ولكن، عندما حاولت أن أعيد التفكير في الوضع بناءً على كلام الطبيب جيفي، شعرت بشيءٍ غير مريح.
أشد الأعراض كانت في لقائي الأخير مع الأمير، لكن عندما فكرت بالأمر جيدًا، كنت أشعر بشعورٍ غريب كل مرة ألتقي بها بالأمير حتى قبل ذلك.
“آه، لا أدري. إذًا لا يمكنكَ أن تتوقع شيئًا فقط من الأعراض، صحيح؟”
“حتى الآن، نعم…..من الصعب جدًا إصدار تشخيصٍ بناءً على هذا القدر من المعلومات فقط. أنا لست طبيبًا مشعوذًا.”
“فهمت.”
أجابت سيان بهدوء. وما إن استدارت حتى تجمدت ملامح وجه الدكتور جيفي بدهشة.
“انتهى الأمر؟ ألا تملكين شيئًا آخر لتقولينه؟”
“أنا مشغولة. هل لديكَ أنتَ ما تقوله؟”
وعندما ردّت سيان بالسؤال، أصبحت ملامح وجه الطبيب أكثر دهشة.
“ما هذا؟! لقد تستدعيني وأنا آكل لأجل هذا فقط؟”
“أعتذر عن ذلك…..آه، صحيح. كيف هي حالة سمو الأمير؟”
“إنه يتعافى بسلاسة تامة. ربما لأنه سيد التنين، فإن تعافيه سريعٌ بالفعل.”
“هل سيكون قادرًا على التحرك قريبًا؟”
“لا أعلم ما الذي تعنينه بكلمة ‘قريبًا’، لكن إن كنتِ تقصدين الحياة اليومية، فهو قادرٌ على ذلك حتى الآن دون مشكلة.”
“هذا خبرٌ سار.”
هزّت سيان رأسها.
“هل سننتقل قريبًا؟”
“بالطبع، لا يمكننا أن نضيع وقتنا في مكانٍ كهذا للأبد، أليس كذلك؟”
“أنا أيضًا أعتبر هذا خبرًا سعيدًا.”
وما إن ظهرت البهجة على وجه الطبيب جيفي حتى ابتسمت سيان بلطف.
“ربما تكون هذه المهمة من النوع الذي سيترك بصمةً في تاريخ فرقة المرتزقة خاصتنا، فتنّى التوفيق.”
لوّحت سيان بشيءٍ في يدها بطريقة ذات مغزى. عندها أطلق الطبيب جيفي صوت إعجاب مليءٍ بالتوقعات واتسعت عيناه دهشة.
“ما هذا؟”
ما كان في يد سيان هو ورقة. وعندما سألها الطبيب جيفب، اكتفت سيان بالابتسام.
“عقد مهمةً جديدة.”
“أوووه…..”
نظر الطبيب جيفي إلى سيان بعينين مليئتين بالتوقع، آملًا في شرحٍ أكثر تفصيلًا، لكن سيان لم تمنحه أكثر من ذلك.
“حسنًا، هذه الأخت الداعمة تنسحب الآن. تمنّى الحظ الجيد.”
داعمة؟
وقبل أن يتمكن حتى من تكرار الكلمة بصوتٍ عالٍ، كانت سيان قد اختفت بسرعة إلى مكانٍ ما.
لم يبدو وكأنها تسرع بخطاها، لكن الأمر بدا وكأنه تنقلٌ آني.
وفي لمح البصر، وجد الطبيب جيفي نفسه وحيدًا، يحدق بشرودٍ في المكان الخالي الذي تركته سيان، وهو لا يعرف إن كان ما يشعر به هو الترقب أم الإثارة.
“…..لكن، لماذا قالت ‘تمنّى’ بدلًا من ‘توقَّع’…..؟”
تمتم الطبيب جيفي بشرود، لكن لم يبقَ أحدٌ ليجيبه.
***
إما نجاحٌ ساحق أو سقوطٌ مدوٍ.
لم تكن سيان متأكدةً حتى الآن إن كان ما تفعله هو الصواب.
إن سارت الأمور على ما يرام، فستصبح الشريك الأقرب للأمير كارلستون كلاوس، سيد إقليم إيفاريد. أما إن ساءت، فستُصنّف كخائنةٍ عظيمة ضد الإمبراطورية.
كانت حالةً تستوجب التمنّي أكثر من الترقب، مهما نظر إليها المرء.
ومع ذلك، ها هي نفسها تستعد لذلك.
فكرت سيان بينما كانت تنظر إلى الورقة التي في يدها.
<عقد توظيف>
كان عقدًا كتبته سيان بنفسها.
على أي حال، المحتوى كان متفقًا عليه شفهيًا مع كارلستون، لذا لن تكون هناك مشكلةٌ كبيرة في توقيع العقد، لكنه مع ذلك لم تشعر بارتياح.
هل انجرَّت بسهولة خلف ثروةٍ لا تعرف حتى قدرها؟
التردد في قرار لا تعلم إن كان سيكون تهديدًا أم فرصةً ظلّ يقيّدها كالقيد في كاحلها.
إن أرادت التراجع، فهذه فرصتها الأخيرة.
وهي تحمل الورقة التي ما زالت خانة التوقيع فيها فارغة تحت ذراعها، وقفت سيان أمام خيمة الأمير حيث كان يقيم، غارقةً في آخر لحظاتها من التردد.
“سيان؟”
فجأة، سمعت صوتًا خلفها، رغم أنها لم يكن من المفترض أن تسمع شيئًا هنا.
تفاجأت سيان بشدة واستدارت بسرعة.
لو كان هناك من يشهد الموقف، لكان اندهاشه يفوق بكثير ما شعر به عندما قالت أنها مريض.
أن تكون سيان روزفلت، بكل مكانتها، غافلةً لدرجة أنها لم تشعر بشخصٍ يقترب منها من الخلف، كان أمرًا لا يُصدق.
وأن يظهر شخصٌ غير متوقع في تلك اللحظة التي كانت فيها في غاية الضعف، لتجد نفسها تحمّر خجلًا من دون وعي، كان أكثر غرابة.
“ماذا تفعلين هنا؟”
“أ-أنا، أممم…..”
لحسن الحظ، لم يكن هناك من يراقب المشهد. فقد بدأت سيان تتمتم بكلمات مبهمة، كأنها طفلٌ نسي كيف يتكلم.
“لكن…..لماذا أنت من ظهر هنا، يا سـ…..كارل؟”
كادت أن تناديه “سموّ الأمير” مجددًا، لكنها بالكاد تداركت الأمر.
حينها، شعرت بشفتيها تثيران وخزًا خفيفًا بمجرد نطق اسم الأمير.
“شعرت بالاختناق من البقاء مستلقيًا طوال الوقت، فخرجت للاستحمام.”
بمجرد أن عرفت السبب، استعادت صوابها.
أمسكت سيان صدرها الذي كان ينبض بعنف رغماً عنها، وأخذت تتفحص كارل بعناية.
كان كارلستون يرتدي قميصًا رديء الجودة لا يليق بجسد أمير، ويقف هناك بوجهٍ يحمل شيئًا من الحيرة.
كما قال، يبدو أنه قد اغتسل، إذ لم تكن قطرات الماء ظاهرةً فقط في شعره، بل على خديه وطوق قميصه أيضًا.
رغم أن بشرته ما تزال شاحبة، إلا أنه لم يكن شحوب المرضى، بل بياضٌ نقي نظيفٌ كمن خرج للتو من الحمام، مما أعطاه مظهرًا حسنًا.
ورغم المسافة التي تفصل بينهما، وجدت سيان نفسها تنظر إلى الأعلى.
عندها أدركت أنها تقف أمامه وجهًا لوجه لأول مرة. وذلك الاتجاه المرتفع لنظراتها بدا غريبًا جدًا عليها.
لماذا كنت أظن أن كارل قصير القامة؟
تساءلت سيان وهي ترفع رأسها لتنظر إلى عيني كارل، الذي كان أطول منها بوضوح.
“سيان؟”
كانت شاردةً في أفكارها، لكنها سرعان ما استيقظت على صوت كارل المليء بالدهشة.
لم تدرِ متى اقترب منها، لكنه كان أمامها الآن، ينظر مباشرةً في عينيها بينما شعره المبلل مبعثرٌ فوق جبينه.
وفي اللحظة التي التقت فيها عيناها بعينيه الصافيتين بلون الفيروز، أخذت سيان نفسًا عميقًا دون أن تعي.
“العقد…..أحضرت عقد التوظيف.”
كانت تعلم مسبقًا أنه وسيم، لكن لسببٍ ما، زاوية النظر المختلفة جعلت الأمر يبدو مختلفًا تمامًا هذه المرة.
وقد أربكها ذلك الشعور المفاجئ، فبادرت بارتباكٍ إلى تقديم العقد أمام وجهه.
اقترب كارل منها كثيرًا لدرجة أن رأسيهما كادا يتلامسان، فارتبك وتراجع خطوةً إلى الخلف.
“عقد؟”
تساءل كارل بصوتٍ خافت وهو يأخذ الورقة من يد سيان.
وخلال تلك اللحظات القصيرة، حاولت سيان تهدئة نفسها قدر الإمكان، لكن ما يحدث معها لم يكن مألوفًا أبدًا.
ما هذا؟ ما الذي يحدث؟
لم يهدأ خفقان قلبها بسهولة.
عقلها كان يدرك أنه لا يوجد ما يستدعي هذا الارتباك، ومع ذلك كان قلبها ينبض بعنفٍ كأنها التقت بعدوٍّ لدود، وكأن الاتصال بين عقلها وقلبها قد انقطع تمامًا.
لا يمكن أن يكون…..
فجأة، داهمتها فكرة، ووضعت يدها على فمها بصمت. أما كارل، الذي لم يكن يعرف شيئًا عما يجول في خاطرها، فقد كان يقرأ العقد بعينيه بهدوء.
وبعد لحظات، عندما أنزل كارل العقد من يده، كانت تعابير وجهه قد تغيرت إلى مزيجٍ معقد من المشاعر.
“يبدو أننا بحاجة إلى حديثٍ خاص، يا آنسة سيان.”
ثم قال بصوتٍ خافت، منخفض إلى أقصى حد، يحمل نغمةً رجولية ثابتة.
كان صوته ناعمًا لدرجةٍ بدت وكأنها تذيب الأذنين، فبدأ قلب سيان يخفق مجددًا بلا سبب واضح.
‘هل من الممكن أنني…..معجبة بالأمير؟’
راودها إدراكٌ مفاجئ، مما جعل وجه سيان يبرد فجأة من شدة الارتباك.
بدأ العقد بجملة،
[يبرم كارلستون كلاوس، لورد إيفاريد (ويشار إليه بـ “أ”)، عقدًا مع قائدة فرقة مرتزقة “مخلب التنين”، سيان روزفلت (ويشار إليها بـ “ب”)، بشأن مهمة استعادة الممتلكات.]
وفي نهاية العقد، كانت الجملة التالية مكتوبةٌ بخط جميل مبالغٍ في تنسيقه، يكاد يضاهي خطوط كتّاب البلاط الملكي،
[“تلتزم (ب) بتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة لاستعادة كافة ممتلكات (أ)، ويقوم (أ) عند إتمام المهمة بتوزيع الممتلكات المستردة بنسبة ٤٠٪ لـ (ب) و٦٠٪ لـ (أ)، وإذا لم يتم الالتزام بذلك، يتم توريث جزء من أراضي إيفاريد المملوكة لـ (أ) إلى (ب).”]
“توريث جزءٍ من أراضي إيفاريد..…؟”
قال كارل ذلك بصوتٍ متحجّر، ووجهه المتجمّد لم يتغير وهو يحدق في تلك العبارة المكتوبة بخطٍ يليق بكاتب رسمي في البلاط الملكي.
“هل هناك مشكلةٌ ما؟”
سألت سيان بوجه هادئ، وكأن لا شيء يدعو للقلق. لكن لم يكن ممكنًا ألا تكون هناك مشكلة.
حاول كارل تحريك عضلات وجهه بصعوبة، ليصنع شبه ابتسامة غريبة.
“في الأوساط القانونية، يُطلق على هذا النوع من البنود عادةً اسم ‘بندٍ سام’.”
“آه، بندٌ سام؟ هذا وصف مبالغ فيه قليلاً، أليس كذلك؟ على كل حال، إن تم تنفيذ عقدنا كما ينبغي، فلن تكون هناك أي مشكلة على الإطلاق. بإمكاننا وصفه فقط كخط دفاع أخير تحسّبًا لأي طارئ.”
“ومن الذي يضع ‘خط دفاع أخير’ بهذا الشكل..…؟ بل بهذا الحجم؟”
وفي لحظة كاد فيها كارلستون أن يرمي العقد غير الموقّع غاضبًا، أدرك فجأة ما كان سيفعله.
حتى وإن كان في مأزق، فهو أمير، ويعيش ويموت على سُمعته، ولا يمكنه أن يتصرف تصرفًا يخلو من اللباقة بهذا الشكل.
كبح كارل صرخته الغاضبة التي كانت على وشك الانفجار في اللحظة الأخيرة، وبذل أقصى ما لديه من صبر ليحافظ على وقاره.
لكن مهما حاول، لم يستطع إخفاء نظرات الغضب التي ملأت عينيه.
عندما قرأت سيان في عينيه تلك النظرة الصلبة التي لا تنحني بسهولة، ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ خفيفة تحمل مشاعر معقدة.
ثم سمع كارل صوتها تهمس بهدوء شديد، لدرجة أن من لم يكن مشدود الانتباه ما كان ليسمعه،
“تشه، لم يبتلع الطُعم.”
عندها شد على أسنانه من الغيظ.
‘يا لها من امرأة! لا تترك شيئًا دون أن تسلبه، تبدأ بأنفك ثم تنتهي بشعرك!’
“ما تم الاتفاق عليه هو تقسيم واضح: ٦٠ لـي و٤٠ لكِ. لا أكثر، ولا أقل، يا آنسة سيان. لن أتنازل أكثر من هذا.”
قال كارل ذلك وهو يضغط على أسنانه، فردّت سيان بابتسامةٍ مشرقة وهزّت كتفيها بخفة.
“فهمت، فهمت. الحياة مليئةٌ بالمفاجآت، فقلت أن أُدرج بندًا خاصًا ‘لربما’ فقط…..وإن لم يكن مقبولاً، فلا بأس.”
ثم ردّت سيان ببرودٍ وهي تمسك القلم الذي أعدّته مسبقًا، ورسمت خطوطًا متقاطعة على جملة: “وفي حال عدم الالتزام بهذا البند..…” لتحذفها بالكامل.
“آه، لقد بذلت جهدًا كبيرًا في كتابة هذا العقد، والآن أصبح شكله فوضويًا…..”
ارتسم بعض الارتياح أخيرًا على وجه كارل، لكن ذلك لم يظهر إلا بعد أن تم إتلاف الجزء الخاص بالبند الإضافي لدرجةٍ يصعب قراءته.
أما سيان، فأخرجت شفتها السفلى في حركة دلع طفولية، متظاهرة بالحزن لأنها لم تتمكن من الحفاظ على بندها المفضل.
ورغم أن ملامحها كانت تعكس استياءً واضحًا، كان كارل يعلم جيدًا السبب الحقيقي وراء امتعاضها.
لم تكن منزعجةً من كون العقد أصبح غير أنيق، بل لأنها لم تتمكن من تمرير “البند السام” بسلاسة.
نظر إليها كارل بصمت، بعينين ضيقتين كما لو كان يرشقها بنظرات تحذير، وحينها، تنهدت سيان أخيرًا وأزالت كل أثرٍ للندم من وجهها، ثم تنحنحت بخفة.
“لقد حذفته، أليس كذلك؟ إذاً هيا، وقّع الآن بشكلٍ رسمي.”
_________________
سيان مرتزقة ولا محتالة؟😭
بعدين مب كانوا متفقين كل واحد 50 ؟ شكل سيان استحت على وجهها لأنها فلوسه😂
المهم وناسه كارل طويل وصوت رجولي ياخي ابي اشوفه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 9"