3
انقضّ الرجل الذي ظهر فجأةً من مكانٍ مجهولٍ على المخلوق الشيطانيّ، وشطره بحركةٍ نظيفةٍ لا تشوبها شائبة.
كان مشهد جسده الضخم والثقيل، الذي يصعب تشكيله بمجرّد التدريب العاديّ، يتحرّك بسرعةٍ لا تُصدّق ويقطع الوحوش، مشهدًا مهيبًا.
كانت لديه كفاءةٌ وانضباطٌ نادران حتّى لدى القائد إيستا.
وبما أنّه كان ماهرًا في التعامل مع المخلوقات الشيطانية، فقد بدا وكأنّه إمّا صيّاد وحوش أو مُرتزق، لكن……
‘يا له من إهدار لموهبته!’
بل إنّه إهدارٌ حقيقيٌّ.
فهو موهبةٌ تستحقّ أن تستقطبها كتيبة الفرسان المقدّسين.
‘وما هذا الوجه أيضًا؟’
كان الرجل الذي ارتدى ملابس بالية متّسخةً بالوحل والسُّخام، يبرق بجمالٍ فريد.
كان أنفُه مستقيمًا وأنيقًا كتمثالٍ، تتّسخُ جوانبه بمياه المستنقعات، كما أنّ الأوردة البارزة على فكّه المشذّب والأنيق كانت تأسر الأبصار.
كانت عيناه الذهبيّتان تلمعان ببرودةٍ غير بشريّةٍ بين خصلات شعره الأزرق الداكن الذي يُذكّر بالبرونز.
‘يقولون إنّ سان فورتو هي جنّة الوسيمين والجميلات، لا بدّ أنّ هذا صحيح.’
كنتُ أظنّ أنّها مجرّد نكتةٍ يتداولها ثرثارو العاصمة.
لكنّني اكتسبتُ قناعةً الآن.
‘إذًا حتّى المتسوّلون يمكن أن يكونوا تماثيل نحتيّةً.’
بينما كنتُ أغرق في إعجابي البريء، قتل الرجل بقيّة المخلوقات الشيطانية المتبقية، ثمّ اتّخذ تعابير جادّةً بمفرده.
‘حتّى المتسوّل يمكن أن يكون وسيمًا وهو غارقٌ في حزنه.’
وبينما كنتُ أضيفُ تقييمي، اقترب منه شيخٌ قصيرٌ ومكتنزٌ بعد أن ظلّ الرجل يحدّق في جثث المخلوقات الشيطانية لبعض الوقت.
كان مظهر الشيخ أيضًا يوحي بأنّه كان يتقلّب في الوحل طوال اليوم.
“……لماذا أتيت إلى هنا……؟”
“……قوّةُ …… تضعفُ……”
“……الحدود……”
كان الرجل والشيخ يتحدّثان في جوٍّ جادٍّ.
ظللتُ أنظر إليهما لفترةٍ طويلةٍ، ولم أستفق إلّا عندما نادتني بيث من الخلف.
“مَن هؤلاء الأشخاص؟”
أخذت بيث تسحبني ببطءٍ إلى الخلف، وهي تمسك بخصري.
لكنّها شعرت بتمزّق جانب الفستان، فشهقت على الفور.
“آنستي! الفستان……”
لوّحتُ بيديّ تجاه بيث، ورفعتُ صوتي:
“توقفي!”
“آنستي!”
لم يسمعني الرجل والشيخ.
نزلتُ من العربة وبدأتُ أقترب منهما.
عند الاقتراب، تبيّن لي أنّ الرجل ضخمُ البنية حقًّا. كان رفع الرأس للنظر إليه يُؤلم الرقبة.
“لديّ سؤالٌ.”
تَاكْ.
عندما قلتُ ذلك ووضعتُ يدي على كتف الرجل، ارتجفتُ لبرهةٍ.
‘كيف يمكن لجسد إنسانٍ أن يكون هكذا؟’
شعرتُ بوضوحٍ أنّ جسده مكوّنٌ من عضلاتٍ صافيةٍ فقط.
‘إنه جسدٌ لم أستطع تكوينه حتّى بعد الركض حول ساحة التدريب ثلاثين مرّةً.’
دون أن أدري، ضغطتُ على أطراف أصابعي لألمس العضلات قليلًا، فنظر إليّ الرجل بعبوسٍ، بدا على ملامحه الاستغراب.
‘حتّى عندما يقطّب حاجبيه، يبقى وسيمًا.’
أدرك الشيخ الواقف خلف الرجل وجودي متأخّرًا، فصاح بذعر:
“يا لجرأتكِ……!”
في تلك اللحظة، أصدر الرجل صوت تْشْ خفيفًا، وكمم فم الشيخ.
“……؟”
تبادلا نظراتٍ ذات مغزى مباشرةً بعد ذلك.
لسوء الحظّ، رأيتُ كلّ شيء.
الأمر يتعلّق بشيءٍ مثل: هناك شخصٌ غريبٌ ظهر فجأةً، وما إلى ذلك.
عاد الرجل لينظر إليّ.
“عمّ تتساءلين؟”
“حسنًا.”
“أرجو أن ترفعي يدكِ أوّلًا.”
صحيح.
أدركتُ للتوّ أنّ يدي ما زالت على كتف الرجل.
شعرتُ بالغيرة حتّى كاد بطني يؤلمني من ملمس العضلات المليئة والقويّة.
‘لا أزال أشعر بالغيرة.’
ربّما بسبب الإعجاب الشديد، أمررتُ يدي على عضلاته كأنّني أُربّت عليها قبل أن أسحبها.
نظر إليّ الرجل بنظرةٍ مُندهشةٍ للغاية.
‘لماذا، ماذا؟’
لقد أبعدتُ يدي على أيّة حال. هذا كلّ شيء.
قرّرتُ أن أقول ما جئتُ من أجله دون الاكتراث لنظرة الرجل.
“كم تبعد سان فورتو عن هنا؟”
“……سان فورتو؟”
“أعتقد أنّها قريبةٌ من هذه المنطقة.”
“……وما الذي يجلبكِ إلى هناك؟”
نظر الرجل إلى وجهي وفستاني متأخّرًا، وبدت عيناه تحملان نصف استغرابٍ لنظرة شيءٍ غريب، ونصف حذر.
تجاهلتُ نظراته وأجبتُ:
“لديّ عملٌ هناك.”
“عمل؟”
“نعم.”
“هل جئتِ من العاصمة؟”
“نعم، أتيتُ من هناك.”
ارتفع أحد حاجبي الرجل قليلًا.
ثمّ أخذت عيناه تتفحّصانني ببطء.
“آنسة محترمةٌ من العاصمة، مثلكِ……”
شعر الرجل بالتردّد للحظة وهو يُتابع كلامه، عندما رأى جانب فستاني الممزّق وساقيّ النحيفتين المكشوفتين من خلال التمزّق.
‘حسنًا.’
نعم، أعترف بذلك.
هيئتي وأنا أمزّق الفستان بطريقةٍ وحشيّةٍ لا تختلف كثيرًا عن هيئته وهو يرتدي الخِرَق.
‘لكن لا يمكنني أن أقاتل وأنا أرتدي ملابس ضيّقة.’
ومع ذلك، بدا أنّ الرجل قرّر أن يستجمع آخر ما لديه من لياقةٍ ليردّ عليّ.
“……آنسة أنيقةُ المظهر مثلك، ما الذي جاء بكِ إلى هذا المكان؟”
“أمرٌ مهمٌّ.”
“إنّه مكانٌ خطر.”
كان الحديث يراوغ النقطة الرئيسيّة باستمرار.
من الواضح أنّه كان حذرًا لأنّني كنتُ غريبةً عن المنطقة.
في الواقع، لم تكن سان فورتو مشهورةً بجمال رجالها ونسائها فحسب.
— تلك منطقةٌ معروفةٌ بكون أهلها ينبذون الغرباء بشدّة يا إيلين!
— حسنًا، القرى والأرياف هكذا دائمًا.
— وهم سيكرهون العروس القادمة من الخارج أكثر!
تذكّرتُ راينا وهي تحاول إقناعي، وعيناها مليئتان بالدموع.
بصراحة، لو لم أقل إنّني سأذهب، لكان عليها أن تذهب، وقد حدث كلّ ذلك لأنّني أطلقتُ سراح الأميرات.
‘إنّها أختٌ طيّبةٌ أكثر من اللازم.’
على أيّة حال، أجمع الجميع باستثناء راينا على أنّ سان فورتو هي أرضُ الجميلين والجميلات، ولكنّهم وقحون للغاية.
إنّها منطقةٌ متغطرسةٌ تضع حدودًا مع الغرباء بشكلٍ فوريّ.
‘لكن لا يمكنني أن أتراجع الآن.’
على أيّة حال، بمجرّد أن رأيت عضلات الرجل، خطرت لي فكرةٌ جيّدة.
“إذا بدا الأمر خطيرًا حقًّا، فهل تحرسني؟ إلى سان فورتو.”
“……”
“أعتقد أنّ سائس عربتي يكاد يموت من الخوف من المخلوقات الشيطانية.”
أشرتُ إلى السّائس الضعيف الذي كان ينظر إليّ بحسرةٍ من فوق سطح العربة.
لقد كان رجلًا كبيرًا في السنّ، ولكنه أصرّ على المجيء بي إلى هنا.
سيكون من الصعب عليّ، أنا القنّاصة التي لا تجيد إلّا الرماية، أن أحمي بيث والسّائس بمفردي.
‘سيكون الأمر مختلفًا لو كان لديّ درعٌ يجذب انتباه الوحوش بدلًا منّي.’
لذا، بدا لي أنّ الرجل سيكون درعًا لحمّيًا وسيمًا ومناسبًا.
‘وبما أنّ لديه مهاراتٍ عالية، فمن غير المرجّح أن يموت بسهولة.’
إذًا، لن يؤنّبني ضميري، أليس كذلك؟
قلتُ، وأنا أُخفي أفكاري تلك:
“لن أطلب منك ذلك مجّانًا. سأوظّفك.”
رأيتُ وريدًا أزرق قانيًا ينتفخ على جبين الشيخ خلفه.
يبدو أنّ تصوّري كغريبةٍ تطلُبُ هذا الأمر بشكلٍ مفاجئٍ لم يُعجبه.
أمّا الرجل، فبدا مهتمًّا قليلًا بما قلته.
هززتُ كتفيّ ردًّا على التفاعل المُتناقض:
“لا بأس إن رفضت. لكنّني سأدفع لك أكثر ممّا يدفعه لك صاحب عملك.”
“كم ستدفعين؟”
“أكثر من أجرة صيّادي الوحوش اليوميّة.”
“صيّادو وحوش؟”
“ألست صيّادًا؟ لا أظنّك مزارعًا.”
عند هذه الكلمات، انتفض الشيخ الواقف خلفه مرّةً أخرى.
كان موقفه يوحي بأنّه لا يمكنه تحمّل ذلك هذه المرّة، لكنّ الرجل منعه بهدوءٍ بيده ونظر إليّ.
“نعتذر، لكن لدينا معايير لقبول الزبائن.”
“معايير؟”
“ما إذا كان الشخص يستحقّ الحراسة، وما إذا كان قادرًا على حماية نفسه بنفسه……”
كان هذا كلامًا سخيفًا حقًّا.
“الشخص القادر على حماية نفسه بنفسه، لماذا سيوظّف حارسًا إذًا؟”
“أجل. هذا صحيح.”
“……”
“كيف سيتمكّن أولئك الضعفاء للغاية، الذين لا جدوى من حراستهم، من البقاء أحياءٍ لدفع الأجرة؟”
كان يُلفّ ويدور بالكلام، لكنّ الخلاصة كانت واحدة.
إنّه لا يريد حراستي ببساطة.
لكنّه اختار الشخص الخطأ ليرفضه.
“إذًا، سأُثبت لك ذلك.”
في اللحظة التي أنهى فيها الرجل كلامه، مدَدتُ يدي بسرعة.
بدا الرجل وكأنّه يقول: ‘انظروا إليها’، وتفاداني بسرعةٍ خاطفة.
لكنّه لم يكن هدفي.
“……!”
اندفعت بندقيّة الماسكت المُعلّقة على ظهر الشيخ إلى يديّ كأنّها شفطت إليها.
أدرتها دورةً واحدةً، وأعدتُ ذخيرتها، ثمّ أطلقتُ النار نحو الخلف دون تردّد.
طَاخْ!
غررر!
سقط مخلوقٌ شيطانيٌّ، كان يقترب بهدوءٍ ويتجسّس علينا، بعد أن أصابته الرصاصة بين عينيه، وأطلق صرخةً قصيرةً قبل أن يموت.
لقد كان مُزعجًا وهو يراقبنا من بعيد.
نظر إليّ الرجل والشيخ ببطء.
أعدتُ البندقيّة إلى يد الشيخ وقلتُ:
“هل هذا يكفي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 3"