بينما تجمّدَ تعبيرُ كارينا، ظلَّ ابتسامةُ آيدان هادئةً ومسترخية.
“لذا، قرّرت أنّ بإمكاننا تكوينُ تحالفٍ جيّد.”
كان صوته عاديًا، لكن ما أثار إعجابها هو قدرته على اتخاذ هذا الحكم خلال اللحظة القصيرة التي طلبت فيها الطلاق.
هذا الرجل لم يكن آيدان لقد أصبحت متأكدة الآن.
آيدان الحقيقي لم يكن يومًا ينظر إلى واقعه بهذه البرودة.
وهو يحدّق فيها بعينين بنيتين تتلألآن بضوءٍ قوي
“بصراحة، حجةُ أنني لا أعلم متى سيعود صاحبُ الجسدِ الأصلي ليست سوى ذريعة أنا بحاجةٍ إليكِ يا كارينا هيويت.”
شعرت وكأنها عاجزة عن الحركة، وكأن نظراته تُثبّتها في مكانها.
“هذه فرصةٌ بالنسبة لي ولا أنوي تفويتها هذه المرة، أنوي أن أعيش كما يجب.”
<هذه المرة؟ يعيش؟ >
ترددت الكلمات الغريبة في ذهنها، وأمال آيدان رأسه بابتسامةٍ واثقة.
“حتى أتأقلم مع هذا العالم، أحتاج أن تكوني حليفتي.”
كان طلبًا جريئًا، بل ووقحًا بعض الشيء لكن بما أنه أميرٌ ذو حقٍ مشروعٍ في العرش، لم يكن كلامه غير منطقي تمامًا.
غير أن معرفة أن من أمامها ليس آيدان الحقيقي جعلت الأمر يبدو أكثر صفاقة.
“ولِمَ عليَّ أن أفعل؟ لقد قلتُ لك مرارًا إن ما أريده هو الطلاق…”
“أليس ذلك مستحيلًا ما لم أوافق أنا؟”
توقفت في منتصف الجملة، وأدركت أنه على حق فزواجٌ كهذا، مع العائلة الإمبراطورية، لا يُمكن فسخه بسهولة.
الطريقةُ الأبسط كانت أن يتفق الطرفان على الطلاق.
أما إن طلب أحدهما الطلاق من طرفٍ واحد، فعليه أن يُثبت أمام الإمبراطور والإمبراطورة وجميع النبلاء سببَ ضرورة الطلاق.
خيانةُ آيدان في ليلة الزفاف؟
الإمبراطورة ستكون مسرورةً بسماع أن زواجهما فشل منذ البداية.
أما الإمبراطور، الذي احتفظ بعشيقةٍ لسنوات ثم جعلها إمبراطورة، فلن يأخذ خيانةَ آيدان على محمل الجد.
وفوق ذلك، الإمبراطور نفسه هو من وافق على هذا الزواج ورتّبه، لذا لن يسمح بالطلاق بسهولة.
أما النبلاء الذين تغاضوا عن عشيقة الإمبراطور، فلن يختلفوا عنه في الرأي.
“لو كان بإمكانكِ متابعة الأمر من جانبٍ واحد، لما جئتِ إليّ تطلبين الطلاق، أليس كذلك؟ أيتها العروس التي تُركت في ليلة زفافها؟”
أخذت نفسًا عميقًا، وعدّلت جلستها، ونظرت إليه بثبات.
كارينا لم تكن من النوع الذي يُهزم بسهولة في معركة الإرادات.
تلاشت ملامحها تمامًا، وبات وجهها خاليًا من أي تعبير.
نظرت إلى عيني آيدان ببرودٍ وجمود.
“سأردّ عليكَ بالمثل قلتَ إنك تحتاج إلى مساعدتي، أليس كذلك؟ حسنًا، دوقية هيويت لن تدعمك ما لم أتحرك أنا.”
حتى إن لم يكن الطلاق سهلًا، فإن كان بحاجةٍ إلى دعم دوقية هيويت، فلن تتراجع كارينا خطوةً واحدة.
لقد مضت ثلاثُ سنواتٍ وهي تدعمه دون قيدٍ أو شرط، وكان ذلك كافيًا وأكثر.
“إذن، فلنعقد صفقة.”
“سأمنحكِ الطلاق الذي تريدينه، بشرطٍ واحد.”
<عقدٌ يكون فيه الطلاقُ شرطًا؟ ما الذي يعنيه؟>
لم تستطع أن تفهم كلماته على الفور.
“إن ساعدتِني، فسأمنحكِ الطلاق بعد نصف عام، كما تشائين.”
نصف عام؟
من ناحيةٍ، كانت مدةً طويلة، لكن بالنسبة إلى كارينا التي عادت بالزمن ثلاثَ سنواتٍ إلى الوراء، لم تكن تلك المدة كبيرة.
<ما الذي حدث بعد نصف عامٍ من هذه اللحظة؟>
حاولت أن تسترجع ذاكرتها.
إن كانت تتذكر جيدًا، فقد كانت هناك أحداثٌ صغيرة وعابرة، لكن لا شيء خطير بما يكفي ليؤذي دوقية هيويت أو نفسها.
كان ذلك طبيعيًا، فآيدان لم يكن من النوع الذي يُثير المشاكل عمدًا.
نصف عام… نصف عام فقط…
لقد صبرت ثلاثَ سنوات، فهل سيكون من الصعب أن تصبر نصف عامٍ آخر؟
إن كان بإمكانها أن تحصل على الطلاق بهدوء وتغادر القصر الإمبراطوري دون ضجة، ألم يكن من الأفضل أن تتعاون معه بدلًا من الاصطدام به وجعل الطلاق أكثر تعقيدًا؟
وفوق ذلك……
تحوّلَ نظرُ كارينا نحو وجهِ آيدان كان واضحًا أن هذا الرجل لم يكن آيدان الذي تعرفه.
هل يمكن أن يُصبح متغيّرًا في المستقبل الذي سيبدأ قريبًا؟
وماذا كان ينوي أن يفعل خلال نصف عامٍ فقط؟
تولّد في داخلها فضولٌ غير ضروري.
ورغم علمها أن الفضولَ هو السببُ في هلاك الناس، وجدت نفسها تشعر بقليلٍ من الفضول، حقًا مجرد قليل، حول الكيفية التي سيتمكّن بها هذا الرجل—الذي بدا مختلفًا عن آيدان الحقيقي تمامًا—من البقاء في هذا القصر الإمبراطوري.
“وما الذي يُفترض أن أفعله بالضبط؟”
لم تستطع أن تمدّ يدها إليه دون أن تعرف ما يفكّر فيه.
ابتسم آيدان، وانحنت عيناه البنيتان على شكل هلالين رقيقين.
لقد كان يبتسم كثيرًا بعينيه، على الرغم من أنها لم توافق بعد على كلماته، مما جعلها تتساءل عمّا يُخطط له.
“كفَّ عن محاولة سحر الناس، وقل لي ما الذي تفكّر فيه بالضبط.”
ابتسامته الموجّهة إليها كانت مُثقلةً بالمعنى، مما جعلها تتّخذ موقفًا أكثر حِدّة.
تمتم آيدان، وهو يمرّر أصابعه على خده وذقنه
“لم أنظر إلى المرآة جيّدًا بعد، لكن يبدو أن مظهري وسيمٌ حقًا إن كنتِ تظنين أنني أحاول سحرك.”
للأسف، لم تستطع إنكار ذلك.
فآيدان غريفيث كان يتمتّع بجمالٍ لافت.
عيناه بلون حجر التوباز الصافي وملامحه الحادّة ورثهما عن الإمبراطورة السابقة، أما أنفه المستقيم وشفاهه الصارمة فشبها الإمبراطور الحالي.
عندما كان رضيعًا، كان جميلًا إلى حدٍّ ملائكي، حتى أن الناس كانوا يهمسون بأنه مرشّحُ العرش الذي أرسلته السماء.
لكن للأسف، كبر ليصبح وسيمًا فحسب… وغبيًّا مهووسًا بالنساء.
حين كانت كارينا أمامه، لم يكن ينظر إليها مباشرةً في عينيها قط، وكان دائمًا يبدو مترددًا وضعيفًا.
لذلك، حتى عندما كانت تحدّق في وجهه، لم تشعر يومًا بجاذبيته كرجل، ولا خفق قلبها له.
غير أنّه كان يتحوّل إلى شخصٍ مختلف تمامًا أمام الشابات الأخريات.
فعندما تُقام الولائم في القصر الإمبراطوري، كان يُظهر ابتسامةً ساحرة، ويتصرّف بأدبٍ رفيع، ويقود الشابات من النبلاء برشاقة.
وهكذا، وقعت العديد من السيدات النبيلات اللواتي ظهرن حديثًا في المجتمع الراقي في حبّ آيدان، مما أثار مشكلاتٍ فيما بعد.
<إن كنتَ خجولًا، فلتكن خجولًا مع جميع النساء بالتساوي.>
ورغم أنه لم يُظهر أي موهبةٍ في أمور الخلافة الإمبراطورية، إلا أنه تميّز بقدرةٍ غريبة على سحر النساء… عدا كارينا.
حتى بعد أن تغيّرت روحه، بقيَ هذا الرجل يملك الوجه ذاته، ولا يزال يرسل إلى كارينا تلك الابتسامات العينية المرهقة.
لم تستطع إلا أن تشعر بالضيق.
“لستِ بحاجة إلى القيام بشيءٍ استثنائي، يكفي أن تؤدي واجبكِ كوليّةٍ للعهد بجدٍّ واجتهاد، كما كنتِ تنوين منذ البداية.”
تجهّمت كارينا عند سماع كلمات آيدان، هل كان يقصد أن يطلب منها أن تكون مجرد دميةٍ تحمل لقب ولية العهد؟
“يبدو أنكِ تفكرين في أمرٍ معقّد.”
ربما لأن ملامح وجهها تغيّرت، حدّق آيدان بها لبرهة قبل أن يتحدث.
“لابدّ أنّ هناك سببًا لذلك الزواج المرتّب سلفًا ما أقوله لكِ هو أن تفعلي ما كنتِ تنوين فعله في الأصل.”
عند كلماته، رفعت كارينا حاجبًا واحدًا ما كانت تنوي فعله في الأصل؟
“أتقصد أن أكون الداعمة لكي يُعترف بسموّك كوريثٍ رسميٍّ للعرش؟”
السبب الأصلي لزواج كارينا به كان لجعل آيدان إمبراطورًا فهل هذا الرجل، الذي ادّعى أنّ روحه قد تغيّرت، يطلب منها الآن أن تُحقّق الغاية التي كان آيدان الأصلي يراها عبئًا وحاول الهرب منها؟ لم تختفِ التجعيدة العميقة بين حاجبيها وهي تتساءل عمّا إذا كانت قد فهمت مقصده حقًّا.
ابتسم آيدان ابتسامة جانبية وهو يُبقي عينيه معلّقتين بعيني كارينا، وكأنه يسألها إن كان سؤالها يحتاج إلى جواب حقًّا؟ هل ينوي ذلك الرجل أن يصبح الإمبراطور؟
“هل تنوي أن تصبح الإمبراطور؟”
سألتُه لأتأكد فحسب، تحسّبًا لأيّ لبس.
“سؤالُكِ غيرُ منطقي.”
بدلًا من الإجابة، بدا آيدان وكأنّه يرى سؤال كارينا سخيفًا.
“أنا الأمير، أليس كذلك؟ صاحب هذا الجسد أليس الهدف النهائي من حياة الأمير أن يصبح الإمبراطور؟ ثم إنّ هذه الطعنة في معدتي… حين فتحتُ عينيّ وسمعتُ أحدهم يهذي، قد يكون أخًا غير شقيق هو من فعلها على الأرجح الأمر يتعلق بصراعٍ على حقّ الخلافة وإن كان كذلك، فلا سبيل أمامي للنجاة سوى أن أصبح الإمبراطور، أليس كذلك؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"