تابع الكونت جاكوب كلامه غير آبهٍ بالأجواء التي ازدادت توتراً.
“كل خدم الدوقية ينظرون إلى حضرتك وحدك إن كنت تقدر دوقية فانيتش ولو قليلاً، أرجوك…!”
أملت رأسي قليلاً في حيرة.
كان من الصعب عليّ فهم ما كان يقوله الكونت وهو يتكلم بعبارات مبعثرة.
(ما الذي يقصده بالضبط؟)
نظرت حولي، فوجدت أن وجوه الآخرين تعكس ذات الحيرة.
“…الكونت جاكوب.”
خرج صوت بارد من فم الدوق.
“تطلب مني العودة؟ هل لديك ذرة من الضمير؟”
أوه…
أخيرًا فهمت ما يجري، وتنهدت في سري.
فالدوق فانيتش لم يكن فقط بعيدًا عن قصره، بل يبدو أنه قطع كل اتصال به أيضاً.
من المؤكد أن رسائلي وزياراتي لم تصله قط.
(هل يحق له فعل ذلك؟)
قطبت جبيني.
مهما يكن، فإن دوق فانيتش هو رأس العائلة النبيلة،
وطالما لم يتخلَ عن لقبه، فإن كلام الكونت بأن عليه العودة للقيام بواجباته يبدو منطقيًا.
“ألم تقولوا إن ابنتي قد ماتت على الأرجح، وأنه لا جدوى من إضاعة الوقت وعليّ العودة؟”
“…يا صاحب السمو…”
تلعثم الكونت.
“حتى لو امتلكت عشرة أفواه، فلا يمكنني تبرير ما قلته”.
ولكن إن استمر الحال هكذا، فدوقية فانيتش ستنقرض.
آلاف الأرواح تعتمد عليك ، أرجوك عود.”
“كنت أظن الأمر كذلك ذات يوم.”
رد الدوق ببطء.
“إلى أن بدأ أولئك الذين يدّعون أنهم خدم مخلصون يقولون إن بإمكاني إنجاب أطفال جدد، وأن عليّ نسيان إيلودي.”
قفزت مذعورة وبدأت أبحث عن إيلودي بعيني.
كم تمنيت أن أتمكن من تغطية أذنيها.
ولحسن الحظ، بدت إيلودي صغيرة جداً لتفهم المعنى الحقيقي لكلامهم.
وأصدقاؤها من الأطفال كذلك.
أما الكبار، فقد كانوا مختلفين.
فبكلمات قليلة، برر الدوق أمام الجميع سبب امتناعه عن العودة إلى القصر وتخليه عن واجباته.
وأنا لم أكن استثناءً.
(……)
بلعت ريقي.
إيلودي أصبحت بالفعل جزءًا من عائلتي.
لو فقدتها وكنت أبحث عنها بجنون، ثم جاء أحدهم ليقول مثل هذا الكلام…
(عجيب كيف نجا هذا الكونت من الموت.)
فلو كان دوق فانيتش كما تصفه الرواية، لكان قد فصل رؤوس أولئك الخدم عن أجسادهم فورًا.
ولو فعل، لما جاء هذا الكونت جاكوب، أو جاكوبا، ليفسد حفلة عيد ميلاد إيلودي.
وكان واضحًا أن الدوق، ما إن فتح فمه، لن يُغلقه بسهولة.
“أليس أنتم من تعمدوا إفساد صحتي العقلية؟”
أطلق الكونت جاكوب تنهيدة وكأنه أصيب في مقتل.
“…يا سيدي، لا يسعني إلا أن أعتذر بصدق عن ذلك. ولكن…”
“ألم تقل قبل قليل إنك لا تملك ما تقوله، والآن لا تكف عن الكلام؟”
سخر الدوق منه علنًا، فصمت الكونت، ولم يبقَ سوى عينيه ترفرفان في حيرة.
وضعت يدي على جبيني.
كنت بحاجة للتفكير فيما سمعت للتو.
(قال إن صحته العقلية فُسدت عمداً؟)
هذا يعني أن الدوق واعٍ تمامًا بأنه غير متزن.
ويبدو أن خدمه ساهموا في ذلك بشكل كبير.
(…لا أذكر أن شيئًا كهذا ذُكر في الرواية!)
أمسكت برأسي.
لو كنت أعلم، لكنت حفظت الرواية عن ظهر قلب.
لكن من يهتم بتفاصيل مخفية عن شخصية مظلمة؟
أكيد لم تكن تلك المعلومة ذات أهمية كبيرة في الرواية.
قطعني صوت الدوق البارد، فأخرجني من أفكاري:
“أحاول ألا أُظهر مشهدًا مشينًا أمام ابنتي، فلتتراجع فورًا وإلا…”
“ه، هل… هل وجدت ابنتك؟!”
سأل الكونت جاكوب وقد بدا عليه الارتباك الشديد.
بدأ ينظر حوله بسرعة، وقبل أن يرد عليه الدوق، وقعت عيناه على إيلودي.
“آنسة النبيلة!”
وقف الكونت فجأة واتجه نحو إيلودي مسرعًا.
وكأنه نسي وجود الدوق تمامًا.
سمعت صوت الدوق يتمتم ساخرًا: “هاه”.
انحنى الكونت أمام إيلودي.
“يا آنستي… لقد كبرتِ كثيرًا… يمكنني أن أموت الآن دون ندم.”
كان يتكلم بلا توقف، وكأن العاطفة غمرته بالكامل.
بينما بدت إيلودي مذهولة، لا تفعل شيئًا سوى تحريك عينيها بتوتر.
“هل تذكرينني؟ أنا عمك توم! كنتِ تنادينني تومي! آه، كم أنتِ شبيهة بوالدك…”
“كفى.”
حتى الصبر له حدود.
فتحت فمي للمرة الأولى منذ دخول هذا الكونت إلى المقهى.
“ألا ترى أن إيلودي خائفة؟”
أشرت إليها، فجاءت إليّ راكضة وعانقتني من خصري.
رفعتها بذراعي.
رغم أنها أصبحت ممتلئة قليلاً بسبب ما أطعمته إياها، إلا أنها كانت لا تزال نحيلة وضعيفة، واحتضنتني بقوة.
“لا بأس، لا بأس.”
ربّتُ على ظهرها المرتجف.
نظر الكونت جاكوب إلينا بوجه وكأن السماء سقطت فوقه.
“ي، يا آنستي…”
“أيها الكونت.”
كان الدوق.
اقترب بخطى ثقيلة من الكونت، ووجهه مليء بالغضب.
تجمد جسدي.
لو حدث قتال بالسيوف في حفلة عيد ميلاد إيلودي…
(لا يمكن…)
لا بد أن لدى الدوق بعضًا من ضبط النفس.
لحسن الحظ، توقف الدوق أمام الكونت مباشرة.
“لم يكفك اقتحام المكان دون سابق إنذار، حتى تُرعب ابنتي فوق ذلك؟”
زمجر الدوق.
“ل، لكن يا سيدي!”
رغم كل ما حدث، كان لا بد من الاعتراف بأن الكونت جاكوب يتمتع بقدر من الصلابة.
فأي شخص عادي كان ليهرب من هالة الدوق المرعبة منذ وقت طويل.
بدأت أختلس النظر إلى الدوق.
كانت عيناه الحمراء الداكنة مليئة بالغضب، كالغيوم السوداء قبل العاصفة.
سارع الكونت بالكلام:
“لا حاجة لأن تبقى طويلًا لقد أعددنا كل الوثائق اللازمة في قصر الدوقية، ولن تحتاج سوى لاتخاذ قرارات في بعض القضايا العاجلة.”
ضيّق الدوق عينيه.
“لا حاجة للبقاء طويلًا، تقول؟ ما المدة بالتحديد؟”
“ش، شهر واحد فقط!”
“…”
“أ، أسبوعان…”
“…”
“أسبوع واحد! يا سيدي، أسبوع فقط! وسنتجاوز الأزمة الحالية أرجوكم…”
وقبل حتى أن يفتح الدوق فمه، كنت أعلم ما ستكون إجابته.
“أرفض.”
نعم، هذه هي الإجابة تمامًا.
قالها الدوق بسخرية واضحة.
“حتى لو انقرضت دوقية فانيتش ك فما علاقتها بي؟
ألستم أنتم من عارضتم منذ البداية أن تكون إيلودي وريثة للدوقية؟
طالما أنني لن أتمكن من توريثها، فلا بأس إن اختفت.”
هززت رأسي نافيًا.
لأني أدركت أن الرجل الواقف أمامي قد جُنّ فعلاً.
(ماذا؟ لا يهمه حتى لو انقرضت الدوقية؟ ما هذا الهراء؟)
حتى لو كان هدفه أن يعيش مع إيلودي فقط، أليس بحاجة إلى لقب الدوق وثروات الدوقية على الأقل؟
أنا وحدي سمحت له بالاقتراب من إيلودي فقط لأنني مجنونة بما يكفي لبذل كل ما أملك من أجلها.
لو كانت الظروف مختلفة قليلًا، لكنت استخدمت كل الوسائل الممكنة لمنعه من الاقتراب.
أفهم أن خدمه كانوا يتفوهون بتفاهات أغضبته،
لكن أن يتخلى عن كنز بين يديه ويرميه في الشارع؟ هذا غير مقبول.
همست بكلمات وأنا أنظر إلى إيلودي التي ما تزال في حضني:
“البالغ الراشد عليه أن يعمل أليس كذلك، إيلودي؟”
“هاه؟”
توسعت عينا إيلودي وهي ترد باستغراب.
“آه، صحيح، إيلودي ما زالت صغيرة ولا تعرف هذه الأمور بعد لكن الشخص البالغ القادر على العمل ولا يعمل، يُقال له كسلان وأنا لا أحب الكسلاء.”
“كسلان؟”
“نعم، لكن لا تقلقي يا إيلودي.”
إن كان هناك عمل تحبينه، فافعليه وإن لم يكن، يمكنك العمل معي في إدارة المقهى.”
“……!”
تلألأت عينا إيلودي بحماس.
“أريد أن أعمل مع آريا في المقهى!”
“حقًا؟”
ابتسمت وأنا أنظر إلى إيلودي التي بدا أنها استعادت مزاجها الطيب.
“لكن لنبحث أولًا عن شيء آخر تحبينه.
“فالمقهى يمكننا العمل فيه معًا في أي وقت.”
بدأت أشعر بألم في ذراعي،
فأنزلت إيلودي على الأرض، ثم التفتّ نحو الدوق فانيتش والكونت جاكوب اللذين ما زالا في مواجهة حادة.
(……؟)
رمشتُ بعينيّ.
كان كلا النبيلين الرفيعين ينظران إليّ وإلى إيلودي وكأنهما رأيا شبحًا.
(……تبًا.)
تنهدت داخليًا.
لم أكن أقصد أن يسمعا ما قلت.
كنت فقط لا أريد من إيلودي أن تتخذ والدها قدوة، لهذا قلت تلك الجملة.
لم أتوقع أن يبدو كلامي وكأنه انتقاد مباشر، أو بالأحرى، علني.
وفجأة، جاء صوت من الدوق:
“سأعود إلى قصر الدوقية.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 21"