ما الذي فعلته كيت سبنسر بالضبط في الليلة الماضية حتى تُعلن كارينا بهذه الجزم أنّها تثق بآيدان؟ إنّ مجرد التفكير في أنّ تلك المرأة الحمقاء لم تكن نافعة حتى في هذا الجانب جعل الغضب يتصاعد في صدره.
“أحضِروا كيت سبنسر.”
عندما أصدر أوامره للخادم الذي كان يتبعه، سأله الخادم
“الآنسة كيت سبنسر؟”
بدا وكأنّه لا يفهم سبب بحث لويد عنها.
“لا بدّ أنّها لا تزال في القصر اعثروا عليها بسرعة وأحضِروها قبل أن تعود إلى منزل سبنسر.”
عند نبرة لويد الحادّة، انحنى الخادم دون طرح مزيد من الأسئلة وانسحب.
“سموّك، لقد كنّا نبحث منذ مدّة.”
ظهر فارسٌ كان ينتظر عند المدخل عندما وصل لويد إلى قصره.
“المهمّة؟ هل أُديرت على نحوٍ جيّد؟”
مع أنّ الماركيز بيلمون كان قد قال إنّه سيتولّى تبعات أولئك الذين هاجموا آيدان، إلّا أنّ لويد لم يستطع الجلوس مكتوف اليدين.
كان يحتاج إلى التأكّد من أنّ المركيز بيلمون يتولّى الأمور كما يجب لذلك كلّف أحد فرسانه بمراقبة الماركيز بيلمون ومتابعته.
هزّ الفارس رأسه كئيباً عند سؤال لويد.
“الشخص الذي كنّا نطارده قفز إلى النهر، ولم نتمكّن من التأكّد إن كان قد نجا أو مات.”
“ها! بعد كل ذلك الكلام الجارح.”
لم يكن شيء يسير على هواه لقد وثق بالماركيز بيلمون ثقةً تامّة، أمّا أن يفقد أهم شخص في القضيّة فهو أمرٌ يبعث على السخرية.
“لقد جُرح بسيف قبل سقوطه وجرفته التيّارات العنيفة، فالأغلب أنّه لم يستطع النجاة.”
“لا أريد الأغلب! “
عند صوته الحادّ، ارتجف الفارس وأطبق شفتيه وتراجع خطوة.
وعلى الرغم من أنّ لويد قطّب جبينه بعمق، إلّا أنّه لم يكن يملك حلاً جيّداً أيضاً.
فسواء كان ذاك الشخص حيًّا أو ميتًا، فإنّ عدم العثور عليه سيُسبب مشاكل أكيدة لاحقاً.
“قُل للماركيز بيلمون أن يتحمّل المسؤولية كاملة ما دام قال إنّه سيتولّى الأمر.”
ازداد غضبه وهو يتذكّر كيف أنّ الرجل حاول دفع ابنته المتبنّاة إليه بينما لم يستطع حتى القيام بهذه المهمّة كما يجب.
في مثل هذه الأوقات، ألن يكون بيت هيويت قادراً على التعامل مع الأمور بشكلٍ أفضل، بشكلٍ أكثر كمالاً؟ إنّ الطريقة التي دعموا بها ذلك الأحمق آيدان ليظهر بمظهر شخصٍ آخر تُظهر الفرق بين بيت بيلمون وبيت هيويت.
والحقيقة أنّ بيت هيويت — تلك الفتاة كارينا هيويت — لم تكن له… كانت أمراً لا يُطاق.
مع أنّ الإمبراطورة أخبرته بأن يتخلّى عن الأمر بما أنّ الزواج قد أُقيم بالفعل، إلّا أنّ لويد لم يرَ أنّ الأمر قد انتهى.
كل ما في الأمر أنّ حفل الزواج قد عُقد — أمّا آيدان وكارينا فلم يقضيا حتى ليلتهما الأولى.
إن اختفى آيدان فحسب، فستكون له فرصة.
زواج كارينا سابقاً من آيدان لا يُعدّ عيباً كبيراً بالنظر إلى مكانتها كابنة بيت هيويت.
كيف سيتخلّص من آيدان؟ محاولةُ هجومٍ أخرى ستكون محفوفة بالمخاطر الشديدة بما أنّ واحدة قد فشلت بالفعل — وإن اكتُشفت، فالعاقبة ستكون عظيمة.
طريقة للتخلّص منه دون أن تتلطّخ يداه… ومع تعمّق أفكاره، ازدادت التجاعيد بين حاجبي لويد عمقاً.
ماذا لو رتّب حادثاً يقتله خلال بطولة الفرسان؟ هل يحاول استمالة أحد الفرسان؟ أم يستخدم كيت سبنسر لتدمير سمعته كأمير وتجريده من لقبه؟ أيّ طريقة يمكن أن تنجح في إسقاطه لم تكن تهمّ.
***
“من هذه الجهة.”
فتح كاي باب كوخ صغير وتنحّى جانباً ليدع آيدان يدخل أولاً.
كانا قد ركبا الخيل عميقاً داخل الغابة حتى بعد مغادرتهما العاصمة.
بدا الأمر مشكوكاً في أن يكون هناك شيء في هذا المكان، إذ اختفت حتى الدروب من أمامهما في النهاية.
وباتّباع مناديل رُبطت متباعدة على الأشجار في أعماق الغابة، وجدا كوخاً صغيراً واحداً قائماً وحده، وقد وقف أمامه عدّة من رجال كاي لحراسته.
في الداخل، رأيا رجلاً متمدّداً على سرير صغير.
كانت الضمادات ملفوفة بإحكام حول رأسه وصدره وذراعَيه، حتى إنّ ملامح وجهه كانت شبه غير قابلة للتمييز.
“هذا هو حبيب الخادمة إميلي، وفارسٌ سابق لسموّ الأمير لويد.”
اتجهت نظرة آيدان نحو الرجل.
“لم يستعد وعيه بعد يبدو أنّه ضُرب بسيف قبل أن يسقط في النهر، وقد فقد الكثير من الدّمرعلى الرغم من أننا عالجناه، يقولون إنّ الأيام القليلة القادمة ستكون حرجة.”
أضاف كاي الشرح.
“هل هذا الوغد هو من أحدث الثقب في جسدي؟”
“لسنا متأكدين بعد، إن كان قد فعل ذلك بنفسه أو استعان بشخص آخر بالنسبة لنا، هو الخيط الوحيد المتبقّي.”
“همم إذن علينا الإبقاء على حياته الآن.”
لم يظهر أي انفعال في عيني آيدان وهو ينظر إلى الرجل.
وجد كاي هذا غريباً فيه.
كان يظنّ أنّه سيغضب أكثر عند رؤية هذا الشخص ولم يكن ليُلام حتى لو طالب بإعدامه فوراً — فهذا رجل حاول قتله لكن آيدان بدا هادئاً إلى حد غير مألوف كأنّه يتعامل مع أمر لا يعنيه شخصياً.
“عالِجوه جيّداً، وحافظوا على حياته بأي طريقة راقبوه كي لا ينتحر عندما يستيقظ.”
“هل نُبقيه هنا؟”
نظر آيدان حول الكوخ عند سؤال كاي.
“يبدو ذلك الأفضل فلا أحد سيأتي إلى هذا العمق من الغابة على أي حال ومع ذلك، راقبوا المنطقة بدقة لأي شخص قد يمرّ من هنا تحسّباً وإن رأيتم أي شخص مريب ولو قليلاً، فلا تكتفوا بطرده ، هل تأكّدتم من هويته؟”
“اسمه ليام سميث.”
“صلاته العائلية؟”
“لم نصل إلى ذلك بعد…”
“حقّقوا في كل شيء بدقّة — علاقاته العائلية ومعارفه وإن كان له عائلة، فمن الممكن أنّ لويد قد وضع من يراقبهم بالفعل واحموهم دون أن يلحظ أحد ذلك.”
“نحميهم؟”
ردّد كاي باستغراب.
فالهجوم على أمير يُعدّ خيانة ومن الطبيعي ألا يفهم سبب تلقّيه أمراً بحماية، وليس مراقبة، عائلة رجل كهذا.
“إن علم لويد أنّ هذا الشخص على قيد الحياة، سيستخدم عائلته كورقة ضغط علينا أن نحميهم جميعاً لنتمكن من استخدام هذا الرجل عندما يتعافى.”
“أتخطّط لتهديده ليُعاوننا باستخدام عائلته؟”
“تهديد؟ لنسمّه إقناعاً.”
أجاب آيدان بخفّة مبتسماً وهو يغادر الكوخ.
نظر كاي مرّة أخرى إلى الرجل الذي ما يزال فاقد الوعي قبل أن يلحق بآيدان.
“أليس الأمر واحداً؟ احتجاز عائلته ليطيعنا؟”
كان سؤالاً غير ضروري لكن رؤية آيدان يتصرّف على نحو مختلف تماماً عن المعتاد جعلت فضوله يفلت دون قصد التفت آيدان نحو كاي بابتسامة جانبية.
“ليس الأمر واحداً ليست لديّ أي نيّة في إيذاء عائلته الحماية والتهديد كلمتان مختلفتان تماماً والشخص المعني سيعرف الفرق أكثر من أيّ أحد.”
“وماذا لو شعر أنّها تهديد، لا حماية؟”
تماماً كما كان لويد — لو شعر بالخطر، فلن يتعاون.
“عندها سنضطر إلى إقناعه ليشعر بأنّها حماية، أليس كذلك؟”
من جديد، أجاب آيدان بسهولة تامّة.
كان كاي على وشك أن يسأله إن كان ذلك ممكناً أصلاً، لكنه أغلق فمه حين رأى تعبيره بدا آيدان واثقاً أكثر من أي وقت مضى كمن يتقن هذه الأمور جيّداً.
مستحيل يا له من ظنّ سخيف.
ومع أنّ كاي هزّ رأسه نافياً هذه الفكرة، إلا أنّه أدرك أنّه يثق بآيدان — هذا الآيدان المختلف في تصرّفاته — أكثر من قبل.
***
في وقتٍ متأخرٍ من الليل، دخل طبيبٌ إلى قصر آيدان.
كان ذلك بناءً على رغبة آيدان في تلقّي العلاج في أوقات لا يلحظ فيها الآخرون ذلك.
“لقد التأم الجرح بدرجة كبيرة الآن على هذا المعدّل، ستكون الأنشطة اليومية ممكنة دون مشكلة.”
قال الطبيب ذلك وهو يطهّر الجرح ويعيد وضع الضماد، وقد بدا الارتياح واضحاً عليه من سرعة تعافي آيدان التي فاقت التوقّعات.
“ومع ذلك، يجب أن تتجنّب أي نشاط يُؤثّر مباشرة على موضع الجرح.”
“لو سمعت ذلك مرة أخرى فسيكون عدد المرات قد بلغ مئة لقد بدأت أذناي تصابان بالتحجّر.”
قال آيدان ذلك وهو يزرّر قميصه، مشيراً إلى تكرار الطبيب لنفس النصيحة.
“أعتقد أنّ الجرح التأم سريعاً بفضل الروح الإيجابية لدى سموّك”
قال الطبيب ذلك بينما كان يعيد مواد التطهير إلى حقيبته.
اكتفى آيدان بالابتسام دون تعليق فجرح كهذا لم يكن يعني له شيئاً على أي حال فجسد بارك جين هو كان يحمل ندوباً أكثر بكثير من هذا.
“بهذا المعدّل… يجب أن يكون بالإمكان استكمال الزواج.”
توقّفت يد آيدان عن زرّ القميص عند سماعه كلمات الطبيب.
“استكمال الزواج؟”
أدار رأسه نحو الطبيب، الذي أومأ بابتسامة.
“لم تقضيا ليلتكما الأولى بعد، أليس كذلك؟ كان ذلك مستحيلاً من قبل بسبب الجرح، لكن يجب أن يكون ممكناً الآن.”
وبعد قول هذه النصيحة، حمل الطبيب حقيبته، وانحنى معلناً مغادرته، ثم خرج.
أما آيدان، الذي بقي وحده، فقد نظر بالتناوب إلى بطنه وإلى الباب الذي خرج منه الطبيب، قبل أن يُطلق همهمة طويلة
“هممم…”
استكمال الزواج، إذن.
لم يكن قد فكّر في الأمر إلى ذلك الحد بما أنّ الطلاق كان أساس الاتفاق، فقد ظنّ أنّ كارينا لن تفكّر في استكمال زواجهما أيضاً.
غير أنّ القصر الإمبراطوري لا يمكنه تجاهل أعين الآخرين ولكي يرسّخ مكانته بثبات، كان عليه أن يتصرّف كـأمير حقيقي وفي تلك العملية، كانت علاقته مع كارينا هي الأهم.
“أتُراه سيُغمى عليها إن اقترحتُ استكمال الزواج؟”
ارتسمت ابتسامة لا إرادية على شفتيه وهو يتذكّر كيف احمرّ وجه كارينا بالكامل لمجرّد قبلة.
ومع ذلك، ظنّ أنّها ـ على الأرجح ـ لن ترفض التحدّث عن استكمال الزواج فعلى الرغم من عدم امتلاكها أي خبرة في العلاقات، كانت شديدة التفاني في دورها بوصفها زوجة الأمير لقد بدت كمن وُلد ونشأ لتكون زوجة الأمير.
في البداية، كان يظنّ سلوكها ذلك جافّاً ومملاً، لكن الآن… ماذا عساه يفعل وقد وجد تلك اللحظات الصغيرة من ضعفها لطيفةً إلى حد يبعث على الولع؟
في هذه اللحظة، كان فضوله أكبر حول ردّها على اقتراحه بقضاء موعدٍ معها، أكثر من اهتمامه بحديث استكمال زواجهما.
وبالطبع، لم يكن سيتراجع حتى لو رفضت سواء رغبت أم لا، كان أمامهما نصف عامٍ معاً، ولا تزال الفرص كثيرة كان هذا الاقتراح مجرّد الخطوة الأولى.
التعليقات لهذا الفصل " 32"