“لقد كان هناك، عبر تاريخ الإمبراطورية، عددٌ لا يُحصى من الرجال الذين كافحوا لينالوا السلطة العظمى. وأنت، يا دانيال، وقد وُلدت أميرًا وتلقّيت تعليمكَ في البلاط، فلا شك أنكَ تعلم ذلك جيدًا. فإن كنتَ تجزم بأن تنين الآنسة سيان الأسود سيجلب الخراب لمجرد أنّ قشوره تحمل لون بيغدراسيل، رمز الشر المطلق، فقل لي إذاً، كيف تفسّر أن العرش الذي انحدر أصلًا من يغدراسيل، ذاك الخير المطلق، قد جلب على هذه الإمبراطورية، مع كل تغيير للعرش، حروبًا دموية تتكرر؟ أترى أن تلك الحروب، التي سفكت أنهارًا من الدماء، كانت عادةً مشروعة ينبغي تبريرها؟”
لم يجد الماركيز ما يردّ به، فاكتفى بأن يضغط بقبضته المرتجفة حتى ابيضّت مفاصله، وكتفاه تهتزّان.
“إن قانون البكورة بالذات كان العدالة الوحيدة المطلقة، وُضعت لتكبح طمع الأسرة الإمبراطورية التي اتخذت من ظلم العالم ذريعة لجشعها.”
“….…”
“إنه القانون الذي يُسقط أمثالك، ويكشف عن وجوههم الحقيقية.”
وبعد أن فرغ من قوله، تنفّس الإمبراطور تنهيدةً طويلة مثقلة بالتعب، ثم بدّل جلسته وأسند ظهره إلى المقعد.
ورغم أن اللوم والعتاب وُجّه مباشرةً إلى الماركيز، فقد خيّم الصمت على القاعة بأسرها، وكأن النبلاء الآخرين جميعًا قد صاروا شركاءه في الجريمة.
“….سأصدر الحكم الأخير.”
لم يُدرَ إن كان يمنح الحاضرين مهلةً للتفكير، أم أنّ قواه كانت توشك على الانطفاء، لكن الإمبراطور، وهو غائرٌ في مقعده، رفع عينيه ببقايا صرامة وأخرج صوته.
“دانيال كلاوس، الأمير السابق، وحامل لقب الماركيز غريغوري…..يُحكم عليكَ بالإعدام جزاء خيانتكَ.”
“أخي الكبير!”
حُكم الإمبراطور لم يترك فيه شفقةً ولا ذرة رحمة. لم يكن الحكم صادمًا في جوهره، غير أن الماركيز، وقد تملّكه شعور رجاءٍ أخير، صرخ بصوت يائس كأنما يقتلع من صدره.
“انزعوا عنه لقبه وإقطاعيته، وصادروا جميع ممتلكاته، وعلّقوا رأس الخائن على بوابة القصر ليكون عبرةً للأجيال. ولْيبقَ اسم دانيال كلاوس، إلى آخر يوم في عمر الإمبراطورية، مرادفًا للخيانة والعار.”
“لا…..لا يمكن! أخي! أرجو أن تُبقي عليّ حياتي!”
اندفع الماركيز كأنه يوشك أن يقتحم المنصّة، لكن الجنود الذين طوّقوه وقفوا بينه وبين ذلك.
“ابتعدوا عني! أتعرفون من أكون حتى تجرؤوا على لمس جسدي؟!”
كان يصرخ صرخات يائسٍ في لحظاته الأخيرة. عندها أشار هندريك بيده إشارة قصيرة حاسمة: اخرجوا به.
فسحب الجنود الماركيز على الأرض، غير مبالين بصرخاته المدوية الممتلئة باليأس.
رأى أنطونيو بعينيه كيف صدر حكم الموت على الماركيز أمام الجميع، فاسودّ وجهه من الذعر وألصق جبهته بالأرض، بينما كان جسده يرتعش كما لو كان قد أُصيب بنوبة قاسية.
عندها التفتت عينا الإمبراطور الباردتان نحوه.
“وأما أنت، شريكه في الخيانة، فارس التنين…..أنطونيو كارتر.”
“جلالتك…..أعلم أنني اقترفت جريمةً عظيمة، لكنني أريد الحفاظ على حياتي…..أرجوكَ، لا تقتلني..…”
“قد تدّعي أنكَ لم تعلم من البداية، غير أنك، وقد سنحت لك مرارًا فرصٌ لتتراجع وتمنع الكارثة، اخترت بدلًا من ذلك أن تخفي هوية صيّادة التنانين، وأن تطعن كارلستون، أمير الإمبراطورية وسيد إيفاريد. و هذا أمرٌ لا يغتَفر.”
قَضَم أنطونيو شفته حتى سال منها الدم، مرتجفًا أمام الحكم.
“وكان من الواجب أن يعلّق رأسك إلى جانب رأس الخائن دانيال كلاوس، غير أن اعترافك في النهاية، وكشفك عن الحقائق وطلبك الغفران، سيُبقي على حياتكَ وحدها.”
تابع الإمبراطور كلامه، فابتلع أنطونيو ريقه بصعوبة ثم رفع رأسه فجأة.
كان وجهه قبل لحظات شاحبًا باردًا كالموت، فإذا به الآن يشتعل بحرارة النجاة.
“ستُسلب منكَ ألقابك وإقطاعياتك وجميع ثروتك، وتُساق مع تنينك لتخدم في الأشغال الشاقة التابعة للعائلة الإمبراطورية. ستُوسَم بوصمة الخيانة، ولن تُعامَل مساويًا لأي خادم من خدم القصر، بل ستعيش كما رجوتَ، تحت رقابة العرش، ممدود الحياة فقط، تؤدي الخدمة طيلة أيامك الباقية.”
و سرعان ما تلاشت البهجة من وجه أنطونيو، وحلّت محلها ظلمةٌ حالكة.
كان النفي إلى عامة الناس أهون كثيرًا من هذا الحكم. لكن أن يُختزل إلى مجرد عبدٍ للأشغال الإمبراطورية، ذلك وقع على صدره كصاعقة.
لكنه، وقد غلبه الذعر، لم يجرؤ أن يظهر أي اعتراض أو يفتح فمه بكلمة.
ومع ذلك، كان الحكم منطقيًا. فكما لا يمكن إكراه تنين على اختيار سيده، كذلك يستحيل أن يُجرد مَن اختاره التنين من هويته.
وترك رجل مرتبط بقوة تنين عظمى يهيم طليقًا في كان مغامرة. لذا لم يكن أمام الإمبراطور إلا هذا الحلّ.
على خلاف الماركيز، خرج أنطونيو صامتًا، مكبّل الذراعين بقبضة الجنود الذين اقتادوه خارج قاعة الاجتماع.
وهكذا عادت قاعة النبلاء، وقد تحولت إلى ساحة محكمة مروّعة، لتغرق مجددًا في سكون ثقيل مهيب.
“اكتبوا تفاصيل هذه القضية ونتيجتها في سجلّات البلاط الإمبراطوري، ليكون عبرةً، فلا يجرؤ أحدٌ بعد اليوم على خرق قانون البكورة بدافع الطمع.”
“أمرك، جلالتك.”
أجاب هندريك مطأطئًا رأسه.
ومع خروج الماركيز وأنطونيو، بقيت سيان وحدها واقفة على المنصّة.
على عكس الخونة الذين جرّتهم أيدي الجنود، لم يحيطوا بها برقابة، بل ظلت شامخة في مكانها، ترفع بصرها بثبات نحو مقاعد العرش.
ثم أرخى الإمبراطور ذراعيه وهو يطل عليها من الأعلا.
غير أن نظرة سيان، وهي مرفوعةً إلى المنصة العليا، لم تكن موجهةً نحوه.
و عندما أدرك الإمبراطور أن بصرها منصرفٌ إلى موضع آخر، تبع خطى عينيها حتى استقرت عند الأمير الثالث، كارلستون.
عندها ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ غامضة.
“سيدة التنين الأسود، سيان روزفلت.”
كارلستون و سيان، اللذان كانا يتبادلان النظر، انتفضا معًا عند وقع صوته، صم ارتفع بصرهما نحوه على عجل.
“نعم، جلالة الإمبراطور.”
“أما بشأن حادثة الاعتداء على بريتا، فقد أقر أنطونيو بأنها مختلَقةٌ من الأساس، وبذلك لا اتهاماتٍ على التنين الأسود. بل أنكِ كنتِ، إلى جانب الأمير كارلستون، ممن تصدوا لتمرّد الصياد ريفينانت حين عمّت الفوضى. فكيف يُعقد لكِ مجلس محاكمة، والحقيقة أنكِ تستحقين تكريمًا لا عقابًا.”
لم تكن تريد جزاءً أو مكافأة، ومع ذلك، لم تجد سيان سوى أن تحني رأسها، والامتنان يفيض في ملامحها.
“وقد أعيد إحياء السجلات التي نصّت على وفاتها، وسيردّ إليكِ اسمكِ وموضعكِ، بصفتكِ…..إيرا تشاندلر.”
سيان التي كانت تحدّق بالأرض، رفعت رأسها متسعة العينين عند سماع تلك الكلمات.
أن تعود إلى “إيرا تشاندلر”. فكرة لم تخطر لها قط، فاجتاحتها مشاعر متشابكة، وكأنها تترنح وسط حلمٍ غير مألوف.
لكن لم يكن إحساسها كله فرحًا.
وبغير وعيٍ، التفتت إلى كارلستون، لتطفو في ذهنها فجأة ذكرى قديمة: حين كان يهديها ملابس فاخرة، ويُعدّها للجلوس بين سيدات البلاط. ذكرى مُرّة عادت كما لو كانت حدثت قبل لحظات.
أن تعود مجددًا ابنة الكونت، إيرا تشاندلر، كان يعني أن ترتدي تلك الفساتين الخانقة وتتلألأ بالحُلي كما تشاء، وأن تقف إلى جانب كارلستون بكل فخر.
كان يعني استعادة تلك الحياة.
خفق قلبها لحظة، لكن تعابير سيان سرعان ما انعقدت في عبوس، وعينيها المرتجفتين ارتفعتا نحو الإمبراطور قبل أن تخفض رأسها من جديد.
“…..جلالتك، إيرا تشاندلر ماتت على يد والدها، ذاك الذي رأى في التنين الأسود لعنة.”
وإن كان في مكانة نبيلة تتيح لها الوقوف علنًا إلى جانب كارلستون ما يدعو للسرور، إلا أن ما اجتاح عقلها كان غير ذلك…..
ظلمة الغابة التي لم يمسّها نور القمر، وعواء الذئاب يقترب منها كأن أنيابها ستغرس في عنقها في أية لحظة.
“أن أعود ابنةً لذلك الأب…..لا أستطيع أن أعتبره تكريمًا يا جلالتك.”
نظر الإمبراطور إليها من الأعلا، رافعًا حاجبيه بدهشة لم يخفها؛ كأن رفضها كان أمرًا لم يخطر له ببال.
“…..هكذا إذاً. لعلّكِ تملكين بعض الحق.”
غير أنه، وبعد لحظة تفكير، أومأ وكأنه يتقبّل موقفها بسهولة.
“فما رأيك إذاً، أن تنالي لقب فارسة تنين جديدة، بدل الفارس الذي جُرّد تواً من رتبته؟”
“جلالتك! ما الذي تقولوه؟!”
علا صياح النبلاء في مقاعدهم، ليس واحدًا بل جماعة منهم، مستنكرين بغضب ما نطق به الإمبراطور.
“كيف يُعقل أن يُعترف بالتنين الأسود كفارس يحمي الإمبراطورية؟!”
“صحيح! حتى وإن كانت قد دافعت عن العرش في وجه التمرد الأخير، فلن يتغير اعتقاد الناس بأن التنين الأسود نذير شؤم!”
“لا يمكن على الإطلاق أن يُقبل مالك التنين الأسود فارسًا للإمبراطورية!”
وانطلقت الصيحات، لا يُدرى من بدأها أولًا، لكنها ما لبثت أن تكاثرت من كل صوب تعارض ما قاله الإمبراطور.
“كفى!”
فدوّى صوته وهو يضرب الطاولة بقبضته ضربة مدوّية.
“أما زلتم تهذون بذلك الكلام؟ لقد قلتها صراحة، الطمع هو أصل الشر، لا لون حراشف التنين!”
وما لبث الضجيج أن انقطع، غير أن الصمت الذي خيّم على القاعة لم يكن خضوعًا، بل رهبةً من غضب الإمبراطور، إذ لم يبدُ عليهم الموافقة.
أحسّ الإمبراطور أن كلماته لا تجد صدى، فرمقهم بعينين متسعتين، وصرّ على أسنانه.
“ألم تسألوا أنفسكم يومًا: لِمَ خطّط الخائن لقتل تنيني وإلصاق الجريمة بكارلستون؟ أليس لأنكم، أنتم أنفسكم، بثثتم بين الناس هراءً عن أن تنين ولي العهد بالأرجواني دليل شر، وأن الأجدر أن يعتلي العرش صاحب التنين الفضي؟ أبنائي لم يتنازعوا في ذلك قط، و لم يتفوهوا بكلمة، لكنكم أنتم الذين خضتم في النقاش والتفضيل والتمجيد، حتى فجرتم هذا الحال بأيديكم!”
“…..والدي.”
كانت عينا الإمبراطور المتقدتان بالدماء تلتمعان بالغضب، وهو يصرخ حتى وهو في جسدٍ أرهقه المرض، فيهرع هندريك ليسنده وهو يترنح من شدّة الانفعال.
_____________________
اخيراا خلصنا من سوالف انطونيو ودانيال ذول
بس يع اقولكم هجوا من ذا الامبراطوريه يعني سيان مدافعه عن وجيهم ذي وانتو رخوم قاعدين منخشين ثم الحين يعترضون؟
يعووووووووه بعدين شدخلهم يعترضون على شي قاله الامبراطور؟ هو فوق روسكم انتم انطموا
بعدين المعبد وينهم؟😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 91"