4
خبط، خبط، خبط
كلّما اقتربنا من الوجهة، أصبحت العربة تقفز بعنفٍ أكبر.
في كلّ مرّة، كنتُ أكتم تنهيدةً وأُحدّق في كتفي الذي كاد أن ينكسر.
صرير!
عندما اهتزت العربة مجدّدًا، لم أستطع كبت تنهيدتي، وفتحتُ فمي متسائلةً:
“هل يتّفق الحارس عادةً مع مرافقه في ركوب نفس العربة؟”
“هذا ما أقوله!”
صاحت بيث، الجالسة في الجهة المقابلة، وهي تُشير بإصبع الاتّهام. لم تكترث للتعبير المذعور الذي ارتسم على وجه الشيخ الجالس بجوارها.
“……”
نظر إليّ الرجل الجالس بجواري مباشرةً، بضخامة جسده، وهو ينظّف خنجره.
كان في فمه قطعة كوكيز صغيرة. كانت واحدةً من الأشياء التي اختارتها بيث من الهدايا المُعدّة لسان فورتو.
— لقد تحطّمت تمامًا. لا يمكن تقديمها كهديةٍ الآن. تناوليها يا آنستي.
— هل كانت هناك كوكيز ضمن الهدايا لسان فورتو؟
— حسنًا، لم يكن هناك داعٍ لإعداد شيءٍ كهذا.
بما أنّ الكوكيز وبعض الأمتعة قد تحطّمت بسبب هجوم الوحوش، فقد أخرجتها بيث بحماسٍ لِتُطْعِمني.
بمجرّد أن سمع الرجل أنّها كانت مُعدّةً لسان فورتو، حدّق في الكوكيز بتمعّن.
— عذرًا.
— مَاذا؟! أَتَجْرُؤُ عَلَى ذَلِكَ؟!
ثمّ أمسك بها على الفور وأكلها.
— ماذا كان هذا الآن؟!
فزعت بيث، لكنّني لم أهتمّ كثيرًا.
من خلال ملابسه الرثّة، بدا أنّه لم يتناول طعامًا جيّدًا لعدّة أيّام، ولا بدّ أنّه كان جائعًا.
من المحتمل أن يكون هذا هو السبب في أنّه كان يمضغ الكوكيز بهدوءٍ، على الرغم من أنّه بدا شخصًا يصعب إرضاؤه في الطعام.
حدّقتُ في الرجل وسألتُ:
“هل هي لذيذة؟”
“لا، على الإطلاق.”
ضَيَّقَت بيث عينيها بوضوحٍ على إجابة الرجل.
لم يكترث الرجل لنظراتها، وابتلع الكوكيز، ثمّ أضاف:
“لكن يبدو أنّه لا يوجد بها سُمّ.”
“هل تعتقد أنّ بيث ستُخرج شيئًا سامًّا لآكله؟”
“قد يحصل هذا.”
هل يظنّ أنّني شخصٌ يائسٌ يريد الموت؟
لقد كان شخصًا غريب الأطوار من نواحٍ عديدة.
في هذه الأثناء، مرّ الضوء المتسلّل عبر شقّ نافذة العربة على عيني الرجل الذهبيّتين.
من الجيّد أن أتمكّن من رؤية وجهه الوسيم عن قرب، لكنّ كتفي الضيّق، الذي ضغط عليه الرجل، كان يؤلمني منذ بعض الوقت.
“ألا يركب الحراس عادةً خيولهم حول العربة؟”
“هل هذا صحيح؟ لم أكن أعلم. هذه هي المرّة الأولى التي أحرس فيها أحدًا.”
“والآن أصبحت تعلم؟”
عندما نظرتُ إليه لأحثّه على الخروج، هزّ الرجل كتفه.
في اللحظة التي رفع فيها ساعده، شعرتُ بألمٍ في كتفي المسكين الذي كان عالقًا بيننا مرّةً أخرى.
“ليس لديّ خيل.”
“ليس لديك خيل؟ يا له من كلامٍ لا يُصدّق……”
توقّفتُ عن الجدال فجأةً.
عندما فكّرتُ جيّدًا، لم تكن هناك خيولٌ حول الرجل والشيخ عندما قتلا المخلوق الشيطانيّ.
لقد كان طريقًا جبليًّا وعرًا ونائيًا لدرجة أنّه من الصعب الوقوف هناك دون خيلٍ ليركبا عليه.
‘رجلٌ متسوّلٌ بلا خيلٍ في الجبل……’
لم أستطع إلّا أن أفتح فمي بالفكرة التي خطرت لي:
“هل كان يجب عليّ أن أحذر منك أنت؟”
“ماذا تقصدين بذلك؟”
“أقصد هل وظّفتُ قاطع طريقٍ كحارسٍ؟”
“كح!”
“بما أنّ ملابسك هي نفس ملابس قُطّاع الطرق تمامًا، أنتَ تبدو مثلهم.”
“كح! كح!”
الشيخ، الذي كان وجهه عبوسًا منذ البداية، كاد أن يختنق وأخذ يسعل مرارًا وتكرارًا.
تدهور تعبير وجه بيث أيضًا، حيث اهتزّ جسدها اهتزازًا عنيفًا مع كلّ سعالٍ للشيخ.
ومع ذلك، كانت توافقني ضمنًا:
“إذا كان قاطع طريقٍ، فسرقته للـكوكيز هي سرقةٌ عاديةٌ له……”
“كح! كح! كحكح!”
بدأ الشيخ يسعل بشدّةٍ، كأنّه سيبصق دمه، بسبب كلمات بيث الكئيبة.
أمّا الرجل، فنظر إليّ كأنّ الأمر ممتعٌ بالنسبة له.
“ماذا ستفعلين لو كان الأمر كذلك؟”
“سأرى الأمر أوّلًا.”
“تري الأمر؟”
“إذا لم تكن تنوي سرقتنا، فسأوظّفكَ على حالك. على أيّة حال، أنتَ ماهرٌ في قتل المخلوقات الشيطانية.”
ارتسمت ابتسامةٌ ماكرةٌ على وجه الرجل عندما سمع إجابتي.
“وإذا كان ادي نيّة للسرقة؟”
“……ااه……!”
أطلق الشيخ، الذي عضّ لسانه وهو يحاول الصراخ، صرخةً صامتةً.
لم يهتمّ به الرجل واستمرّ في الحديث:
“إذًا ستقومين بطردي؟”
“لا. سأُخضعكَ وأذهب بكَ إلى سان فورتو.”
“……”
“كيف يمكنني أن أترك شخصًا يمتصّ دماء أبناء الإمبراطورية يذهب بهذه السهولة؟”
في اللحظة التي أنهيتُ فيها كلامي، غطّى الرجل فمه فجأةً.
ثمّ حوّل بصره بعيدًا عنّي على عجل.
شعرتُ أنّ كتفي المسكين، الذي كان يلامس كتفه، يرتجف.
كان هذا يعني أنّه كان يضحك.
“ما المضحك؟ هل اصطياد اللصوص مضحك؟”
“لا، بل جرأتكِ منذ البداية هي ما أثار دهشتي.”
“أنا جريئةٌ بالطبع.”
رفعتُ إصبعي وضغطتُ به على جبينه، كأنّني أهدّد الرجل.
أقصد، ألم يرَ المخلوق الشيطانيّ الذي مات بالرصاصة التي أطلقتُها؟
هل يظنّ أنّني لا أستطيع الإمساك به؟
‘بالنظر إلى الأمر، لقد أنقذ حياتي عندما كدتُ أُهاجَم.’
حدّق الرجل في إشارتي وسأل:
“لا تبدين كذلك. هل تعلّمتِ الرماية؟”
“هل تعتقد أنني تعلّمتُ فحسب؟”
لقد كنتُ مدرّبةً على الرماية أيضًا.
لا أدري ما يقصد بقوله إنّني “لا أبدو كذلك”.
‘هل هو ثناءٌ أم إهانة؟’
بينما كنتُ أتوقّف لأفكّر في ردٍّ مناسب، تابع الرجل حديثه:
“عادةً لا تُدرَّس الرماية للسيّدات.”
“الأمور مختلفةٌ في الوقت الحالي.”
“وخاصّةً إذا كانت وضعيّة الرماية على طريقة كتيبة الفرسان الإمبراطوريّة.”
كانت ملاحظةً دقيقةً للغاية.
‘لقد تعرّف عليها؟’
التفتُّ إليه متفاجئةً، فنظر إليّ بنظرةٍ مُقيّمةٍ، ثمّ تكلّم:
“أعترف بذلك. لديكِ شجاعةٌ ومهارةٌ بالنسبة لآنسة قادمةٍ من العاصمة.”
بعد ذلك، اتّجهت يد الرجل ببطءٍ نحو يدي التي كانت تلمس جبينه.
ثمّ أمسك معصمي الذي كان يتبعها بخفّة.
ما يثير غضبي أن معصمي بدا هشًّا وضعيفًا في قبضة يده الكبيرة.
“لكن هذا السلاح لن يُجدي نفعًا عندما تكون المسافة قريبةً هكذا.”
عندما سمعتُ كلماته، أدركتُ أنّ المسافة قريبةٌ بالفعل.
‘……إنّه قريبٌ حقًّا.’
قريبٌ جدًّا.
بمجرّد أن خطرت لي هذه الفكرة، اقترب الرجل فجأةً أكثر.
أصبحت وجوهنا قريبةً لدرجة أن أنوفنا كادت تتلامس.
“قبل أن تتمكّني من استخدام بندقيتكِ.”
ضغط الرجل بلطفٍ على معصمي في قبضته.
لقد شعر بالضيق عندما وضعتُ يدي على كتفه من قبل.
لكنّه الآن يلمسني دون أيّ اكتراثٍ على ما يبدو.
حلّ جوٌّ غريبٌ وثقيلٌ بيننا.
“قد أقرّر أن أفعل شيئًا لمعصمكِ هذا أوّلًا……”
“ما هذا الهراء أيّها الأحمق المجنون!”
تدخّلت بيث، التي كانت تجلس في المقابل، وهي غاضبةٌ أشدّ الغضب.
كانت هذه أسرع ردّة فعلٍ رأيتُها منها على الإطلاق.
“لقد تجاوزتَ حدودك تمامًا مع آنستي! آنستي، ألقي به خارج العربة فحسب!”
“كح كح كح!”
حاولت بيث أن تقف، وهي تدفع الشيخ المرتعش، لكنّها فشلت بسبب اهتزاز العربة الشديد، فاكتفت بتوجيه قبضتها مرارًا وتكرارًا.
على الرغم من أنّ لكماتها الناعمة أخطأت الرجل جميعها بفضل إمالة رأسه الخفيفة.
‘ولكنّها غاضبةٌ نيابةً عنّي، حتّى وهي ترى وجهه.’
لقد كان الأمر مؤثّرًا نوعًا ما.
عادةً ما تهتمّ بيث كثيرًا بوجوه الرجال وأجسادهم.
كانت تسألني باستمرارٍ عن الرجل ذي البنية الأفضل في كتيبة الفرسان المقدّسين.
وكانت بيث تعرف قائمةً طويلةً بأسماء الرجال الوسيمين في العاصمة.
لذا، اعتقدتُ أنّها ستكتفي بتقدير وجه الرجل الآن، وربّما تنتقده لاحقًا لكونه يبالغ في جماله.
نظرتُ بإعجابٍ إلى بيث وهي تلكمه، وإلى الرجل وهو يتفادى لكماتها.
‘هذا صحيح.’
باستثناء عائلتي، كانت بيث هي الوحيدة التي تعرف أنّني امرأة.
كانت الأقرب إليّ من الجميع……
“يا لك من رجل قذر! ارفع يدك عن آنستي!”
“بيث.”
حسنًا، ربّما كانت تبالغ قليلًا الآن.
“هذا الوغد الطائش! لم يُعجبني منذ أن سرق الكوكيز!”
“بيث. كفى.”
منعتُ بيث بهدوء.
وفي هذه الأثناء، بدأ الرجل يهزّ جسده ويضحك مرّةً أخرى، لسببٍ غير مفهوم، على الرغم من سماعه لكلمات بيث.
نتيجةً لذلك، ارتجف معصمي وكتفي، اللذان كان الرجل ممسكًا بهما.
لقد ارتجفا لدرجة أنّ قبضة يده بدأت ترتخي وتنزلق تدريجيًّا، حتّى انتهى بنا الأمر إلى تشبيك أيدينا.
‘ما هذا، تشابك أصابع مفاجئ؟’
في اللحظة التي كنتُ فيها مشتبكة الأصابع مع الرجل، حاولتُ ضربه وسحب معصمي.
لامست يدي قفّازه الجلديّ الأملس كأنّهما تداخلتا.
شعرتُ بالبرد قليلًا منه هذا الملمس، ربّما لأنّه ظلّ في الخارج لفترةٍ طويلةٍ.
“……”
توقّف الرجل، الذي كان يرتجف ويضحك بصمتٍ، ونظر إليّ في تلك اللحظة.
التعليقات لهذا الفصل " 4"