التقط كاليكس الوثيقة التي تلقاها وألقى بها مباشرة، فشقّت وسط الطاولة وسقطت بدقة أمام النبيل في منتصف العمر.
كان النبيل يبتسم بسخرية، لكنه ما لبث أن حدّق في الوثيقة وقرأها، فتغيّر لونه وعدّل جلسته.
بدا وكأن الوثيقة التي طارت إليه قد صفعته بقوة على خده، مما جعله يستفيق تمامًا.
“هناك جريمة ارتكبها ابنك الأكبر ولم أستطع فهمها إطلاقًا. كيف لشخص كان في الجنوب أن يتورط في قضية تهريب أدوات سحرية غير قانونية في ميناء الشمال، وينتهي به الأمر مُرحَّلًا إلى العاصمة؟ أكثر من شخص شهد بأنه رآك هناك أيضًا في ذلك الوقت. هل قمتما أنت وابنك برحلة مفاجئة بين ليلة وضحاها؟”
“أ-أمر كهذا……كنت في ذلك الوقت مسافرًا، وابني……”
“بحسب رأي أحد المسؤولين، فإن الابن الذي لا يكف عن ارتكاب الحماقات، سواء بلغت جرائمه تسعًا أو عشرًا، سيظل عليه دفع الثمن نفسه. لذا، هناك شكوك حول ما إذا كان قد تحمّل ذنب والده بدلاً منه. ما رأيكَ في ذلك؟”
نهض النبيل في منتصف العمر مذعورًا وهو يحاول التبرير.
“م-مستحيل! كيف لي أن……! لا يمكنني فعل ذلك……ابني، هو الذي أعتبره كارثة إلى درجة أنني أقدم أموال التوبة من أجله……!”
لكن ما إن التقت عيناه بعيني كاليكس، اللتين تلألأتا بوميض ذهبي، حتى تجمّد مكانه فورًا.
كان نظره النبيل، البارد والمهيب، يخنق أنفاسه، فلم يستطع النطق بكلمة.
لأنه كان يعلم أن كل ذلك……كانت الحقيقة بعينها.
كان انهياره أثناء رفع أمنيات التوبة مجرد تمثيلية لكسب بعض الغفران.
“لمَ تبدو شاحبًا هكذا؟ أنا أيضًا لم أفعل سوى التخمين مثلك.”
“.……”
كان الجميع داخل القاعة يدركون أن كلمات كاليكس اللاذعة لم تكن سوى تحذير مبطن.
فحتى الوزراء الطاعنون في السن أصابهم الذعر ولم يجرؤوا على التفوه بكلمة.
وفي صمتهم، أدركوا أمرًا واحدًا، أن الإمبراطورة المُستقبلية، التي تحيط بها شائعات غامضة وتشرف على تعليم الأميرة، ليست امرأةً يمكن الحديث عنها باستخفاف.
ارتسمت على شفتي كاليكس ابتسامةٌ باردة، وتألق بريق عينيه الحمراء كوميض النصل.
“ولكن، ماذا علينا أن نفعل بفمك الوقح الذي تجرأ على إهانة الإمبراطور؟”
“….…”
“يبدو أن خبر المصير الذي لقيه الماركيز فينوت بسبب لسانه المنفلت قد جعلك أكثر حذرًا.”
ساد القاعة صوت أجش كئيب.
“جـ- جلالتك……”
ارتعد النبيل في منتصف العمر وهو يحنِي ظهره كدودة متقلصة، واهتز كتفاه برعب.
كان يوكار، الذي كان يراقب الوضع، يرمق كاليكس بنظراتٍ قلقة.
‘لقد كان هادئًا لفترة من الوقت……’
كان يوكار قلقًا بشأن هذا الموقف منذ اليوم السابق. و كان ينوي إقناع الجميع بوجود الساحرات مستخدمًا مذكرات الإمبراطور الثالث كدليل. وإن أصرّ النبلاء العنيدون على عدم التصديق، فسيكشف عن حقيقة الإنديل.
‘لكن أن يتجرأ أحدهم على استغلال الحديث عن المربية لوسينا لإظهار طموحاته الشخصية؟’
لم يكن يتوقع هذا الموقف، مما جعل الصداع الذي كان قد هدأ لبعض الوقت يعود إليه من جديد.
فكر في أنه قد يحاول إيقاف كاليكس، لكنه عندما رأى العِرق المتصلب على جبهة سيده، تراجع عن قراره على الفور.
كان يعلم من خلال تجربته أن الصمت هو السبيل الوحيد للنجاة.
‘التفاوض لم يعد مجدياً من هذه النقطة لا فائدة منه.’
نهض كاليكس بتعبير غاضب، وأخذ يمر عبر وسط قاعة الاجتماع بهدوء، بينما كانت عباءته الحمراء ترفرف خلفه.
وفي تلك اللحظة، تنفس يوكار الصعداء وتبعه. لكن عندما اقترب كاليكس من العتبة، توقف فجأة.
“أنا أفهم قلقك من إثارة الفوضى أو عدم تصديقك لوجود الساحرة، ولكن إذا كان ما تم التغاضي عنه قد يصبح سكينًا يطعنكم، هل ستستطيعون تحمله؟”
“….…”
“حسنًا، إذا كنتم ستظلون هكذا بلا حراك وتموتون، فلا يهمني الأمر.”
بعد هذه الكلمات، ترك كاليكس النبلاء المتجمدين وراءه وغادر القاعة بهدوء.
بعد أن أُغلِق الباب، مر وقت طويل بعد أن غادر كاليكس قاعة الاجتماع، حيث بقي السكون وحده.
***
كان كاليكس يمشي بخطوات واسعة، وعباءته الحمراء كانت ترفرف خلفه كالأمواج. و كان الغضب المتراكم في القاعة يرافق كل خطوة يخطوها.
“جلالتك، إلى أين تذهب؟”
“إنها ساعة درس الصباح لروبيلين.”
ركض يوكار بسرعة وراءه، ورفع نظارته التي انزلقت عن عينيه.
‘يبدو أنه متجه إلى رؤية الأميرة و المربية لوسينا.’
سارع يوكار في خطواته وفتح فمه قائلاً.
“جلالتك، كان تصريحك الأخير قاسيًا جدًا.”
“ما الذي كان قاسيًا؟ هناك العديد من الأشخاص الذين يهتمون بحياتهم، لذا قد يستخدمون الجنود للمساعدة في التحقيق.”
“حسنًا، إذا كنت قد حاولت أن تخيفهم عمدًا، فهذا جيد……”
حاول يوكار تخفيف الجو بابتسامةٍ خفيفة على الرغم من كلمات كاليكس الحادة.
“على أي حال، لم أتوقع أن تتسامح مع النبلاء المتكبرين السابقين. هل هو تأثير المربية لوسينا؟ يبدو أن يومًا ما سيأتي وتبدي فيه سعة صدركَ-.”
توقف كاليكس فجأة، فرفرفت عباءته الحمراء وانسدلت للأسفل.
ضحك ساخرًا، ثم مرر يده بشكل هائج عبر شعره قبل أن يلتفت جزئيًا.
“مسامحة؟ إذا فكرت في أن المربية لوسينا قد تُلقى يومًا كطُعم لتلك المجموعة، لأردت أن أقتلع عيونهم جميعًا، من الذي قال إني سامحته؟”
“…….”
“في يوم ما، سأعد قائمة وأرمي الجميع في مستنقع الوحوش ليكونوا طعامًا لها.”
“……طعامًا؟”
شعر يوكار بقشعريرة تسري في جسده، فحك مؤخرة عنقه ببطء قبل أن يجيب بصوت بطيء.
عبس كاليكس قليلاً وكأنه يفكر ثم حرك يده بسرعة وتراجع.
“لقد انتهى الأمر، لقد رأيتهم آخر مرة، يبدو أنهم لا يحبون البشر كطعامٍ دائم.”
“……متى قدمت لهم هذا؟”
تنهد يوكار بمرارة ثم ضحك في نفسه وهو يتبع كاليكس.
“آه، صحيح، جلالتك، وصلتنا الآن معلومات عن موقع تاجر المزادات في الصباح.”
“هل تتعلق بالساحرة؟”
“نعم، لكن……هذه المعلومات من مكتب التحقيقات الخاصة، قد تكون موثوقة، ولكن قد تكون خدعةً من الساحرة أيضًا.”
عندما تردد يوكار في الحديث، عبس كاليكس بوجهه.
“هذا حديث طويل.”
“…..هناك شاهد يقول إنه رأى الإنديل وشخصًا مشبوهًا في قرية الشرق.”
“هل هذه هي المعلومة الوحيدة المتاحة الآن؟”
“لكن حتى إذا استخدم سحرة برج السحر النقل الآني، فالمكان يبعد عشرة أيام سفر.”
“…….”
توقف كاليكس دون أن يتكلم، ثم وقف على أشعة الشمس التي انعكست من النافذة.
كان يحدق بهدوء في الغبار المتناثر في أشعة الشمس، ثم رفع نظره.
“…..سأذهب بنفسي.”
“هل ستذهب بنفسكَ، جلالتك؟”
أجاب يوكار بتردد، بينما ابتعد كاليكس بخطواتٍ واسعة.
“هناك سبب كافٍ للتحرك، حتى لو كان مجرد احتمال للقبض على الساحرة. لا يوجد سبب للتأخير. سأعود خلال ثلاثة أيام.”
توجهت العيون الحمراء القوية عبر الهواء نحو نهاية الممر، إلى مكان ما وراءه.
***
“همم.”
كانت روبيلين نائمةً بعمق، و ركلت البطانية وبدأت تتحرك بفمها.
ابتسمتُ بحب لرؤيتها هكذا، ثم أخذت قلم الريشة الذي في يدي ووضعته في فمي بينما غطيتها بالبطانية مرة أخرى.
ثم استندت إلى رأس السرير وبدأت في كتابة رسالةٌ سأرسلها إلى رئيس قرية هينغتون.
كانت الرسالة تتعلق بالبحث الجاري حول زراعة الإنديل، كإجراء احتياطي.
كنت أطلب منه أن يحقق إذا تم العثور على أي آثار للإنديل في هينغتون، وكان لدي قلق داخلي. لأنني كنت الشخص الوحيد الذي يعرف مكان الإنديل بالضبط.
“من المزعج أن أنتظر حتى تصل الرسالة، وعلى الرغم من أنها قريةٌ صغيرة، فإن البحث هناك سيتطلب بعض الموارد البشرية، لذا سيكون من الأفضل أن أذهب بنفسي.”
لكن……
كنت أنظر إلى روبيلين النائمة تحت البطانية، ثم لمست طرف أنفها الأبيض والدائري برفق قبل أن أتركه.
“لا يمكنني الذهاب بمفردي وترك لوبيليين.”
ربما يجب أن أطلب من عالم الأعشاب على الأقل أن يذهب إلى هينغتون في مهمة.
طق-طق-
في تلك اللحظة، بينما كنت غارقةً في أفكاري، سمعت صوت طرق على الباب فجأة.
نظرت إلى الساعة بسرعة. و كان الوقت متأخرًا لدرجة أن لا أحد قد يزورنا الآن.
“من هناك؟”
اقتربت من الباب بحذر، فسمعت صوتًا مألوفًا.
“لوسينا.”
“جلالتك……؟”
عندما فتحت الباب بسرعة، كان كاليكس يقف هناك بكل فخر، مظهرًا قامته الطويلة.
تابعت نظرتي التي ارتفعت إلى وجهه.
“ماذا جاء بكَ إلى هنا في هذه الساعة المتأخرة….؟”
“إنه ليلة لا أستطيع النوم فيها.”
“نعم، إنها ليلة لا أستطيع النوم فيها أيضًا هااا-”
تثاءبتُ فجأة، فغطيت فمي بيدي.
ابتسم كاليكس بشكل خفيف وهو يعبس عينيه، ثم مرر يده بلطف تحت عينيّ، التي كانت مظلمةً قليلاً.
“إذا كنتِ مرهقةً، يمكنكِ أن تنامي.”
“…….”
عندما خفضت نظري بحزن، ابتسم هو بشكل سلس.
“لقد جئت فقط لأنني أردت رؤية وجهكِ.”
“….…”
اختفى الشعور بالنعاس فجأة أمام وجهه الوسيم.
‘هل هذا تهديد لي بعدم النوم بواسطة وجهه؟’
نسيت النعاس تمامًا وبدأت أفرك عينيّ المتيبستين.
“……لا أستطيع النوم الآن، فقد استيقظت.”
“إذاً، هل نمشي قليلاً؟”
ابتعد كاليكس عن الباب وأشار إلى الممر.
أغلقت الباب بهدوء حتى لا أوقظ روبيلين، وعندما خرجت إلى الممر الذي كان يشعرني بالهواء البارد، شعرت بشيء غريب يلامس قلبي.
على الرغم من أن الوضع لم يكن مريحًا بما يكفي، إلا أنني شعرت في داخلي وكأنه موعد صباحي قبل الفجر.
‘يجب أن أستعيد تركيزي. من المؤكد أن كاليكس لم يستطع النوم طوال الليل بسبب الأمور المتعلقة بالبلاد والساحرة، ثم جاء ليبحث عني.’
بينما كنت أحاول تهدئة قلبي الذي ينبض بلا وعي، مشيت جنبًا إلى جنب مع كاليكس.
“…….”
شعرت بأن المسافة بيننا كانت بعيدةً قليلاً، فتوجهت نحوه بحذر. حينها، تصادمت أيدينا بشكل طبيعي، فابتسم كاليكس وأمسك بيدي.
“……لم أطلب منكَ أن تُمسك بيدي.”
“أعرف. كنت أرغب في الإمساك بها فقط.”
قال كاليكس ذلك بصوت مليء بالمرح.
‘يبدو أن هذا مقبول.’
أخفيت ابتسامتي التي كانت تتسع على وجهي، وتابعت السير خلف خطواته.
عندما انتبهت، وجدت نفسي أمام منظر الحديقة الذي كنت قد نسيته لفترة طويلة.
كان مشهدنا ونحن نعبر عبر وسط الحديقة باتجاه الشجرة غريبًا ولكنه دافئ في الوقت نفسه.
‘لم أتوقع أبدًا أن أقف مرة أخرى بجانب كاليكس تحت هذه الشجرة.’
وقفت تحت الشجرة، مستمتعةً بنسيم الفجر، وأخذت أخفي نظراتي نحو جانبه الذي كان يبدو كتمثال.
كانت أهداب عينيه المتدلية مثل المروحة تغطي عينيه الحمراء التي كانت غارقةً في التفكير.
ما الذي يفكر به؟
بينما كنت أراقبه بصمت، فتح فمه فجأة.
“على أي حال، بما أنني لكِ، فلا حاجة لك بالتسلل لمشاهدتي.”
رفع زاوية فمه مبتسمًا ابتسامةً غامضة.
‘ألم يكن غارقًا في أفكاره؟’
شعرت أن وجهي احمرّ، فدرت ينظري بسرعة.
“أنا……لم أكن أراقبكَ فعلاً.”
“لكن نظراتكِ كانت حارقة.”
“لا، لم يكن الأمر كذلك- آتشو!”
عطست بسبب الرياح الباردة القاسية واهتز كتفي.
ثم شعرت بدفء يغطي كتفي، ففتحت عيني على اتساعهما كما لو أنني رأيت ضوءًا ساطعًا.
كان كاليكس يخلع معطفه ليضعه على كتفي. و كان يهتم بترتيب المعطف بعناية، بحيث لا يمر الهواء، وهو ما جعله يبدو غريبًا بالنسبة لي مقارنةً بالوقت الذي كان يغطي فيه جسدي ببطانية.
“تم العثور على آثار الإنديل والساحرة في بلدٍ بعيد.”
“حقًا؟ إنها أخبار سعيدة.”
“نعم، لذا سأغادر القصر لمدة ثلاثة أيام.”
“هل تعني أنكَ ستذهب بنفسك؟”
ابتسم كاليكس ابتسامةً مرة وأومأ برأسه.
“أشعر بالقلق بترككِ أنتِ و روبيلين وحدكما هنا في القصر.”
“لا تقلق واذهب بأمان، سأحمي روبيلين.”
“وماذا عنكِ؟”
“ماذا؟”
أزال كاليكس ابتسامته وأدار رأسه ليواجهني.
____________________________
الفصل الجاي بتكون فيه صوره وهي آخر صوره في الروايه😔 مب على كيف الرسامه بخيله
طيب تخيل لو الساحرة تبي تبعدك عشان تاخذ جسد لوسينا؟ والله بيطلع مقلب
المهم كاليكس يوم قال لأنني لكِ ✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 86"