدفّق، ويبدو أنها استيقظت، لترفع جسدها ببطء.
“كيت سبنسر…”
حين تأكّد لويد من وجهها، شعر بأطراف أصابعه تبرد لماذا كانت هي، التي كان ينبغي أن تكون مع آيدان، معه هو بدلاً من ذلك؟
‘أبقي الغرفة مظلمة وانتظري إن عرف أنكِ أنتِ، فقد يتراجع آيدان مرة أخرى لا تقولي شيئاً وقوديْه إلى الفراش اجعليه يظن أنكِ زوجته وبمجرد أن تعطيه ذلك الدواء، سيسير كل شيء تلقائياً بعد ذلك.’
تلك كانت كلماته هو نفسه إلى كيت لم يتخيّل قط أنه سيقع في فخّه الخاص.
“آه…”
شحَبَ وجه كيت إلى درجة الموت عندما فتحت عينيها تماماً ونظرت أمامها.
بدأت ترتجف وهي تشدّ الغطاء لتغطّي نفسها يبدو أنها أيضاً لم تتخيّل قضاء الليل مع لويد وهذا منطقي.
فقد ظلّ لويد يناديها كارينا، مقتنعاً تماماً بأنها كارينا وكانت تلك غلطة قاتلة وحتى إن شعرت كيت بالشك لأن أصوات آيدان وسلوكه مختلفان، فإنها ستصدّق تلقائياً أنه آيدان بمجرد أن تسمعه ينادي باسم كارينا
“هذا غير ممكن… لماذا…”
لم يكن لدى لويد أيّ طاقة ليواسي كيت المنهارة كان مصدوماً، مذهولاً مما حدث، وعقله متجمّد.
“يا صاحب السمو.”
ناداه الصوت من الخارج مجدداً وكأنما أعاده ذلك إلى الواقع يجب ألا يرى أحد هذا المشهد.
“آنسة سبنسر.”
رغم الفوضى في عقله، كان عليه إسكات كيت بطريقة ما.
“أولاً، أرجوكِ اهدئي…”
“لا! كياااااه!”
وما إن تقدّم خطوة ليهدّئها، حتى أطلقت كيت صرخة حادّة اخترقت الأجواء.
“يا صاحب السمو! ما الذي يحدث؟”
وعلى وقع الصوت، اندفع الخدم والفرسان الذين جاؤوا ليصطحبوا لويد إلى الداخل صرخت كيت، العارية، صرخة أعلى وازداد وجهها زرقةً من الصدمة، بينما تجمّد الخدم والفرسان في أماكنهم، مصدومين من المشهد غير المتوقع—
غطّى لويد وجهه بيده.
تبّاً.
لم يكن هناك أيّ وصف آخر لمشاعره في تلك اللحظة.
***
“كيااااه!”
بينما كانت كارينا في طريقها إلى موعدها مع الأميرة إيلينا، توقّفت في مكانها عند سماع الصرخة التي دوّت في الممر.
“ما ذلك الصوت؟”
حتى بيرنيس نظرت حولها بعينين متسعتين.
“جاء من ذلك الاتجاه.”
أشار كاي نحو مصدر الصوت.
كان من ناحية الغرف المخصّصة للفرسان المشاركين، وتحديداً الغرف المنفصلة التي أُعدّت لآيدان ولويد.
ورغم أنها فكّرت “لا يمكن…” إلا أن شعوراً سيئاً انتابها كانت تشكّ أن صاحبة تلك الصرخة هي كيت سبنسر.
“لنذهب ونتحقق.”
كانت كيت سبنسر قد حاولت تسميم آيدان ورغم أنّ ذلك يجعلها حقيرة، إلا أنّ كارينا كانت قلقة أيضاً بشأن منديلها الذي قال الخادم إنه استُعيد من لويد الليلة الماضية كان عليها أن تتأكد إن كان لذلك المنديل علاقة بهذه الصرخة.
تجمّع عدد من الخدم والفرسان أمام غرفة نوم لويد، يتهامسون فيما بينهم وحتى المارّة بدأوا يتجمّعون، مكوّنين حشداً كبيراً.
ومن الداخل كان يُسمع صوت بكاء بدا الصوت مألوفاً — لا بدّ أنه صوت كيت سبنسر.
“عفواً.”
حين حاولت بيرنيس أن تشقّ طريقها بين الفرسان، استداروا وانحنَوا فور رؤيتهم كارينا وكاي، وتركوا الطريق مفتوحاً لهما.
تقدّمت كارينا عبر المسار الذي فُتح لها حتى الباب، وأخذت نفساً هادئاً.
من خلال الباب المفتوح على مصراعيه، رأت كيت جالسةً على السرير، مغطاة ببطانية لكنها كانت عارية تحتها بوضوح، وهي تبكي وكان لويد يقف عند النافذة بملامح مذهولة، مرتدياً بنطال النوم فقط.
“كارينا…”
ما إن اكتشف وجودها، حتى ارتجف قبل أن يتلوى وجهه.
“هذا سوء فهم! لقد حدث خطأ ما! كنتُ حقاً أظن أنها أنتِ…”
حدّقت كارينا فيه وهو يتفوه بالهراء.
“ما الذي تقوله؟ هل تحاول أن تخبرني بتلك الحماقة بأنك قضيت ليلةً مع الآنسة كيت سبنسر معتقدًا أنها أنا؟”
همهم الناس عند سؤال كارينا.
كان صادماً بما يكفي أن الأمير لويد خالف القواعد وأدخل كيت سبنسر، وهي ليست من المشاركين، في الليلة التي تسبق بطولة الفرسان.
ولكن أن يقول إن ذلك حدث لأنه ظنّ أنها زوجة أخيه، صاحبه السمو كارينا — فما هذا الهراء؟ تبادل الفرسان نظرات مذهولة، وكأنهم يفكّرون بأن هذا سلوك لا يُغتفر.
“حسناً…”
كان لويد مدركاً لمدى غباء كلماته.
لكن الوقوع في هذا الموقف مع كيت سبنسر بدا ظالماً له لو كانت كارينا هي من كانت معه، لما اهتمّ لو رأى الجميع هذا المشهد بل لاغتنم الفرصة لإبطال زواجها من آيدان وتحمل هو المسؤولية.
احمرّ وجهه غضباً وغيظاً.
“لقد أرسلتِ لي رسالة أولاً بأنك ستنتظرينني! ولهذا صدّقت تماماً أنها أنتِ!”
ما هذا الهراء الآن؟ تحوّلت الأنظار جميعاً نحو كارينا ابتلعت كارينا تنهيدة لقد فهمت فوراً سبب وجود الرسالة غير المفهومة على المنديل الذي أعطته لآيدان وفهمت من الذي دبّر هذا الوضع.
“لا أفهم ما الذي تقوله لماذا أنتظرك يا صاحب السمو؟ زوجي هو صاحب السمو آيدان.”
وعند نفيها الواثق، اقترب لويد من كارينا بملامح غير مصدّقة.
“لا تكذبي لقد أرسلتِ لي بوضوح منديل عائلتك ويوجد شعارها.”
وفي اللحظة التي مدّ يده نحو كارينا، ظهر ذراع من خلفها وجذبها إلى حضنه.
التعليقات لهذا الفصل " 46"