“من سيحميكِ أثناء غيابي؟”
لم أستطع الرد على كلمات كاليكس الجادة. و زال الصمت فقط عندما لمس وجنتي ببطء بظاهر يده.
“أشعر بالقلق من أن يصيبكِ مكروه.”
تمكنت من الشعور بمشاعره من خلال يده الملامسة لوجنتي.
كان العبء أثقل دائمًا على من يرحل أكثر من الذي يُترك خلفه. لقد يعلم بأنني سأندفع دون تردد إذا كان الأمر يتعلق بروبيلين، ولهذا كان يشعر بالقلق.
لأبدد قلقه، اتسعت عيناي بتظاهر بالمكر و أجبته بنبرة هادئة،
“إنه قلق لا داعي له، فأولويتي الأولى دائمًا هي حياتي!”
“إذاً، هل ستندفعين فورًا لمجرد أن الأمر يتعلق بروبيلين؟”
“……ذلك لأن الأمر يخص روبيلين.”
أجبتُ بينما كنت أزم شفتي قليلًا على ملاحظته اللاذعة.
هزَّ كاليكس رأسه مبتسمًا، وكأنه لا يستطيع فعل شيء حيال ذلك. و في تلك الأثناء، كان قد أمسك بكلتا يديَّ بإحكام، ناقلًا إليَّ دفء حرارته.
“القصر الإمبراطوري تحت مسؤوليتي. كل من فيه هم بمثابة يدي وقدمي. ورغم أنني لا أظن أن شيئًا سيحدث لكِ، إلا أنني أشعر بالقلق لترككِ أنتِ و روبيلين خلفي.”
“إنها مجرد بضعة أيام فحسب.”
“هل هذا يعني أنكِ تعدينني بعدم القيام بأي تصرفات خطرة؟”
“بالطبع.”
ضيّق كاليكس عينيه قليلًا وألقى نظرةً مشككة.
“حقًا؟”
“….…”
شعرتُ بوخزة داخلي وتجمدتُ في مكاني، محاولًة رسم ابتسامة متكلفة.
بدأ العرق البارد يتسلل إلى يدي.
ترى……هل أدرك أن الساحرة تسعى وراء جسدي؟
هل يسألني ليختبرني بعدما شعر أنني أخفي الأمر عنه خوفًا من قلقه؟
مع تكرار أسئلته ونظراته الغامضة التي يصعب تفسيرها، تساءلتُ إن كان يسأل لأنه يعرف شيئًا بالفعل.
‘هل يجدر بي إخباره؟ بما أن الخطر أكبر من الفائدة، فلا ضرر من الحذر، أليس كذلك؟’
لكن قبل أن أنطق بكلمة، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ جانبية ماكرة، وكأنه يمازحني.
“إنها مزحة. لا تتوتري هكذا. كيف لكِ أن تخفي عني شيئًا وأنتِ من أخبرتني بكل شيء عن القصة الأصلية؟”
“أ- أجل، بالضبط.”
بكلماته التي بددت التوتر، فقدتُ اللحظة المناسبة للاعتراف. ومع ثقته المطلقة بي، أصبح البوح بالأمر أكثر صعوبة.
“لا بأس إذاً.”
رفع كاليكس حاجبيه الداكنين بمرح وهو يهز كتفيه بلا مبالاة.
“أنتِ تضعين روبيلين في المقام الأول، أما أنا فسأضعكِ أنتِ في المقام الأول.”
“لا، هذا لا يجوز. جلالتكَ يجب أن تضع نفسكَ أولًا.”
“بما أنكِ لا تضعين نفسكِ أولًا، فلا خيار أمامي سوى أن أفعل ذلك عنكِ.”
تراجع كاليكس بخفةٍ إلى الخلف، ثم أخرج من طيات ثوبه بروشًا مألوفًا.
كان ذلك بروشًا على شكل زهرة جليدية، مصنوعًا من ماسة وردية، وهو جزء من مجموعة عائلية كنت قد اشتريتها سابقًا كهدية ميلاد لروبيلين.
“لماذا جلالتكَ تملكه؟”
“طلبته من رينيل.”
“ولماذا البروش؟ فالقصر الإمبراطوري مغلق مؤقتًا، ولا توجد أي مناسبات لارتدائه.”
“لقد ألقيتُ عليه تعويذةَ اتصال سحري. بهذا، يمكنكِ مناداتي متى وأينما احتجتِ إليَّ.”
“ولكن ما الخطر الذي قد يحدث داخل القصر؟”
“وهل ستستخدمينه فقط عند وقوع الخطر؟ ألن تستخدمينه عندما تشتاقين إليَّ؟”
“بالطبع، سأراسلكَ يوميًّا……”
لم أتمكن من إكمال جملتي، فتوقفتُ عن التنفس للحظة.
“جلالتك……؟”
تحرك كاليكس خلفي وثبّت البروش بنفسه أسفل عظمة الترقوة، وكأنه يحيطني بذراعيه.
أصبح رأسي فارغاً تمامًا، كصفحة بيضاء خالية.
في الإمبراطورية، كان قيام شخص بتثبيت الحلي لشخص آخر يُعد طقسًا خاصًا بين العشاق، بل وكان يُعتبر وعدًا بالزواج ورمزًا للعهد بينهما.
وما زاد الأمر وضوحًا أن الإمبراطور نفسه قام بتثبيت بروش لإبنة إحدى العائلات النبيلة بيديه، وهو ما لم يكن يحمل سوى معنى واحد.
بإيماءة مهيبة أشبه بمراسم رسمية، ثبّت البروش بعناية، ثم تراجع قليلًا ووضع يده برفق على كتفي.
“أنتِ ذكية بما يكفي لتدركي معنى هذا، أليس كذلك؟”
“وكيف لي ألا أدرك؟ لكن……لماذا هذا البروش بالتحديد……؟”
أدرتُ وجهي نحوه بينما كنتُ أُمرر أصابعي على سطح الجوهرة المصقول برقة.
بابتسامة دافئة، لفَّ كاليكس إحدى يديه حول خصري وجذبني برفق، كما لو كنا على وشك أداء رقصة.
مال رأسه قليلًا إلى الجانب، كاشفًا عن خط عنقه الأنيق، بينما انخفضت عيناه نحو البروش.
“كما توقعت، إنه يليق بكِ تمامًا. هناك الكثير من الحلي في هذا العالم التي تناسبكِ، ويمكنني أن أُغدق عليكِ بأغلى الجواهر التي ستزيدكِ تألقًا. لكن لم أجد شيئًا يحمل معنى أعمق من هذا.”
“جلالتك……”
لامست كلماته قلبي، فخرج صوتي مرتعشًا ومفعمًا بالمشاعر.
أسندتُ رأسي على صدره، وأطبقتُ أصابعي بقوة على ثيابِه، كأنني أخشى أن يختفي.
“إلى أن أعود، احمليه معكِ وكأنه أنا.”
مع صوته العميق الذي تسلل إلى أذني، شعرتُ بدفء يغمر صدري تدريجيًّا.
“المربية لوسينا.”
“نعم، جلالتك.”
“لوسينا.”
“نعم؟”
كنتُ قد دفنتُ وجهي بالكامل في صدره، متأثرةً بالمشاعر، عندها سألني فجأة.
“بعد أن تُحلّ كل هذه الأمور……هل ستصبحين عائلتي؟”
“……هذه المرة سنكون عائلةً حقيقية، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“ولن أكون مجرد معلمةٍ و مربية تحلّ محل والدة روبيلين؟”
ضحك كاليكس بصوت عميق، و اهتز صدره بالكامل، ثم أسند رأسه على كتفي.
“نعم.”
عندما رفعتُ وجهي قليلًا، كتمتُ شهقةً خفيفة، فقد وقع نظري على خط فكه الواضح، والمسافة بيننا لم تكن تسمح سوى بتلميحٍ إلى قُبلة.
عندها، ابتسم كاليكس بعينيه نصف المغمضتين، ساحرًا كالهلال المتألق في ظلمة الليل.
“سأسمع إجابتكِ عندما أعود.”
انخفض رأس كاليكس قليلًا، واختفى الهلال خلفه، تاركًا ظلّه يذوب في الظلام.

وسط أجواء الحديقة الخلفية، التي كدتُ أظن أننا لن نراها معًا مجددًا، أمضينا وقتنا تحت ضوء القمر المتلألئ.
***
“أمّي، الأسود!”
مدّت روبيلين يدها الصغيرة بجدية كما لو كانت تُشرف على عمل مهم.
وضعتُ في راحة يدها الصغيرة قلم تلوين أسود، ثم أسندتُ وجهي إلى يدي بينما راقبتها ترسم بذهول.
على غير العادة، روبيلين، التي لم ترسم الحيوانات من قبل، كانت ترسم كلباً بفروٍ أسود.
“روبيلين، هل ترسمين جروًا؟”
“…….”
نظرت إليّ روبلين بعينين تحملان قليلاً من الخيبة.
“ليس جروًا……إنه أبي.”
“.……”
عضضتُ شفتي، عاجزةً عن الرد.
لكن قبل أن أحاول تصحيح الموقف، واصلت روبلين رسمها بتركيز. و بدا لي أن الخيار الأفضل هو الانتظار حتى تُكمل لوحتها.
كان ذلك في صباحٍ هادئ ومُسترخٍ خلال وقت الدرس، في اليوم الثاني منذ مغادرة كاليكس.
من الغريب كيف أن يومين فقط بدوا وكأنهم فترةٌ أطول بكثير، وكيف أن المسافة بيننا جعلت شعور الوحدة أكثر وضوحًا.
أدركت فجأة، وكأنني أفهم الأمر لأول مرة، كم أنا متعلقةٌ بذلك الرجل.
“انتهيت!”
فجأة، وضعت روبيلين قلم التلوين الأسود جانبًا ورفعت الورقة بفخر.
“أمي، هل تعرفين من هذا؟”
“ألن يكون جلالته؟”
“نعم!”
ابتسمت روبيلين بفرح وهي تهز رأسها، ثم تغير وجهها فجأة، كما لو كانت تقلب العملة.
ضاقت عيونها بينما أصبحت مثل أرنب حزين.
“إذا جاء، سيعجبه. أما إذا تأخر، فلن أريه الرسم.”
“سيكون سعيدًا إذا حصل عليها.”
لفت روبسلين الورقة بإحكام تحت ذراعها، ثم لفّت رأسها في الاتجاه الآخر فجأة.
“ها! بالطبع! إذا تأخر، فلن يكون هناك رسمةٌ له! سآخذ حتى طيّات الورق السابقة!”
ابتسمتُ من فرط الضحك، وكأنها تحاول إخفاء وحدتها بهذه المزحة الصغيرة.
“يجب أن يتعجل جلالته في القدوم.”
“أمي، في المرة القادمة، سأحتاج إلى قلم تلوين أصفر!”
“نعم، نعم.”
ومع الضحك والمرح مع روبيلين، مر وقت درس الصباح بسرعة.
كما هو الحال دائمًا، كنت في طريق إلى مكتب يوكار لتقديم تقرير درس الصباح، لكنني شعرت وكأنني أحمل حمولةً ثقيلة على قدمي، كما لو كانت هناك حجرة ثقيلة على قدمي.
بعد أن أنهيتُ تقريري، كان يوكار منهمكًا في ترتيب الأوراق، ونظر إليّ بنظرة سريعة.
“على ما يبدو، كنتِ مشغولةً بالبحث في الأعشاب وبحث الإنديل.”
“نعم، صحيح. لدي أبحاث حول السم والعلاج باستخدام الإنديل، حصلت عليه في المزاد. سأغادر الآن.”
“لحظة، المربية لوسينا.”
بينما كان يوكار يتصفح الرسائل المتراكمة على مكتبه، أخذ ورقة واحدة وقدمها لي.
“لقد وصل هذا من قرية هينغتون، موجهًا إلى المربية لوسينا. جاء مع رسائلي.”
“أوه، حقًا؟ شكرًا لك، يوكار.”
كان خبرًا سارًا، لأنني كنت أنتظر رداً من شيخ القرية.
في الحقيقة، لم أتمكن من الذهاب إلى هينغتون بنفسي، لذا كنت أخطط لإرسال عالم الأعشاب في أقرب وقت.
بدافع من العجلة، فتحت الرسالة في نفس اللحظة، ثم اتسعت عيني عندما رأيت الخط الرديء.
‘بايسر؟’
كان خط بايسير، الذي يصعب قراءته، سببًا دائمًا للصداع عندما كنت أتلقى طلبات جمع الأعشاب منه. ولهذا السبب تذكرته جيدًا.
بعد حادثة اختطاف المزاد، اختفى بايسير دون كلمة واحدة، فما الذي دفعه لإرسال الرسالة نيابة عن شيخ القرية؟
بينما كنت أقرأ الرسالة وأنا مليئةٌ بالتساؤلات، صدمت عندما قرأت ما فيها.
أرسل بايسير الاعتذار نيابة عن والده، وأخبرني أن شيخ القرية كان يعاني من مرض غامض جعل حالته تتأرجح بين الحياة والموت منذ فترة.
<نظرًا للنتائج من برج السحر، الأعراض خفيفةٌ ولا تهدد الحياة، لكن المرض غير معروف.
بسبب احتمال كونه مرضًا معديًا، تم إغلاق القرية وتقديم العلاج، لكن شيخ القرية، كخبيرٍ في الأعشاب، وبرج السحر يواجهون صعوبة، لذا من المرجح أننا لن نتمكن من التعاون في بحث الإنديل في الوقت الحالي.>
‘مرض غير معروف……’
“المربية لوسينا؟ وجهكِ شاحب.”
استجاب يوكار لكلماتي بينما كان يطوي الأوراق.
“لقد طلبت تعاون شيخ قرية هينغتون في بحث الإنديل، لكنه يعاني من مرض غير معروف ويقال إنه في حالة حرجة.”
“أوه، هذا أمر خطير. سأرسل بسرعة رسالةً إلى برج السحر لأطلب منهم تسريع العلاج.”
“شكرًا لك. لكن بما أن برج السحر أيضًا لا يعرف السبب……”
“إذا كان مرضًا معديًا، فسيكون الأمر خطيرًا جدًا.”
أخرج يوكار جهاز الاتصال، متجهمًا، وبدأ في الاتصال بالبرج.
“للأسف، في الوقت الذي كان فيه جلالته غائبًا عن القصر.”
همس يوكار بذلك وهو يمرر يده بفوضوية على شعره.
“شيخ القرية……”
شعرتّ بشعور لا يمكن وصفه فجأة، مما جعلنس أترك كلماتي غير المكتملة وأغرق في همومي.
إذا كان بايسير صديقًا وأخًا لي، فإن شيخ القرية كان بمثابة والدي وحامٍ لي. لو لم يكن هو، لكان مصير حياتي قد سار في اتجاه مختلف.
شعرت بضبابية في عيني. و عضضت شفتَي بشدة، ثم قرأت رسالة بايسير مرة أخرى.
إذا كان السبب غير معروف، حتى لو بذل البرج جهده، سيكون من الصعب اكتشاف العلاج. وإذا تأخر الأمر، لن نكون متأكدين من سلامة شيخ القرية.
لم أرغب في الجلوس مكتوفة اليدين، وأنا أشعر بالعجز وأفقد شيخ القرية.
‘يجب أن أطلب نصيحة من عالم الأعشاب.’
تركت يوكار وهو يتواصل مع برج السحر وهرعت نحو مختبر عالم الأعشاب.
***
عندما دخلت مختبر عالم الأعشاب، اندفعت بخار الماء في وجهي.
كان عالم الأعشاب في منتصف المختبر، يرتدي نظارات غريبة من مكان ما وعباءة تشبه عباءة العلماء، وكان يغلي الماء بعناية.
رفع بعناية أنبوبًا زجاجيًا نصف دائريًا يحتوي على الإنديل، ثم بدأ في فصل بعض الأوراق باستخدام ملقط.
وفي اللحظة التي كان سيضع فيها الأوراق في الماء المغلي……
“عالم الأعشاب!”
“آه!”
صُدم عالم الأعشاب وألقى بالملقط من يده. عندما لاحظني، ثم تنهد بارتياح.
“السيدة لوسينا، كيف تأتي الآن دون أي تحذير وأنا في موقف حساس يتطلب التعامل مع الإنديل، الذي هو من ممتلكات العائلة الامبراطورية؟ قلت لك إن البحث سيبدأ مباشرةً بعد انتهاء الدروس الصباحية.”
“أعتذر، هناك أمر عاجل حدث.”
“أمرٌ عاجل؟”
جلس عالم الأعشاب على ركبتيه وبدأ في جمع أوراق الإنديل واحدةً تلو الأخرى بيديه المغطاة بالقفازات البيضاء، وسأل بلا اهتمام.
__________________________
ربيلين شكلها راسمه كاليكس كوره و لا شلون صار جرو😭
كاليكس تقدم للوسينا بطريقة غير مباشرة✨✨✨ وناسة باقي الخاتم
مدري ليت بس احس في مصيبة جايه قبل يرجع كاليكس
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 87"