2
في طريقها إلى قصر الأمير، التقت بالعديد من الخدم انحنوا بأدبٍ لدى رؤيتها، ولكن ما إن تجاوزتهم حتى بدأوا يتهامسون كانت شائعات هجر الأمير لزوجته في الليلة الأولى قد انتشرت على نطاق واسع وفوق ذلك، فإن تعرض آيدان للهجوم أثناء استمتاعه بلقاء غرامي مع امرأة أخرى جعل القيل والقال أكثر إثارة.
لو أن آيدان قد مات في الهجوم، لربما لم تكن لتُجرَّ إلى هذه الفوضى عبرت مثل هذه الأفكار عقلها فيما كان غضبها يشتدّ.
عندما وصلت إلى غرفة نوم آيدان انحنى الحراس عند الباب انحناءة عميقة.
“أعلِنوا عن وصولي.”
بأمرٍ من كارينا، دخل أحد الخدم إلى الداخل، ومرّ وقت ليس بالقصير كان الأمر مجرد إعلان حضورها، فلماذا استغرق كل هذا الوقت؟ وبينما كانت تتساءل عما إذا كانت حبيبته في الداخل، فُتح الباب قبل دخول غرفة النوم، أخذت كارينا نفسًا عميقًا.
التفت آيدان الذي كان متكئًا على السرير وينظر من النافذة، عندما دخلت بدا وجهه شاحبًا جدًا، ربما بسبب فقدان الكثير من الدم وعلى الرغم من ذلك، لم يبهت مظهره الوسيم لا عجب أن النساء ظللن يتهافتن على هذا الرجل الأحمق.
“اذهبوا جميعًا، وأتركنا .”
قبل أن تتمكن كارينا من المطالبة بذلك، صرف آيدان الخدم أولًا.
“كارينا؟”
لسبب ما، بدا طريقة نُطقه لاسمها مختلفة عن المعتاد وبينما كان يراقبها بهدوء، ابتسم بلطف لكن كارينا حدّقت في وجهه ببرود.
“هل كنتِ قلقة؟”
“كلا لسوء الحظ، لم أكن قلقة على الإطلاق.”
تجمدت ابتسامة آيدان عند كلماتها الفظة.
“أرجوك أن تمنحني الطلاق هذا ما جئت لأقوله.”
لقد دخلت في صُلب الموضوع مباشرة لم ترغب حتى في إضاعة الوقت في التحدث إليه.
“أنا آسف، ولكن هذا سيكون صعبًا.”
كانت إجابة غير متوقعة ظنت أنه سيوافق على الطلاق دون تردد للحظة.
“أنا لست آيدان غريفيث الذي تعرفينه، أنا شخص مختلف تمامًا لسوء الحظ، يبدو أن روحي تبادلت الأجساد مع زوجك، آيدان.”
ما الذي يتحدث عنه بحق الجحيم؟ تبادل الأجساد؟ ومع من؟
لم تستطع كارينا أن تفهم لماذا يحاول آيدان خداعها بمثل هذا الهراء.
“دعنا نغيّر الموضوع في الليلة الماضية، يا صاحب السمو، تركتني، وأنا زوجتك حديثة الزواج لتلتقي بامرأةٍ أخرى في موعدٍ غرامي أنظر إلى النتيجة الآن.”
كانت كلماتها قاسية بسبب مشاعرها، لكنها لم تُبالِ بعد اليوم، لن تضطر إلى رؤية ذلك الرجل البغيض مجددًا لم يكن هناك داعٍ لأن تبدو حسنة أمامه، ولا سبب لتضع في اعتبارها ظروفه، ولا حتى لتعامله بالاحترام الواجب للأمير.
على مدى ثلاث سنوات عاملته بالاحترام الذي يليق بالأمراء، لكن آيدان لم يُظهر ولو مرة واحدة أي سمة من سمات الأمير.
كان يتذرع بالأعذار ليتجنب الواجبات الإمبراطورية، وعندما كان يحضرها في مرات نادرة، كان يتثاءب كثيرًا لدرجة تُشعر النبلاء الآخرين بالحرج وهم يشاهدونه وفوق ذلك، كانت نتائجه في البطولات الفروسية مزرية، مما يدفع المرء للتساؤل أين ذهبت كل مهاراته في السيف والرماح التي تعلمها منذ طفولته.
وفوق كل ذلك، لم يكن هناك نهاية للشائعات ففي كل حفلٍ كان يحضره، تتبدل السيدة التي ترافقه، حتى إن إحداهنّ جاءت إلى كارينا في النهاية تدّعي بأنها تحمل في أحشائها طفل آيدان.
لم يكن فيه أي شيء يعجبها راقبته طوال ثلاث سنوات، مؤمنةً بأنه قد يتغير، لكن صبرها خلال ذلك الوقت كان قد نفد.
لذا، فإن كونها قاسيةً قليلًا الآن لا يُعد شيئًا يُذكر كانت تكبح رغبتها في أن تمسكه من ياقة ثوبه وتصرخ في وجهه بأنه المسؤول عن موتها.
” لقاءٌ غرامي… لا شيء لديّ لأقوله، بما أنني لست من فعل ذلك”
جعلها رده الهادئ تقبض على قبضتيها بإحكام ظنّت أنه لم يكن بهذا القدر من الوقاحة، لكن ربما كانت مخطئة لم يسبق لها أن اشتكت علنًا من علاقات آيدان العابثة، لذا لم تكن تعرف.
” كما قلتُ سابقًا، لقد تبدلت روحي مع آيدان الذي تعرفينه.”
عضّت كارينا على أسنانها وحدّقت به غاضبة كان من الأفضل له أن يعترف بلقائه امرأة أخرى على أن يتفوّه بمثل هذا الهراء تبدلت روحه؟ يا للسخافة.
” إذن، أنتِ وصاحب هذا الجسد تزوجتما بالأمس؟ “
ما الذي يجري؟ هل أصيب في رأسه أثناء الهجوم؟ أكان غبيًّا إلى هذا الحد دائمًا، أم ازداد غباءً؟ بدأ رأسها يؤلمها.
” إذن، تزوجتما بالأمس، وخانك في ليلة زفافكما؟ يا له من وغدٍ مجنون.”
ارتجفت عند سماع كلماته الأخيرة هل نطقت أفكارها دون قصد؟ عبست ونظرت إليه كان الأمر يزداد غرابة لم يكن قد فقد ذاكرته فحسب، بل إن طريقته في الكلام وتعابير وجهه تختلف تمامًا عن آيدان الذي عرفته.
” ولمَ تزوجتِ مثل هذا الرجل؟ آه، هل كان زواجًا سياسيًّا؟”
هل كان يسأل حقًا عن سبب زواجهما؟ عضّت كارينا شفتها السفلى وهي تحدّق في وجهه بغضب.
صحيح… لمَ كان عليه أن يكون هو؟ حين تتذكر الأمر الآن، تدرك أن ذلك كان الخطأ منذ البداية.
كان آيدان الأمير الثاني لإمبراطورية غريفيث لُقِّب بالأمير الثاني لأنه وُلد بعد الأمير الأول لويد ببضعة أشهر، غير أنه من حيث الشرعية كان ينبغي أن يكون هو الأمير الأول فقد كان آيدان الوريث الوحيد لسلالة الإمبراطورة الراحلة، التي توفيت قبل أكثر من عقدٍ من الزمان.
لكن الوضع تغيّر عندما أصبحت الماركيزة ماكوي ــ عشيقة الإمبراطور وأم لويد الحقيقية ــ إمبراطورة رسمية عندها ظهرت فئة من البلاط تصرّ على أن لويد، بصفته ابن الإمبراطورة الرسمية، هو الأمير الشرعي ومع النفوذ القوي للإمبراطورة الحية، أصبح آيدان فجأة يُدعى بالأمير الثاني.
بالطبع، وُجدت أيضًا فئة معارضة لذلك وكان ممثلها الأبرز دوقية هيويت فدوق هيويت، وهو ابن عم الإمبراطورة الراحلة، كان دائمًا يؤكد أن العرش يجب أن يؤول إلى آيدان.
وحين اقترح الإمبراطور زواج آيدان من ابنة دوقية هيويت، ضجّ النبلاء بالخبر كانت دوقية هيويت أقوى وأغنى أسرة في الإمبراطورية بعد العائلة الإمبراطورية نفسها ونشأت كارينا في تلك الأسرة العريقة، وتلقت منذ صغرها تعليماً يهيئها لتكون الإمبراطورة القادمة.
وفوق ذلك، كانت كارينا تتمتع بجمالٍ باهر؛ شعرها الطويل المموج بلونٍ ذهبيٍ مشرق، وعيناها الزرقاوان، ووجهها النحيل، وعيناها اللوزيتان ذات الأهداب الطويلة، وأنفها المرتفع، وشفاهها الحمراء النضرة… لم ينقصها شيء كانت مثالية في الذكاء والجمال معًا.
المرشحة المثالية لتكون الإمبراطورة القادمة ــ هكذا كان يصفها الجميع.
كان النبلاء يعتقدون أن من يتزوج كارينا من دوقية هيويت، سواء كان لويد أم آيدان، سيصبح الإمبراطور القادم ولهذا، استشاطت الإمبراطورة ولويد غضبًا من قرار الإمبراطور، وانقسم النبلاء إلى فئتين: واحدة تؤيد لويد، وأخرى تدعم آيدان، مما أثار اضطرابًا واسعًا في البلاط.
لقد ارتبط زواج كارينا منذ البداية بشتى القوى المحيطة والمصالح السياسية وكما هو الحال في معظم الزيجات السياسية، لم تُؤخذ مشاعرها بعين الاعتبار لكنها لم تُبالِ فقد كانت تؤمن بأن من واجبها، بوصفها ابنة دوقية هيويت التي نشأت فيها، أن تصبح إمبراطورة كانت تعتقد أنه إن أصبحت زوجة لآيدان وجعلته إمبراطورًا، فستصبح هي إمبراطورة عظيمة.
كان الشخص الذي حطّم حتى ذلك البصيص من الأمل هو آيدان، خطيبها المستقبلي.
قال: ” لا أرغب في الزواج منك.”
تلك كانت أولى كلمات آيدان حين التقيا قبل الزفاف ما الذي لم يعجبه فيها؟ كانت كارينا المرأة المثالية التي يتمناها أيّ ابنٍ من أبناء النبلاء لُقِّبت بـزهرة الجرف إذ كان الجميع يظنّ أنّها ستتزوج أحد الأمراء، ولم يجرؤ أحد على مدّ يده إليها.
[ زهرة الجرف : تشبيه لامرأة جميلة يصعب الوصول إليها.]
ة “إن تزوجتكِ، فالإمبراطورة ولويد سيزدادان يأسًا في محاولتهما لقتلي.”
وكان ذلك، على نحوٍ غريب، سبب رفضه لها ولو نظرت إلى الأمر الآن، لعلمت أن نذير الشؤم بدأ من هناك بالنسبة إلى كارينا، التي تزوّجت من أجل أن تجعل آيدان إمبراطورًا، لم يكن هناك تصريح أكثر سخرية من هذا.
“لا أطلب مساعدة دوقية هيويت كل ما أريده هو أن أعيش بهدوء، بعيدًا عن الأنظار.”
لم تكن لديه أي طموحات كأمير وربما لأنّه أمضى أكثر من عقدٍ من الزمن يعيش في خوفٍ من الإمبراطورة، فقد كان يراقب ردود أفعالها حتى أثناء حديثه مع كارينا.
“بغضّ النظر عن إرادتك يا صاحب السمو، فإن هذا الزواج سيتم جلالة الإمبراطور ووالدي يريدانه.”
لم تُعر كارينا كلمات آيدان أيّ اهتمام كانت تعلم أنّها القطعة الأخيرة التي ستحسم أيّ الأميرين سيصبح الإمبراطور القادم كانت على وعيٍ تامٍ بتلك الحقيقة ولهذا كانت واثقة لم تشكّ لحظةً في أنّ آيدان سيصبح الإمبراطور بدعمها ودعم دوقية هيويت.
كان ينبغي لها أن تُلغي ذلك الزواج السياسي حينها لكن الندم جاء بعد فوات الأوان.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 2"