وقفت كيت عند المدخل وأخذت نفسًا عميقًا منذ عودتها إلى القصر بناءً على استدعاء لويد، لم تغادر الغرفة التي أعدّها لها، قائلًا إن من الأفضل ألا يراها الآخرون.
وضعت الثياب على السرير وفتحت الظرف بسرعة لتتحقق مما بداخله كان يحتوي على ورقة واحدة مطوية إلى نصفين.
[سيأتي شخص ليرشدك إلى القصر المنفصل الليلة ما عليك إلا اتباعه.]
ذلك كان كامل الرسالةرلقد شرح لها مسبقًا ما يتوجب عليها فعله اليوم عندما أعطاها المثير للشهوة.
“أبقي الغرفة مظلمة وانتظري إن علم أنّها أنت، فقد يدير آيدان وجهه مجددًا لا تقولي شيئًا وقوديه إلى السرير اجعليه يظنّ أنك عروسه وما إن تعطيه ذلك الدواء، فسيسير كل شيء بانسيابية بعد ذلك.”
هل ستنجح في الأمر؟ هل سيكتشفها؟ شعرت بقلق من وجوه عدّة.
وبعد أن طمأنت نفسها مرارًا بأن كل شيء سيكون بخير، أخرجت المثير للشهوة الذي أعطاها إيّاه لويد من درج الطاولة القريبة من السرير وقبضت عليه بإحكام.
لقد اتخذت قرارها بالفعل لم يبقَ سوى تنفيذ الأمر بأمان.
***
استدعت الإمبراطورةُ الأميرةَ إيلينا، قائلةً إن لديها ما تبلّغها به بشأن بطولة الفرسان غدًا وبفضل ذلك، كانت كارينا تقرأ وحدها.
“ما الذي يمكن أن يكون في بطولة الفرسان وله علاقة بي؟ ليس عليّ سوى المشاهدة صاحب السمو لويد سيكون هناك بلا شكرأنا واثقة من ذلك.”
كانت الأميرة إيلينا قد تمتمت بضجر قبل أن تذهب استجابةً لاستدعاء الإمبراطورة ورغم أنّ أحدًا لم يذكر صراحةً مسألة زواجها السياسي من لويد، إلا أنّها كانت تُظهِر باستمرار أنّ نواياها تختلف عن رغبات الإمبراطورة.
وبما أنّ كارينا تعرف المآل الذي ستنتهي إليه الأميرة إيلينا ولويد، لم تستطع إلا أن تكتم كلماتها فبعد أحاديثها مع الأميرة خلال اليومين الماضيين، فهمت بوضوح أنّ اهتمام الأميرة ينصبّ على وراثة العرش أكثر من الزواج كل ما في الأمر أنها تجد صعوبة في رفض اقتراح واردٍ من إمبراطورة إمبراطورية غريفيث.
لو أنّ لويد فقط يرتكب خطأً فادحًا.
وإذ وجدت نفسها تميل عاطفيًّا إلى جانب الأميرة إيلينا، خطرت لها مثل تلك الأفكار عديمة الجدوى فلو كُشف أنّ لويد يقف وراء الهجوم على آيدان، أفلا يتلاشى الحديث حول الزواج السياسي؟ سيكون رفض عرض الزواج أسهل بكثير إذا ظهر أنّ محاولته قتل دمه كانت جريمة عقوق.
المشكلة أنّ لِيَام سميث لم يستعد وعيه بعد ليُدلي بشهادته وحتى لو أفاق، فلا أحد يعلم إن كان سيتصرف وفق ما يريده آيدان أصلًا.
ألم يكن هناك أي طريقة للمساعدة؟ ورغم تفكيرها، لم تجد حلًا مناسبًا ولو تصرّفت بلا حذر، فقد لا تجلب سوى سوء الفهم بأنها تحاول مسبقًا إعاقة الشخص الذي يُفترض أن تصبح زوجة لويد.
“كارينا.”
ارتجفت حين سمعت مَن ينادي اسمها، فالتفتت فإذا بآيدان يستند إلى المدخل كانت غارقة في أفكارها إلى درجة أنها لم تسمع حتى طرقه.
“لم هذا الفزع؟ فيمَ كنتِ شاردة التفكير؟”
اقترب آيدان وجلس على الكرسي المقابل لها.
“لِمَ أتيت دون إخطار…؟”
“وهل نحن من النوع الذي يحتاج إلى إخطار لنلتقي ؟”
قال ذلك مبتسمًا صحيح، لكن كارينا كانت تقضي الكثير من الوقت مؤخرًا مع الأميرة إيلينا، فيما كان آيدان غالبًا في ساحة التدريب، لذا كانا عادةً يتحققان من أماكن بعضهما قبل اللقاء.
“اشتقت إليك رغم أنّني لم أرَكِ ليوم واحد فقط.”
قالها بابتسامة يستحيل معرفة ما إذا كانت جادّة أم مازحة، فلم تُبدِ أي رد فعل.
“باردة جدًّا كان بإمكانك في مثل هذه اللحظة أن تقولي بلطف إنك اشتقتِ إليّ أيضًا.”
“لستُ لطيفة بطبعي.”
وحين ردّت دون تفكير، رأت آيدان يبتسم بمكر.
“أنتِ لطيفة بطريقتك الخاصة ،بطرق غير متوقعة.”
وأثناء تفكيرها في ما يقصده بالطرق غير المتوقعة ، أدركت أنه يشير إلى التقارب الجسدي، فرمقته بنظرة خفيفة ورغم أن ابتسامته الماكرة كانت تزعجها، فإنها شعرت بغرابة حين أدركت أنها باتت ترى وجهه المبتسم—الذي لم تره من قبل—كثيرًا في الآونة الأخيرة.
كان وجهه حين يبتسم وسيماً بطبيعته إلى درجة جعلتها تتساءل هل كان ذلك ما أحبتْه كيت سبنسر فيه؟
هل أكون أنا أيضًا أراه وسيماً؟ لا… ذلك مجرّد تقييم موضوعي، لكن… هل يمكن أن أشعر بالخفقان بسببه؟
تشابكت في ذهنها أفكارٌ كثيرة وهي تهز رأسها، ثم أدركت أنّ آيدان يحدق فيها مطولًا.ج وإذ شعرت بالارتباك، بللت حلقها، فانحنت عيناه بابتسامة جعلتها تنجذب لا إراديًا إلى وسامة ملامحه.
هكذا إذًا تقع النساء في حب هذا الرجل.
لقد كانت تعابيره ونبرته وتصرفاته، الآتية من شخص اعتقدت أنه مألوف لها، تبدو في بعض الأحيان أكثر من مجرد جديدة—كانت مربكة.
“يقولون إن عليّ البقاء في القصر المنفصل الليلة.”
“آه، بسبب بطولة الفرسان؟”
أومأ آيدان.
“هذا مخيب للآمال كنت آمل أن أستلهم منك قليلًا من الطاقة قبل البطولة.”
“طاقة…؟ لا تقل كلامًا سخيفًا واحرص فقط على ألا تتعرض للأذى.”
“أأنت قلقة عليّ؟”
“بالطبع إنّ هذا…!”
قُطع كلامها إذ نهض آيدان، واقترب منها حتى وقف أمام كرسيها تمامًا، منحنٍي عليه بكلتا يديه وتحت وقع نظرته، رمشت عينيها إليه، فابتسم بخفة.
“هل تُلبّين لي طلبًا واحدًا إذن؟”
همس بصوت منخفض، منحنياً برأسه أكثر خفق قلبها مع تقلّص المسافة بينهما.
يتحدث عن الطاقة ثم الآن سيقبّلني مجددًا…
“هذا.”
رفع آيدان ورقة من على الطاولة ووضعها مباشرة أمام أنفها هذا؟ تساءلت، وهي تحدق به بلا فهم، فيما وضع الورقة في راحة يدها.
“لديكِ خَتْمُكِ، أليس كذلك؟”
“الختم؟”
كانت تملك بالفعل ختمًا رسميًّا حصلت عليه عند أصبحت زوجته ، لكن… لماذا فجأة…؟
“أريد أن أستخدمه كتعويذة فقط ضعي ختمك على هذه الورقة مرة واحدة.”
بُهِتت للحظة من غرابة الطلب.
كان الختم أهم وسيلة لإثبات أنّ الرسائل أو الوثائق صادرة حقًّا عن كارينا ولهذا السبب كانت قد طالبت بختم آيدان على أوراق الطلاق فالوثائق المختومة تحمل ذات سلطة الكلمات الصادرة عن صاحب الختم.
“لا يمكنني ختم الورقة بهذه البساطة.”
مَن يدري كيف قد يستخدم هذا الرجل ختْمَها؟ كان لديها هذا النوع من الريبة بشكل صريح ورغم أنه لم يكن بوسعه فعل شيء حقيقي به، إلا أنها كانت مضطرة للحذر.
“قلتُ إنّه لتعويذة ، لمنع الإصابات في بطولة الفرسان ألم تقولي إنك تريدين أن أكون بخير؟”
“هل هذا حقًّا كل شيء؟ إن كان الأمر كذلك، فخذ هذا بدلًا من ذلك.”
أخرجت كارينا منديلًا وناولته لآيدان.
“ذلك المنديل يحمل شارة عائلة هيويت مطرَّزة عليه.”
فتح آيدان المنديل، فرأى بالفعل— كما قالت—شارة عائلة هيويت مطرَّزة في الوسط، وفي أحد أركانه كُتِب اسم كارينا بخيط التطريز.
“أليس هذا كافيًا إن كنت تريد شيئًا ذا معنى منّي؟”
“أحقًّا يمكنني أخذه؟ يبدو ثمينًا.”
كان ذلك المنديل قد طرزته والدتها بنفسها يوم دخول كارينا إلى القصر، وهي تتمنى لها السلامة في مستقبلها.
“و لهذا السبب هو أكثرُ أهميه ، لا تفقده.”
وبدلًا من الرد، ارتسمت ابتسامة على شفتي آيدان، مما زاد من ريبتها وجعلها تشعر بعدم الارتياح ومع ذلك، حين رأت وجهه المبتسم، لم تستطع قول أي شيء آخر.
“لا تقلقي سأحرص على ألا يمسك أي ضرر.”
ولعلّه قرأ القلق في ملامحها، فطبع آيدان قبلة خفيفة على جبينها قبل أن يبتعد.
“يجب أن أذهب الآن قالوا إن على كل المشاركين في البطولة أن يجتمعوا قبل العشاء.”
وبعد أن أنهى ما جاء من أجله، غادر آيدان بلا تردد وبقيت كارينا وحدها تطلق زفرة قصيرة لِمَ أزعجتها كلماته الأخيرة بشأن منع الضرر إلى هذا الحد؟ لم تستطع توقّع ما الذي ينوي فعله.
ومع ذلك، صدقت كلماته حول عدم السماح بحدوث أي أذى لها على الرغم من أنها لم تكن لتثق بآيدن السابق أبدًا، إلا أنها الآن آمنت بشدة أنه في صفها.
***
اجتمع جميع الفرسان المشاركين في البطولة، بما فيهم آيدان ولويد، في مكان واحد.
شرح قائد الفرسان الإمبراطوري بإيجاز قواعد البطولة، ثم أرشدهم إلى قاعة الولائم الكبرى كان من المقرر أن يتناولوا العشاء هناك قبل انتقالهم إلى الغرف المخصصة لهم في القصر المنفصل لقضاء الليل.
“ظننتُ أنك ستهرب، لكنك جئت في النهاية.”
قال لويد، الجالس مقابل آيدان على طاولة العشاء، بسخرية.
“لم يكن لدي أي سبب للهروب.”
أجاب آيدان بهدوء وهو يواصل تناول طعامه.
“همم، يبدو أنّ الثقة تفيض منك الانسحاب الآن سيكون أقل إحراجًا، كما تعلم.”
“سنرى ذلك.”
قال آيدان وهو يبتسم براحة رغم استفزاز لويد.
“لا بد أنّ اقترابك من الموت جعلك بلا خوف.”
قال لويد بملامح يكسوها الاشمئزاز.
“بل أشعر أنّ الأمر أقرب إلى ولادة جديدة بالكامل لا تهدر طاقتك على أمور عديمة الفائدة واعتنِ بنفسك أما أنا، فلا تقلق، فأنا أعرف كيف أنجو.”
“ها!”
وبينما أخذ وجه لويد يزداد تشوّهًا، حافظ آيدان على ابتسامته المرحة وباللحظة التي همّ فيها لويد، المنزعج من ذلك الوجه الهادئ، بأن يضرب الطاولة وينهض—
“هذا نبيذ من جلالة الإمبراطور.”
وضع الخدم كؤوس النبيذ أمام كل فارس.
“جلالته يقدّم هذا النبيذ الفاخر آملًا أن يبذل الجميع قصارى جهدهم في بطولة الغد.”
—تنفّس لويد طويلًا وبقي جالسًا.
“ما بك؟ ألن تشرب؟”
أشار لويد إلى كأس النبيذ أمام آيدان.
“لا تقل لي إنك ترفض نبيذ جلالة الإمبراطور؟”
ابتسم آيدن بخبث على الكلمات الاستفزازية وقرب الكأس من شفتيه غلغ ارتفعت زاوية فم لويد قليلاً وهو يراقب تفاحة آدم الخاصة بآيدن تتحرك بينما كان يبتلع النبيذ.
التعليقات لهذا الفصل " 42"