(بينما كنت فاقد العقل، كانوا يدبّرون مثل هذه الخيانة؟)
كلمات الكونت ياكوب عن أنّ عائلة الدوق في خطر الإبادة لم تكن مبالغة.
الذين كانوا في الماضي أوفياء له اجتمعوا الآن ووضعوا خطة لالتهام بيت الدوق.
وكان من يقف في المركز هو اللورد شايلو نفسه.
قال الكونت ياكوب بابتسامة مرّة:
“لقد وصلني العرض أيضًا، يا صاحب السعادة ولما رفضته قائلاً ما هذا الكلام، لم يسألوني مرة أخرى حينها حاولت الوصول إليك … لكنني لم أتمكن من الاتصال بك أبداً.”
“……”
رمق ثيودور الملفّ بنظرات حادة.
كان يمكنه أن يدع الأمور تسير كما هي لو أنّ بيت الدوق سيسقط حقًا، ولم يكن ذلك ليضيره كثيرًا.
صحيح أنّ آريا بيرتين كانت تعتقد أنّه لولا مكانته كدوق لكان مجرد مفلس معدم، لكن في الواقع كان يمتلك ثروة شخصية لا يُستهان بها.
حتى لو استولت أيادٍ أخرى على بيت الدوق، فذلك المال يكفي ليجعل إيلودي تعيش حياة مترفة إلى الأبد.
لكن إن آلت هذه العائلة إلى الخونة، فالأمر سيكون مختلفًا تمامًا.
قال ثيودور بنبرة باردة:
“لو أردت التحدث بصراحة، لكان الأولى أن تأتي مباشرة إلى قصر الدوق بدلًا من كل هذا العناء.”
فأجاب الكونت ياكوب:
“ظننت أنّك لن تصدّق ما لم ترا الأدلة بأعينك.”
فأشار ثيودور إلى الملف بخفة:
“أما كان بإمكانك أن تجلبه معك فحسب؟”
ارتسم على وجه الكونت ياكوب تعبير مذهول مرتبك:
“ذا… ذلك لم يخطر ببالي.”
“يكفي.”
أجاب ثيودور بإيجاز.
لقد تسبب غباء الكونت في أن تنقلب حفلة عيد ميلاد إيلودي رأسًا على عقب، لكنه لم يفكر في لومه الآن.
“يكفي أنّك أعلمتني بهذه الحقيقة، وهذا فضل كبير لك يا كونت.”
“……!”
أشرق وجه الكونت فرحًا.
“إذن، أنت عائد كليًا، يا صاحب السعادة؟”
تردد ثيودور في الإجابة قليلًا، ثم أدار بصره نحو النافذة.
فكّر أنّ البيت قد حُفظ بحالة جيدة رغم غياب سيده طويلًا.
بل إنه بدا في حالة شبه مثالية.
(طبعًا… لأنهم ظنوا أنه سيكون لهم قريبًا، أبقوه في أبهى صورة.)
اشتعلت في عيني ثيودور القرمزيتين شرارة نارية حادة.
“ستجتاح ريح الدم قريبًا.”
***
لم يعد دوق بانيش حتى بعد مرور أسبوع.
ولم يصل أيّ خطاب منه أيضًا.
(هل يمكن قد حدث له أمر ما؟)
هززت رأسي نافية.
لا بدّ أنه منشغل فقط بتصفية الأعمال المتراكمة طوال الفترة الماضية.
كونه عاد تدريجيًا إلى هيئته السابقة قبل أن يفقد إيلودي أمرٌ لا يمكن إلا أن يكون جيدًا.
فهذا يعني أنّه ابتعد أكثر عن صورة “الدوق الشرير” في الرواية.
من هذه الناحية، يمكن القول إنّ زيارة الكونت ياكوب لم تكن سيئة تمامًا… لا، بل كانت سيئة جدًا.
“آنسة بيرتين، أرجو أن تسمحي لي بلقاء الآنسة الدوقة إيلودي ولو لمرة واحدة!”
“آنسة بيرتين، أهناك صحة للشائعات القائلة إنّ لكِ علاقة مريبة مع الدوق؟”
“آنسة بيرتين، أحقًّا أنقذتِ الآنسة الدوقة من الهلاك جوعًا في الشارع؟”
حدّقت في الصحفيين الذين ازدحم بهم المقهى وأنا أعاهد نفسي:
لو قُدّر لي أن أرى وجه الكونت ياكوب ثانية فسأصفعه بكل ما أوتيت من قوة.
قلت للصحفيين بحدة:
“لا شيء لدي لأقوله ارجعوا جميعًا ألا تعلمون أن ما تفعلونه إعاقة للعمل؟”
لكن بطبيعة الحال، لم يكن من المتوقع أن ينسحب هؤلاء الصحفيون بكلمة واحدة.
وفي النهاية، وقد استسلمت نصف استسلام، حاولت أن أبيع لهم بعض الخبز والقهوة على الأقل، لكنهم كانوا بلا ذرة ضمير، فلم يشتروا حتى فنجان قهوة واحد.
وفوق ذلك، بدأ الصحفيون شيئًا فشيئًا يتقاطرون إلى منزلَي الاثنتين أيضًا، وكان دفع المال في كل مرة مع الاعتذار يرهقني كثيرًا.
لو استمر الوضع هكذا فقد أضطر فعلًا إلى إغلاق المقهى والهرب ليلًا.
“ما الذي تفعلونه هنا جميعًا؟”
التفتت رؤوس الصحفيين دفعة واحدة رمشت بدهشة.
لقد دخل قائد الحرس، إيان، بوجه متجهم إلى المقهى لم يكن مرتديًا بزته الرسمية، فاليوم على ما يبدو كان يوم راحته لكن، سواء ارتداها أم لم يرتدها، فهو يظل قائد الحرس.
شعرت وكأن حبل نجاة أُنزِل من السماء.
شرحت لإيان ما جرى:
“! مهما طلبت منهم المغادرة لم يستجيبوا، حتى إنّ الزبائن لا يستطيعون الدخول والأسوأ أنّهم لا يطلبون حتى فنجان قهوة! أليس هذا إعاقةً للعمل؟”
تعالت أصوات الاعتراض من هنا وهناك، لكني لم ألقِ لها بالًا هؤلاء بلا ضمير، فليصيحوا كما يشاؤون.
الأهم هو ما سيقوله قائد الحرس الآن.
وبعد أن تردد لحظة، نطق إيان بكلمة حاسمة:
“أظن أنّ ما تقوله الآنسة آريا صحيح.”
صرخ الصحفيون جميعًا دفعة واحدة:
“ماذا؟”
“هذا غير معقول!”
“هذا انتهاك لحرية الصحافة!”
لكن إيان هز رأسه قائلًا:
“مهما تقولوا، ما تفعلونه هنا يندرج تحت بند (إعاقة الأعمال) وفق المادة 509 الفقرة الثانية من قانون الإمبراطورية وإن لم تغادروا فورًا فسيتم إخراجكم بالقوة.”
هؤلاء الذين لم يتحركوا رغم صراخي عشرات المرات، غادروا بخضوع أمام قائد الحرس، حتى كدت أشعر بالغيرة.
التفتُّ إلى إيان شاكرة بصدق:
“شكرًا جزيلًا لك لقد أنقذتني حقًا اليوم عطلتك، أليس كذلك؟ قل لي ما تشتهي، وسأقدمه لك كله.”
قال متردّدًا:
“……لا حاجة، فنجان قهوة يكفي.”
“هذه ليست المرة الأولى التي تساعدني فيها وأنا أعلم أنّ ما فعلته ليس أمرًا عاديًا.”
قلت ذلك بجدية وإخلاص.
فما أندر الناس الذين يؤدون واجبهم بصمت.
أما أنا، فما زلت حتى الآن لم أتسلم المكافأة التي وُعدت بها لقاء مساعدتي في القضاء على عصابة الاتجار بالبشر.
لحسن الحظ، لم يتكلّف إيان طويلًا، بل تناول القهوة والوافل اللذين قدّمتهما له بابتسامة مشرقة، حتى إنني شعرت بلذة في صنعهما من فرط ما استمتع بهما.
(لا بد أن أجهز له لاحقًا بعض الكعك والخبز أيضًا.)
فقد كان لدي فائض منها بسبب قلة الزبائن منذ أن احتل الصحفيون المقهى.
وسيبهجني أن أراه يستمتع بها.
“أما بخصوص هؤلاء الصحفيين… لو أخبرتني لأي صحيفة ينتمون فسأوجه تحذيرًا لتلك المؤسسة.”
قلت مترددة:
“ألن يكون ذلك متعبًا لك؟”
فأجاب بحزم:
“أنا من يرغب بفعل ذلك.”
لم أجد سببًا لأرفض المساعدة وقد عرضها بهذه الرغبة.
ابتسمت شاكرة بصدق، لكن فجأة فُتح باب المقهى بقوة، ودخل شخص بخطوات راسخة.
ولم أحتج حتى أن أرفع رأسي لأعرف من هو.
فمثل هذا الظهور الصاخب والفظ لا يليق إلا بدوق بانيش
“إيلودي ذهبت إلى منزل صديقة.”
قلت بفرح وأنا أرفع رأسي مبتدئة بذكر أخبار إيلودي، لكنني جمدت من الدهشة.
(……؟)
فركت عيني غير مصدّقة، لكن ما رأيته لم يتغير.
نعم، الداخل كان دوق بانيش حقًا.
لكن……
شعره مبعثر كأنه لم يُسرّح.
عيناه الحمراوان تومضان بالجنون.
هالة قاتلة كأنه على وشك أن يفتك بأحدهم وفوق كل ذلك، قطرات الدماء المتساقطة من ردائه.
حتى أنّني خُيّل إلي أن خنجرًا غارقًا في الدماء يتدلّى عند خاصرته.
شهقت.
لقد رأيت وجهه المجنون أكثر من مرة من قبل، لكن لم يكن قط مثل الآن.
دوق بانيش في هذه اللحظة بدا وكأنه خرج للتو من صفحات الرواية، بصفته “الدوق الشرير” بعينه.
اقترب مني خطوة إثر خطوة.
ارتجف قلبي بعنف.
إنه خطر.
كل خلية في جسدي كانت تصرخ بي أن أهرب، أن هذا الرجل لا ينبغي الاقتراب منه.
لكنني لم أهرب.
بل أمسكت بذراع إيان الذي كان يستعد لاعتراضي لحماية نفسي، وهززت رأسي.
“لا بأس.”
قال إيان بقلق:
“إنه خطر.”
وهو محق، فأي إنسان عاقل سيظن أنّ الدوق جاء ليؤذيني.
(……لا، الأمر مختلف.)
سواء كان حظًا أم شؤمًا، فقد سبق أن كدت أموت على يد دوق بانيش
ولذلك كنت أعلم.
إنه لا يريد قتلي الآن.
فالعينان اللتان تنظران إلي بتلك اللهفة لا يمكن أن تكونا عيني قاتل.
لكن لم يكن هذا السبب الوحيد لمنعي إيان.
فحتى لو حاول، لم يكن ليستطيع الصمود أمام دوق بانيش إن أراد، لكان مزّقني ومزّقه في لحظة.
المقاومة لن تجدي نفعًا.
ناديت الدوق بنبرة لينة قدر الإمكان:
“يا صاحب السعادة الدوق، ما الذي جاء بك؟”
ساد صمت ثقيل.
انتظرت جوابه بقلق شديد.
حتى إيان، الذي لم يتحمل التوتر، أوشك أن يضع يده على مقبض سيفه.
لم ألمه.
فأنا نفسي لم أكن واثقة تمامًا أنه لن يؤذيني.
قد أكون أخطأت التقدير.
ربما جن تمامًا وجاء لقتلي.
وربما كان ما قرأته في عينيه منذ قليل مجرد وهم صنعه عقلي المذعور.
وأخيرًا، خرجت من فمه كلمات قصيرة، محمّلة بالعاطفة التي كاد أن ينفجر بها:
“……إيلودي.”
كان صوته يبدو وكأنه يجهد في كبح جماح مشاعر متفجرة.
“أرجوك… اعتني بإيلودي.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 23"