عند هذا التوبيخ البارد، نظر لويد إليها بتعبير يحمل إحساسًا بالظلم.
“لم أفعل…!”
“أتقول إن الأمر لم يكن من فعلك؟”
قبل أن يتمكن من إنهاء كلامه، التقطت الإمبراطورة نهاية جملته لم يستطع لويد إنكار الأمر تمامًا، واكتفى بعضّ شفتيه عند رؤيتها لتلك الردّة، نقرت الإمبراطورة بلسانها إظهارًا لمزيد من الاستياء وأدارت رأسها بعيدًا.
“إن لم تكن تملك الثقة لإنكار الأمر حتى النهاية، فلا كان عليك أن تبدأه من البداية.”
كانت تتمتم لنفسها، لكن الانتقاد الواضح الموجَّه إليه جعله عاجزًا عن الرد، فخفض رأسه بصمت لم تضف الإمبراطورة مزيدًا من التوبيخ، بل اكتفت بالنظر إلى ابنها بنظرة باردة قبل أن تطلق تنهيدة طويلة.
“ما السبب؟”
كان صوتها الآن أهدأ وأقلّ حدّة من ذي قبل، فرفع لويد رأسه بحذر ليلتقي نظراتها.
“حتى لو تركناه وشأنه، لكان قد وُصم بأنه وحش أسوأ من الحيوان، يستمتع بلقاء نساءٍ سرًا بعد مراسم زواجه مباشرة، ويصبح موضع جدل.”
تجعّد جبين لويد عند سماع الانتقاد القائل إن الأمور ساءت بسبب الهجوم.
“ولو قيل إنه تعرّض للهجوم أثناء عودته من لقاءٍ سرّي، بعد أن ترك عروسه في ليلة الزفاف، لكان قد أصبح هدفًا للانتقادات دون أن يجد أدنى تعاطف.”
لو أن كارينا لم تتصرف على نحوٍ مغاير للتوقّع، ولو أن آيدان لم يطرد كيت سبنسر عندما جاءت لزيارته، لكانت الأمور قد سارت كما قال لويد غير أنّ ملامح الإمبراطورة المتجمّدة لم تلِن إطلاقًا.
“بل قل لي، أليس لأنك رغبت في الحصول على آنسة عائلة هيويت قبل أن تقع بين يديه؟”
ارتجف لويد عند سؤال الإمبراطورة.
“لا، كيف لي أن أفعل أمرًا كهذا بدافعٍ شخصي تافه…!”
كان يحاول الإنكار بشدّة، لكنه ابتلع كلماته تحت نظرة الإمبراطورة النافذة كانت الإمبراطورة أسرع من أيٍّ كان في قراءة المواقف وبفضل تلك الفطنة، أصبحت عشيقة الإمبراطور ثم نالت في النهاية مكانة الإمبراطورة الأكاذيب الساذجة لا تنطلي على مثل هذه المرأة.
“الزفاف قد تمّ بالفعل، وليس من الجيّد التعلّق بمشاعر باقية.”
عند توبيخها هذا، عضّ لويد شفته السفلى وخفَض نظره.
“لقد فشلتُ هذه المرة، لكن في المرة القادمة سأحرص على أن—”
“أيها الأمير.”
قاطعت الإمبراطورة كلام لويد من جديد.
“لا تنسَ أن الآذان في كل مكان.”
اتجهت نظرتها نحو مدخل قاعة الاستقبال فعلى الرغم من أن الإمبراطورة ولويد كانا وحدهما داخل القاعة، إلا أن عددًا من الخدم كانوا ينتظرون في الممرّ الخارجي ورغم ثقتها التامة بولائهم، حذّرته من أن يكون حذرًا في حديثه ولمّا أومأ لويد برأسه، عادت نظرتها إلى مكانها.
“عائلة دوق هيويت ستتحرك.”
تابعت الإمبراطورة بنبره هادئة وهي تصبّ الشاي في كوبٍ آخر.
“الآن بعدما أصبحوا رسميًا داعمين لآيدان، فلن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الهجوم.”
ملأت الكوب حتى كاد يفيض وقدّمته إلى لويد.
“أنت لم تترك أي أثر، أليس كذلك؟”
قطّب لويد جبينه وهو يتناول الكوب منها.
“يُفترض أن كل شيء على ما يرام.”
أجاب هكذا لأنه لم يكن هناك ما يدعو للقلق بنظره، لكن وجه الإمبراطورة انقبض انزعاجًا.
“يُفترض؟! أهذا ما تجيبني به الآن؟!”
ارتفع صوتها استنكارًا لتردده، فانحنى لويد برأسه بعمق، متوتّرًا، مترقّبًا المزيد من التوبيخ، لكنه سمع تنهيدة طويلة بدلًا من ذلك.
“سأُرسل الماركيز بلمون، فتلقَّ مساعدته.”
كان الماركيز بلمون بمثابة اليد اليمنى للإمبراطورة بدأت علاقتهما حين كانت عائلتها على وشك الانهيار، فتزوّجت من الماركيز ماكوي، وكان بلمون هو من اصطحبها إلى مأدبة القصر الإمبراطوري وقدّمها إلى الإمبراطور الحالي، وذلك بعد أن ورثت ثروة ماكوي الطائلة إثر وفاته بعد عامٍ واحد فقط من زواجهما ظلّ الماركيز بلمون إلى جانبها لما يقارب نصف عمرها، وكان أكثر شخصٍ تحظى بثقتها
“ولِمَ الماركيز بلمون؟”
سأل لويد غير مستوعب، فبردت نظرات الإمبراطورة.
“علينا أن نمنع وقوع أي طارئٍ غير متوقّع يجب ألّا يبقى أي أثرٍ لما حدث.”
استخدمت الإمبراطورة لفظ الأمر، لكن لويد أدرك تمامًا ما كانت تقصده فمجرد تكليف الماركيز بلمون بالمهمة كان يعني أنه لن يُترك أي شاهدٍ على قيد الحياة بعبارةٍ أخرى، كان الهدف التخلص من كل من شارك في الهجوم على آيدان، وكل من يعرف أي تفصيلٍ عنه.
“من تولّى المهمة تابع أثق به.”
“وماذا بعد؟”
“……”
لم يستطع قول ما كان على طرف لسانه حتى مثل هذا الشخص يجب التخلّص منه؟ كانت الإمبراطورة تحدّق به في صمت، ثم ابتسمت برفق كما لو كانت تواسيه.
“يمكن دائمًا كسب أتباعٍ موثوقين جدد هناك الكثير من الناس.”
بعبارةٍ أخرى، كان عليها أن تُزيل كل شيء دون أن تترك وراءها أثرًا واحدًا عضّ لويد شفته مجددًا، ثم أومأ بخفة قبل أن ينهض من مقعده أخيرًا.
***
“هذه قائمة بالأشخاص الذين علموا أن سموّك غادر القصر في ذلك اليوم وبالطبع، أنا مشمول بينهم أيضاً.”
ناول كاي، قائد فرسان حرس آيدان ورقةً كُتبت عليها الأسماء والمناصب
تفحّص آيدان القائمة التي تلقّاها منه، ثم سلّمها إلى كارينا التي كانت تجلس بجانب السرير.
حالما سمع آيدان من كارينا بضرورة القبض على الجاني الذي هاجمه، قال إنّ عليهم أولاً التحقّق من قائمة كلّ من كان على علم بخروجه في ذلك اليوم فقد كانت تلك الزيارة سرّية تماماً، وإذا كان قد تعرّض للهجوم أثناء عودته، فلا بدّ أنّ هناك من سرّب الخبر من الداخل كارينا كانت تفكّر بالطريقة نفسها، لكنها لم تستطع أن تحقق مع رجال قصر الأمير بمفردها دون إذن.
“هل يمكنكِ التحقيق مع جميع الأشخاص الواردين في هذه القائمة؟”
سألها آيدان بعد أن صرف كاي.
نظرت إليه كارينا بتعبيرٍ بدا عليه شيء من الدهشة كان من حسن الحظ أنه وافق على إجراء التحقيق، لكنها لم تتوقّع أن يوكله إليها شخصياً لم يكن آيدان يثق بها ثقةً تامّة بعد، ولأنها كانت تدرك ذلك، ظنّت أنه سيبقى متحفّظاً تجاهها إلى حدٍّ ما.
“من المؤكد أنّ هناك خائناً من الداخل، لذا فإنّ التحقيق من داخل القصر لن يجدي نفعاً، أليس كذلك؟”
أضاف آيدان وكأنه قرأ أفكار كارينا من خلال ملامحها.
“ثمّ إنني في هذه الحالة الآن.”
ألقى نظرة نحو بطنه وعلى الرغم من أنه بدا بخير ظاهرياً، إلا أنّه لم يكن قادراً على التحرّك كثيراً بعد علاوةً على ذلك، كان آيدان قد انشغل مؤخراً في محاولة تعلّم الأساسيات عن إمبراطورية غريفيث وحتى هذه اللحظة، كانت الكتب الضخمة مكدّسة إلى جوار سريره حتى بلغت ارتفاع كفّ اليد تقريباً وكان مدهشاً أنه يقرأها كلّها طوال اليوم دون أن يُبدي أيّ ضجر.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ فإذا وجد نقصاً في أحد الكتب أو شرحاً غير كافٍ، كان يلفت النظر إلى ذلك بدقّة مدهشة، ويتحقّق بنفسه، ثم يسأل كارينا عن التفاصيل حين تأتي لزيارته وللإجابة عن جميع أسئلته، كانت كارينا تمضي معظم ساعات يومها في غرفة نومه، تقوم بدور معلمته الخاصة ولهذا السبب، بدأت الشائعات المليئة بسوء الفهم والظنون تنتشر بأنّ العلاقة بينهما تزداد قرباً.
“ألا يمكنك التحرّك إطلاقاً؟”
بدلًا من أن يجيب عن سؤالها تساءل آيدن، متعجبًا من سبب سؤالها المفاجئ، فحدّق بها بلا تعبير بدلًا من أن يجيب فورًا عند نظرته تلك، أخذت نفسًا قصيرًا.
“جلالتها الإمبراطورة ستقيم حفلاً قريبًا.”
“حفلاً؟”
“سمعت أنه للاحتفال بزواجنا.”
“بهذه الحالة؟”
ضحك آيدن ضحكة خفيفة لا تُصدق أما كارينا، التي كانت تشاطره الشعور ذاته، فاكتفت بكتم تأوّهها من دون أن تقول شيئًا.
“مثير للاهتمام.”
كانت تتوقع أن يقول شيئًا مثل : أيّ هراء هذا؟
لكنّ عيني آيدن كانتا كعيني طفلٍ وجد لعبة جديدة تثير فضوله.
“إن حضرنا الحفل، فسيتعيّن علينا التحرك شئنا أم أبينا، وبالطبع، سيتعيّن علينا الرقص.”
أضافت ذلك لتُذكّره بأن الأمر ليس مدعاة للضحك، ولتجعله يُدرك مدى خطورة الموقف، لكنه ظلّ هادئًا ومسترخيًا.
“إذًا سنرقص، ما المشكلة؟”
عند إجابته تلك، حدّقت به كارينا في صمتٍ وقد عجزت عن الكلام.
“إقامة حفلٍ وهم يعلمون أنني تعرّضت لهجومٍ وأنا طريح الفراش، هذا أشبه بقولهم: تقدّم واسمح لنفسك بأن تُهان أمام الجميع أليس كذلك؟”
يبدو أنه لم يكن غافلًا تمامًا عن الأمر فذلك بالضبط ما كانت تنويه الإمبراطورة إذ بعدما هوجم أثناء عودته من لقاءٍ سرّي، إن لم يتمكّن من الرقص كما ينبغي في حفل زفافه، فسيصبح أضحوكة بين النبلاء.
“إذن علينا أن نتأنق أكثر من أي وقتٍ مضى، ونخرج لنُريهم رقصةً رائعة أمام الجميع.”
وعلى خلاف كارينا القلقة، كان آيدن مفعمًا بالثقة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"