77
بَاك-!
مع صوت مكتوم، دوى طنين كسرٍ مفاجئ.
“أواااااااغ..…”
غرس الماركيز فيون رأسه في الأرض وأطلق أنينًا وحشيًا.
لحسن الحظ، بدا أن روبيلين قد سيطرت على قوتها، فظل الماركيز فينوت على قيد الحياة، لكنه كان يئن من الألم الخارجي ويفقد وعيه تدريجيًا.
ارتعش جسده كسمكة تحتضر، ثم فقد وعيه تمامًا بينما كان الفرسان يرفعون نصفه العلوي بالقوة.
تحطم أنفه تمامًا لدرجة أنه لم يعد يُمكن التعرف على شكله، وتدفق منه نزيف حاد بينما كان يبصق دمًا من أنفه، كما تساقطت أسنانه، وانسابت الدماء مختلطةً بالدموع.
“آه..…”
ارتجفت روبيلين قليلاً وكأنها أدركت تصرفها أخيرًا بعد أن رأت حالة الماركيز فينوت.
حدّقت في يديها ثم في الماركيز فينوت مرارًا قبل أن تهمس مع نفسها.
“أنا، أنا…..لن أسامح الأشخاص الذين يجعلون الآخرين يتألمون! لذا، لم أفعل شيئًا سيئًا..…”
“روبيلين..…”
كانت مشاعر روبيلين ضبابية الحدود بين الخير والشر لدرجة أنها قد تحب الأشرار أو الشياطين. و بالنسبة لها، عدم إيذاء الآخرين لم يكن سوى مبدأ اعتقدته دون وعي.
حين هممت بالاقتراب منها، كان كاليكس أسرع مني، فتقدم نحوها ومد يده ليغطي عينيها، مانعًا إياها من رؤية الماركيز فينوت أكثر.
“اصرفي نظركِ. لا ينبغي لكِ رؤية شيء بشع كهذا.”
“شيء بشع؟”
“نعم، شيء بشع.”
حركت روبيلين شفتيها الصغيرتين بتردد قبل أن تبعد يد كاليكس.
كانت حدقتاها المرتعشتان تعكسان مزيجًا من الخوف والندم.
“…..هل أخطأت روبيلين؟”
“خطأ..…”
أمال كاليكس رأسه قليلًا وهو يحدق في روبيلين التي كانت تعض شفتيها بقلق.
كان وجهها أشبه بوجه طفل مستعد لتلقي العقاب.
“كنت أنوي أن أثني عليكِ، لكن هل ترغبين في التوبيخ بدلًا من ذلك؟”
“إثناء؟”
ارتسمت على وجه كاليكس ابتسامةٌ دافئة اختلطت فيها الرأفة، ثم قرّب جبهته من جبهة روبيلين.
اتسعت عيناها الدائريتان عند رؤية عينيه الحمراوين تحدقان بها مباشرة.
“لقد حميتِ المربية لوسينا.”
“…..حقًا؟ هل روبيلين لم تفعل شيئًا خاطئًا؟”
“لقد حميتها. وهذا يستحق الثناء.”
“حقًا؟”
“لقد قال لي أحدهم ذات مرة إن قوتنا وُجدت للحماية. وبما أنكِ استخدمتها في المكان الصحيح، فمن الطبيعي أن تُكافئي.”
أشرق وجه روبيلين بالسعادة، وكانت على وشك أن تبتسم بفرح.
“لكن، اندفاعكِ دون تقدير قوة خصمكِ وتوجيه الضربة مباشرة كان تصرفًا متهورًا، لذا عليكِ أن تتأملي في ذلك. لا بد أنكِ تعلمتِ أن قدرتكِ الخاصة تجعل القتال القريب نقطة ضعف وقوة في آنٍ واحد.”
“أ-أنا أعرف…..أعرف ذلك..…”
عند سماع نبرة كاليكس الصارمة، خفضت روبيلين أذنيها كالأرنب وأظهرت ملامح ندم.
كاليكس عقد حاجبيه قليلًا ثم أطلق ضحكةً ناعمة وكأنه يجدها محببة.
مجرد مشاهدتهما من بعيد جعل قلبي يشعر بالدفء.
‘يبدو أن دوري لم يعد ضروريًا بعد الآن، وهذا يجعلني أشعر ببعض الحزن.’
عندما ربت كاليكس على ظهر روبيلين وأومأ بعينيه نحو يوكار، اختفى الجميع باستثناء رينيل.
لم يُنزل كاليكس روبيلين حتى انتهى الخدم من مسح بقع الدم المتناثرة على الأرض من أنف الماركيز فينوت.
نظرت إليّ روبيلين بطرف عينها بقلق واضح.
“هل…..هل ستثنين عليّ أيضًا؟”
ابتسمت لها بلطف وربّت على رأسها لأطمئنها.
“شكرًا لحمايتكِ لي، روبيلين.”
“هيهي..…”
ارتمت روبيلين في حضني وهي تبتسم بسعادة، كانت تبدو محببة للغاية لدرجة يصعب تصديق أنها الشخص نفسه الذي حول وجه رجل بالغ إلى كومة من الدماء.
“حسنًا، حان وقت الذهاب إلى الدرس المسائي الآن، أليس كذلك؟”
ربّتُ على ظهرها برفق لحثها على الذهاب، لكنها تأوهت بتذمر وابتعدت عني ببطء.
“هل سأفترق عنكِ مجددًا؟”
رفعت رأسها نحوي بعينيها المستديرتين اللامعتين، وكأنها تشعر بالحزن، فلم أستطع أن أكون قاسيةً معها.
احتضنتها مرة أخرى بقوة، ثم طبعت قبلةً على خدها.
ظللت ممسكةً بها بإحكام، شاردةً للحظات، بينما كنت أشعر بدفء جسدها الصغير يتحرك بين ذراعيّ.
في تلك اللحظة، خطرت في ذهني الأميرة لوتان إلبير.
‘مهما حدث، سأحمي روبيلين…..فهذه الطفلة..…’
“أمي؟”
أخرجتني نبرتها المتسائلة من أفكاري، فتركتها من بين ذراعيّ.
“سأذهب إلى الدرس المسائي، لذا انتظريني.”
“أجل!”
أمسكت روبيلين بيد رينيل وابتعدت بهدوء.
كنت أقف بجانب كاليكس، نلوح لها بينما كانت تسير مبتعدةً برأسها الصغير الذي يشبه حبة الكستناء، لكنها فجأة أفلتت يد رينيل وركضت نحوي.
“ما الأمر؟”
“لقد نسيت شيئًا!”
“ماذا؟”
لوّحت روبيلين بيديها بإصرار، وعندما انحنيت نحوها، طبعت قبلةً على خدي بصوت واضح.
اتسعت عيناي وشعرت بوجهي يشتعل، فوضعت يدي على خدي متجمدةً من المفاجأة.
“أوصليها إلى أبي!”
قالت ذلك بابتسامةٍ مشرقة وخدود متوردة، ثم ركضت بسرعة عائدة إلى رينيل.
“…..هذا ما قالته.”
ساد الصمت البارد في الحديقة الخلفية، تلاه صوتُ تنهدٍ قوي اخترق الأجواء.
عندما استعدت وعيي من حالتي المشوشة، شعرت بنظرة ساخنة تخترقني من الجانب.
“متى يمكنني استعادة ما أودعته لديكِ؟ أنا معروف بإلحاحي الشديد. قد أكون أسوأ من المرابين الذين تعاملتِ معهم من قبل.”
كانت نبرته تمزج بين المزاح والضحك.
‘ها هو يسخر مني مجددًا..…’
نظرتُ إلى كاليكس بطرف عيني بنبرةٍ متحفظة.
“…سأعيدها إليكَ قريبًا.”
“حسنًا، سأنتظر ذلك بشوق.”
أطلق كاليكس ضحكةً مريحة ثم استدار ليغادر، بينما كانت خصلات شعره تتمايل مع نسمات الرياح.
راقبتُ بعينين هادئتين ظهره البعيد بينما فتحت فمي.
“هل ادعاء الماركيز فينوت بوجود الساحرات حقيقي، أم أنه مجرد محاولة يائسة في اللحظات الأخيرة؟”
توقف كاليكس عند سؤالي الهادئ.
“من المحتمل أن يكون ادعاءً فارغًا، لكن بما أنه أصر عليه بشكل مستمر، فلا بأس من لقاء ابنته.”
“سألتقي بها أيضًا. الآنسة سولي تكرهني، ولكن لا يوجد شيء يثير مشاعرها بسهولة مثل ذلك.”
نظر إليّ كاليكس بتعبير غير راضٍ.
“هل يجب أن تفعلي ذلك؟”
“نعم.”
كما لو أنه أدرك من خلال التجارب السابقة أنه لا يمكنه إيقافي، عبس قليلًا وعاد أدراجه.
تقدمت بجانبه أثناء سيره، وهمست له.
“على أي حال، يبدو أن جلالتك أصبحت خبيرًا في تربية الأطفال؟ أعتقد أن دوري لم يعد ضروريًا الآن.”
“ماذا تعنين؟”
“أعني أنك كنت تحاول حماية روبيلين حتى لا تشعر بالندم.”
“لا، هي فعلاً حمتكِ.”
أصبح تعبير كاليكس جادًا فجأة، وتوقف في مكانه.
مرر يده الممشطة على وجهه بعصبية، ثم زفر نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث.
“كنت على وشك أن أخرج لسانه الذي كان سيشتم به، وأنتزع عينيه اللتين كنت نظر بهما إليكِ بغضب، وأرميهما تحت قدميّ، وأقطع عنقه لئلا يبقى على قيد الحياة. لو فعلت ذلك، لكان الأمر صادمًا لكِ، وكنت ستكرهينني، لكن في النهاية، لقد نجوتُ من هذا المصير.”
حتى سماع ذلك جعلني أشعر بالبرودة في عظامي، فتراجعت خطوةً إلى الوراء.
مهما كان الماركيز فينوت، لم أرغب في رؤية مشهد تعرضه لهذا النوع من القسوة.
لم يكن الأمر أنني كنت أتعاطف مع الماركيز فينوت. كان الموضوع يتعلق بمعدتي.
“…..أليست مزحة؟”
“…….”
ابتسمت بشكل غير مريح وأنا أحاول أن أفهم ما يفكر فيه.
كان ينظر إليّ بوجه خالٍ من التعبير، وعندما اكتشف طرف شفتي الذي ارتعش قليلاً، استدار بسرعة وابتعد.
“…..كانت مزحة.”
“…….”
بالتأكيد لم تكن مزحة.
شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي واهتز شعري.
بينما كنت أتابع كاليكس المبتعد، كنت ممتنةً لأن روبيلين ظهرت في الوقت المناسب.
***
أرسل عالِم الأعشاب وثائق اكتشفها من أسلافه، والتي كانت تضاهي في حجمها أوراق مايفيرن.
بسبب ذلك، تم إلغاء درس الصباح مع روبيلين، وتم دعوة عالِم الأعشاب إلى القصر الإمبراطوري للتحقق من الوثائق.
عند تلخيص المعلومات التي تم الحصول عليها، كانت كالآتي.
كان هناك وثائق تاريخية تشير إلى أن الإنديل تمت زراعته في تلال هينغتون. ورغم أنه لا يمكن التأكد من وجوده الآن، كان الشعور بالرغبة في الذهاب إلى هينغتون بسبب الاحتمالية يدفعني للتحرك.
إذا كان الإنديل موجودًا، إذا كان الإنديل فقط موجودًا حقلً، يمكن إنقاذ العديد من الناس وحتى تحرير كاليكس.
لكن السؤال الذي كان يشغل بالي هو، من أين يتم زراعة الإنديل الذي يظهر في المزادات؟
طرق-
“المربية لوسينا.”
“آه، جلالتك.”
رفعت رأسي عند سماع الصوت الذي أزعج تأملاتي.
ظهر كاليكس وهو يطرق باب مختبر البحث المفتوح على مصراعيه.
وقف عالِم الأعشاب مرتبكًا وركض ليحيّيه ثم اختفى بسرعة.
لم يقترب كاليكس مني إلا بعد أن تأكد من اختفاءه تمامًا.
“متى وصلت؟”
“قبل قليل.”
“هل ترغب في شرب شيء؟”
“أنتِ مرهقة، اجلسِ.”
عندما حاولت الوقوف، أمسك بي كاليكس وأعادني للجلوس.
“لم أتعب حقًا. دراسة الأعشاب ممتعة.”
قلتها بصوتٍ ناعم، ثم عدت إلى الأوراق لأراجعها، لكن شعرت مرة أخرى بنظرة ساخنة تشع من جانبي.
“جلالتك، ما بك؟ هل هناك مشكلة..…؟”
اقترب كاليكس مني بهدوء وبدأ يراقبني بصمت.
عندما أدركت معنى نظراته الغريبة، ابتسمت بشكل غير مريح.
كان ذلك بسبب ارتدائي لفستان أزرق باهت بدلاً من زي المربية المعتاد.
“هكذا إذا.”
بينما كنت أبتسم، قام كاليكس بلمس رباط أزرق مربوط جزئيًا في شعري.
اهتزت قطعة القماش الزرقاء بلطف بين أطراف أصابعه.
“لهذا كانت رينيل والخادمات يثيرون ضجيجًا.”
“حتى وإن كان عالِم الأعشاب ضيفًا في القصر الإمبراطوري، قالوا إنني لا يمكنني ارتداء زي المربية.”
أبدى كاليكس استياءً طفيفًا وهو يعبس حاجبيه.
“هل تزينتِ هكذا فقط لاستقبال عالِم الأعشاب؟”
“لقد ارتديتُ هذا فقط من أجل رينيل.”
“همم.”
لكن يبدو أن كاليكس لم يشعر بتحسن، فبدا غير راضٍ وهو يلف خصلات شعري حول إصبعه ويسرحها.
كانت خصلات شعري تنساب بسلاسة بين أصابعه.
“هل يبدو غريبًا؟”
ابتسم كاليكس ابتسامةً خفيفة وهو يلامس أطراف شعري بقبلة خفيفة.
“إنه جميل جدًا لدرجة أنني كنت سأخطبكِ الآن فوراً لولا تظاهرنا كزوجين.”
“مرة أخرى، لا تتحدث عن هذه الأمور بخفة.”
“لم أقلها بخفة. على الرغم من كل شيء، لا أستطيع أن أخطبكِ بطريقةٍ سريعة كهذه، لذا سأتحفظ.”
“…..لا أعرف ما تقوله.”
أحمر وجهي، فابتعدت عن نظر كاليكس و ركزت على الأوراق أمامي.
ومع ذلك، لم أتمكن من مقاومة الشعور بالنظرة الحارقة التي كانت تلاحقني، وعندما التفت بسرعة، قابلت عيناي عينَي كاليكس اللتين كانت تحدقان بي.
“متى يمكنني استلام الأمانه؟”
“ماذا؟”
“قبلة روبيلين.”
تفاجأت بالهجوم المفاجئ، فالتفت إليه.
‘ألم يكن قد تم تأجيلها؟’
…..هل هو يحاول أن يستعجلني الآن؟
“لقد أخبرتكِ، سأكون مُلحًا.”
شعرت بالقوة تتسلل إلى يديّ اللتين كانت تمسك الأوراق، مما جعلها تصدر صوتًا خفيفًا كأنها كانت ستتمزق.
‘نعم، بعد أن تبادلنا قبلة، ما الذي يجعل قبلة على الخد محرجة؟’
“حسنًا.”
هرعت بسرعة إلى الباب وتأكدت من الممر لكي أتأكد أنه لا يوجد أحد، ثم أغلقت الباب.
عندما عدت إلى كاليكس، كان متكئًا على الأريكة مسترخيًا، يرفع عينيه ليحدق بي.
“إذاً، أغلق عينيك وعدّ إلى خمسة.”
“إذا كنتِ تعتقدين أنكِ ستفرّين بينما أنا مغلق العينين، فتوقفّي عن ذلك، مربية.”
“لن أهرب، لا تقلق.”
ابتسم كاليكس ابتسامةً خفيفة وأغلق عينيه ببطء.
____________________
كاليكس وهو يقول مربيه ترا قاعد يحاول يستقز لوسينا😭
المهم روبيلين سويتي خير لقينا فعاليات
Dana