خرجت الكلمة قصيرة وجافة على عكس ما أشعر به في داخلي في الحقيقة، كنت أود أن أتكلم بصراحة.
أن أخبره أنني أعلم تماماً أنّ ما حدث كان نتيجةً أعراض جانبية للسحر الأسود.
وأنني رأيت كم كان مؤسفاً أن يفكر بإيلودي حتى وهو في حالة فقدانٍ للعقل.
وبالتالي، لا حاجة لأن يعتذر لي على الإطلاق… لكن، استخدام دوق فانيش للسحر الأسود أمر لا يعرفه إلا كبار النبلاء.
ولو فتحت الموضوع أمامه، فسيجدني مشبوهة لا محالة.
“…….”
ظلّ دوق فانيش يحدّق بي دون أن ينطق بكلمة.
ولمّا لم أعد أحتمل وطأة الصمت، بادرت بالكلام أولاً
“أنا على وشك أن أتناول العشاء مع إيلودي الآن هل تودّ الانضمام إلينا؟”
“ولكن، هل يجوز ذلك حقاً؟”
بدت على الدوق علامات عدم التصديق لكلامي.
“بالطبع ما دمت قد أتيت إلى هنا، فتناول العشاء قبل أن ترحل.”
“……أشكرك.”
“لا داعي للشكر ما الذي ترغب بتناوله؟”
“أي شيء لا بأس به فكل ما تصنعينه لذيذ.”
“……هه.”
انفلتت مني ضحكة مباغتة في تلك اللحظة.
فتساءل الدوق بوجه متفاجئ
“ما الذي يثير ضحكك؟ أنا أقول هذا بصدق…”
“آه، لأن إيلودي قالت لي قبل قليل العبارة نفسها تماماً.”
مسحت الدموع التي تجمعت عند عيني وأضفت
“أكاد أقول إنكما نسخة طبق الأصل، أبٌ وابنة.”
“ولكنه حقاً، كل ما تطبخينه شهي.”
حتى نبرة صوته الجادة المفعمة بالصدق كانت مطابقة تماماً لإيلودي، فقهقهت من جديد وأنا أحاول كتم ضحكي.
“أعتذر… لكن حتى الصوت متشابهان جداً…”
“حقاً؟”
ارتسمت ابتسامة على شفتي دوق فانيش.
“في هذه الحال، فهذا أمر حسن ما دمتِ تحبين إيلودي، فسوف تنظرين إليّ أنا أيضاً بعين الرضا.”
***
وقد انشرح صدري قليلاً، فأجلست إيلودي ودوق فانيش في غرفة الجلوس ثم توجهت نحو المطبخ.
كانت عينا إيلودي تحملان شيئاً من القلق، لكنها لم تعد تبدو خائفة من الدوق كما في السابق.
أما الدوق نفسه فكان متوتراً إلى حدٍّ ما، غير أنه بدا مستعداً للاقتراب من إيلودي.
(حسناً، لن يحدث شيء إن تركتهما يتحدثان لنصف ساعة تقريباً).
قررت أن أترك مسألة ترميم العلاقة بين الأب وابنته لهما معاً، وانهمكت في تقطيع المكونات وإعداد الطعام.
صحيح أن كلاً من إيلودي والدوق قال إن أي شيء سيكون مناسباً، لكن لا يمكنني أن أقدّم لهما “أي شيء” وحسب.
على الأقل يجب أن يكون هناك مائدة تليق بالضيافة.
في البداية، لم أستطع التركيز في الطبخ، إذ كنت أرهف السمع لكل صوت يأتيني من غرفة الجلوس.
لكن شيئاً فشيئاً، حين سمعت حديثهما يتواصل بتردّدٍ لكنه مستمر، شعرت بالاطمئنان واستطعت التركيز على عملي.
كنت منهمكة في تقطيع الجزر حين وقع الأمر.
(كُـنغ. كُـكُـنغ).
ترددت أصوات سقوط متتالية.
قطبت حاجبي.
لو كان المطبخ، لقلت إنه طبيعي، لكن لم يخطر ببالي أن هناك شيئاً في غرفة الجلوس قد يُحدث مثل هذا الضجيج.
وضعت السكين جانباً وسرت بخطى حذرة نحو غرفة الجلوس.
(ربما لا شيء مهم… لكن عليَّ التأكد مما يجري… أها؟)
رمشت عيني بدهشة.
الكراسي الفاخرة المطابقة لطاولة غرفة الجلوس كانت ملقاة على الأرض بشكل عشوائي.
مع أن هناك سجادة سميكة مفروشة، إلا أن الصوت كان مرتفعاً بما يكفي ليصل حتى المطبخ.
ما يعني أنّ سقوطها كان شديداً للغاية.
لكنني، رغم ذلك، لم أستطع أن أجد في نفسي الجرأة لأغضب من دوق فانيش، الذي بدا واضحاً أنه هو المسؤول.
ليس لأن الأثاث من ممتلكاته أصلاً، بل لسبب آخر… إيلودي كانت تبدو سعيدة على نحوٍ لا يوصف.
وجهها متورد بلونٍ وردي صاخب من فرط الحماس، وقد علّقت رداء الدوق على الطاولة لتصنع منه خيمة صغيرة، ثم اختبأت أسفلها وهي تُخرج رأسها فقط.
وصلني صوت الدوق وهو يتحدث بصوت منخفض مفعم بالتشويق، كما لو كان يروي سراً عظيماً
“وهكذا، قلت للتنين: إن أردتَ أن تأخذ حياتي، فما زال الوقت مبكراً بأكثر من مئة عام! وبالطبع استشاط التنين غضباً وبدأ يُزلزل الأرض من تحت قدميه…”
(كوااااع!)
مع حركة مبالغ فيها من الدوق، ارتطم أحد الكراسي بالطاولة وانقلب أرضاً.
وقد بدا الارتطام قوياً لدرجة جعلتني أظن أن الطاولة قد خُدشت هذه المرة.
إيلودي أطبقت يديها على فمها، تصدر خنقات مكتومة محاولةً كبح ضحكٍ يكاد ينفجر.
وعلى محياها المرتسم بالضحكة، بدا الدوق بدوره أكثر ارتياحاً وسعادة.
(كُـنغ!)
رفع الدوق الطاولة ليُجسّد معركته ضد التنين، ثم أسقطها مجدداً على الأرض بارتطام مدوٍّ.
وغرفة الجلوس، التي أنفق فيها ثروة لتهيئتها على أكمل وجه، أخذت تتهالك شيئاً فشيئاً تحت وطأة حركاته.
لكن لا إيلودي، التي تابعت كل حركته بعينين متألقتين وإعجابٍ لا ينتهي، ولا الدوق، الذي لم يكن يتحرك إلا بدافع إسعادها، أعارا أي اهتمام لتلك التفاصيل الصغيرة.
صحيح أن فكرة التدخل لإيقافه خطرت في بالي.
لكن، وأنا أنظر إلى عيني إيلودي الحمراوين الداكنتين –المشابهتين تماماً لعيني الدوق– وهما تتلألآن بالابتسامة، لم أرغب حقاً في قطع هذه اللحظة بينهما.
(…….)
ينبغي أن أفرح… أجل، ما يجري الآن هو تماماً ما تمنّيته: أن تعود الصلة بين إيلودي والدوق.
ومع ذلك، غمرتني بغتة مشاعر مُرّة يصعب وصفها.
ربما… أسرع مما أتصور، لن تعود إيلودي بحاجة إليّ.
حينها اتخذت قراري سريعاً سأعود إلى المطبخ بهدوء، من دون أن يلحظا غيابي.
(نعم… هذا هو الصواب).
بدأت أقطع البصل وأنا أتخيّل أيامي القادمة بعد أن تنتقل إيلودي للعيش مع الدوق في قصره.
لن أضطر بعد الآن إلى الانشغال يومياً بمأكلها وملبسها، أو بالقلق إزاء تصرفات الدوق الغريبة.
غير أنّ… توقفت لبرهة وأرهفت السمع.
تلك الأصوات التي لم أنتبه إليها وأنا مركّزة في الطهي باتت تتضح أكثر الآن
ضحكات إيلودي المكبوتة، الارتطامات العالية، وصوت الدوق وهو يروي مغامرات غير معقولة بكل حماسة…
لو رحلت إيلودي مع الدوق إلى عالمٍ لا علاقة لي به، فلن تعود مثل هذه الضوضاء تُسمع أبداً في هذا البيت الصغير الدافئ.
(…… سيغدو المكان ساكناً حقاً).
وأنا أرمش بعيني اللتين وخزهما لذع البصل الحاد، فكرت إن عدت لأعيش هنا وحدي، كما في الماضي… فربما، فقط ربما، سأشعر ببعض الوحدة.
***
“أكثر، أرجوك، أريد المزيد!”
“أعتذر لك.”
نظر ثيودور إلى الطفلة الصغيرة التي لم تصل حتى إلى خصره وهو يعتذر لها.
“لكن سرعان ما ستنتهي الآنسة بيرتين من إعداد الطعام ولتفادي إرهاقها، يجب أن يكون كل شيء مرتباً بحلول ذلك الوقت، أليس كذلك؟”
“……نعم.”
هزّت إيلودي رأسها بحزن، وكأنها تشعر بالأسف.
كبح ثيودور رغبةً شديدة في الجلوس على الأرض واحتضان الطفلة بين ذراعيه، لأنه كان عليه إنجاز مهمة مهمة الآن.
بسرعة، أعاد ترتيب الطاولة والكراسي والسجادة إلى أماكنها الأصلية.
ولم ينس أن يعيد ترتيب الأشياء الصغيرة التي استخدمها كوسائل مساعدة لتوضيح القصة لإيلودي.
ساعدته إيلودي بيديها الصغيرتين على ترتيب تلك الأشياء بجانبه.
وبمجرد أن أنهى إعادة ترتيب جميع الأثاث، فحص ثيودور كل زاوية بعين دقيقة ليتأكد من عدم وجود أي تلف أو خدش.
(يبدو أنني بحاجة إلى استبدال الطاولة هذه.)
تأمل الطاولة الصغيرة التي ظهر عليها بعض الخدوش وفكر بلا مبالاة
(يجب أن أُري الآنسة بيرتين الكتالوج لتختار بنفسها هذه المرة.)
وعليه، يمكنها أيضاً اختيار أي أثاث آخر ترغب به بحرية.
(لكن، هل سيصبح البيت ضيقاً أكثر بذلك؟)
تسلسل أفكار ثيودور استمر كتشعب فروع الشجرة.
ربما يكون من الأفضل أن نوفر لها بيتاً جديداً ومرتباً بالكامل.
لكن، يبدو أن آريا بيرتين تفضل ألا تُحدث تغييرات كبيرة، لذا ربما يكون من الأنسب توسيع هذا المنزل الحالي فقط.
ومع ذلك، بدا أن مالك هذا المنزل مختلف، فهو يدفع ما يُعرف لدى عامة الناس باسم “الإيجار الشهري”.
إذاً، شراء المنزل بالكامل وإجراء التوسعة قد يكون خياراً جيداً.
(وماذا لو رفضت ذلك أيضاً؟)
بينما كان ثيودور يفكر بجدية، سمع صوت آريا من خلفه بنبرة مستغربة بعض الشيء
“إذا كان لديك وقت فراغ، هل يمكنك مساعدتنا في نقل الطعام قليلاً؟ لقد أعددت كمية كبيرة أكثر من اللازم.”
“حسناً.”
احمرّت وجنتا تثيودور قليلاً.
(ستظن أنني شخص سخيف.)
أن يُكتشف أنني واقف مذهولاً أمام امرأة فطنة وحادة الملاحظة مثل آريا بيرتين، وليس أمام أي شخص آخر.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"