“هل هذا فعلًا مقهى آريا؟”
رفعت إيلودي رأسها بدهشة وهي تنظر إلى اللافتة بعينين متسعتين.
هززتُ رأسي
لم أتوقع أبدًا أن يكون المكان في قلب شارع ساترن حين طلبت موقعًا في منطقة مزدحمة معتدلة الحركة.
كان المقهى محاطًا من الجانبين بمطاعم فخمة براقة إلى حدٍ يبعث على الحرج.
“يبدو أنه كذلك.”
فتحت الباب بالمفتاح الذي استلمته مسبقًا ودخلت إلى الداخل.
“……!”
لم يكن داخل المقهى يقلّ فخامةً عن مظهره الخارجي.
**هذا المكان… سيجذب زبائن من طبقة مختلفة تمامًا.**
كان مقهى آريا الذي أدرتُه سابقًا مقهى صغيرًا في حيّ هادئ.
أغلب الزبائن كانوا يترددون إليه بين حينٍ وآخر ويطلبون أغلى الأصناف بعد تردد، لذلك كنت أركّز على تقديم قوائم بأسعار معقولة وجودة مرضية.
لكن في هذا المكان…
*الزبائن هنا سيكونون أثرياء، ولن يُرضيهم طعمٌ عادي معظمهم يملكون طهاةً شخصيين أو خبّازين خاصين في منازلهم.*
ازدحمت الأفكار في رأسي للحظة.
*عليّ أن أبتكر قائمة جديدة تمامًا.*
لكن مع ذلك، لم أفكر بالاحتجاج لدى دوق فانيش أو طلب موقعٍ آخر.
فهذا كان فرصةً لا تُقدّر بثمن.
فرصةٌ لإدارة مقهى فاخرٍ وشهير على مستوى لم أكن أجرؤ حتى أن أحلم به.
التراجع الآن خوفًا سيكون استخفافًا بسبع سنوات قضيتُها أواجه كل أنواع الصعاب في أرضٍ غريبة.
“آريا، ما ذلك الباب هناك؟”
سألت إيلودي وهي تميل رأسها نحو بابٍ صغير في الزاوية.
“ممم، ربما مخزن؟”
اقتربتُ بخطوات واسعة وأمسكتُ بالمقبض.
كان الباب مصممًا بعناية لا تليق بمخزن، لكن بما أن من صممه هو ثيودور فانيش فلن يكون مفاجئًا لو زُيّن حتى القبو بالذهب والكنوز.
“آه……!”
شهقت إيلودي فور أن فُتح الباب، وبدوري حدّقت بدهشة في الداخل.
كان المكان غرفة ألعاب يمكن لأطفالٍ في عمر إيلودي أن يمضوا فيها اليوم كله.
وسائد ناعمة منثورة، ودمى بألوانٍ وأشكالٍ مختلفة، وألعابٌ متنوعة، وحتى أرجوحة شبكية تبدو مثالية لقيلولةٍ مريحة، مع أدوات الرسم التي تحبها إيلودي نفسها.
كل شيءٍ فيها من أفخر الأنواع.
“يبدو أن الدوق أعدّها من أجلكِ يا إيلودي.”
“……إذًا، هذه غرفتي؟”
“طبعًا.”
ابتسمتُ لها برفق.
“من غيرك سيستخدمها؟”
احمرّت وجنتاها وهي تلمس يد دبٍّ قطنيٍّ ضخم ببطء، غير مصدّقة لما تراه.
“إنها… إنها…”
“إنها ماذا؟”
“رائعة!”
كانت إجابة قصيرة، لكنها مفعمة بالمشاعر الصادقة.
نظرتُ إليها صامتةً للحظة.
فكل هذا كان من المفترض أن تناله منذ زمن بعيد، لكنها ما زالت تتأثر بهذا الشكل البريء.
رغم كل ما فعله الدوق وأنا خلال الأشهر الماضية لتوفير أفضل حياة لها، إلا أن ما عاشته في السنوات السابقة لم يُمحَ بعد من قلبها الصغير.
*لا خيار أمامي سوى أن أقدّم لها كل ما أستطيع.*
فتحتُ فمي بصوتٍ مرح متعمد
“إيلودي، هل تودين اللعب هنا قليلًا؟ سأذهب لأرى إن كان لدينا ما نأكله لا أدري إن كانت المكونات جاهزة.”
على الأرجح، المكونات الطازجة لم تكن مجهزة بعد، لكن ربما نجد بعض المواد الجافة كالدقيق أو السكر.
كان من المفترض أن نتناول غداءً متأخرًا في قصر الدوق، لذلك كنا كلانا جائعين تمامًا.
*أتمنى أن أجد شيئًا نأكله…*
لكن مخاوفي تحققت للأسف.
فالمطبخ كان خاليًا تمامًا — لا أثرَ حتى لحبّة قمح واحدة.
والمطاعم القريبة جميعها في فترة استراحة تجهيز الوجبات، ما يُعرف بـوقت الراحة.
*لقد أحضرنا الأمتعة كلها… لكن ماذا الآن؟*
فتحت حقيبتي وبحثت فيها.
كنا قد التهمنا تقريبًا كل الوجبات الخفيفة أثناء الطريق، لكن ربما نسيَت يدي قطعة صغيرة.
“آه!”
أخرجت من أعماق الحقيبة قطعة كوكيز بحجم راحة اليد، وابتسمت بانتصارٍ صغير.
كانت سليمة تقريبًا، بدت مثالية لتقديمها إلى إيلودي.
ليست كافية كوجبة، لكنها ستُسكّن الجوع قليلًا.
أسرعتُ إلى غرفة اللعب وأنا أحملها.
“آريا!”
نادَتني إيلودي بعيونٍ متلألئة بينما كانت تهزّ الحصان الخشبي بحماس.
“ما هذا الذي معكِ؟”
“كوكيز وجدت واحدة متبقية لنرَى … إنها بطعم تشيز كيك التوت الأحمر.”
“هذا هو المفضل عندي!”
خَطفتها بسرعة من يدي، ثم رفعت رأسها إليّ فجأة وكأنها تذكّرت شيئًا.
“لكن… ماذا عنكِ يا آريا؟”
“أنا؟ لستُ جائعة جدًا.”
“……كاذبة.”
أشارت إلى بطني وقالت بجدية طفولية
“إنه يصدر صوت قرقرة!”
“لا يفعل.”
“بل يفعل.”
قالت إيلودي بوجهٍ جاد، وهي تحدّق في قطعة الكوكيز بتفكيرٍ عميق.
هل كانت تتردّد لأنها تشعر بالجوع أيضًا، لكنها تفكر إن كان عليها أن تعطيني الكعكة؟
“إيلودي، أنا حقًّا لستُ جائعة…”
لكن قبل أن أكمل، انطلق صوت خفيف باساك — لقد كسرت الكعكة إلى نصفين.
اتضح أنها كانت تتأمل بجدّية الطريقة المثلى لتقسيمها بالتساوي.
لم أشأ تجاهل هذا اللطف الصادق، فتناولت نصف الكعكة من يدها الصغيرة.
“شكرًا لكِ، سأتناولها بسرور.”
ابتسمت إيلودي بسعادة وهي تمضغ نصفها.
“لذيذة، أليس كذلك؟ أليس كذلك؟”
“طبعًا، ومن الذي صنعها يا ترى؟”
“أنتِ يا آريا!”
“صحيح.”
جلستُ بجانبها وأنا أبتلع اللقمة الصغيرة، غارقة في التفكير.
*لو أنني خبزت الكوكيز هذه بمكونات أفخم، فستنال بالتأكيد إعجاب نبلاء ووجهاء شارع ساترن.*
“إيلودي، ما رأيك أن ننتظر قليلًا ثم نخرج لنتناول الطعام؟”
“إلى أين؟”
“إلى أي مكان يبيع الطعام الذي ترغبين فيه.”
في شارعٍ مزدحم كهذا، الأسعار مرتفعة، لكن كل أنواع المأكولات متوفرة.
رفعت إيلودي نظرها إليّ بتردد.
“لكن… أريد أن آكل طعامًا تعدّينه أنتِ يا آريا.”
“حقًّا؟”
لم أتوقع أن تحب طعامي إلى هذا الحد.
“نعم ، طوال الطريق إلى هنا لم أتناول سوى القليل من طعام آريا.”
“صحيح إذًا، فلنبحث عن مكان نشتري منه المكونات الطازجة، ما رأيك؟”
“نعم!”
هزّت رأسها بحماس، فخرجنا بعد أن أحكمنا إغلاق المقهى، وبدأنا نتجول في شارع ساترن.
كنت قلقة من ألّا نجد متجرًا لبيع المواد الغذائية، لكن في نهاية الشارع تقريبًا، صادفنا منطقةً تضم عددًا كبيرًا من محلات البقالة الفاخرة.
(الأسعار مرتفعة فعلًا، لكنها جميعًا ذات جودة عالية سأشتري المكونات الأولى من هنا، وأبحث لاحقًا عن موردين دائمين…)
وبعد نحو ساعة، عدنا إلى المقهى نحمل أكياسًا ممتلئة بالمشتريات.
كنت أضع الأغراض على الأرض عند الباب وأهمّ بفتحه، حين سمعت من خلفي صوتًا غير مرحبٍ به إطلاقًا.
“السيدة آريا…!”
تجهم وجهي على الفور.
أليس هذا صوت من أساء إليّ قبل ساعاتٍ قليلة؟
التفتُّ ببطء.
(ها؟)
كنت أظن أنه جاء وحده، لكنّ الكونت جاكوب نفسه كان معه — ذلك الذي لم يكن يُفترض أن يوجد بالقرب من قصر الدوق أصلًا.
(سمعتُ أنه غادر مع الدوق في جولة تفقدية…)
وعلى الرغم من أن الجو لم يكن حارًا، إلا أن عنق الكونت كان محمرًّا بشدة.
“السيدة آريا.”
تحدث الكونت بنبرة رسمية مهذبة، فعبستُ قليلًا.
(السيدة آريا؟ هل يسخر مني؟)
لم يسبق لي أن تحدثت إليه من قبل، لكن بالنسبة إليه أنا مجرد عامية، لا تستحق هذا اللقب.
لذلك، فلا بد أن مخاطبته لي بهذه الطريقة إما تهكمٌ مقنّع، أو محاولة جادّة لتدارك الموقف بأقصى درجات الاحترام.
“سمعتُ بما حدث، ولماذا غادرتِ القصر أقدم لكِ خالص اعتذاري، وباسم عائلة الدوق أعتذر رسميًّا عمّا بدر.”
يبدو أنه الخيار الثاني.
كان الكونت جاكوب يبدو صادق الندم، لكن من يدري ما يدور في رأسه.
نظرتُ إلى كبير الخدم بدلًا من الرد.
فهو من أساء إليّ في الأصل، فلماذا يتحدث الكونت نيابةً عنه؟ وتحت نظراتي الصامتة المتفحّصة، تمتم كبير الخدم بصوتٍ خافت
“حصل… سوءُ تفاهمٍ في التواصل.”
ثم صمت مجددًا.
(ما هذا؟)
الكونت الذي لم يرتكب شيئًا هو من يعتذر، بينما صاحب الخطأ الحقيقي يكتفي بعذرٍ باهت ويصمت؟
“هل جئتم كل هذه المسافة لتقولوا هذا فقط؟”
“لا، لا، بالطبع لا.”
أشار الكونت بيديه بسرعة نافياً.
“إيريك أيضًا يشعر بالأسف الشديد، أليس كذلك يا إيريك؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 32"