“هل ستكون قادراً على الحركة؟”
سألت كارينا، وهي تكتم تنهيدة في صدرها.
“أظنّك تأخذ الأمر باستخفاف شديد الأمر ليس مجرد حفلة شاي عادية، بل مأدبة إمبراطورية تستضيفها الإمبراطورة بنفسها لن يحضرها معظم النبلاء فحسب، بل حتى أفراد العائلات الملكية من الدول المجاورة سيشاركون فيها سنضطر إلى تحيتهم جميعاً والرقص أمامهم في ذلك اليوم.”
كانت فصيلة الإمبراطورة تبحث عن أي فرصة لتصيد الأخطاء لآيدان أمامهم، لن يُتسامح حتى مع أصغر خطأ ورغم تذكيره بهذه الحقيقة، لم يبدُ على آيدان أي توتر يُذكر.
“إذن علينا فقط أن نتجنب ارتكاب الأخطاء، أليس كذلك؟”
بدا جوابه لا يتسم بالهدوء فحسب، بل بدا منفصلاً عن الواقع تماماً للأسف، حتى لو كان قد حفظ وجوه جميع النبلاء، فإن التعامل معهم مسألة أخرى تماماً علاوة على ذلك، كانت المشكلة الأكبر هي الرقص ووفقاً لما قاله بنفسه، فقد عاش في مكان مختلف تماماً عن إمبراطورية غريفيث فهل يمكن لشخص كهذا أن يؤدي رقصة تليق بالآداب الإمبراطورية؟ على الأرجح لا.
“هل تعرف كيف ترقص؟”
“يعتمد على نوع الرقصة، أليس كذلك؟”
بدأ رأسها يؤلمها من رده اللامبالي.
“من المؤكد أنك لا تظن أنه يمكنك أن ترقص كما يحلو لك في المأدبة؟”
“بالطبع لا.”
تساءلت في داخلها ما الذي يمنحه هذه الثقة المفرطة؟
“إذن يجب أن نبدأ تدريبات الرقص فوراً.”
“حسناً…”
جاء جوابه هذه المرة غامضاً بعض الشيء، وعندما ضيّقت عينيها نحوه، ابتسم آيدان ابتسامة مشرقة.
“متى من المقرر إقامة هذه المأدبة؟”
“بعد خمسة أيام من الآن.”
“خمسة أيام… قد يكون ذلك وقتاً كافياً نوعاً ما؟”
عقدت كارينا حاجبيها بقلق أمام إجابته الملتبسة.
“صحيح أنه من الصعب عليّ الحركة الآن، لكن بعد خمسة أيام سأكون في حالٍ أفضل مما أنا عليه.”
“مذهل أنك تظن أنك تستطيع التغير كثيراً خلال خمسة أيام فقط.”
لم تكن نيتها السخرية منه، بل كانت فعلاً تتساءل إن كان من الممكن أن يتغير شيء في غضون أيام قليلة فقط.
“بما أن المأدبة بعد خمسة أيام، فهذا يعني أنك بحاجة لتعلّم الرقصة قبل ذلك، لكنك قلت بنفسك إنك لا تستطيع الحركة الآن، أليس كذلك؟ إذا لم تتمكن من الرقص كما ينبغي في المأدبة، فلن نحصل سوى على الانتقادات.”
رغم قلق كارينا الواضح، لم يُبدُ على آيدان أي إحساس بالأزمة بل كان على شفتيه ابتسامة لطيفة.
“ما رأيك، ماذا كان سيفعل الأمير الأصلي في مثل هذا الموقف؟”
ترددت للحظة عند سؤاله المفاجئ تذكرت المأدبة نفسها من حياتها السابقة، وتذكرت كيف تصرف آيدان حينها.
“كنتَ لن تحضرها على الإطلاق.”
برد صوتها وهي تستحضر تلك الذكرى أجل، في حياتها السابقة، قبل أن يتغير آيدان، لم يحضر المأدبة مطلقاً، متذرعاً بأنه مصاب ومتوعك حتى حينها، كانت الإمبراطورة ولويد عازمين على إحراجه، مصرّين على إقامة المأدبة رغم علمهم بأنه كان قد تعرّض لهجوم وما زال طريح الفراش.
**سأكون أضحوكة إن ذهبت على أي حال، لا أريد الذهاب.**
كان آيدان آنذاك قد رفض حضور المأدبة بإصرار، وبشهادة الطبيب الذي أكد أنه غير قادر على الحركة بعد، تغيب عن الحدث بكل فخر.
“عدم الحضور، إذن… وإن لم أذهب، ماذا عنكِ؟”
عند سؤاله، عضّت كارينا شفتها السفلى قبل أن تُفلتها ببطء كانت تلك المأدبة التي رتبتها الإمبراطورة احتفالاً بوصول الأميرة الجديدة إلى القصر الإمبراطوري وعندما أبلغت كارينا أن آيدان غير قادر إطلاقاً على الحضور، قالت الإمبراطورة إنه على الأقل ينبغي لكارينا أن تحضر بنفسها.
وفي النهاية، حضرت كارينا أول مأدبة تُقام في القصر الإمبراطوري بعد زواجهما وحدها، دون آيدان ومع غياب شريكها في الرقص، اضطرّت إلى الجلوس طيلة الحفل دون أن ترقص مع أحد، متحملة الهمسات والنظرات الجانبية من الجميع في ذلك الوقت، كان آيدان في حجرته، تتولّى كيت سبنسر تمريضه.
تذكّر ذلك جعل صدرها يضيق من الغضب مجدداً أي نوع من الإهانة كانت قد تحملتها طوال تلك المأدبة بسبب ذلك الأحمق عديم القيمة؟ حتى وهي تعلم أن الشخص الواقف أمامها الآن يملك روحاً مختلفة، شعرت برغبة في صفع هذا الآيدان أيضاً.
“لماذا أصبحت ملامح وجهك مخيفة فجأة؟”
يبدو أنّ ملامح كارينا تجمّدت ببرودٍ أكثر مما كانت تتخيل سألها آيدان، وقد بدا عليه أنه لم يفهم السبب.
صحيح، هذا الرجل مختلف.
ذكّرت نفسها بذلك مجدداً، وأخذت نفساً طويلاً وهادئاً ولمّا هدأت مشاعرها المتقلّبة قليلاً، التقت بنظرات آيدان.
“حتى لو لم يحضر سموّك، فربما سأضطر إلى الذهاب على أي حال فهذا الحدث أعدّته جلالة الإمبراطورة للاحتفال بانضمام الأميرة الجديدة إلى القصر الإمبراطوري.”
شاءت أم أبت، كان عليها الحضور والمحافظة على مكانتها تلك كانت وظيفة كارينا كـزوجة الأمير
“إذن ما الذي يدعو للقلق؟ أياً كانت حالتي بعد خمسة أيام، من الطبيعي أن أحضر مثل هذا الحدث.”
اتسعت عينا كارينا دهشةً من كلماته لم تكن إجابةً تتوقعها أبداً فكرة أن من الطبيعي أن يرافقها زوجها في حدث يُقام للاحتفال بوصولها إلى القصر كانت غريبة وصادمة في آنٍ واحد لم تتلقَّ مثل هذا القدر من الاهتمام من آيدان في حياتها السابقة قط، ولهذا تفاجأت، رغم أن الأمر كان من المفترض أن يكون بديهياً.
“لا تقولي إنك كنتِ تنوين الحضور وحدك لو لم أستطع الذهاب فعلاً؟ هذا كثير.”
كان قوله الأخير هذا كثير يبدو كمزاح، إذ كانت ابتسامة مرحة تلوح على شفتيه.
“لن يحدث ذلك إطلاقاً، فلا تقلقي لكن لديّ طلب صغير.”
“وما هو؟”
“أولاً، ابحثي عن شريك رقص ليتدرّب معكِ.”
شريك رقص ليتدرّب معي؟ تساءلت عمّا يقصده بذلك.
“سأتمكن من الحركة بطريقه ما خلال خمسة أيام، لكن من غير الممكن أن أتدرّب على الرقص الآن لذا، أريدك أن تُريني كيف ترقصين مع شخصٍ آخر.”
أن تُريه؟ أيمكن أن يكون…؟ وبينما كانت تعبس متسائلة عمّا إذا كانت تخمن بشكل صحيح، أجاب آيدان أولاً
“سأحفظ الرقصة كاملة.”
كادت أن تنطق بكلمة ماذا؟ من بساطة جوابه المبالغ فيها لقد أثبت قدرته على الحفظ بالفعل عندما حفظ صور النبلاء عن ظهر قلب بل إنه فهم وحفظ بدقة كميةً هائلة من كتب التاريخ والجغرافيا التي قرأها خلال الأيام الماضية.
لكن إدخال المعلومات المكتوبة إلى الدماغ شيء، وتحريك الجسد وفقها شيء آخر تماماً حتى كارينا نفسها، عندما كانت تتعلم الرقص في طفولتها، كانت تظن أنها تفهم الخطوات بعقلها، لكنها كثيراً ما داست على قدمي شريكها أثناء التنفيذ الفعلي.
“الرؤية والفعل شيئان مختلفان تماماً، كما تعلم.”
فكون المرء جيداً في الدراسة لا يعني بالضرورة أنه يستطيع تطبيق كل ما يتعلمه بإتقان فالرقص مهارة لا تُكتسب إلا بتحريك الجسد فعلياً.
“ألستِ تثقين بأخيكِ الكبير؟”
أخي الكبير؟ عبست تلقائياً عند كلماته المازحة.
“يمكنكِ الوثوق بي لن أرتكب أي خطأ على الإطلاق، لذا لا تقلقي.”
لم تستطع مجاراة آيدان الذي كان يتأرجح بين الجدّ والمزاح بخفّة.
“وإن أمكن، فالأفضل أن يكون شخصاً لا ينشر ما يراه للخارج ما رأيك بـكاي ؟ إنه يحرس هذا الباب طوال اليوم على أي حال، لذا سيكون جيداً لو تمكن من تخصيص بعض الوقت للرقص معك أمامي.”
الاستماع إليه جعل رأسها يدور.
بعض الوقت؟ هل قال لتوّه بعض الوقت؟
هل يقصد أنه سيحفظ الرقصة ويتبعها من دون أن يتحرك فعلياً، فقط بمشاهدتها خلال تلك الفترة القصيرة؟ لم تستطع أن تميّز كم من كلامه كان جادّاً وكم منه مجرد تباهٍي فارغ.
كانت المأدبة بعد خمسة أيام، وإذا استثنت يوم المأدبة واليوم الحالي، فبقي فعلياً ثلاثة أيام فقط للتحضير ثلاثة أيام فحسب.
ورغم أنها كانت ترى أنه من غير المنطقي الادعاء بإمكانية حفظ الرقصة لمجرد المشاهدة خلال فترة قصيرة كهذه، إلا أن جزءاً صغيراً منها راودَه أملٌ عبثي بأنه، إن كان هو، فقد يكون ذلك ممكناً.
“وإن لم ينجح الأمر فعلاً، يمكننا إيجاد عذرٍ ما في ذلك اليوم.”
لم يكن هناك خيار آخر على أي حال لقد كان من الجدير بالثناء أنه أبدى استعداده لحضور المأدبة، على عكس آيدان السابق.
وإن رأت في ذلك اليوم أنه عاجز تماماً عن الرقص، فيمكنها أن ترفض الرقص معه بنفسها وإذا امتنعت الزوجة الرسمية عن الرقص مع زوجها، فلن يجرؤ أحدٌ آخر على الرقص معه بالطبع، الأمر نفسه سينطبق على كارينا، لكن ما إذا كانت ستتمكن من الرقص أو لا لم يكن مهماً حقاً.
ربما يؤدي رفضها الرقص مع آيدان إلى انتشار شائعات عن خلافٍ بينهما، لكن ذلك قد يكون أفضل من أن يُكشف أنه مصاب إلى حدّ يمنعه من الرقص.
ومع ذلك، وإن أمكنها أن تُظهر مظهراً ودوداً ومحبّاً معه طوال المأدبة، فقد يساعد ذلك على منع الشائعات من التفاقم…
“كارينا.”
بينما كانت غارقة في أفكارها، تتأمل شتى الاحتمالات، ناداها آيدان.
“هناك أمر آخر أودّ أن أطلبه منك.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"