كان التنين هو الإمبراطور الأول للإمبراطورية ومخلوقًا أسطوريًا في هذا العالم. لذلك، كان أفراد العائلة المالكة يعتبرون تاريخًا حيًا ودليلًا على وجود التنانين.
لكن لماذا يوجد تنينٌ في هذا المكان؟
رغم هذا التساؤل، كان يجب علي الخروج من هنا.
قد لا يكون التنين عدائيًا تجاه البشر، ولكن بالنظر إلى الوضع، فأنا أُعتبرُ دخيلة.
لم أكن أعلم كيف سيتصرف التنين.
بلعت ريقي وسحبت الجزء العلوي من جسدي المتصلب ببطء.
عندها، تألق ضوءٌ أحمر في الظلام.
عندما تلاقت عيناي مع العيون الحمراء، شعرت بقشعريرة في عمودي الفقري وتجمدت في مكاني كالحجر.
حبستُ أنفاسي، متوقعةً بعض الأحداث التي قد تحدث فجأة في غضون ثوانٍ قليلة، لكن التنين لم يتحرك، بل كان يراقبني بعينيه الممزقتين رأسيًا دون أي حركة.
بدلًا من ذلك، سمعتُ صوت أنفاسه الثقيلة غير المنتظمة، والتي أوضحت بوضوحٍ أنه كان يعاني.
هل هو مصاب؟
نظرتُ بعناية لأرى أن جسده كان يرتعش قليلاً. و بدا متعبًا للغاية.
في لحظة، بدا التنين غارقًا في الظلام، وأغلق عينيه ببطء ثم فتحهما.
شعرت بشعورٍ غريب من الألفة في حركاته الروتينية، وسرعان ما حبست أنفاسي.
العينان الحمراوان والعيون المظلمة……لا يمكن…..
“كاليكس؟”
بمجرد أن نطقت هذا الاسم بصوتٍ منخفض، ارتجف التنين. وعندما رأيتُ رد فعله، بدأت أتيقن.
كان يوكار، الذي كان دائمًا يرتدي نظارته، قد خلعها، وكانت علامات الغضب واضحةً على وجهه.
كان يتنفس بعمق وغضب، وحدق بي بنظراتٍ حادة.
“ألم أقل لكِ ألا تقتربي من هذا القصر؟”
حاولت توضيح الموقف بسرعة.
“لقد سمعتُ أن جلالته يقيم هنا، لذلك جئتُ لرؤيته.”
“سيدة لوسينا……”
قطع كلامي بصوتٍ منخفض.
“لن أسألك لماذا جئتِ إلى القصر، بل سأقول لكِ أن تنسي ما رأيتهِ للتو.”
ضيّق يوكار عينيه وتقدم نحوي بتهديد.
“وإذا تحدثتِ عن هذا الأمر لأي شخص، فسوف……”
“لن أفعل.”
“…….”
“لن أتحدث مع أي شخص عن هذا.”
كانت إجابتي السريعة قد جعلت يوكار يلتزم الصمت وينظر إلي بعينين مترددة. كان يقيّم ما إذا كان بإمكانه الثقة في كلامي أم لا.
نظرت إليه مباشرة دون أن أشيح ببصري، لأنني لم أكذب في ما قلت.
في عقدي كان هناك بندٌ ينص على أن كل ما أراه أو أسمعه داخل القصر يعتبر سريًا، وإذا قمت بالإفشاء، يجب أن أدفع تعويضًا ضخمًا يصل إلى آلاف الأضعاف.
تبادلنا النظرات لعدة لحظات، و لا أعلم كم من الوقت مضى.
وبعد فترةٍ قصيرة، بدا أن يوكار قرر أن يصدقني، فتغيرت تعابير وجهه قليلًا.
“حسنًا. سأصدقكِ. إذاً، الآن، دعينا نغادر هذا المكان.”
“أخبرني بما يحدُث.”
“ما الذي تقصدينه؟”
“ما الذي حدث لجلالته؟ لماذا هو على هذه الحالة؟”
اتسعت عينا يوكار بشكلٍ مفاجئ واهتزت حدقتاه بشدة.
قام بترطيب شفتيه قبل أن يتحدث.
“جلالته؟ ذلك ليس جلالته، بل هو مجرد عينةِ تجارب صنعها برج السحر. يبدو أنكِ قد أخطأتِ الفهم……”
“لا، إنه جلالته.”
كان يوكار غير مدرك أنني قد تحدثتُ مع كاليكس، لذا بدا مذهولًا من إصراري الحازم.
وبعد لحظاتٍ من الصمت، بدا وكأنه استسلم للتفسير، فأغمض عينيه بقوة.
“يوكار، يبدو أن جلالته يعاني. إذا كان هناك شيء يمكنني فعله لمساعدته……”
“لا يوجد.”
فتح يوكار عينيه وقال ذلك بحزم، مما جعلني أشعر بالذهول.
“ليس هنالكَ ما يمكنكِ فعله. الشيء الوحيد الذي يمكنكِ فعله هو مغادرة هذا القصر معي.”
“……إذًا أخبرني على الأقل بما حدث.”
ظللتُ ثابتة، غير راغبةٍ في التراجع. فأطلق يوكار تنهيدةً طويلة وظهرت على وجهه علامات الانزعاج، قبل أن يتحدث بهدوء.
“……منذ أن ارتدى الخاتم.”
“خاتم؟”
عندما تحدث عن الخاتم، تذكرت الخاتم الفضي المرصع بالجوهرة الزرقاء الذي كان يزين يد كاليكس.
“وفقًا للكتبُ القديمة، هذا الخاتم هو الذي تركه الإمبراطور الأول للتحكم في القوى السحرية. لماذا يحتاج جلالته لمثل هذا الخاتم؟”
أغمض يوكار عينيه قليلًا وتنهد، وكان تعبيره يدل على أنه يتساءل لما لم أفهم.
“انتظر، هل جلالته مثل روبيلين……؟”
“نعم، بدون الخاتم يجد صعوبة في التحكم في القوى السحرية.”
شعرت بصدمةٍ كبيرة لدرجة أنني غطيت فمي بيدي.
هذا لم يكن موجودًا في الرواية.
رغم أن كاليكس كان في النهاية سيموت على يد ابنةِ أخيه، إلا أنه كان إمبراطورًا يُبجل من قبل شعب الإمبراطورية.
لكن تبين الآن أنه لا يزال يعاني من صعوبةٍ في التحكم في قواه السحرية.
وفقًا للقوانين الإمبراطورية، إذا لم يكن أفراد العائلة الإمبراطورية قادرين على التحكم بمهارتهم في القوى السحرية، لم يكن يُسمح لهم بمغادرة القصر. وهذا يعني أن كاليكس ارتدى الخاتم ليتمكن من تولي العرش.
واصل يوكار حديثه بطريقةٍ هادئة.
“كنتيجةٍ لذلك، مرة كل نصف عام تنفجر القوى السحرية المتراكمة في الخاتم ويتعرض جلالته لألمٍ شديد. رغم أن الكتب القديمة لم تذكر أي آثارٍ جانبية مثل هذه……”
قال يوكار ذلك وهو يغلق عينيه بحزن.
“مهما كانت قوة جلالته السحرية عظيمة، هناك فرق بين التنين والبشر”
تذكرت فجأة كلام رينيل عن أن كاليكس كان يقضي أحيانًا وقتًا في القصر الجانبي.
فتحت فمي بتردد.
“إذاً، خلال ظهور الأعراض، يقيم وحده في هذا القصر الجانبي؟”
“نعم. عندما تأتي تلك اللحظة، يجد صعوبةً في التحكم في قواه السحرية حتى مع الخاتم، فيبقى دائمًا وحيدًا في الجناح. حتى أنا لم يكن يُسمح لي بدخول المكان بسبب حالته الحساسة. و يبدو أن جلالته……”
“خائف.”
خرج صوتي دون أن أشعر، كما لو كان يتدفق بهدوء.
نظر إلي يوكار بعيونٍ متسعة مندهشًا، ثم بعد قليل تنهد بعمق ووجهه يعلوه الحزن.
“لا تقلقِ. جلالته لن يخلع الخاتم، وسيعاني فقط من الألم مرة واحدة كل نصف عام. إن كان هناك شيء يمكن أن تفعليه من أجله، فهو فقط الحفاظ على السر. لا أحد يعلم بهذه الحقيقة سوى أنا وجلالته وأنتِ.”
“كما قلتُ من قبل، لن أفصح عن هذا السر أبدًا.”
كنتُ أكثر عزمًا من ذي قبل. لن أخبر أحدًا عن هذا السر حتى لو كان الثمن هو حياتي.
إذا انكشفت هذه الحقيقة للعامة، لن تتسبب فقط في زيادة قلق شعب الإمبراطورية، بل ستصبح أيضًا سلاحًا قويًا للممالك المعارضة لكاليكس.
سحب يوكار قبعة رداءه بقوة واستدار بسرعة.
“هيا، لنذهب.”
نظرت إليه بصمت وهو يبتعد. و بعد أن مشى بضع خطوات، لاحظ عدم سماع خطواتي فتوقف والتفت نحوي.
“ألن تأتي؟”
قطبتُ حاجبي قليلاً وابتسمت اعتذارًا.
“آسفة، سأحافظ على السر، لكنني لا أستطيع ترك جلالته وحده أكثر من ذلك.”
“ما الذي تعنينه؟”
بسرعة أمسكت بمقبض باب غرفة كاليكس وأدرته. و تجاهلت صوت يوكار وهو يناديني، ودخلت الغرفة بسرعة وأغلقت الباب خلفي وأقفلته.
“لوسينا! لوسينا!”
سمعت صوت يوكار يطرق الباب بقوة من الخارج بينما كنتُ ابتعدُ عن الباب.
التعليقات لهذا الفصل " 22"