ترددت سيان طويلًا. فكلمات ريفينانت الموحية بالنهاية أثارت في قلبها شفقةً لا يمكن إنكارها، لكن تبدل ملامحها المفاجئ كان يبعث على ريبةٍ ثقيلة يصعب الاطمئنان إليها.
بينما ظلت سيان متحيرةً في مكانها، لم تُلحّ عليها ريفينانت، بل اكتفت بمراقبتها بوجهٍ يعلوه الأسى المُر.
أما كارل فكان يستغرق في صراعٍ داخلي؛ إن تقدمت سيان بخطوةٍ واحدة بدافع الرحمة نحوها، هل يتوجب عليه أن يمنعها…..أم يتركها؟
وما إن حسم أمره أخيرًا على أن يمنعها، حتى كان ملكة التنانين قد ضمت جناحيها السحري بقوة، تنكمش كمن يتهيأ لاندفاعٍ خاطف.
“حتى النهاية…..ما زلتِ—”
ريفينانت التي انتظرت طويلاً جواب سيان، أطلقت ابتسامةً مرة حين لم ترَ منها أي بادرة.
وفي اللحظة نفسها، التقطت إلينا أولًا تغير الهواء، فأشعلت سحرها القرمزي كألسنة لهب متأهبة.
كان نداء لونا، تنينتها السوداء، يجلجل في أعماقها محذرًا، وفي اللحظة ذاتها انقبض وجه سيان إحساسًا بالخطر.
عندها عضّت ريفينانت على شفتيها بقوة، وضربت الأرض بكل ما أوتيت من قوة.
—كوااااااااا!
لم يكن ذلك أنفاس تنين، بل انفجارٌ من نوعٍ آخر؛ فتصاعدت منه ألسنة من اللهب الأحمر ودخانٌ أسود، متفجرةً في وهجٍ عظيم خاطف.
كل ذلك جرى في لحظةٍ خاطفة، حتى أن سيان لم تتمكن من إغماض عينيها قبل أن يملأ البصرَ وهجٌ أحمر غامر، لم تدرك ماهيته بعد.
أدركت سيان أنها كانت قد انكمشت على نفسها من شدة الفزع، ولم تنتبه لذلك إلا حين بلغ مسامعها خرير اللهب المتصاعد.
كان الانفجار مباغتًا إلى حدٍ جعل قلبها يرتجف في صدرها كمن ألمّت به نوبة. أما أذناها، فقد ضُربتا بصوت الانفجار العنيف حتى غمرهما صممٌ ثقيل، ولم تبدأ الأصوات المحيطة في التسلل إليها إلا بعد زمن بدا طويلًا.
ومن غير أن يتواطأ أحدٌ مع الآخر، رفع الناجون أبصارهم من بين الرماد، كانوا يحدقون بذهولٍ نحو الموضع الذي كانت ريفينانت واقفةً فيه.
هناك، حيث كانت تراقب سيان بعينين مثقلتين بالأسى ويداها مقيدتان، لم يبقَ لها أثر. و لم يترك الانفجار وراءها سوى حفرة عميقة في الأرض، تتصاعد منها غمامة رمادية من الغبار.
أطلقت سيان ضحكةً قصيرة من فرط الدهشة والمرارة. حتى أن ذلك الصمت الممزوج بطنينٍ ثقيل في أذنيها بدا أكثر قسوةً من صوت الانفجار نفسه.
لو أنها استسلمت لشفقتها واقتربت منها لتعانقها، لكانت الآن مجرد شظية أخرى في دوامة الانفجار، تقاسمها المصير نفسه.
طبعًا…..كان من السذاجة أن تتصور أنّ امرأةً كادت تحترق من شدة العداء ستتخلى فجأةً عن نزعتها للموت والانتقام.
يا لها من امرأةٍ مستعصية.
متى يا ترى دسّت ذلك المتفجر الخفي؟ فكرة أن تحمل الموت معها كأمتعة، وتلقي بنفسها فيه في لحظةٍ خاطفة، لم تزد سيان إلا نفورًا وامتعاضًا من جشعها المحموم ونفسها المعوجة.
أحقًا كان الأمر يستحق أن تُدفع إلى هذا الحد؟
فكما قال كارل، مهما كانت غايتها، فقد وصلت إلى مقامٍ رفيع بوصفها زوجة فارس التنين، ولو اكتفت به لكانت قد تخلصت من الفقر والمهانة التي لطالما لعنتها…..دون أن تهوي في هذا الجنون.
الطمع الذي ابتغى ما يفوق ما أُعطيَ صاحبه منذ المولد، كانت نهايته لا محالة الفناء، وفناءٌ بائسٌ كهذا.
حين تلاشت صورة ريفينانت دون أن تترك حتى أثراً، تدفق إلى قلب سيان شعورٌ غريب بالفراغ، وكأن ركناً داخلياً قد خُلع من مكانه.
و لم يكن ذلك تعاطفاً رخيصاً معها، بل فراغاً بلا معنى.
“هل أنتِ بخير؟”
مدّ كارل يده نحو سيان وقد استعاد وعيه. فأومأت سيان برأسها وأمسكت بكفّه.
“لقد أعدّت كل شيء بإحكام، أليس كذلك.”
اللهيب الأحمر الذي التهم نصف حديقة المتاهة، حوّلها إلى فوضى توشك أن تبتلع ما تبقّى منها.
ومن هنا وهناك نهض الذين قاوموا صدمة الانفجار مثل سيان، وأخذوا يتلفتون بحذر.
أما الجنود الذين كانوا على مقربة من ريفينانت لمحاولة تأمينها، فقد قذفتهم قوة الانفجار أرضاً يتدحرجون، لكن أحداً منهم لم تبدُ جراحه قاتلة.
“من الذي صدّ الانفجار؟”
فبالمقارنة مع شدّته، كانت الأضرار شبه معدومة. حتى الجنود الأقرب إلى ريفينانت ما زالوا أحياء، الأمر الذي جعل كارل يقطب حاجبيه وهو يتفحّص المكان.
“جلالة الإمبراطور!”
“أبي!”
قبل أن يُعثر على جواب، ارتفع من خلف كارل وسيان جلبة يغمرها الذهول والذعر.
و التفتا معاً، فإذا بالإمبراطور مطروحٌ على الأرض، يتكئ عليه هندريك وعددٌ من الجنود في عَجَل.
لم ينبعث من الإمبراطور، الذي كان قبل لحظات يتوهج بهالة حمراء كالشبح، أي أثرٍ يُشعر بالحياة. فقد تلاشى تماماً سحر ملكة التنانين المفعم بالحنق والانتقام، بعدما بعثرت ريفينانت طمعها الجامح في السيطرة على عظامٍ كثيرة دفعةً واحدة.
“اصطحبوا جلالته.”
أمر هندريك بصوت حازم. فسارع الجنود بين إنقاذ رفاقهم الذين أصيبوا بجراح طفيفة، وبين حمل الإمبراطور، فغدت الساحة مزدحمةً بالحركة.
“…..يبدو أن ملكة التنانين أخذت ريفينانت معها.”
تمتمت سيان بصوتٍ منخفض، فابتسم كارل ابتسامةً قصيرة ساخرة.
وبينما كان هندريك يرقب الجنود وهم يأتون بالمحفة لحمل الإمبراطور، خطا نحو كارل وسيان. وقد ارتسمت على جبينه المقطّب خطوطٌ غائرة من القلق.
“هل ماتت صائدة التنانين؟”
سألها وهو يحدّق في الأرض التي لم يبقَ فيها سوى أثر الانفجار، كأنه لا يكاد يصدق عينيه.
فأومأ كارل برأسه.
“…..يبدو ذلك.”
“كيف لنهاية باهتة كهذه…..أنت تكون لمرأةٍ كانت بتلك الضراوة.”
ارتسمت على شفتي سيان ابتسامةٌ مُرّة.
ثم لزم سيان وكارل وهندريك الصمت، وأعينهم موجهةٌ إلى حيث تلاشت ريفينانت التي قاومت بشراسة حتى الرمق الأخير.
هبط على المكان صمتٌ معقد بارد. وبينما كانوا غارقين فيه، كان الصفاء الذي ظلّ يغمر السماء طَوال القتال يتبدد ببطء، ليتلوّن بالأحمر والأزرق النيلي والبنفسجي، مشكّلاً لوحة الغروب المتثاقل.
“سيدتيييييي—!”
“أختنا سيان!”
ثن مع ضوضاء صاخبة اندفع من بهو القصر الإمبراطوري عددٌ من المرتزقة يرتدون ثياب الخدم.
“ما الذي جرى هنا؟ هل أنتم بخير؟”
“لماذا تبدوان بهذا المظهر؟!”
هؤلاء المرتزقة الذين لا يظهرون أبداً حين تكون الحاجة إليهم أشد ما تكون، جاءوا الآن متأخرين يثرثرون ويضجون، وقد اتسعت أعينهم لرؤية هيئة سيان وكارل الممزقة.
فقطبت سيان حاجبيها، وبحركة خاطفة قبضت على ياقة مكس، الذي كان يتقدّمهم.
“أين كنتم حتى الآن؟”
لقد كان عجز سيان وكارل أمام هجمات ريفينانت سببه أنهما معاً سادة التنين، ولهذا لم يكن لهما أن يتصدّيا لها بتلك اللحظة.
ولو حضر هؤلاء مبكراً لكان بالإمكان الاستفادة من عونهم، أما وقد تأخروا، فقد كشرت سيان عن أسنانها وأفرغت غضبها علانية.
“آه يا سيدتي، لا تسألينا. حتى بين الخدم عمّت الفوضى. كنّا في خضمّ الإخلاء حين باغتنا جنودٌ مجهولون فشلنا في صدّهم أو الإفلات منهم.”
“كنا نسمع جلبةً شديدة من الداخل أيضاً، فما الذي وقع بحق؟”
وعندما همّت سيان بأن تصبّ عليهم مزيداً من اللوم، تدخل هندريك،
“عمي هو من دبّر خيانة. و في الخارج أشعلت صائدة التنانين الفوضى محاولةً أسرَ كارل، وفي الداخل حاولوا هم أن يقبضوا عليّ.”
“وماذا عن عمّي؟”
سأل كارل وهو يقطب حاجبيه.
“لقد وضعناه في الحجز مؤقتاً. في الداخل أيضاً استُخدمت أسلحةٌ مصنوعة من عظام ملكة التنانين، سواءً بأيدي الجنود أو بيد عمي، فلم يكن أمامنا حيلةٌ آنذاك..…”
خفض هندريك صوته عند نهاية كلامه، ثم استدار ينظر نحو بهو القصر الإمبراطوري حيث حُمل الإمبراطور إلى الداخل.
“لقد ظهر والدي فجأة في هيئة قوية، فانقلبت الأحوال في لحظة.”
تذكّر كارل صورة الإمبراطور وهو يتحرك بقوة إرادة ملكة التنانين، فأطبق شفتيه في صمت ثقيل.
“لقد أراد والدي أن يقطع رأس عمّي على الفور، لكنني منعته. بدا لي أن الأنسب أن يُقدَّم للمحاكمة ثم يُعدم رسمياً. و هكذا تُمحى تهمة الخيانة عنكَ، وتُطهَّر سمعة التنين الأسود أيضاً.”
تبادل كارل وسيان النظرات عند كلمات هندريك.
ثم فاجأهما كارل بابتسامةٍ قصيرة.
“…..انتهى الأمر إذاً.”
قال ذلك وقد غمره شعورٌ غريب ممزوجٌ بالارتياح والحزن.
وفي تلك اللحظة دوّى في السماء صوتٌ ثقيل يخترق الهواء. فرفعت سيان رأسها تتأمل الأفق.
فوق سماء الغروب المائلة، تراقصت خطوطٌ من السواد والفضة والبنفسج ببهاء، حيث كانت التنانين الثلاثة التي حمت الناس تبسط أجنحتها، تملأ السماء بسحرها كأنها حراسٌ لهم.
ثم أطلق كارل زفرة طويلة، كأنها تحمل أثقال يومٍ كامل.
“…..يبدو أن القمر الليلة سيكون مُضيئاً.”
وبينما كانت الشمس لم تغب بعد عن الأفق كلياً، ارتفع فوقها قرص البدر المستدير، يشع بنوره الصافي في السماء.
______________________
الصدق واو حتى نهايتها تفجير ✨ مره واو
بس الحماره كان تبي تاخذ سيان معها؟ نص ودي انها سوتها والنهايه حزينه ونص اشوا ماسوتها😭
والامبراطور شكله ياخذ قسطاً من الراحه ماظني بيقوم بعد
والمرتزقة يضحكون ليه صدق تو يطلع طاريهم😭😭😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 88"