لقد مضى أسبوع منذ أن أصبح دوق “بانيش” زبونًا دائمًا في المقهى.
حاولتُ جاهده كبح رغبتي في هز رأسي بأسى.
”…ما بال هذا المجنون اليوم؟”
كان من المعتاد أن يحدّق في “إيلودي” بلا انقطاع، لكنه اليوم أخذ يلتفت حوله وكأنه يبحث عن شيء ما، وكأن له طقوسًا محددة والأسوأ من ذلك، أنه كان يعقد ملامحه بين الحين والآخر.
لم أكن أعلم سبب تصرفاته الغريبة، لكنني بدأت أقلق من أن يفقد صوابه فجأة ويتسبب في أذى للمقهى.
لو لم يكن هناك زبائن يتوافدون لرؤيته، لكنت قد وجدت طريقة لطرده منذ زمن.
“فلأركز على عملي فحسب.”
حاولت طرد الأفكار المشتتة من رأسي بينما كنت أُعدّ قطعة الوافل التي طُلبت منذ قليل.
قمت بخبز الوافل حتى اكتسب لونًا ذهبيًا شهيًا، ثم وضعت عليها كميات وفيرة من الكريمة المخفوقة وخلطتها مع شرائح التفاح الطازجة والتين المطبوخ.
لم يكن من الصعب العثور على الطاولة، فقد كان الزبون الوحيد الذي جاء بمفرده غير الدوق.
“ها هي الوافل التي طلبتها، تفضل.”
قلت ذلك بصوت مرح وأنا أضع الطبق أمامه.
لكن الرجل، الذي بدا في الأربعينيات من عمره، زم شفتيه بازدراء وقال:
”…ما هذا؟ هذا ليس ما طلبته.”
طرفتُ بعينيّ في دهشة.
لو كان الأمر يتعلق بأي زبون آخر، لكان هناك احتمال أنني أخطأت في الطلب لكن باستثناء الدوق، لم يكن هناك أي رجل آخر جلس بمفرده اليوم، لذا كنت شبه متأكدة من أنني لم أخطئ.
“ألم تطلب الوافل، سيدي؟”
ضحك الرجل بسخرية وقال:
“أنا طلبتُ طبقًا بناءً على الصورة الموجودة في قائمة الطعام، ولكن كما ترين، الكريمة أكثر بكثير مما في الصورة، والفواكه أقل ناهيك عن أن الصورة كانت تحتوي على الفراولة!”
بدأت أشعر بالإحباط.
كمية الفواكه في الطبق كانت تقريبًا مماثلة لما في الصورة، لكن بما أن معظم الزبائن يفضلون الكريمة المخفوقة بكثرة، فقد كنا نضعها بسخاء، مما قد يجعل الفواكه تبدو أقل نسبيًا.
أما الفراولة، فمن أين لي بها في أواخر الخريف، ونحن على مشارف الشتاء؟
كما أن قائمة الطعام تحتوي على ملاحظة واضحة تشير إلى أن الصور الموجودة هي مجرد إرشادات تقريبية، وليست تطابقًا دقيقًا للأطباق الحقيقية.
“إذا كنت ترغب في المزيد من الفواكه، يمكنني إحضارها لك.”
“لا حاجة.”
ضحك الرجل باستهزاء وقال:
“إضافة بعض الفواكه لا يبرر خداع الزبائن! انظري إلى هذا الطبق، إنه مغطى بالكريمة بشكل مبالغ فيه!”
ورغم أنه كان يشتكي، فقد أخذ لقمة كبيرة من الوافل المليء بالكريمة المخفوقة.
وبالنظر إلى تعابير وجهه، لم يكن طعمه سيئًا بالنسبة له، بل على العكس تمامًا.
“هذه خدعة! عليكِ أن تشكري حظك لأنني لن أبلغ الحرس عنكم.”
لولا أنه كان يتحدث وفمه ممتلئ بالطعام، لربما بدت كلماته أكثر إقناعًا…
فتحتُ فمي لأتحدث بحذر:
“إذا كنت لا ترغب في المزيد من الفواكه، ولا توجد مشكلة أخرى في الوافل، فسأنصرف إذن.”
”…إلى أين تظنين نفسك ذاهبة؟”
حدّق فيّ الرجل بنظرات حادة وقال:
“هل تظنين أنكِ ستتخلصين من هذه الخدعة ببساطة؟”
آه… إذن هذا هو هدفه الحقيقي.
في البداية، ظننت أنه مجرد زبون مزعج يحاول الحصول على طعام مجاني، لكن الأمر يبدو أعمق من ذلك إنه محتال محترف.
منذ البداية، كان يرفع صوته عمدًا ويتصرف بطريقة تلفت الأنظار.
وفي بلدة صغيرة كهذه، تنتشر الشائعات بسرعة البرق.
إذا لم أتعامل مع الموقف بحزم الآن، فسيتم تناقل أخبار سيئة عن المقهى في لمح البصر.
التعليقات لهذا الفصل " 11"