شعرَت ريفينانت بالخطر يطبق على صدرها، فضربت الأرض بقدمها وهي تصرخ بعنف.
وفي السماء، كانت التنينة السوداء لونا قد أطلقت نفسها الناري ثم انزلقت بمحاذاة برج القصر الإمبراطوري، قبل أن تنعطف عائدةً نحو الحديقة من جديد.
فارتسم الذهول والشحوب على وجه ريفينانت حين لمحت ظل التنينة السوداء.
“بريتا!”
صرخت باسمه بصوتٍ غاضب، لكن بريتا لم يلتفت إليها، بل واصل التحليق المنخفض لبرهة، ثم اندفع صاعدًا نحو الأعالي وكأن أمر ريفينانت لم يعد يعنيه البتة.
فظلت ريفينانت تحدق بفراغ في مسار اختفائه، و وجهها المذعور قد محا كل أثرٍ للابتسامة المتغطرسة التي لم تفارقها قبل قليل.
كان ذلك المنظر بحد ذاته باعثًا على السعادة، حتى أن سيان ابتسمت رافعةً سيفها في سعادة ظاهرة.
عادت لونا محلقةً فوق الساحة، تراقب رد فعل بريتا، وما إن أيقنت أنه قد رحل حتى رفرفت بجناحيها الهائلين، فأسدلت ظلّها المهيب على الأرض وهي تهبط ببطء.
[إلينا….]
تمتم إيدلين بصوت خافت وهو يتململ بعناء، متحررًا أخيرًا من سحر ملكة التنانين.
كانت حراشفه الفضية ملطخةً بالدماء وممزقةً من الألم، لكن في عينيه تألق بريق ذهبي صافٍ بعدما انقشع عنه العذاب.
رفع إيدلين جسده المرهق مترنحًا، مكشرًا عن أنيابه في وجه ريفينانت. وكانت أسنانه الحادة تلمع بوحشية، توعدًا بتمزيق خصمه إربًا جزاء ما عاناه من آلام.
“ألقي سيفكِ.”
وجدت ريفينانت نفسها محاصرةً بين تنينين وسيديهما.
لقد خسرت السلاح الطاغي الذي منحها التفوق، فصرّت أسنانها بغضب، لكنها شدّ قبضتها أكثر على مقبض سيفها متحديةً الأمر.
“أعتذر….لكنني لا أستطيع أن أستسلم بهذه السهولة.”
الصيّادة لم تتراجع رغم عددهم، بل رفعت سيفها عاليًا متحدية.
لم يكن واضحًا إن كانت تنوي الهرب، أم أنها استسلمت لليأس وقررت خوض معركتها حتى النهاية.
“الاستسلام قد يطيل عمركِ بضعة أيام على الأقل.”
“وما جدوى بضعة أيام ذليلةٍ من الحياة؟”
ردّت ريفينانت بحدة على كلمات كارل.
“مباركٌ لكِ يا سيان، في النهاية صار النصر من نصيبكِ. حصلتِ على سيّد إيدلين كما أردتِ دائمًا.”
“كل ذلك بفضلكِ.”
ابتسمت سيان في وجهها ابتسامةً باردة.
“لولا جشعكِ ومحاولتك مدّ يدكِ حتى إلى الأمير، لما انكشفت هويتي التي ربما كنت سأخفيها عمري كله. هذا شعورٌ لن تفهميه أبدًا، يا أختي.”
رمقتها ريفينانت بعينين ممتلئتين بالكره.
“…..كيف أبطلْتِ سحر المَلكةَ إلينا؟”
ثم تكلّمت بعد لحظة صمت ثقيلة، وقد أيقنت في نفسها أن اختفاء سحر إلينا — سلاحها المطلق — لا بد أن يكون من مكائد سيان.
غير أنّ هذا السؤال كانت سيان نفسها تتمنى أن تجد له جوابًا.
[إلينا قد عادت.]
تحدث إيدلين بصوته العميق وهو يزفر، فانعقد حاجبا ريفينانت وهي تحدّق في التنين بريبة.
“ماذا تقول؟ كيف يعود تنينٌ مات منذ زمن؟”
“كارل.”
في تلك اللحظة، ارتفع صوتٌ خافت خلف كارل و سيان اللذين كانا في مواجهة ريفينانت.
و لم يستطيعا الالتفات بسبب عدوّهما الواقف أمامهما، لكنهما أدركا على الفور أن الصوت يعود إلى هندريك.
تتابعت أصولت الحديد الحادّة، كأن شلّالًا من الصلب ينهال من الخلف؛ فقد كان هندريك قد أخضع الماركيز، ثم عاد يقود الجنود إلى هنا.
أما ريفينانت، التي كانت تواجه البوابة الرئيسة للقصر الإمبراطوري، فقد رأت المشهد بعينيها: هندريك يخرج من القصر، و يده تضغط على كتفه النازف بالدماء.
وما إن تبيّنت ملامح وليّ العهد حتى ازداد وجهه تشوّهًا بالغضب.
“تراجع.”
قال هندريك ذلك وهو يقترب حتى صار بجانب كارل، يثبت يده على كتفه، فيما عيناه مسمّرتان على ريفينانت.
وفي تلك اللحظة دوّى صرير رياحٍ هادرة، إذ اندفع من السماء تنينٌ آخر.
لقد كان ناثان، تنين وليّ العهد.
تألّق جسده بحراشف بنفسجية تبعث الضوء من ذاتها، بينما هبط بجلال، لينضم إلى إيدلين ولونا ويقطع طريق ريفينانت من الخلف.
تساقط شعر ريفينانت تحت العصف الهائل من أجنحة التنين، وارتسمت على وجهها ظلالٌ قاتمة، إذ استوعبت بيأس أنه لم يعد أمامها منفذٌ للهروب.
قبضت على سيفها بكل ما أوتيت من قوة، تكشر عن أنيابها بوحشية، حتى أنها لم تجد وقتًا للتراجع خطوةً واحدة.
“الأجدر بكِ أن تستسلمي الآن، سيدة كارتر…..أو لعلّ من الصواب أن أقول: صائدة التنانين، ريفينانت.”
لأجابته بابتسامةٍ مُرة، وقد اتقدت عيناها،
“كنتُ يومًا صائدة تنانين يهابها الجميع. حتى أن جثث التنانين التي قتلتها تكفي لملء هذا المتاهة وهذه الحديقة معًا…..يا صاحب السمو.”
وأطلقت نظرةً نارية، رافعة طرفيها متحدية.
“أتظنّون أنني أعجز عن مواجهة إيدلين، والتنينة السوداء، وناثان جميعًا؟”
“أقوى أسلحتكِ لم تكن إلا عظام تنين حيّ…..لكن دعيني أنصحكِ، فالأجدر بكِ ألا تراودكِ أفكارٌ طائشة الآن.”
“لا حاجة لي بتلك العظام الحقيرة أصلًا.”
ردّت ريفينانت بجرأة حتى النهاية، فيما ارتسمت ابتسامةٌ واثقة على محيّا هندريك.
“ومع ذلك، فخطاياكِ ستعود إليكِ عذابًا مضاعفًا.”
في تلك اللحظة، اجتاحت من خلف هندريك دوامةٌ هادرة من طاقة حمراء، كأنها عاصفةٌ نارية انطلقت فجأة.
ثم تقدّمت بقوة خاطفة، مثل نصل مصقول يطعن الهواء، وانقضّت مباشرةً نحو ريفينانت.
حتى كارل و سيان، اللذان كانا يواجهانها وجهًا لوجه، اضطرا للارتداد إلى الوراء في ذعر، إذ كاد شرر تلك الطاقة القاتلة يلامسهما.
اتسعت عينا ريفينانت بدهشة، لكنها رفعت سيفها في اللحظة الحاسمة، شاقّةً به الانفجار الذي اندفع نحوها.
وبرغم أن السيف لم يعد يحمل قوة التنين الأحمر الميت، إلا أنها نجحت بسهولة في شطر العاصفة إلى نصفين.
لقد نجت من الصدمة الأولى، غير أن الدم انحسر عن وجهها تمامًا، وشحبت ملامحها وهي تهمس،
“….هذا.…!”
نظر كارل وسيان إليها مذهولين، وقد خيم الذهول على وجهيهما كما على وجهها.
فذلك البريق الأحمر الواضح لم يكن إلا ذات القوة العظيمة، القوة الملطخة بالعذاب، التي لطالما استخدمتها ريفينانت سلاحًا مميتًا…..قوة ملكة التنانين إلينا.
“إلينا..…؟”
كما أصابت الصدمة ريفينانت، أصابت سيان أيضًا، فالتفتت مذعورةً نحو الخلف.
خلف هيئة هندريك الواقف أمام صفوف الجنود، خرج رجلٌ هزيل القوام، يرتدي رداءً أبيض أشبه بثوب المرضى، يمشي بخطى بطيئة.
“….أبي!”
فصرخ كارل بحيرة وقد اتسعت عيناه المحتقنتان بالدم حين تعرّف على الرجل.
‘الإمبراطور؟!’
حتى سيان رمش بعينيها غير مصدّقة، تحدق في وجه ذلك الرجل الذي بدا كأنه يحتضر.
لكن الرجل المريض فتح فمه بصوت صلب وقاطع، يناقض ضعف جسده،
“عظام التنانين الحيّة…..قلّما وُجدت في الأسواق لسببٍ وجيه، أيتها الصيّادة الحمقاء.”
الإمبراطور؟ لا…..
سيان سرعان ما أدركت الحقيقة المروّعة: لم يكن ذلك سوى قناع، غلاف يستتر به كيانٌ آخر.
“إلينا…..”
تمتم كارل بالكاد، و صوته مبحوح مرتعش كمن يختنق.
“العظام التي تُنتزع من تنين حيّ…..تختزن بداخلها سحرًا مشبعًا بألم الموت نفسه. ولكن…..”
عضّت ريفينانت على شفتيها بعنف، وقد شعرت بالخطر يطبق عليها.
بينما أضاف الإمبراطور — أو بالأحرى ما يسكنه — وعيناه المتقدتان بالحمرة تتوهجان كالدماء،
“حين تجتمع طاقات الموت المتخثّرة في مكان واحد…..فإن وعي التنين المقتول ينهض من جديد مع السحر.”
ارتجفت الأجواء مع كلماته، فأطلقت ريفينانت صرخةً متوترة،
“هذا….مستحيل!”
ارتدت ريفينانت إلى الخلف بوجه شاحب، ثم أطلقت صرخةً حادة وهي تسحب بخفة من يدها اليسرى خنجرًا قصير النصل.
على خلاف سيفها الطويل الذي فقد قوته وتحول إلى مجرد قطعة حديد عادية بعد أن تلاشى عنه السحر، كان الخنجر لا يزال يتلألأ بطاقة مشبعة بروح تنين ميت.
و الجميع أدرك في الحال أنّه السلاح الذي اعتادت استخدامه قبل أن تنال عظام ملكة التنانين.
بلمح البصر، شدّ كارل وسيان قبضتهما مجددًا على سيفيهما، يرفعانهما استعدادًا للمواجهة.
“أتظنّون أنني سأُخدع بهذه الترهات؟ لقد نزعتُ عظام أكثر من عشرة تنانين بيدي! منذ كنت في الخامسة عشرة وحتى الآن، وأنا أذبحهم، ومع ذلك لم أسمع يومًا بمثل هذا الهراء!”
“ولا أنا، لم أتخيل قط أن أكون أوّل شاهد على مثل هذه الحكاية.”
نطقت إلينا من فم الإمبراطور بلهجة هادئة وديعة، لكن عينيها — المشتعلتين بالحمرة — كانتا تشعّان بقتل لا يرحم، وهما تحدقان بريفينانت التي رفعت خنجرًا آخر مغمورًا بطاقة الموت.
ابتلعت ريفينانت ريقها الجاف، ثم صوبت طرف الخنجر نحو الإمبراطور.
و لبرهة، كان الاضطراب ينهش عقلها بعدما واجهت حقيقة عودة إلينا من الموت، لكنها استعادَت توازنها سريعًا، لتضحك ضحكةً ساخرة خاوية.
لعلّ الخنجر العتيق الذي خبأته كاحتمال أخير بثّ في نفسها بعض الطمأنينة، أو لعلّها قد فقدت رشدها تحت وطأة الخطر، ولم تعد تعي الفرق و تُدرَكه.
“…..جيد إذاً. إن قتلتُ تنينًا مرة، فلِمَ لا أقتله ثانيةً؟”
ارتجفت يدها وهي ترفع النصل متحدية، في صورةٍ مناقضة تمامًا للماركيز المسكين الذي كان يرتعد عاجزًا بين قبضاتهم.
فابتسم هندريك بسخرية مكتومة، يضيق عينيه وهو يراقبها.
“إن كانت الإرادة تنهض من تكتل السحر، فببساطة…..يمكننا تمزيقها بتفريق تلك القوى.”
أطلقت التنانين الثلاثة زئيرًا مزلزلًا، صوتاً كالرعد، وقد أحسّت بالشرر القاتل يتفجّر من جسد ريفينانت، فخفضت هاماتها استعدادًا للانقضاض.
______________________
طيب ابي اشوف وصت تنينة سيان احد يوصف شكلها وكيف هيبتها
المهم ريفينانت تكفييين خلي نهايتس زي ظهورس😔
كحم فيه خطا مطبعي في عدد الفصول
شفتوا انا اترجم من مجلدات ومب مرقمة الفصول عندي فكنت اوقف عند عدد الكلمات وابدا الفصل الي بعده
وبكذا صار عدد الفصول 94 ✨
اهم شي الاحداث كامله وبس والله😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 86"