بصراحة، ما سببه دوق بانيش من أذى بدا لي وكأنه شيء من الماضي البعيد.
فهو الآن أب يبذل قصارى جهده من أجل إيلودي، وذلك وحده كان الحقيقة الأهم بالنسبة إليّ.
ولكن، إن كان في كلمتي هذه ما يجلب بعض الراحة لهذين الاثنين……
لا بأس إذن.
حدّقت مباشرة بالدوق.
“سأعفو عنك.”
“……!”
اتسعت عينا الدوق دهشة.
“وكما أنك تأسفت لي، فأرجو أن تحسن أكثر وأكثر إلى إيلودي إن إيلودي بالنسبة إليّ، حقًا…….”
انعقد صوتي بلا سبب، واغرورقت عيناي بالدموع، فغمضتهما لبرهة.
“لأنها ثمينة جدًّا.”
“وكذلك بالنسبة إليّ.”
أجاب الدوق بصوت هادئ
“سأفدي إيلودي بحياتي…….”
“يكفي.”
تدخلت السيدة العجوز، أو بالأحرى يجدر أن أسميها الدوقة الأرملة بانيش
“لا أحد طلب منك أن تضع حياتك على المحك لذا، من الأفضل ألّا تقول ما يتجاوز الحد.”
“…….”
كان الدوق يبدو غير موافق في قرارة نفسه، لكنه لم يرد عليها.
ساد صمت حرج.
ولم أجد ما أقوله، فاكتفيت بتقليب عيني.
ولولا أن الباب فُتح فجأة، لطال ذلك الصمت أكثر.
“إيلودي!”
ارتجفت دهشة وأنا ألتفت مسرعة نحو إيلودي.
حقًا، لم أغلق الباب جيدًا.
لكني كنت أظن أنه مهما يكن، فلن يتسرب الكلام من الداخل……
هل كانت خائفة وحدها؟
وما إن أبصرت وجه إيلودي المبلل بالدموع حتى تحوّل شكي إلى يقين.
“إيلودي.”
جثوت على ركبتي واحتضنتها بلهفة، فسمعت أنينًا صغيرًا وهي تشهق بأنفها.
“لماذا؟ هل كنتِ خائفة جدًّا؟”
“…….”
“لا بأس ، لقد انتهى الكبار من حديثهم الآن فلنخرج ونلعب، حسنًا ؟”
هزّت إيلودي رأسها نافيةً وهي في حضني، فشهقتُ بحدة لا يكون…….
“جدتي.”
لا يكون!
“هل هي حقًا جدتي؟ جدتي الحقيقية؟”
لقد سمعت كل شيء.
هل هذا هو معنى أن ينهار الصدر من هول الصدمة؟
أغمضت عينيّ.
لم أرد أبدًا أن تعلم بالأمر بهذه الطريقة.
كان عليّ أن أقفل الباب لا، كان من المؤكد أنها لم تكن لتسمع شيئًا قبل أن يُفتح…….
فتحت عينيّ ثانية.
وكانت إيلودي، بعينيها المبللتين بالدموع، تحدّق بي.
“لا أظن أن الإجابة عن هذا السؤال من حقي.”
كتمت بدوري دموعي التي همّت بالخروج، ثم نهضت وأنا أضم إيلودي بقوة.
وكان بصرها المتعلق بي يتجه إلى السيدة العجوز.
“……حقًا؟”
جاء صوت إيلودي متوسّلًا
“هل أنتِ جدتي حقًا؟ أي، جدتي الحقيقية…….”
“نعم.”
أجابت السيدة العجوز بصوت يفيض ندمًا
“إيلودي، أنتِ حفيدتي حفيدتي الأثمن في هذا العالم.”
وفور تلك الكلمات، انهارت إرادة إيلودي في التماسك، وانفجرت باكية بصوت مرتفع.
اقتربتُ من السيدة العجوز بحذر وأنا أحمل إيلودي بين ذراعي.
لكنها هزّت رأسها محاولةً التراجع إلى الوراء، غير أني سارعت بالكلام قبل أن تتحرك.
“إنكِ جدتها أرجوكِ… هدئيها.”
“…….”
تسلّمت السيدة العجوز إيلودي منّي بحذر، ثم بدأت تهمس في أذنها بكلمات أغنية مبهمة لم أفهم معناها.
وكان الأثر ظاهرًا على الفور
إذ توقفت إيلودي عن البكاء على الفور، ورفعت وجهها المندهش نحو السيدة العجوز.
“إنها التهويدة التي كنت تحبينها.”
ابتسمت السيدة العجوز ابتسامة باهتة.
“كم كنت أود أن أغنيها لكِ طوال هذا الوقت…….”
“أتذكرها.”
همست إيلودي بخفوت.
“كنت أظن أني سمعتها في الحلم.”
“لم يكن حلمًا.”
غامت نبرة السيدة العجوز بشيء من الكآبة.
“منذ كنتِ طفلة، ما إن تسمعي هذه التهويدة حتى يتوقف بكاؤك آه، يا إيلودي الصغيرة…… ما أكثر ما اشتقت إليك.”
“…….”
لم تُجب إلودي، بل غاصت أعمق في حضنها.
انسحبت بهدوء وأغلقت الباب من ورائي.
كان الوقت الآن وقتًا خاصًا بين إيلودي وجدتها.
“……يا صاحب السمو الدوق؟”
ويبدو أنني لم أكن الوحيدة التي فكرت هكذا.
فقد كان دوق بانيش قد خرج منذ وقت.
حينها التفتت نحوي عيناه الحمراوان اللتان كانتا شاخصتين من قبل نحو النافذة.
“كيف حال إيلودي…… ووالدتي؟”
“تبدوان بخير.”
حاولت أن أجيب بنبرة خفيفة قدر الإمكان.
“رأيت أنهما بحاجة إلى وقتٍ يخصّهما وحدهما، لذلك تركت لهما المجال ويبدو أنّ سموّك كنت ترى الأمر نفسه.”
تنهد دوق بانيش.
“لقد ارتكبتُ خطأً لا يُغتفر في حق والدتي… وكذلك في حقك أيضًا.”
“ذاك أمر مضى وانتهى ما يهمّ الآن هو المستقبل.”
“……أهكذا ترين؟”
ارتسمت في جوابه مرارة مشوبة بالتهكّم على الذات.
“في الحقيقة، ثمّة أمر يتعلّق بمستقبل إيلودي أودّ التشاور فيه معك كنت آمل ألا يتحوّل إلى مشكلة، لكن…….”
“مشكلة؟”
جفّ ريقي فجأة.
لقد بلغنا، أنا وإيلودي والدوق، حياةً يومية هادئة بعد طريق طويل من التجارب والأخطاء.
حتى حين انضمت السيدة العجوز، لم أرَ في ذلك إلا تغييرًا إيجابيًّا… فهل كنتُ ساذجة؟
“وريث عائلة دوق بانيش مُلزَم بأن يقيم في الدوقية أكثر من نصف العام إلى أن يبلغ سنّ الرشد وبالطبع، خلال فترة اختفائه لم يكن عليه أداء هذا الواجب، لكن ابتداءً من هذا العام، إن لم يعد…… فقد تتعرض حقوق إيلودي كوريثة للخطر.”
ابتلعت ريقي بصعوبة.
“……إذن، قصدك أنك تريد أخذ إلودي معك.”
شعرت بمرارة في حلقي.
كنت أعلم أنّ عليّ في يومٍ ما أن أُسلِّم إيلودي وأدعها تخرج من حضني، لكنني لم أتوقع أن يحين ذلك بهذه السرعة.
“يبدو أنّكِ أسأتِ فهم الأمر يا آنسة فيرتين.”
“ماذا تقصد؟”
“هذا كله يتوقف على إيلودي… وعليكِ أنتِ ما لم ترغبوا في الأمر فلن أفكّر في أخذها.”
“حقًّا؟”
ارتجف صوتي من تلقاء نفسه.
لقد كان يقول الآن، بكل وضوح، إن خسرت ابنته الوحيدة حقّها في الميراث، فلا بأس!
“نعم.”
أجاب الدوق بهدوء
“بالطبع أتمنى أن ترث إيلودي مكاني، لكن…… ما هو أهم من ذلك هو سعادتها أرجو أن تعي ذلك جيدًا.”
غرقت في التفكير لوهلة.
صحيح أن الدوق قال إن القرار يعود إليّ ولإيلودي، لكن الحقيقة أنّ الأمر معلق بي وحدي.
فإيلودي التي تثق بي وتحبني أكثر من والديها الحقيقيين، لن يكون من الصعب إقناعها.
لا يمكن أن أرسل إيلودي وحدها إلى الدوقية.
أغمضت عينيّ.
ما لم أكن بلا أي خيار، فإن إيلودي ما تزال صغيرة على أن تُفصل عن الشخص الوحيد الذي تؤمن به وتستند إليه.
وفوق ذلك، كان والدها، دوق بانيش شخصًا لا أطمئن تمامًا إلى تركها بين يديه وحده.
لذا، كان لا بدّ أن أرافقها أنا أيضًا.
وهذا يعني……
عليّ أن أتخلى عن هذا المقهى.
فتحت عينيّ وأجَلت النظر في أرجاء المقهى.
ربما بدا في عيني الدوق مكانًا متواضعًا، لكنه بالنسبة إليّ كان ثمرة سبع سنوات من الدموع والعرق.
لكن، أن أُبقي إيلودي حبيسة هنا معي……
إيلودي يمكن أن تصبح دوقة وإن أنا منعتها، فسأكون قد سلبتها تلك الفرصة.
ابتلعت ريقي مرة أخرى.
لم يكن قرارًا صعبًا حقًا.
فمنذ زمنٍ ما، أصبحت إيلودي أولويتي المطلقة.
“……أعتقد أيضًا أنه يجب علينا الحفاظ على حق إيلودي في الميراث لكن، لديّ بعض الشروط.”
“وما هي؟”
“سأذهب مع إيلودي أيضًا.”
“هذا طبيعي.”
أجاب مسرعًا
“بل كنت أخشى أن تقولي إنكِ ستبقينها وحدها، فكان ذلك سيقلقني لكن الآن وقد قلتِ ذلك، ارتحت كثيرًا.”
“وهناك أمر آخر.”
أومأ الدوق برأسه كما لو أنه يقول: قولي ما تشائين.
“لست أنوي أن أكون مُرضعة أو معلمة لإيلودي ولا أملك القدرة على ذلك أصلاً إن أمكن، أودّ أن أواصل عملي حتى وأنا في الدوقية.”
“المقهى…… تعنين.”
“نعم.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه.
“لا بأس في ذلكرسننشئ لكِ مقهًى فخمًا كيفما تشائين وأينما رغبتِ هل لديكِ شروط أخرى؟”
“…….”
تنفست بعمق.
فالكلمات التي كنتُ على وشك قولها قد تُعدّ وقاحة في نظر دوق بانيش.
لكن بما أنني سأترك هذا المكان المألوف وأقيم في عقر دار الدوق نفسه، كان لا غنى عن هذا الشرط.
“أرجو أن تعترفوا بي كحاميةٍ لإيلودي.”
“……حامية؟”
تغيرت نظرات دوق بانيش
“أتعلمين حقًا ما معنى هذا يا آنسة فيرتين؟”
“نعم.”
أومأت برأسي.
“الحامية تتحمل المسؤولية عن الطفل إن غاب والديه.”
“ليس هذا فقط.”
تنهد الدوق.
“إن واجهت إيلودي خطرًا، فعليك أن تفديها بحياتك هل تستطعين على ذلك؟”
حدقتُ به بثبات.
هل كنتُ يومًا أكثر قوة وثقة مما أنا عليه الآن؟
“حتى لو لم أكن حاميتها، كنت سأفعل نعم، أستطيع أن أضحي بحياتي من أجلها.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"