3
“لو كنت أعلم أنّ جلالتك، في ليلتنا الأولى، ستغادر القصر لتحتضن سيدة أخرى وتعود وبطنك مثقوب، لما تزوجت بك أبداً.”
كان ردّها الصريح ولكن البارد كفيلاً بجعل آيدان، الذي كان يحدّق بها، يخفض نظره رفع قميصه، فكشف عن بطنٍ مضمّد لم تكن إصابته مميتة، لكن الضمادة التي لوّثها الدم دلت على أنه نزف كثيراً.
تنهد آيدان بصوتٍ منخفض، ثم رفع نظره نحو كارينا مجدداً.
“أفهم سبب غضبك، لكن الأمر حقاً لم يكن أنا.”
عبست كارينا عند سماع هرائه المتكرر.
“أعلم أنكِ لا تصدقينني، لكن هذا هو الحق هذه أول مرة ألتقي بك، وهي أيضاً أول مرة أعيش فيها في هذا العالم.”
“إن كان الأمر كذلك، فذلك أفضل لا داعي للاستمرار في زواجٍ مع شخص غريب، أليس كذلك؟ كل ما على جلالتك فعله هو الموافقة على طلبي بالطلاق.”
لم تصدق هراءه، وكل ما أرادته هو إنهاء مسألة الطلاق دون الخوض في المزيد من النقاش.
“هذا لا يمكن لا نعلم متى سيعود صاحب هذا الجسد الأصلي كيف لي أن أطلقك من تلقاء نفسي ثم أواجه سخطه؟”
هل سيغضب الرجل الذي قضى ليلته مع سيدة أخرى لأنها طلقته؟ بالطبع لا، ذلك مستحيل.
“حتى لو كان جلالتك صادق وقد تبادلَت روحك فعلاً مع شخص آخر، فلن يلومني الأمير الأصلي على الطلاق، بل ربما يرحب به.”
كانت فقط تُقرّ بحقيقةٍ واضحة، لكن آيدان ضحك لماذا ضحك؟ ما المضحك فيما قالته؟
“يبدو أن الرجل لم يكن يحبك فلماذا تزوجتِه إذن؟”
كانت كلماته دقيقة إلى حدٍ جعلها عاجزة عن الرد.
“لهذا السبب أطلب الطلاق الآن…”
“لكن كم عمرك؟”
قاطعها آيدان، فشعرت بالارتباك والإهانة في آنٍ واحد لماذا يسأل عن عمرها؟ ألم يكن يعلم كم عمرها من قبل؟
“أنا أصغر من جلالتك بعامين.”
“وكم عمر هذا الجسد؟”
بدا مصمماً على التمسك بحكاية تبادل الأرواح، فتنهدت بتضجر وقالت إنها في الثانية والعشرين.
“أنتِ أصغر مما توقعت آه، أنا في الأصل في السابعة والثلاثين إذاً، هل يمكنني التحدث معك دون استخدام الألقاب؟ لحسن الحظ، صاحب هذا الجسد أيضاً أكبر منك، فلا بأس بذلك.”
ثم فجأة، أسقط الألفاظ الرسمية وابتسم وهو يلتقي بعينيها مباشرة.
من… هذا الرجل؟
لقد تغيّر صوته كلياً حتى لم يعد يشبه آيدان الذي تعرفه حتى تعابير وجهه أصبحت مختلفة، وكأنه شخص آخر تماماً.
أيمكن أن يكون… صادقاً؟ هل تبادلت روحه فعلاً مع شخص آخر؟
إذن… ماذا سيحدث لطلاقي ؟
راودها الاضطراب وهي تفكر في أن روح آيدان ربما كانت قد تبدلت حقاً هل يمكن أن يحدث شيء كهذا؟ هل لجأت الإمبراطورة إلى نوعٍ من السحر الغريب؟
مهما يكن، فلنفترض أن ما قاله صحيح وبما أنها هي نفسها قد عادت بالزمن ثلاث سنوات إلى الوراء، فربما يمكن أن تتبدل الأرواح أيضاً.
ورغم أنها لم تكن مقتنعة تماماً، إلا أن الفكرة بدأت تتسلل إلى عقلها.
أيدان وقد تبدلت روحه.
ماذا سيكون تأثير ذلك على مستقبله؟ إذا كانت روحه قد تغيرت بالفعل، ألن يصبح من الأهم إنهاء هذا الزواج؟ مهما فكرت في الأمر، كان الاستنتاج هو نفسه أيدان، الذي تم تدريبه وتربيته كأمير، أصبح الآن عديم الفائدة، وبالتالي لا يهم من كان قد حل محله في جسده.
“لنقل إن سموك تقول الحقيقة.”
“ليس فقط لنقل ، بل هي الحقيقة.”
ابتسم مرة أخرى، متلاعبًا بكلماتها، فعبست وهي تشعر وكأنها تخوض لعبة كلمات، فرفع يديه كإشارة إلى أنه لن يستمر في ذلك.
“لا يهم من هو في جسد سموك.”
أجابت كارينا بحزم كانت ستطلب الطلاق على أي حال سواء كان أيدان في جسده أو شخص آخر، فهذا لا يهم سواء حدث ما حدث للعائلة الإمبراطورية بعد ذلك، فلن يكون هذا من شأنها بعد أن يتم الطلاق.
“من فضلك، امنحني الطلاق هذا كل ما أريد.”
“هممم.”
همهم أيدان وهو يفكر في طلب كارينا.
“هل تريدين الطلاق لأنني خنتك في ليلتنا الأولى؟ يبدو أن هذا سبب وجيه.”
أومأ آيدان بجدّية، موافقاً على كلامها نعم، كان محقّاً فذلك تصرّف يبرّر الطلاق في نظر أيّ شخص لقد كانت كارينا تظنّ حتى أنّ آيدان دبّر خيانته عمداً في تلك الليلة الأولى، لأنه لم يكن يريد هذا الزواج منذ البداية لكن ذلك لم يكن سبب رغبتها في الطلاق، فهي لم تكن تتوقّع منه شيئاً كحبيب منذ الأساس
“أليس هذا غريباً؟ لقد قلتِ إن زواجنا لم يكن بدافع الحب.”
توقّفت كارينا ونظرت إليه، وقد شعرت لوهلة وكأنه قرأ ما في ذهنها.
“في الزيجات السياسية كهذا، من المعتاد أن يكون لكلّ طرفٍ عشيق أو ربما هذا ما يحدث فقط في الأفلام.”
قال شيئاً لم تفهمه تماماً، ثم رمقها بنظرة جانبية لم تُكلّف نفسها عناء نفي كلامه، فارتسمت على شفتي آيدان ابتسامة خفيفة.
“وماذا لو قلتُ إنّ بإمكانكِ أنتِ أيضاً أن تحظي بعشيق؟ عندها سنكون متعادلين بالطبع، أنا لم أخنك، لكن إن كنتِ تشعرين بالظلم…”
كانت اقتراحاته، التي قالها بابتسامة مشرقة، كافية لجعل ملامح وجهها تتشنّج غضباً أن تخون بدورها انتقاماً؟ أهذا ما يجب أن يقوله زوجٌ في ليلة زفافه؟
“ليست لديّ أدنى رغبة في الاستمرار بزواجٍ قذرٍ كهذا فلنطلّق بعضنا بوضوحٍ وننهي الأمر.”
لم تتخيّل يوماً أنّها ستضطر إلى الجدال مع آيدان بشأن الطلاق كانت تظنّ أنه سيوافق بسرور ما إن تطرح الأمر لكنّ آيدان بدا الآن وكأنه يحاول تجنّب الطلاق بأيّ ثمن.
“لقد قلتُ لكِ مسبقاً إنّ ذلك صعب.”
أجاب آيدان بهدوءٍ دون تردّد.
“ولمَ هو صعب؟ إذا كان شخصٌ آخر يسكن جسد جلالتك، ألن يكون الطلاق أفضل؟ لتعيش كلّ روحٍ بحرّيتها؟”
بالطبع، سيكون ذلك أكثر تحرّراً لها منه، لكنّها قالتها على أيّ حال.
“كما شرحتُ لكِ من قبل، لا نعلم متى سيعود صاحب هذا الجسد الأصلي.”
اختفت الابتسامة الساخرة من وجه آيدان.
“مع ذلك، أخطّط للبقاء في هذا العالم إن استطعت.”
“في هذا الجسد؟”
ألم يكن هذا الجسد مثقلاً بما يكفي من المآسي؟ زوجة أبّ، وأخٌ غير شقيق، وتهديداتٌ مستمرة لحياته، وفوق ذلك كلّه أميرٌ عاجز.
هل كان يعلم بكلّ هذا؟ لم تستطع كارينا إلا أن تردّ بسخريةٍ خفيّة.
“هل تندمين على اختفاء صاحب الجسد الأصلي؟”
سأل آيدان مبتسماً.
“أبداً!”
لم يكن ذلك أمراً يستحق حتى التفكير.
“هذا مطمئن.”
ما الذي كان مطمئناً بالضبط؟
“في الوقت الحالي، هذا سرّ بيني وبينك فقط.”
غمز بعينه، فعبست كارينا لا إرادياً كان مشهد وجه آيدان وهو يغمز لها غريباً جداً، بل ومخيفاً بعض الشيء.
“لا أستطيع فهم هذا إطلاقاً.”
تنهدت كارينا.
لماذا يرغب في البقاء داخل جسدٍ تحيط به الأخطار من كل جانب؟ جسدٍ قد طُعن للتو في بطنه؟
وفوق ذلك، كان سيُفارق الحياة بعد ثلاث سنوات.
“ولماذا تخبرني بهذا السر؟”
تبدّل الأرواح… روحٌ أخرى في جسد الأمير إن كان ذلك صحيحاً، فهو أمر بالغ الخطورة.
فلو علمت الإمبراطورة، لاستغلّت الأمر لطرده من القصر فوراً.
لذا كان عليه أن يخفي الحقيقة بأيّ ثمن.
“من يدري؟”
ربما كان أكثر غباءً وطيشاً من آيدان الأصلي نفسه.
كيف له أن يبوح بسرّ كهذا بسهولة، دون أن يعرف ما الذي قد تفعله كارينا بعد مغادرتها هذه الغرفة؟
“أولاً، لأن كارينا هيويت هي شريكة هذا الأمير في الزواج السياسي.”
قال آيدان بنبرة هادئة.
“وثانياً، لأن دوقية هيويت هي الأقوى في هذه الإمبراطورية.”
أضاف آيدان بابتسامةٍ ماكرة، موضحاً أن الخادم شرح له هذا على عجل قبل دخول كارينا.
ويبدو أنهم كانوا قلقين من إثارة غضب دوقية هيويت بعد حادثة الليلة الماضية.
“إذا كانت عائلة كهذه قد زوّجت ابنتها، فلا بد أنهم يطمعون في جعل هذا الأمير إمبراطوراً يوماً ما.”
تجمّدت ملامح كارينا للحظة والتقت عيناهما بصمت.
رغم مظهره السخيف، إلا أنه أدرك الموقف بدقّة مدهشة بمجرد سماع شرحٍ مقتضب من أحد الخدم.
“سواء وُجد حبّ بينكما أم لم يوجد، فذلك أمر ثانوي الزيجات السياسية دائماً تدور حول المنفعة المتبادلة وصراعات النفوذ.”
قال آيدان وكأن استنتاجه أمرٌ بديهي.
“والسبب الثاني، لأن السيدة طلبت الطلاق فور لقائنا.”
كانت نبرته في هذا الجزء مازحة بعض الشيء، وحين ضيّقت كارينا عينيها ونظرت إليه بحدة، ابتسم آيدان وأكمل حديثه.
“محاولة إبطال زواجٍ بين الدوقية والعائلة الإمبراطورية بعد ليلةٍ واحدة بسبب خيانة؟ أليس ذلك غريباً؟ خاصة وأن الزواج لم يكن قائماً على الحبّ أصلاً.”
لم تجد ما تردّ به على هذا.
ففي الحقيقة، كانت كارينا قد تجاهلت خيانة آيدان تماماً، إذ لم تكن تتوقع منه حباً من البداية، ولهذا حافظت على كبريائها دون اكتراثٍ بعلاقاته.
“امرأةٌ دخلت القصر وهي تحمل غاية واضحة، تطلب الطلاق فجأة؟ من الطبيعي أن أظنّ أن شيئاً كبيراً قد غيّر رأيها… رغم أنني لا أعلم بعد ما هو.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 3"