سارع ثيودور في نقل الطعام من المطبخ إلى طاولة غرفة الجلوس وفقًا لتعليمات آريا.
قال بصوت منخفض معبرًا عن إعجابه
“إنها وليمة حقيقية.”
ولم يكن ذلك مجرد كلام فارغ.
كان هناك دجاج حار مشوي مع البطاطس والبصل والجزر، وحساء كريمي مطهو بالفطر والمحار، وسلطة مكونة من قطع صغيرة من البصل والبندورة والخيار واللحم المقدد يمكن تناولها بالملعقة، وخبز مشوي مقرمش مدهون بصلصة مصنوعة من الثوم المفروم مع السكر وزيت الزيتون، وشراب منعش بعصير الليمون المبشور طازجًا.
لم يكن المرء ليتخيل أن هذه الأطعمة أعدتها من كانت قبل قليل فقط تفكر في قائمة الطعام.
“إنه ليس بالكثير، ولكن تفضلوا.”
ضاقَت عينا ثيودور.
كان واثقًا أن آريا بدت في غاية السعادة قبل أن تبدأ بإعداد الطعام ولو كانت في مزاج سيّئ، لما كانت لتدعوه أصلًا إلى العشاء.
هل كنتُ… قاسيًا أكثر من اللازم؟
عندها فقط أدرك ثيودور أن ما أثار ضجة كبيرة مع إيلودي لا بد أن آريا قد سمعته أيضًا.
فهذا بيتها، ومن الطبيعي ألا يسرّها أن يُحدث خدوشًا في أثاثها أو أن ترتفع الأصوات فيه.
قال ثيودور وهو ينقل قدرًا صغيرًا مملوءًا بالحساء إلى الطاولة
“آنسة بيرتين، بخصوص ذلك الخدش الذي حدث على الطاولة…”
ولاحظ أن جسد آريا ارتجف قليلًا عند سماع كلامه.
“سأرسل لكِ كتالوجًا، فاختاري ما تريدين وسأطلب جديدًا لكِ وإن كان هناك شيء آخر تحتاجينه، فاختاريه أيضًا.”
أجابته بعد تردد بسيط
“لا بأس، ما زال صالحًا للاستعمال ثم إنني ممتنّة لأنك لعبتَ مع إيلودي.”
“أه، هكذا إذن؟”
انفرج صوت ثيودور بفرح واضح.
حاول إخفاء انكشاف مشاعره بسعال خفيف، لكن الوقت كان قد فات، إذ إن آريا قد ابتسمت بخفة.
“إن كان لديك وقت، فاقضِ وقتًا أطول مع إيلودي فهي بحاجة إليك.”
أجاب على الفور دون تفكير
“لن أكون أبدًا مثلكِ.”
تجمّد ثيودور في مكانه من وقع الكلمات التي خرجت دون أن يقصد.
لقد كان يعلم جيدًا أن إيلودي تتعلق بآريا أكثر منه، بل وكان يدرك أن آريا أهم لإيلودي في هذه المرحلة.
لكن أن يخرج منه ذلك تلقائيًا هكذا… اعترف في نفسه بهدوء
منذ وقتٍ ما، أصبحت آريا شخصًا لا غنى عنه، ليس لإيلودي فقط، بل له أيضًا.
غير أن آريا لم تترك له فرصة للغوص أكثر في أفكاره، إذ أعلنت أن الوقت قد حان لبدء الطعام.
“إيلودي، اجلسي مكانك سأغرف لك بنفسي.”
أوقفت آريا الطفلة حين حاولت الوقوف على الكرسي لتغرف الحساء من القدر الساخن.
وبمهارة واضحة، وزعت الحساء في أطباق صغيرة أمام إيلودي وثيودور ونفسها.
كان واضحًا أنها اعتادت فعل ذلك كثيرًا.
أخذ تيودور ملعقة من الحساء الكريمي ببطء.
…!
كان طعمه مالحًا باعتدال وغنيًا بالكريمة الناعمة التي انزلقت بسلاسة عبر حلقه، بينما أضفى الفطر والمحار ملمسًا طريًّا لذيذًا عند المضغ.
وكانت باقي الأطباق لذيذة بالقدر نفسه.
وفكّر ثيودور ممتنًا أن عودته إلى حاسة التذوق تزامنت تمامًا مع أول مرة يتذوق فيها طعام آريا.
فلو لم يحدث ذلك، لكان قد خسر شيئًا عظيمًا.
رفع نظره بين حين وآخر إلى آريا، فرآها تأكل طعامها بينما تعتني بإيلودي بلا توقف، وإيلودي تتلقى ذلك بشكل طبيعي كما لو أنه أمر اعتيادي. …كأنهما عائلة حقيقية.
ابتسم ثيودور بمرارة.
فحتى وجوده هنا الآن لم يكن إلا بفضل سماح آريا له.
ولولا سماحها، لما أتيح له اللعب مع إيلودي هذا اليوم.
عليّ أن أحسن إليها.
فهو لم يكن رجلًا عديم الضمير، بل العكس تمامًا.
فقد كسب احترام رجاله بالثواب والعقاب الحاسم.
لكن ذلك كان قبل أربع سنوات.
أما بعد أن كاد يفقد عقله وهو يبحث عن إيلودي، فقد خسر ثقة من كان يظنهم أوفياء له.
لقد رأوا أن الأمر لا يستحق إن لم أجدها… لكن ها هي إيلودي أمام عينيه حيّة، سليمة، وسعيدة.
ولن ينكر أن لآريا فضلًا كبيرًا في ذلك.
سألته آريا فجأة بنبرة مستغربة
“صاحب السمو، هل لديك ما تود قوله؟”
عندها أدرك ثيودور أنه كان يحدّق بها طويلًا.
قال مرتبكًا
“آه… كنتُ فقط أريد أن أقول إن الطعام لذيذ للغاية.”
ابتسمت آريا مجيبة بصوت مفعم بالراحة
“شكرًا، على كل حال تناول كثيرًا، فقد أعددت كميات وافرة.”
“حسنًا.”
وأطاعها ثيودور حرفيًا، حتى شعر بالشبع بعد زمن طويل من الحرمان.
حين نهض معلنًا أنه سيغادر ، نهضت آريا وإيلودي بمرافقته حتى الزقاق.
“…آه!”
ولم يكد يخطو بضع خطوات خارج الباب حتى ترنحت آريا بقوة وسقطت على الأرض.
اتسعت عينا ثيودور بذهول
“هــ.. هل أنتِ بخير؟”
أومأت بسرعة “نعم.”
تحسس ثيودور الأرض فوجد فيها حفرًا كثيرة.
قالت آريا وهي تهز رأسها بأسف
“في النهار أستطيع تجنّبها، لكن في الليل كثيرًا ما أسقط هكذا لا حيلة لنا من يهتم بأحوال طرق قرية صغيرة كهذه؟”
كتم ثيودور ضحكة ساخرة.
لقد كان الموقف خطيرًا كاد أن يسبب التواءً في قدمها، ومع ذلك اعتبرته أمرًا لا يُمكن تجنّبه.
لا شك أنها لا تهتم كثيرًا بسلامتها الشخصية.
لكنه لم يقل شيئًا، بل ساعدها على النهوض فحسب.
قال بهدوء
“شكرًا على اليوم.”
ابتسمت آريا
“لقد كان ممتعًا استقبال الضيوف بعد زمن طويل، فلا تشعر بالحرج لكن… لا تأتِ كثيرًا حضورك يلفت الأنظار، وقد يثير قدوم الصحفيين مجددًا.”
ضاقَت عينا ثيودور “…ذلك أمر سأهتم به بنفسي.”
بدا له أن أمامه اليوم أمرين لا بد أن “يهتم بهما بنفسه.”
***
أشرق الصباح.
وعندما استيقظت، كانت إيلودي نائمة بعمق، لا تشعر بشيء مما حولها.
“هـووف…”
تنهدتُ وأنا أفرك كتفي المتصلّب فقد أرهقني غسل الأطباق المتراكمة قبل أن أنام، حتى أصبح جسدي كله متيبّسًا.
ومع ذلك، فاليوم ليس يوم عطلة، لذا لا مجال لترف التمدد في السرير.
أجبرت جسدي المثقل على النهوض ببطء.
طارق! طارق طارق!
دوّى فجأة صوت صاخب من الخارج، كأنه يهزّ الجدران.
ما هذا الضجيج؟
تجهم وجهي وأنا أطل من نافذة غرفة الجلوس.
…!
اتسعت عيناي دهشة.
فقد كان هناك أكثر من عشرة عمال مهرة على الأقل، منهمكين في حفر الطريق وإعادة رصفه بكل جدية.
لكني لم أسمع حتى البارحة عن أي خطط لإجراء إصلاحات… ومع ذلك، لم يكن من الصعب تخمين المسؤول عن هذا.
لابد أنه دوق فانيش.
هززت رأسي يأسًا أيّ حب أبوي هذا الذي يجعله، لمجرد أنني تعثرت قليلًا البارحة، يقرر أن يقلب الطريق كله رأسًا على عقب!
“…آريا، ما بال هذا الضجيج؟”
خرجت إيلودي إلى غرفة الجلوس وهي تفرك عينيها، يبدو أن الأصوات قد أيقظتها.
“إنها أعمال إصلاح الضوضاء مزعجة، أليس كذلك؟”
“نعم.”
أومأت إيلودي برأسها.
“ألا يمكننا الخروج باكرًا اليوم؟”
“فلنفعل ذلك.”
أعددتُ على عجل سلطة بسيطة مع بعض الحساء المتبقي من البارحة.
ورغم أن الإفطار كان متواضعًا أكثر من المعتاد، فإن إيلودي تناولته دون أي تذمر.
لكن في طريقي إلى المقهى، اكتشفت أمرًا مذهلًا لم يكن إصلاح الطريق أمام منزلنا فقط؟!
فالطرق المؤدية إلى المقهى، بل وحتى الطرق المجاورة، كلها كانت تُحفَر وتُعاد رصفها في آن واحد.
حتى إني بدأت أقلق حقًا على ميزانية أسرة فانيش
“…؟”
رمشت بدهشة.
إذ فجأة، أمسكت إيلودي بيدي بقوة واختبأت خلف ظهري.
آه…
حبست أنفاسي للحظة.
ذلك لأنني لمحته واقفًا أمام مدخل المقهى، متكئًا بخفة على الباب، رافعًا ذقنه النبيل قليلًا، محدّقًا في البعيد: ثيودور فانيش
…لا شك أنه وسيم فعلًا اضطررت أن أعترف.
فالدوق فانيش يمتلك من الحضور ما يكفي ليرفع مستوى المكان بأسره لمجرد وجوده فيه.
ويبدو أنه سمع وقع خطواتنا، إذ ارتجف جسده قليلًا قبل أن يلتفت، وقبل أن تلتقي عيناه بنا، فُتح فمه أولًا
“إيلودي!”
هذا الرجل… لا بد أنه يملك جهازًا يلتقط وجود إيلودي أينما كانت!
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 27"