كارل وسيان كانا قد رفعا سيفيهما واتخذا وضعية الدفاع بثبات، لكن سرعة الهجوم لم تترك لهما أدنى فرصة للتدخل.
فقد انخفضت ريفينانت بجسدهت حتى كادت تلامس الأرض، ثم دفعت نفسها بقوة، منقضةً مباشرة على هندريك الذي كان يحول بينها وبين الإمبراطور، لتهوِي بسيفها نحوه.
وفي اللحظة ذاتها تفجرت من الإمبراطور طاقةٌ حمراء هادرة. فدوى طنينٌ معدني، إذ صدّ هندريك السيف العريض بأعجوبة، و تناثر وميضٌ حاد من حدّيهما المتصادمين.
غير أن الطاقة القرمزية التي اندفعت من جسد الإمبراطور راحت تتخذ في الهواء هيئة تنين هائل.
جميع من كان في بستان المتاهة تجمدوا في أماكنهم، و أعينهم متسعة حتى أقصى حد، كأنهم جميعًا قد شهِدوا معجزةً يستحيل تصديقها.
أما سيان فعضّت على لسانها ساخطةً وهي تهم بالاندفاع، متأخرةً عن لحظة التصادم المهيب بين صورة التنين المتجسدة من السحر وحدها وبين اندفاعة ريفينانت.
لكن كارل وقف أمامها.
“انتظر، يا سيان.”
“ماذا تقول؟”
كان هجومها على هندريك مجرد محاولة للتخلص من عقبة في الطريق.
وما إن لوّحت بالخنجر الذي ما زال يحتفظ بطاقة تنينٍ ميت، حتى انفجرت شراراتٌ حمراء كاللهيب، بلا أي احتكاكٍ مادي.
“إلينا هي التي انتُزِعت عظامها بوحشية حتى لاقت مصرعها…..دعيها تنتقم منها.”
تحت وطأة الانفجار الذي اجتاح المكان كالعاصفة، تناثرت خصلات شعره مع الريح، بينما ظل وجه كارل مكسوًا بهدوءٍ ثقيل.
لم تدرك سيان قصده للوهلة الأولى، فعقدت حاجبيها في حيرة، غير أن عينيها سرعان ما التقطتا صورة ريفينانت وهي تتراجع بعنف، كأن ارتداد الانفجار السحري قد قذفها إلى الوراء.
لكنها، كما لو أرادت أن تذكّر الجميع بمجدها كأعظم صائدة تنانين، تماسكت وسط الفراغ، ثم هبطت إلى الأرض برشاقةٍ مهيبة.
أطراف ثوبها كانت ممزقة، كأن نصلًا حادًا مرّ بها وترك أثره على كل جزء منها.
وفوق ساحة المواجهة، رفرف جناحا إلينا القرمزيان كألسنة لهبٍ سماوي، وقد غمر المشهدَ سحرٌ غامض يشي بهيبة تنينٍ متجسد.
“إن بدت إلينا وكأنها تُدفع إلى الوراء…..حينها فقط لنتدخل.”
قال كارل ذلك وهو يعاود تثبيت قبضته على سيفه، و عيناه كانت تتابعان بصرامة احتدام المواجهة بين طيف التنين المولود من السحر وبين ريفينانت.
كان من العسير على سيان أن تتقبل رأيه، لكنها ما لبثت أن أومأت برأسها.
ففي مواجهة ثلاثة تنانين وثلاثة من سادتها، إضافةً إلى جندٍ كامل، لم تكن ريفينانت في نهاية المطاف سوى إنسانة عادية، لا أكثر من فأرة محصورةٍ في مصيدة.
فتراخت قبضتها عن سيفها، تحذو حذو كارل.
وفي تلك اللحظة، هجمت إلينا مجددًا، مجمّعةً قواها السحرية، لتطلق على خصمها زوبعة طاقة.
أما ريفينانت، فكأنها تتعمد طلب الموت، لم تتراجع قيد خطوة، بل قابلت الهجوم مسرعة، تضرب بسيفها العريض وخنجرها في آنٍ واحد.
ارتطمت كتل الطاقة المتطايرة بشفرتيها، فتناثرت شظاياها في الهواء كشررٍ مشتعل، لكن ما تبقى من العاصفة انقضّ عليها، ينهش أطرافها بحدة تكاد تمزق لحمها.
موجة الرياح جزّت خصلات شعرها الأحمر، فتناثرت في الهواء، فيما تلطخت حواف ثوبها الممزق بدماء متناثرة.
لوحت ملامح ريفينانت بتشنجٍ يوحي بأنها تود الصراخ، غير أن صوتًا لم يخرج منها. ففي لحظاتٍ قليلة غدت غارقةً في دمائها، وعيناها المحمرتان تحدّقان في التنين القرمزي الذي لا يملك جسدًا سوى من السحر.
أدركت سيان سريعًا أن ما يحدث لم يكن سوى انتقامٍ دامٍ تنفّسته إلينا، تمامًا كما قال كارل.
كان منظر ريفينانت، وقد تحولت إلى خرقة ممزقة، يوحي بأن حياتها ستُنتزع في أي لحظة، غير أن إلينا لم تكن ترغب في منحها موتًا سريعًا.
بل اكتفت بجرحها في مواضع سطحية، متعمدةً أن تتجنب مواطن الحياة، كأنها تريد لها أن تتعذب بدلًا من أن تنطفئ.
…..أجل، كان الحقد عميقًا حقًا.
غرقت سيان في مشاعر متشابكة. فحتى ريفينانت نفسها، وقد وصلت إلى هذا الحد، لا بد أنها باتت تدرك أن الاستسلام وتلقي العقاب أهون من هذا العذاب المستمر.
لكن ولعها الغريب، وافتتانها الجنوني بالتنانين، بدا وكأنه ينفي عنها حتى هذا الخيار الأخير.
من أين بدأ كل ذلك يا تُرى؟
سيان لم تتمنَّ يومًا أن تكون سيّدةً على تنين. لكن ريفينانت رمتها بالرياء، زاعمةً أن ذلك كلام من يملك ما لا يُنال. لكن في عيني سيان، لم تكن رغبة ريفينانت إلا طمعًا مسعورًا أقرب إلى الجنون.
ذلك الجشع هو ما دفعها لأن تطمع حتى في تنينها الأسود، ومنذ تلك اللحظة مُحي ما بينهما من ودّ.
ومع ذلك، وهي تراها الآن تتخبط كفراشةٍ مسحورة، تتجه بوعيٍ نحو مستنقعٍ موحش لا قرار له، شعرت سيان بقليلٍ من الشفقة يتسرب إلى قلبها رغم كل شيء.
“يكفي يا ريفينانت.”
قالت كلماتها بصدق، لكن ريفينانت لم تُبدُ أنها سمعتها أصلًا.
“يكفي؟! وماذا تعرفين أنتِ أيها المتكبرة؟! ما شأنكِ بما أعلم؟!”
صرخت بينما كانت عيناها الملتهبتان وهي تشدّ قبضتها من جديد على السيف، كأنها على وشك أن تنقض عليها بهجوم آخر.
“ظننت أننا في المأزق ذاته، ولذلك خُيِّل إليّ أنك ستفهمينني…..لكنكِ كنتِ تخادعينني دائمًا، وأنتِ في الحقيقة سيّدة تنينٍ تملكين كل شيء.”
ضحكت سيان بسخرية قصيرة.
“ولماذا تظنين أن سيّدة التنين قد نالت كل شيء؟ فالتنين….ليس سوى تنين! أنا لم أ—”
“لو أن هناك من تجرّأ وقال أن التنين الأسود نذير شؤم، لكنتِ ببساطة قد أحرقتِهم جميعًا، وانتهى الأمر.”
شدّت شفتيها بابتسامة هازئة، ثم تابعت،
“أن تمتلكي القوة ولا تستخدميها، و أن تتظاهري بالفقر وأنتِ تملكين الكثير…..ذلك ليس سوى خيانة للذين لا يملكون شيئًا. أتعرفين كيف يكون أن تعيشي دهركِ راكعةً تحت أقدام سادة التنانين، تزحفين كحشرة قذرة على الأرض؟”
“ولهذا قررتِ إن لم تستطيعي الامتلاك….فتقتلين الجميع؟”
“أن أكون صيّادةً أقتلهم خيرٌ لي من أن ألعق باطن أقدامهم.”
انحرف طريقها لهذا فقط..…!
عبس كارل وهو يحدّق في ريفينانت بعينين مشبعتين بالاشمئزاز.
لقد بدت كأنها هي الضحية التي قُتلت ذات يوم على يد ملكة التنانين، لا العكس. فحقدها المستعر على التنانين كان غامضًا، عميق الجذور، مظلمًا بما يفوق الوصف.
“…..ومع ذلك.”
أطلق التنين القرمزي هالةً حارقة، كأنه سيهاجمها في أية لحظة. فحدّقت به ريفينانت للحظات، ثم أرخَت ملامحها المتجهمة، وعدّلت من وقفتها.
“أجل……في النهاية، لا شيء أثمن من حياتي.”
وكأنها أعلنت استسلامها، انخفض سيفها متراخيًا بين يديها.
“أستسلم.”
قالت ذلك ثم ألقت سيوفها تلو الأخرى على الأرض، وكان صوت المعدن يتردّد في الصمت.
هذا التحوّل المفاجئ في موقفها جعل كارل وسيان، بل وحتى هندريك، يرمقونها بعيونٍ مرتابة لوهلة.
“…..هل أنتِ جادة؟”
ضاقت عينا كارل وهو يوجّه سيفه نحوها، متفحّصًا ابتسامتها الغائمة التي بدت وكأنها استسلامٌ مريرٌ أكثر منه رضوخًا.
ثم أرسلت ريفينانت نظرةً واهنة نحو ملكة التنانين الحمراء، و أخرجت من كاحلها خنجرًا صغيرًا آخر وألقته أرضًا.
“ها قد انتهيت من أسلحتي يا جلالتك. أن أنال حكم الإعدام خيرٌ عندي من أن أُذبح بالطريقة ذاتها التي ذبحتُ بها ملكةً من ملوك التنانين.”
أومأ هندريك برأسه، وما إن فعل حتى اندفع الجنود المصطفون خلفه، يطوّقونها من كل جانب. و بعضهم صوب إليها رماحه، فيما تقدّم آخرون لتقييد معصميها.
“اسمحوا لي….أن أقول كلمةً واحدة لتلك السيدة هناك.”
“بعد تقييدكِ، ستتحدثين.”
بدا في صوت كارل حذرٌ ثقيل وهو يراقبها قبل أن تُكبّل.
غير أن ريفينانت، بابتسامة مشوّهة حزينة، مدّت يديها بخضوع، مستسلمة للجنود وهم يوثقونها.
“أيمكنكِ الآن أن تصغي إليّ يا سيان؟ من أجل ما كان بيننا…..بضع سنواتٍ من الصحبة، ألا تستحق كلمةً أخيرة؟”
قطبت سيان حاجبيها.
كانت تعلم أن سلاحها قد أُلقي، وأن معصميها أصبحا مقيدين، وأنها عاجزةٌ عن فعل أي شيء. ومع ذلك، غمرها شعورٌ غريب بالتحذير، كأن شيئًا ما لم يكن على ما يرام.
“لا أريد أن أسمع منكِ شيئًا.”
“يالها من قسوةٍ بالغة…..ونحن الذين تشاركنا حياةً واحدة لسنوات.”
“هل تتذكرين ذلك الآن؟”
كانت هي نفسها من شوّهت سمعة التنينة السوداء، ومن اعتادت تهديدها بسيفها مصوَّبةً إلى عنقها، عازمةً على قتلها.
تلك الذكريات عادت بقوة إلى ذهن سيان، فحدّقت بها بعينين متسعتين غضبًا، بينما ريفينانت لم تفعل سوى أن تبتسم بمرارة.
“صحيحٌ أنني شعرت بخيانة حين علمت أنكِ على عكسي، سيّدة تنين…..لكن الصحيح أيضًا أنني أحببتكِ أكثر من أختٍ صغرى. هل كنتُ سأعلّمكِ فنون السيف وأمنحكِ اسمًا لو لم يكن الأمر كذلك؟”
أطبقت سيان شفتيها بقوة، مترددة بين الغضب والصمت.
بعد أن تخلّى عنها والداها، ووسمها الجميع بأنها نذير شؤم سيجلب الكارثة على الإمبراطورية، كانت شاردةً ضائعة لا تعرف طريقًا للحياة…..و يومها لم يمد لها أحد يدًا سوى ريفينانت.
صحيحٌ أن طموحاتها ورغباتها الجامحة في التنانين فرّقت بينهما في النهاية، لكن ذكريات الطفولة التي جمعتهما تركت في قلب سيان شعورًا معقدًا.
“في ذلك اليوم الذي رأينا فيه إيدلين…..لو لم نندفع بحماسٍ لنلقي نظرةً على الأمير الشهير، ربما لم يكن هذا اليوم ليأتي أبدًا. أكثر ما يؤلمني، أنني أندم على ذلك اليوم وحده.”
“….…”
“كان لا مفر من فضحكِ وكشف أنكِ سيّدة التنين الأسود. ما إن بدأتُ اللعبة، فقد كان لزامًا عليّ أن أتمسك بالحياة.”
على وجه ريفينانت ارتسمت ملامحٌ لم ترها سيان يومًا من قبل؛ مزيجٌ مضطرب من الندم والأسى، الحنين والخسارة.
تعقيدات مشاعرها انسابت أمامها كخيوطٍ متشابكة من الألم، حتى أن سيان كادت تُخرج الألم من صدرها.
هل ندمَت حقًا؟ إن كانت صادقة، فهي لم تعد في نظرها مجرد طامعة جرفها الجشع نحو المستحيل…..بل روحًا بائسة تستدرّ الشفقة.
“أعتذر…..وأعترف أن الأيام التي قضيتها معكِ، كانت سعادةً حقيقية بالنسبة لي. أيمكنني أن أعانقكِ مرة واحدة فقط؟ كما كنا من قبل، أختين متحابتين لا تفترقان.”
___________________
احلفي؟ ذي نهايتس؟ نهاية شياطين كيميتسو؟
بس دام سيان مب مرتاحه يارب فيه شي بعد فصل فصلين وخلاص ابي العرس😭
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات