قال كارل ذلك بصوت خافت أشبه بالهمس، وهو يحدّق في سيان بعينين دافئتين حدّ الغاية.
لكن الذي اضطرب قلبها من الكلمة كانت سيان نفسها، إذ تدفقت في صدرها فجأةً مشاعر دافئة لا توصف، كما حدث يوم شعرت لأول مرة بذلك الدفء في معبد التنين وانهمرت دموعها دون وعي.
“فكرتُ أنّه من الآن فصاعدًا يمكننا أن نطير معًا في أي وقتٍ هكذا.”
عضّت سيان شفتيها بقوة. فالمستقبل الذي لم يخطر لها أبدًا لولا أن كارل نطق به، بدا لها غير قابل للتصديق ومربكًا بقدر ما كان عرض الإمبراطور المدهش أن يمنحها رتبة فارسة التنين.
لكنها الآن رأت أنّه حقًا ممكن.
وكما كانت أول رحلة طيران تجربةً مذهلة لا تُنسى منذ أن اختارتها التنينة السوداء، فإنها من هنا فصاعدًا تستطيع أن تخوض تجارب أخرى كثيرة بلا خوف ولا اختباء، بل بفخر واعتزاز.
هذا الإدراك ضربها كالصاعقة، مصحوبًا بوقع صاخب لأول طيران، حتى شعرت بالدفء يتصاعد من أسفل صدرها.
“لذلك…..يا سيان.”
كان البكاء محرجًا وهي قد وعدت نفسها أن تكفّ عنه، فحبست المشاعر الجياشة التي كادت تنفجر منها.
وفيما هي تقاوم دموعها، حك كارل رأسه بتردد، كأنه لا يعرف ما إذا كان يجرؤ على الكلام أم لا.
“في الأصل، أردت أن أقولها في مكان أكثر روعة، بشكل أكثر لياقة…..لكن كما تعلمين، أبهى مكان أعرفه، أي القصر الإمبراطوري، صار بتلك الحال….فـ….ذلك…..”
“ما بكَ؟ لا تماطل، قلها.”
تعمدت سيان أن تجعل صوتها أكثر جفاءً، فيما كان كارل يفتح فمه ويغلقه مرارًا كمن يعجز عن إخراج الكلمات.
فلم تستطع أن تكتم انزعاجها، إذ جعلها فضولها تنسى دموعها تمامًا.
في اللحظة التي أوشكت فيها سيان، وقد بدأ صبرها ينفذ، أن تنفجر صارخةً فيه أن يكفّ إن كان سيمزح أكثر…..تحدث أخيرًا بشجاعةٍ استجمعها بصعوبة،
“من الآن فصاعدًا، بل إن أمكن طوال حياتي……هلّا تبقين معي، الى جانبي؟”
“…..ماذا؟”
تساءلت سيان بذهول، وقد نسيت في لحظة نيتها أن تثور عليه. و لم تستوعب فورًا ما الذي سمعتْه للتو.
كان….كان يشبه كثيرًا طلب الزواج…..بل لعلّه كان كذلك بالفعل…..
“ذلك…..أنا….”
بدأت تفهم سريعًا ما الذي جعله يتلعثم عاجزًا عن إخراج صوته.
وما إن أدركت أن كلماته لم تكن “أشبه” بعرض زواج بل هي عرض زواج بحد ذاته، حتى جفّ حلقها تمامًا تحت وطأة الخجل والارتباك والعاطفة الجارفة، فلم تستطع إخراج أي صوت.
تلعثمت قليلًا مرة أخرى، ثم احمر وجهها حتى أذنيها، فاضطرت أن تسعل مصطنعةً لتستعيد رباطة جأشها.
“كما تعلم، أنا شخصٌ ذو قيمة عالية. والآن وقد أصبحت فارسة تنين، فإن مكانتي ارتفعت، وبالتالي فإن قيمتي ازدادت.”
قالت ذلك مازحةً بخفة وهي تخفي ارتباكها خلف ادعاء الجهل، بينما كان الاحمرار يزداد في وجنتيها.
عندها ارتسمت على وجه كارل ابتسامةٌ مليئة بالمحبة.
“ثم إن العمر كله مدةٌ طويلة جدًا، وسيكون ثمن ذلك باهظًا…..لكن، إن كنتَ لا تزال موافقًا رغم ذلك—”
“إن كنتُ موافقًا؟”
ما إن قاطع سيان حتى رفع كارل حاجبيه بمرح كأنه يلهو، وارتسمت على وجهه ملامح السرور.
لم يكن في نبرته أي احتمالٌ للرفض، كأنه أمر غير وارد أصلًا.
وبالرغم من أنها بدورها لم تفكر بالرفض لحظة، فإن طريقة انتظاره للإيجاب كشيء بديهي أزعجتها قليلًا.
فألقت عليه سيان نظرةً قصيرة قبل أن تُكمل جملتها وتُتمّها،
“فلنكتب عقدًا جديدًا.”
و ارتسمت عند طرفي شفتيها ابتسامةٌ ماكرة تحمل لمحةً من المزاح.
“لكن هذه المرة لن يكون عقد عمل، بل عقد زواج.”
فانفجر كارل بضحكة مسموعة.
“إذاً عقدٌ بفرصة واحدة لا غير، ما يعني أن عليّ أن أوقّع عليه بحذر أكبر من السابق. فما شروط هذا العقد؟ إن عجزتُ عن الإيفاء بها، هل سأضطر أن أتنازل لكِ عن إيفاريد مرة أخرى؟”
“وأي شروطٍ يمكن أن تكون لعقد زواج؟”
قالت سيان ذلك وهي ترمقه بضيق وتضغط لسانها مستنكرة.
“يكفي أن…..أن نكون سعداء، لا أكثر.”
شعرت فجأة أن الدموع التي كبحتها في حلقها توشك أن تنفجر. و ما إن قالت ذلك حتى خفضت رأسها نحو الأرض.
عندها شدّ كارل بكل دفء على يديها وضحك ضحكةً منخفضة.
“أتبكين مجددًا؟ عندما التقيتُكِ أول مرة بدوتِ لي كمن لا يسيل من جسده قطرة دم حتى لو طُعن، أما الآن فدموعكِ تنهمر في كل حين.”
و لم تكن سيان قد طلبت أصلاً، لكنها في سرّها تمتمت متذمّرةً قبل أن تفلت منها ابتسامةٌ خفيفة.
كانت أشعة الشمس الدافئة تنهمر عليهم، لكن دفء يده المشدودة على يدها كان أدفأ من كل ضوء، وأكثر سطوعًا من أي شعاع.
شعرت سيان بلحظةٍ غريبة، إذ لم تعد واقفةً في ظلال غابةٍ مظلمة، بل على دربٍ تصبّ عليه الشمس ضياءها مباشرة.
ملأ صدرها إحساسٌ بدفءٍ لم تعهده، مؤلمٌ وعذب في آن واحد.
“أتعرف…..حين كنت مختبئةً هناك أراقبكَ، ظننت أنني سأمضي حياتي كلها دون أن أعترف بكوني سيّدة التنين. ولم يكن يهمّني.”
أدارت بصرها نحو الموضع الذي كانت فيه قديمًا تختبئ، تكتم أنفاسها عاجزةً عن صرف عينيها عن كارل.
“كنت أعيش روتينًا متماثلاً كل يوم، حتى ظهرتَ أمامي مغطى بالدماء فجأة…..لا تتصور كم صُعقت في تلك اللحظة.”
ابتسم كارل وهو يستعيد أول لقاء جمعهما.
لم تكن لديه صورةٌ واضحة لأنه كان على وشك الموت، لكن وسط وعيه المترنّح، لم يغب عن بصره بريق شعرها البلاتيني المضيء.
“وأنا بدوري اندهشت كثيرًا. كنتُ بالكاد أجرّ أنفاسي الأخيرة، وفجأة انطلقت نحوي سيوف تحمل معها نذر الموت، ثم ظهرت أمامي امرأةٌ جميلة.”
“…….”
“ظننت أنني فارقت الحياة وانتقلت إلى عالم آخر. لكنكِ ما لبثتِ أن شهرْتِ سيفك لتقولي ببرود أن عليكم محو الأثر، فضننتكِ ملاك موت جاء ليقبض روحي.”
قال كارل ذلك بجدّية، فيما خرجت ضحكات سيان من بين دموع متلألئة في عينيها وقد سمعت القصة لأول مرة.
أما هو فبدا غارقًا في الذكرى، و صمت قليلًا بوجه متجهّم، ثم قطّب حاجبيه و تحدث بجدية،
“وبالمناسبة…..هل كنتِ فعلًا تنوين قتلي وقتها لو أرغمتكِ الظروف؟”
“لا أعلم. لولا أن ماكس أوقفني، ربما كنتُ فعلتُ ذلك..…؟”
“قاسيةٌ جدًّا.”
نقر كارل بلسانه متذمّرًا، فانفجرت سيان ضاحكة.
“كنت أمزح. أمن المعقول أنني كنت سأفعلها حقًا؟”
لكن مع أنها قالتها كتبرير، خطر ببال كارل أنها ربما كانت ستفعل ذلك فعلًا، غير أنه لم ينطق بذلك.
“بعد إنقاذكَ بوقت قصير، قال لي ماكس أني أبدو أكثر من أي أحد أؤمن ببراءتكَ بلا تردّد. و في الحقيقة، شعرتُ بالحرج آنذاك…..لأنني منذ أول ما سمعت شائعة أن الأمير، سيد إيدلين، قد قتل ملكة التنانين، كنتُ على يقين أن ذلك مستحيل.”
ابتسمت سيان ابتسامةً رقيقة وهي تحدّق بكارل.
وكلما أطالت النظر في وجهه الماثل أمامها وكأنه مشدودٌ إليها، تدفقت في قلبها مشاعر غريبة.
لقد كان صباحًا اعتقدت أنها لن تملكه أبدًا.
على خلاف ريفينانت التي طمعت فيما لا يُنال، كانت قد تخلّت عنه منذ البداية، ومع ذلك ها هو واقفٌ أمامها الآن، فيا لروعة تلك المفارقة.
“حتى لو كان مجرد افتراض، أظن أنه مهما جرى، ولو لم نلتقِ في ذلك الحين، لكنتُ قد التقيتُ بكَ مجددًا ووقعتُ في حبكَ.”
مدّت سيان يدها تلمس خد كارل.
كان قلبها يتملكه خوفٌ أكثر من السعادة، خشية أن يتلاشى من أمامها بمجرد أن تمسّه، فالوضع كان يفوق التصديق.
لكن ما إن لامست يدها بشرته حتى لم يختفِ، بل على العكس ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ واسعة كأنه كان بانتظار تلك اللحظة.
“أعدكِ.”
جذب كارل يد سيان الموضوعة على خده وقبّل ظاهر كفها.
“أعدكِ ألا تبكي من بؤسٍ أبدًا ما حييت.”
ثم رفع عينيه إليها.
كانت عيناه بلون فيروزي صافٍ وهادئ، تفيض بالجدية، وكان يكفي النظر إليهما ليدرك قلبها صدق كلماته دون حاجةٍ إلى أي تأكيد آخر.
شعرت بوخزٍ عند أسفل صدرها. و كان ذلك الإحساس الغامر بالسعادة شيئًا لم تعرفه قط طوال حياتها.
“سمعة التنين الأسود ستنقطع. ومنذ الآن، ستُخلّد إيفاريد كأرضٍ يحرسها معًا التنين الفضي والتنين الأسود.”
قال ذلك بجدية، ثم هذه المرة لم يطبع قبلةً على كفها، بل على شفتيها.
لامسها دفءٌ سرى في كل جسدها. و كادت سيان أن تبكي من جديد، لكنها قاومت بكل ما تملك من قوة.
كيف تبكي وهي في قمة السعادة؟ لقد بدا الأمر كما لو كان نفاقًا كما كانت ريفينانت تصرخ به لها دائمًا.
“…..لنعد الآن.”
قالت ذلك بابتسامةٍ واسعة، تقاوم اندفاع دموعها بفرحٍ متشبث.
“إلى أرضنا، حيث يحرسها التنين الفضي والتنين الأسود معًا.”
وفيما كانت تواجه أشعة الشمس المتألقة مباشرةً بوجه باسم كأزهى ما يكون، رسم كارل على شفتيه ابتسامة راضية.
≼النهاية≽
_______________________
بس كذا انتهت القصه؟ العرس ؟ والعيال؟ والرخص في شهر العسل؟ الووووووو؟
المؤلفه حماره يعني فصولس شوي ماحطيتي فصول اضافية ليه؟😭 ياحمااااره
سيان وكارل راحوا وخلوني😔 هواشاتهم وضحكهم راح 😔
ودي تصير مانهوا عشان الفصول الاضافية وبنفس الوقت ماودي عشان واضح الرسامه زفت من الحين
المهم شكرا لكم على صبركم علي وشكراً لروي لأنها علمتني عن ذا الروايه وشكرا لسوسو وشكرا ليدي 😘
اشوفكم في الفصول الاضافية اذا نزلت😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 95"
🥲🥲🥲شكرا على ترجمتك الحلوه واخيتارك لروايه مره كانت تجننن