“……!”
اتسعت عينا دوق بانيشي.
بدت إيلودي غير مرتاحة، فبدأت تحرّك جسدها بقلق، لكنها لم تعترض.
وهذا أيضًا كان متوقعًا.
مُرٌّ بعض الشيء، لكن إيلودي لا تستطيع رفض كلامي بأي حال.
“حقًا… هل هذا مقبول لديكِ؟”
حاول الدوق أن يبدو هادئًا، لكنه لم يستطع إخفاء نبرة صوته المرتعشة.
“ليس بمفردكما.”
قلتُ ذلك بحزم.
فهذا كان شرطًا لا يمكنني التنازل عنه بأي شكل.
دوق بانيشي شخص خطر، ولن أسمح أبدًا لإيلودي أن تكون معه وحدها.
“وأيضًا، تعالَ إلى المقهى ثلاث مرات فقط في الأسبوع صحيح أن وجودك مفيد للإيرادات، لكن إيلودي تشعر بالضغط.”
“إذا كانت تشعر بالضغط، فسآتي مرة واحدة في الأسبوع.”
أجاب دوق بانيشي على الفور.
“وبالنسبة للقائمة، أطلب طبقًا واحدًا فقط، ويسرّني أنني ساعدت في الإيرادات رغم ذلك.”
تطلعت إليه بدهشة للحظة.
يبدو أن هذا الرجل لم يلحظ أبداً الفوضى التي يُحدثها حضوره في المقهى.
فهو يُعامل كنجم في هذه البلدة الصغيرة، ومع ذلك لا يدرك ذلك إطلاقًا؟
حسنًا… بما أنه لا يرى إلا إيلودي، فقد يكون هذا منطقيًا بعض الشيء.
“إذن، سأجلب ورقة.”
“ورقة؟”
رفع دوق بانيشي حاجبًا.
“علينا توثيق ما تحدثنا عنه حتى الآن في عقد.”
نظرت في عينيه الحمراء مباشرة وابتسمت ابتسامة عذبة.
“وإذا لم تلتزم ببنود العقد، فشرط الجزاء سيكون… قصر الدوق، مثلاً على أية حال، أنت لا تستخدمه، أليس كذلك؟ أعتقد أنه لا بأس أن تدفع ذلك الثمن.”
***
حلّ اليوم الموعود لأول لقاء ثلاثي.
كانت علامات التوتر واضحة على إيلودي منذ الصباح، لكنها لم ترفض لقاء دوق بانيشي.
وبما أن المقهى لم يكن مغلقًا ذلك اليوم، اقترحت على الدوق أن نتناول العشاء معًا بعد انتهاء الدوام.
وقد أعجبه الاقتراح، فقال إنه سيتولى حجز المطعم بنفسه.
(كما توقعت، إنه مطعم باهظ الثمن.)
فكرت بذلك بينما كنت أمسك بيد إيلودي ذات الوجه الكئيب، ونتوجه إلى العنوان الذي أعطانا إياه الدوق.
كل ما في الأمر أننا سنتناول العشاء سويًا.
لقد تناولنا الطعام معًا في النزهة من قبل، أليس كذلك؟
بعد قليل، دخلنا مطعمًا فاخرًا لم نكن لنجرؤ على دخوله في الظروف العادية.
ولأنهم حصلوا مسبقًا على أوصافنا، فقد تم توجيهنا إلى طاولة الدوق دون أن نذكر أسماءنا حتى.
(……؟)
نظرت إلى الدوق بدهشة.
كان يحمل في حضنه باقة زهور ضخمة.
كانت مليئة بأنواع الزهور باهظة الثمن، ويكاد حجمها يماثل حجم إيلودي.
المشكلة أن إيلودي لا تبدو ممن يحبون باقات الزهور الكبيرة كهذه.
لو كانت دمية دب، لربما أعجبتها أكثر.
وفي تلك اللحظة، قدّم دوق بانيشي الباقة إليّ فجأة.
ضاقت عيناي تلقائيًا.
(لماذا… يُعطيني إياها أنا؟)
لم يكن من الصعب التوصل إلى استنتاج.
(يريد أن يُحسن صورته أمامي.)
فقد فات الأوان على كسب قلب إيلودي.
ولهذا قرر استهدافي أنا، التي أبدو أكثر تقبلاً.
لكن، حتى في ذلك، لم يُحسن الاختيار.
فأنا أكره الزهور الطبيعية أكثر من أي هدية أخرى.
على الأقل الزهور الصناعية تبقى فترة أطول، أما الزهور الطبيعية فتنتهي سريعًا وتتحول إلى قمامة.
أخذت الباقة تلقائيًا ووضعتها جانبًا.
“آه… شكرًا لك.”
خرجت كلمات الشكر من فمي تلقائيًا.
فمن الطبيعي شكر من يقدم لك هدية، أياً كانت.
“هل أعجبتكِ؟”
كان في صوته شيء من التوتر.
رمشت ببطء، ثم سألته مجددًا:
“هل أبدو وكأنها أعجبتني؟”
“لا أعلم قراءة الأفكار ليست من اختصاصي.”
“أعجبتني.”
ابتسمتُ ابتسامة مشرقة.
“…حقًا؟ ظننتكِ تفاجأتِ في البداية.”
“هممم.”
بدأت أفكر بسرعة.
“تفاجأتُ فعلًا في البداية، ظننت أنها هدية لإيلودي طبعًا.”
“…آه.”
أصدر الدوق صوت تأوّه خافت.
“بخصوص ذلك، لدي ما أقوله لاحقًا. لكن الآن، أريد أن أعرف إن كانت الباقة هدية مناسبة للآنسة بيرتين.”
“آه، بل أكثر من مناسبة.”
أجبتُ بحيوية.
“لقد اخترتموها بعناية لي، فكيف لي ألا تعجبني؟”
في الحقيقة، لم أحب الزهور الطبيعية يومًا.
خصوصًا الباقات الكبيرة والثقيلة منها.
لكن هذه الباقة، خلافًا لانطباعي الأول، راقت لي كثيرًا كلما نظرت إليها.
والسبب كان بسيطًا:
لأنها باهظة الثمن!
كانت كل زهرة في الباقة تبدو غريبة الشكل لم أرَ مثلها من قبل، مما يدل على أنها من أنواع نادرة وثمينة بلا شك.
(لو نقيم غدًا فعالية نهدي فيها زهرة لكل زبون يدخل المقهى، فسيكون الأمر مثالياً.)
لو أن الدوق قدّم باقة من زهور البرية المقطوفة من الشارع مدّعيًا أنها من القلب، لطلبتُ منه التخلص منها فورًا.
لكن هل هناك ما يدعوني لرفض زهور باهظة الثمن؟
وسرعان ما بدأ تقديم الطعام.
وكما هو متوقع من مطعم فاخر، كان كل طبق مرتبًا ونكهته غنية.
… صحيح أن إيلودي بدت وكأنها تستمتع بطعامي أكثر، لكنه كان لا بأس به بالنسبة لي.
“إيلودي، ألا تذوقين هذا السلمون؟ لا تحبين السلمون؟ ماذا عن الكركند المشوي؟”
رؤية الدوق متلهفًا ليقدّم لإيلودي أي شيء جعلتني أشعر بشهية أكبر.
ولحسن الحظ، لم تعد إيلودي تتحفظ من الدوق كما كانت سابقًا.
بل إنها بدت مهتمة وسألته عن أمور متنوعة بنظرات متوهجة.
“كم عمرك؟”
“هل تملك الكثير من المال؟ كم؟ هل تملك أكثر من آريا؟”
“هل تجيد فعل شيء؟ هل تُغني جيدًا؟”
رغم أن هذه الأسئلة تبدو مناسبة لمقابلة تعارف لا لطفلة تسأل والدها، فإنني اكتفيت بالنظر إليهما بإعجاب.
ولِمَ لا؟ من الطبيعي أن تهتم بالثروة.
فهي ستكون ثروتها يومًا ما!
والدوق أيضًا بدا سعيدًا باهتمام إيلودي به.
وبفضل هذا، عرفت أنه يبلغ من العمر سبعةً وعشرين عامًا، وأنه يملك مالًا أكثر مني، ولا يُجيد الغناء.
لكن حديث إيلودي توقف تدريجيًا، وعندما قُدمت الحلوى، بدا أنها تعبت فاستندت إليّ وغفت على الفور.
ابتسمت دون شعور لرؤية ملامحها البريئة وهي تغطّ في النوم.
“…مظهرها وهي نائمة… لم يتغيّر.”
تمتم الدوق فجأة.
كان ينظر إلى إيلودي وكأنها كنز لا يُقدّر بثمن، وكان في نظرته من الحنان ما يحرّك المشاعر.
(نعم… سيصبحان أبًا وابنة رائعين بالفعل.)
ثم تبع هذا التفكير شعور مرير.
إذا تحسّنت العلاقة بينهما، فلن أعود شخصًا ضروريًا في حياة إيلودي.
لكن ذلك لا يهم.
سعادة إيلودي تهمني أكثر من أي شيء آخر.
“يجب أن أخبرك بشيء.”
“نعم؟”
“هل تعرف كم عمر إيلودي بالضبط؟ أعني، هل تعرف متى وُلدت؟”
“أوه…”
رمش بدهشة.
بالطبع لا أعرف تاريخ ميلادها.
لم أسألها يومًا.
فطفلة لا تعرف حتى اسمها، من الطبيعي ألا تعرف عمرها أو تاريخ ميلادها.
كنت فقط أتمنى أن نحتفل باليوم الذي التقينا فيه لأول مرة وكأنه عيد ميلادها.
“إنه في الخامس من الشهر القادم.”
قالها الدوق ببساطة.
واتسعت عيناي.
فهذا التاريخ لا يفصلنا عنه حتى أسبوعان.
“ستُكمل عامها السادس حينها أرجو أن تحتفلي بها إن أمكن لا بأس إن لم أكن أنا موجودًا…”
تحدّث الدوق بنبرة هادئة، لكنه لم يستطع إخفاء الحزن الذي ملأ صوته.
“تعال.”
خرجت الكلمات من فمي أسرع مما توقعت.
“في نهاية المطاف، أنتَ الوحيد من عائلتها سنقيم حفلة صغيرة في المقهى، لذا تعالوا.”
“……!”
تجمد وجه الدوق للحظة، ثم بدأ يتلوّن بأمل مفعم بالحياة.
“ولا تُحضِر هدية ضخمة جدًّا الكل سيشعر بالإحراج فقط أحضر شيئًا تحتاجه إيلودي اتفقنا؟”
“……حقًا، هل يمكنني الحضور؟”
سأل الدوق بصوت متردد، كان أكثر حماسة من أي وقت مضى.
فأومأت برأسي بقوة.
لكن بدا أن طمأنته تحتاج إلى كلمات أقوى من ذلك.
“إنه يوم ميلاد إيلودي، يوم وُلدت فيه إلى هذا العالم إن لم تأتِ أنت، فمن سيأتي ليهنئها؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"