“سموك ممتازة في كل شيء، لكنك كنتِ تعانين دائمًا من مشكلة الانغماس الزائد عندما تركزين على أمر ما منذ أن قلتِ إنك ستدخلين القصر، والدوقة قلقة للغاية حتى إنك تتخطين وجباتك عندما تنشغلين بشيء ما.”
استبدلت ثرثرتها هذه بالسبب الذي جعلها تحضر السندويشات.
“إن كان هناك أي شيء أستطيع مساعدتك فيه، فرجاءً أخبريني في أي وقت رغم أنني قد لا أكون ذات فائدة كبيرة.”
هزّت برنيس كتفيها وهي تقول الجزء الأخير.
“أنتِ بالفعل تقدمين لي مساعدة كبيرة.”
“إذًا، ربما لا تثقين بي.”
قالت ذلك بنبرة فيها شيء من الدلال والعتب.
“أنني لا أثق بكِ؟ كيف يمكن ذلك؟”
غدت كارينا جادة لم يكن هناك سبب واحد لعدم ثقتها ببرنيس ، فهي أكثر شخص رافقها منذ الطفولة، نشأتا معًا كأختين.
بل إن برنيس، في حياتها السابقة، وقفت دون تردد في وجه لويد حتى اللحظة الأخيرة، ولهذا السبب تحديدًا كانت قد ماتت قبل كارينا.
كانت برنيس أكثر شخص تثق به كارينا في هذا العالم، وربما أكثر حتى من والديها.
“لكن في الآونة الأخيرة، أصبحتِ تخفين شيئًا باستمرار.”
برنيس، التي عرفت كارينا طيلة عمرها، كانت تفهمها جيدًا أيضًا بدا أنها تشعر بأن كارينا قد تغيرت عمّا كانت عليه من قبل.
“برنيس، ذلك لأن…”
فتحت كارينا فمها، لكنها لم تعرف ماذا تقول.
هل تخبرها بأنها عادت ثلاث سنوات إلى الماضي؟ أم بأنها رأت برنيس تموت أمام عينيها بعد ثلاث سنوات؟
في الحالتين، لم تستطع الكلمات أن تخرج.
لم يكن السبب أنها ظنت أن برنيس لن تصدقها، بل لأنها لم ترغب في أن تجعلها على علم بتلك الأمور الرهيبة التي حدثت.
بل كانت تفكر فيما إذا كان من الأفضل أن تُبعدها عن القصر أولاً.
كانت تعتقد أن برنيس قد ماتت في النهاية لأنها هي من أحضرتها إلى القصر.
“ألا تشتاقين إلى إخوتك؟”
عندما غيّرت الموضوع فجأة، نظرت إليها برنيس بنظرة توحي وكأنها تقول: ما هذا الكلام الغريب؟
“إخوتك ما زالوا صغارًا.”
“لكنهم في الثالثة عشرة والخامسة عشرة من العمر وسنسمع قريبًا عن مراسم بلوغهم.”
“ألن يكون من الأفضل لكِ أن تبقي بجانبهم بدلًا من البقاء معي في القصر؟”
“لماذا تقولين هذا فجأة؟ أنا أحب أن أكون بجانب سموك.”
أجابت برنيس بجدية.
فبعد أن قضت مع كارينا وقتًا أطول من الذي قضته مع إخوتها منذ الصغر، كان ذلك أمرًا طبيعيًا.
“لماذا تقولين مثل هذا الكلام؟ أيمكن أن وجودي يزعجكِ؟”
أظلم وجهها، وكأنها فكرت بالأمر من كل جوانبه.
أسرعت كارينا بهز رأسها وأمسكت بيد برنيس.
“ليس الأمر كذلك فقط… هذا المكان… داخل القصر الإمبراطوري، أكثر مما توقعتِ…”
تدحرجت كلمة خطر على طرف لسانها لكنها ابتلعتها.
لو قالتها، لكانت برنيس أصرّت أكثر على البقاء بجانبها.
“إنه خانق كنت أظن أنه ينبغي لكِ أن تلتقي بأناس طيبين وتحظي بفرص مناسبة، لكنني أتساءل إن كنت لا تحصلين حتى على مثل تلك الفرص هنا.”
كان العذر الذي نسجته بنفسها يبدو بائسًا حتى في نظرها.
ضحكت برنيس قائلة إنه لا داعي للقلق بشأن ذلك.
“من المدهش أنك تستطيعين فعل كل شيء داخل القصر أيضًا عندما تجتمع اثنتان أو ثلاث من الخادمات، ينشغلن بالحديث عمن هو الوسيم، ومن رأينه يلتقي سرًّا بمن الحياة متشابهة في كل مكان يعيش فيه الناس، في النهاية.”
وأثناء قولها هذا، عبست كما لو أنها تذكرت شيئًا ما.
“أوه، بالمناسبة، أتمنى أن تمتنع سموك عن لقاء السير كاي.”
“السير كاي؟”
رمشت كارينا بدهشة عند ذكر فارس آيدان.
“هناك مجموعة من الناس ينشرون شائعات سخيفة بأن سموك قد أُعجبت بالسير كاي أظن أنهم يفكرون بتلك الطريقة الغريبة لأن السير كاي كان يأتي ويذهب إلى هنا مؤخرًا.”
عبست برنيس مستنكرة، متسائلة أي نوع من العقول تفكر بمثل تلك الأمور.
تنهدت كارينا أيضًا يبدو أن مجيئه المتكرر لتقديم تقارير عن التحقيق في الهجوم بدا للآخرين وكأنه أمر آخر تمامًا.
“وفوق ذلك، تنتشر همسات تقول إن أحدهم رآكِ تتدربين على الرقص مع السير كاي.”
كان صحيحًا أنهما تدربا على الرقص معًا، لكن آيدان كان موجودًا أيضًا ومع ذلك، الناس لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، ويتحدثون كما يحلو لهم.
“لا أعلم لماذا يحب الناس الخوض في شؤون الآخرين إلى هذا الحد ألا يجدون ما يشغلهم؟”
وبينما كانت برنيس تتذمر نيابة عنها، ابتسمت كارينا ابتسامة باهتة، لكنها توقفت فجأة حين خطر لها شيء ما.
“إنهم يقولون أشياء سخيفة مثل احتمال استبدال زوجة الأمير، حتى إنني أكاد أقتلع شعرهم من الغيظ!”
تذكرت برنيس وهي تتذمر بالطريقة ذاتها أمامها في السابق.
كان ذلك عندما أخبرتها أن كيت سبنسر تدخل وتخرج من غرفة آيدان يوميًا لتعتني به.
‘*إحدى الخادمات اللاتي كنّ ينظفن غرفة سموه توقفت فجأة عن الحضور يقولون إنها قد طُردت ويُقال إن الآنسة سبنسر لم تكن تحبها.’*
في ذلك الوقت، لم تُعر كارينا الأمر اهتمامًا، لكنها الآن حين فكرت بالأمر، بدا لها غريبًا.
آيدان طرد خادمة كانت تنظف غرفته؟ فقط لأن كيت سبنسر وجدتها مزعجة؟
هل آيدان وكيت اللذان تعرفهما كارينا من النوع الذي قد يفعل أمرًا كهذا؟
هل يُعقل أن…؟
سحبت كارينا إصبعها بسرعة على طول القائمة الموضوعة على الطاولة.
وتوقّف إصبعها في منتصفها، عند اسم الخادمة التي كانت تنظف غرفة آيدان.
***
كان الحفل على بُعد يوم واحد فقط في وقتٍ متأخرٍ من المساء بعد العشاء، جاء الطبيب ليُبدّل ضمادات آيدان ويفحص جراحه.
“لحسن الحظ، الجرح يلتئم جيدًا، لكن ينبغي أن تكون حذرًا كي لا تُرهق موضع الإصابة.”
كرر الطبيب كلماته المعتادة بآليةٍ مألوفة، إذ كان يزوره كل يومين أومأ آيدان بلا اهتمام وهو يُزرّر قميصه.
“لديكم هنا شيء مثل مسكّنات الألم، أليس كذلك؟”
“مسكّنات؟”
ربما بدا سؤاله غريبًا، لكن الطبيب ركّز على كلمة مسكّنات وحدها.
“لقد خلطتُ بالفعل أعشابًا مسكّنة للألم في الدواء الذي يتناوله سموك هل الألم شديد؟”
“إنه محتمل الآن، لكني أودّ الحصول على بعض المسكّنات الإضافية احتياطًا للغد.”
عند طلب آيدان، ألقى الطبيب نظرة على بطنه في الواقع، كان الجرح عميقًا للغاية.
عندما رآه للمرة الأولى، كان قلقًا من أن سموه قد لا يستعيد وعيه أبدًا، لكن وعيه عاد أسرع مما توقع.
ولم يشتكِ قائلًا إن الألم لا يُطاق، بل كان أحيانًا يمازح الطبيب بروحٍ طيبة.
ومع ذلك، أثناء تطهير الجرح، كان واضحًا أنه يعضّ على أسنانه ويكتم أنينه.
لم يكن بخير، بل كان يتحمّل بصمت.
والطبيب، على الأقل، كان الوحيد الذي أدرك حالته بدقّة.
“هل من الضروري حقًا أن تحضر الحفل؟ برأيي، من الأفضل ألا تُجهد نفسك قدر الإمكان وإن لزم الأمر، يمكنني أن أرفع تقريرًا طبيًا إلى جلالته.”
فالاستلقاء دون حركة والتظاهر بأن الأمور على ما يرام أمر، والنهوض والتحرك بل والرقص في حفل أمر آخر تمامًا.
كان الطبيب متشككًا جدًا في قدرة آيدان على حضور الحفل حقًا.
“سأحضر.”
لم يكن الأمر سؤالًا عمّا إذا كان يستطيع أو لا يستطيع.
فعند جواب آيدان الحازم، كتم الطبيب تنهيدة.
مهما حاول إقناعه، كان جوابه محسومًا مسبقًا.
“سأكون ممتنًا لو تمكنت من إحضار مسكّنات قوية.”
قال آيدان مبتسمًا وهو ينظر إلى الطبيب.
لم يستطع الطبيب فهم سبب طلبه لمسكّنات قوية وهو بالفعل يجهد نفسه أكثر مما ينبغي.
“سأرسل شخصًا إليك صباح الغد الباكر.”
“وإن أمكن، أريدها بطريقه يسهل تناولها في أي وقت ، فالعقاقير المغلية صعب حملها والتنقل بها.”
ازدادت ملامح الطبيب قلقًا عند سماعه تلك الإضافة.
“الأدوية القوية قد تُسبب آثارًا جانبية قد تُشعرك بالغثيان أو الدوار، لذا من الأفضل ألا تتناولها إلا للضرورة القصوى.”
“حسنًا.”
على خلاف الطبيب الذي كان يتحدث بجدية، أجاب آيدان بخفةٍ لا مبالاة فيها.
ابتلع الطبيب تنهيدةً حبيسة.
لقد بدا مختلفًا بطريقة ما عن آيدان الذي عرفه منذ الطفولة.
تساءل إن كان هذا حقًا هو الشخص نفسه الذي كان يرتجف ويرفض مغادرة غرفته لمجرد خدش بسيط، مدّعيًا أن أحدهم يحاول اغتياله.
“أكرر، من فضلك كن حذرًا جدًا كي لا يُفتح الجرح مجددًا…”
“كفى، لقد قلتَ ما فيه الكفاية المزيد وسيُصبح الأمر ثرثرة.”
رغم أن وجهه كان يحمل ابتسامة، إلا أن هناك ضغطًا غريبًا في نبرته.
ابتلع الطبيب أنينه وانحنى برأسه متراجعًا خطوة إلى الخلف.
وفي تلك اللحظة، سُمع طَرقٌ على باب غرفة النوم.
“خياط البلاط الإمبراطوري قد جلب الزي الرسمي المكتمل الخاص بالحفل.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"