75
“تريدين مقابلة الأميرة؟”
“نعم، أريد مقابلة ابنتي.”
ارتجف صوت المرأة برقة.
“أين الدليل على أنكِ أميرة مملكة تيدان؟”
“لدي وشم.”
قامت المرأة بثني كمّها لتُظهر ساعدها. و كان على الساعد النحيف، الذي يمكن الإمساك به بقبضة واحدة، وشمٌ يصوّر صقراً يبدو وكأنه ينطلق محلقاً بعد أن داس الأرض بمخالبه.
“أفراد العائلة المالكة في مملكة تيدان يوشمون أجسادهم برمز الحيوان الحارس، وهو الصقر. و لا يُسمح بوشم الأطفال إلا بعد بلوغهم الخامسة، لذا ابنتي لا تملكه، لكنني أملكه.”
راقبتها بعناية.
‘هل هذه المرأة حقاً والدة روبيلين البيولوجية؟’
تذكرت حينها أن معلومات روبيلين التي تلقيتها من المعلم مايفيرن أثناء استلام مهام الإشراف تضمنت أيضاً معلومات عن مملكة تيدان.
كانت تلك المعلومات تشير إلى أن روبيلين الصغيرة لم تكن قادرة على وشم جسدها برمز الصقر، الحيوان الحارس لمملكة تيدان.
“لنقل إن ذلك صحيح. إذاً، ما سبب رغبتكِ في مقابلة الأميرة؟”
“فـ-في الحقيقة، صحتي ليست على ما يرام. قد أموت قريباً. لذا، أريد رؤية طفلتي قبل أن يحين ذلك.”
وبالفعل، بدأت المرأة تسعل بعنف وهي تهتز بجسدها النحيل، مما جعلها تبدو وكأنها قد تنهار في أي لحظة.
لكن رغم ذلك، لم يكن من الممكن السماح لهذه المرأة بمقابلة روبيلين دون أي إجراءات رسمية. كان الأمر يتعلق بسلامة روبيلين.
“أعتذر، لكن ليست لدي الصلاحية للسماح لكِ بمقابلة الأميرة.”
“لـ-لكنكِ تتولين منصباً مهماً يخولكِ مرافقة الفرسان في عربة، لا بد أنكِ قادرة على السماح لي بمقابلة ابنتي!”
“هذا مستحيل دون إذن جلالة الامبراطور.”
“لا، لا يمكن……إذاً أنا……”
غطت المرأة وجهها بكلتا يديها وبدأت في البكاء.
كان مشهدها مثيرًا للشفقة لدرجة أنني، رغم حذري منها، شعرت برغبة في مواساتها والتربيت على كتفها.
كيف لي ألا أشعر ببعض التعاطف مع امرأة كانت قبل بضع سنوات فقط أميرة في إحدى الممالك، وها هي الآن تنحني وتتوسل فقط لتتمكن من رؤية ابنتها؟
تنهدتُ تنهيدةً خفيفة.
“سأقوم برفع تقرير بأنني قابلتكِ. ربما يُبدي جلالة الامبراطور بعض التساهل.”
“لا، لا يمكن! سأموت إن حدث ذلك. أرجوكِ، فكري بالأمر مرة أخرى!”
اقتربت مني على عجل، لكنها تهاوت وكأن ساقيها قد خذلتها. وبينما كانت تسقط، خدشت ظهر يدي بأظافرها.
“آه—”
كانت أظافرها أكثر حدةً مما توقعت. فظهرت خطوط حمراء رفيعة على ظهر يدي، وسرعان ما تجمعت عليها قطرات من الدم.
“آسفة، آسفةٌ جداً!”
نظرت المرأة إلى يدي بذعر، ثم نهضت بسرعة وأمسكت بها. أخرجت منديلًا من صدرها وبدأت تضغط بقوة على الجرح لتوقف الدم.
“لا بأس.”
كنت على وشك سحب يدي من قبضتها، لكنني توقفت فجأة.
كان المنديل الذي تحمله المرأة مصنوعًا من حرير فاخر، يُعتبر من المنتجات الخاصة المميزة للشرق، ونادرًا ما يُصدَّر حتى إلى الدول الأخرى غير الإمبراطورية.
تذكرت أنني سمعت ذات مرة سيدةً نبيلة تتفاخر بمنديل مشابه أمام سيدات أخريات أثناء مسح عرقها تحت شجرة، عندما كنت أجمع الأعشاب في هينغتون.
أمعنت النظر مجددًا في مظهر المرأة. و لم يكن المنديل وحده ما لفت انتباهي، فقد لاحظت سوارًا ثمينًا مخفيًا حول معصمها.
من المؤسف أن شعوب الدول المهزومة ينتهي بهم المطاف كلاجئين. فكيف لامرأة تنتمي للعائلة المالكة، بالكاد نجت بحياتها وتعيش كعاملة في بلاد أجنبية، أن تملك مثل هذا المنديل الحريري الفاخر وهذا السوار الثمين؟
حتى لو افترضنا أنها حصلت على المنديل بطريقةٍ ما، كيف يمكن لامرأة يبدو عليها أنها لم تستحم منذ أيام أن تحافظ على منديل نظيف إلى هذا الحد؟
هذه المرأة……هناك شيء مريب بشأنها.
هل هي فعلاً أميرة تيدان؟
شعرت بشيء من عدم الارتياح وتراجعت خطوةً إلى الوراء.
“من أين حصلتِ على هذا المنديل؟”
“وجدته هنا. يبدو أن السيدات في الإمبراطورية يسقطن أغراضهن عن طريق الخطأ كثيرًا.”
سعلت المرأة قليلاً قبل أن تتابع حديثها.
“هذا المنديل؟”
لم أستطع تصديق الأمر. حتى لو كانت تتجول بحرية، ما هي احتمالات أن تعثر بالصدفة على منديل فاخر ونادر مثل هذا في الإمبراطورية؟
“وماذا عن هذا السوار؟”
تجمدت ملامح المرأة في لحظة. و خفضت ببطء نظرها نحو معصمها.
“آه……”
اختفى الارتجاف من صوتها، وأصبح جافًا خاليًا من المشاعر.
حدقت في السوار بلا تعبير، ثم فجأة رفعت عينيها نحوي وابتسمت ابتسامةً خفيفة.
“ظننت أنني قد أحتاج إلى بعض المال أثناء الحرب، لذلك أخذته وهربت.”
“لا بد أنكِ كنتِ في حالةٍ من الفوضى آنذاك.”
“لهذا السبب أخبرتكِ أنني أخذته على عجل.”
“لكن احتفاظكِ بهذا السوار حتى الآن يدل على أنكِ لم تعيشي في ظروف صعبة.”
“هاه، وما علاقة هذا الحديث بطلبي؟”
ارتفع صوت المرأة بنبرةٍ حادة مع استمرار استجوابي لها، وقد تلاشت لهجتها المتوسلة لتحل محلها لهجةٌ متعالية.
‘هل كانت شكوكي في محلها؟’
في القصة الأصلية، لم يتم الكشف عن كيفية عثور كاليكس على روبيلين. و كل ما ذُكر هو أنه سمع صوت بكاء طفل يمزق القلب، فوجدها وضمها إليه.
إذا كانت رواية هذه المرأة عن الأحداث مشابهة لرواية كاليكس، فهناك احتمال كبير بأنها بالفعل أميرة مملكة تيدان.
قررت أن أسأل كاليكس عن الأمر لاحقًا، ثم فتحت فمي.
“كيف افترقتِ عن روبيلين خلال الحرب؟”
“……ما الذي تحاولين معرفته؟ هل تظنين أنني تخلّيت عن روبيلين لأجل سوار تافه؟ تركتها مستلقيةً بأمان على سرير في القصر الملكي وهربت مع الجنود.”
“……هل تقصدين أنكِ لم تفترقي عن روبيلين رغماً عنكِ، بل تركتها وحيدةً في القصر وهربتِ؟”
“اعتقدت أن جلالة الامبراطور سيبقيها على قيد الحياة لأنها ابنة أليك. فهي من دمه، وبالطبع سينقذها. لكنني لست كذلك، لذا لم يكن أمامي خيار سوى الهرب.”
“ومن أين أتيتِ بهذه الثقة في أن جلالته سينقذ الأميرة؟”
مررت المرأة يدها بعصبية بين خصلات شعرها وعبست بشدة.
“هاه، هل كان من المفترض أن أقلق بشأن ذلك بينما كنت أقاتل من أجل حياتي؟ على أي حال، هي لا تزال على قيد الحياة، أليس هذا كافياً؟”
“ماذا قلتِ؟”
أثارت إجابة المرأة اللامبالية غضبي.
هل كان لدى الجنود، الذين استولى عليهم جنون القتل، أي مجال لإظهار الرحمة تجاه طفل من العائلة المالكة للعدو؟
على العكس، في ساحة المعركة الملطخة بالدماء والمتناثرة بالأشلاء، لم يكن الطفل ليمثل شيئًا أكثر من مجرد هدف آخر يُقتل بلا تردد.
كيف خطرت لها فكرة ترك طفلةٍ وحيدة وسط بحر من السيوف والدماء؟
ماذا لو أصاب روبيلين مكروه……
حدقتُ بالمرأة التي أمامي بنظرةٍ مليئة بالغضب المتصاعد. و شعرتُ بالحنق على نفسي حتى لأنني تعاطفتُ معها ولو للحظة واحدة.
“هل تعتقدين أنكِ تستحقين رؤية روبيلين؟ لا، أنتِ لا تملكين هذا الحق!”
“ماذا؟”
ضحكت المرأة بسخرية، وكأنها غير مصدقة لما تسمعه. ثم هزت رأسها ببطء وفركت وجهها بيديها.
“هذا مثيرٌ للسخرية.”
تغير صوت المرأة بشكل كامل عن السابق، حيث أصبح جادًا بشكل مفاجئ. و بدا صوتها وتصرفاتها وكأنها شخص آخر، مما أثار في نفسي شعورًا غريبًا بالديجافو.
تباطؤُ خفضها ليدها التي كانت تغطي وجهها جعل تعبير وجهها الجاف يبدو وكأنها شخص آخر، بينما كانت نظرتها المتعالية، التي كانت تشبه نظرة رجل مسن مر بالكثير من المحن، موجهةً إليّ وكأنها تريد أن تدوسني.
“الإنسان سخيف. مهما كانت الأعذار، في النهاية الجميع يسعى فقط لإشباع طمعه.”
ضحكت المرأة بمرارة.
“فقدان العقل أمام الطمع هو غريزةٌ بشرية. فكرِ في الأمر جيدًا، هل تظنين أنكِ تملكين الحق في انتقادي؟”
“ماذا تعنين؟”
“عندما قلت أنني أريد مقابلة الأميرة، كنتِ مرتبكةً، أليس كذلك؟ سؤالي المفاجئ جعلكِ تشعرين وكأن قلبكِ سقط.”
كنت خائفةً في داخلي عندما قالت تلك المرأة أنها تريد لقاء روبيلين. و كنت أحاول أن أتصرف بعقلانية، لكنني كنت متأثرة.
كنت أخشى أن أفقد مكاني في حياتها، وألا تناديني روبيلين بـ “أمي” مجددًا وتحتضنني.
كنت أخشى أن ترى روبيلين، بعد لقائها مع والدتها الحقيقية، نظرتي كما لو أنني شخص غريب بالنسبة لها.
لكن……
“أمي، الى اللقاء!”
تلك الفتاة التي كانت تلوح لي بيدها هذا الصباح، ظهرت لي كخيال يلوح في الأفق.
حتى لو لم أكن والدتها البيولوجية، فإن الوقت الذي قضيناه معًا لا يمكن أن يُمحى تمامًا. لا يمكن للطفلة أن تنكر تلك الذكريات كما لو كانت بلا معنى.
بدأت مشاعري المضطربة تستعيد هدوءها تدريجيًا.
“حسنًا، ما هو أكيد هو أنني لن أتركها كما فعلتِ أنتِ.”
“…….”
حدقت المرأة فيّ بعينين خاليتين من المشاعر، وكأنها عيون دميةٍ بلا روح، مما جعلني أشعر بالقشعريرة.
“لهذا السبب أكره البشر في هذا العالم. هم ضعفاء، و أغبياء، و مغرورون.”
قالت المرأة تلك الكلمات غير المفهومة بنبرة خالية من العاطفة، ثم التفتت فجأة. و بعد أن قطعت بضع خطوات، توقفت ولفت رأسها فقط الى الخلف.
“سنلتقي قريبًا.”
سعلت المرأة قليلاً ثم اختفت فجأةً في نهاية الزقاق.
***
عندما عدت إلى القصر الامبراطوري، ركضت مباشرةً إلى المكتبة وبدأت أبحث في سجلات تاريخ مملكة تيدان.
“لوتان إلبير. آخر أميرة من مملكة تيدان.”
كانت صورتها الشخصية والوشم على جسدها يطابقان تمامًا المرأة التي قابلتها.
لكن كانت هناك العديد من النقاط المريبة حولها. فمناديلها وسوارها الذي لا يتناسب مع وضعها، وتغيير سلوكها بشكل مفاجئ.
‘لكن الأهم من ذلك هو صوتها……شعرت أنني سمعت هذا الصوت من قبل.’
حاولت جاهدةً أن أتذكر، لكن عقلي عجز عن استرجاع ذلك.
أولاً، يجب عليّ لقاء كاليكس وسؤاله عن كيفية اكتشافه لروبيلين أثناء الحرب.
أغلقت الكتاب ونهضت، وفي تلك اللحظة، فُتح الباب فجأة بصوت عالٍ.
“لوسينا!”
سمعت صوت كاليكس وهو يتنفس بصعوبة وكأنه قد ركض مسافة طويلة.
“جلالتك.”
لم يضيع وقتًا، فدخل مسرعًا إلى المكتبة، وأقبل عليّ ليحتضنني بعنف.
شعرت بأنفاسه الثقيلة على مؤخرة رقبتي.
“سمعت كل شيء. هل أنتِ بخير؟”
“هل جئتَ بناءً على تقرير عن شخص يدعي أنها أميرة من مملكة تيدان؟ أعتقد أنني أفضل حالاً من جلالتك.”
“هل يمكن أن أكون بخير؟ و أنتِ أيضاً……”
أصبحت قبضة كالكس على كتفي أقوى. فحاولت التسلل من بين يديه وابتسمت له ابتسامة صغيرة لأطمئنه.
“أنا حقًا بخير. لكن هل وجدتم تلك المرأة؟”
“نحن في مرحلة البحث. حصلنا على قائمة من تجار السوق، لكن لم نجد اسم من نبحث عنه في قائمة العمال. و نخطط لاستجواب الجنود الناجين من مملكة تيدان تحسبًا لأي طارئ. لكن حقًا، هل أنتِ بخير؟”
نظر كاليكس إلى وجهي بقلق، بينما بدأت ملامحه المشدودة تثير في قلبي شعورًا بالراحة.
“هذا ليس وقتاً للضحك، لوسينا.”
عندما ضحكت بصوتٍ خافت، أظهر كاليكس تعبيرًا غير راضٍ.
ظللت مبتسمةً ومددت وجهي نحو صدره لأدفن وجهي فيه.
“أشعر بالراحة وكأنني عدت إلى المنزل. لم يحدث لي شيء، فقط جرحٌ في كفي.”
“كفكِ؟”
لاحظ كاليكس الخدش على كفي وعبس.
“لقد شفيت يدكِ بالكاد، و الآن……”
تمتم وهو يبدو قلقًا، ثم اقترب ووضع وجهه على يدي ليحاول تقبيل الجرح.
تشنجت عندما شعرت بأنفاسه الحارة ولمسته على يدي، ثم نظر إليّ وهو لا يزال يضع وجهه على يدي.
“هل يؤلمكِ كثيرًا؟”
“ليس بسبب الألم، بل لأنه ساخن……”
“ساخن؟ هل لديكِ حمى؟”
كان كاليكس يهم بوضع يده على جبهتي، فابتعدت عن وجهه قليلاً.
شعرت بحرارة تغمر عنقي وكنت أتجنب النظر في عينيه.
“ليس بسبب الحمى……”
بل بسببك أنت.
كدت أن أقول تلك الكلمات، ولكن في النهاية كان علي أن أمنع كاليكس من طلب الطبيب.
__________________________
الله يعين الطبيب 😭
شسمه ما احسها ام روبيلين شكلها الساحره؟
بس لحظه حتى الساحره الي طلعت لسولي كان شعرها وردي……يعني ام روبيلين هي الساحرة؟
الفصل الجاي مافيه صوره
Dana