لم تكن الطعنة في الكتف قاتلةً بحد ذاتها، ومع ذلك كان هندريك يلهث وكأن خنجرًا اخترق قلبه مباشرة.
كان في وسعه أن يحاول رفع سيفه، لكن جسده بأسره بدا وكأنه قد شُدّ على رمحٍ غليظ، عاجزًا حتى عن تحريك إصبع واحد.
“لطالما كرهتُ ملكة التنانين الحمراء، إلينا، طيلة فترة حكم أخي……لكن ها هي في النهاية تمنحني أعظم عون. أما ابن أخي الأكبر، فلطالما كان ذكيًا بما يكفي، مدركًا لكل شيء. حاد البصيرة، سريع القرار. لا ينقصه شيء ليكون إمبراطورًا، وهذا ما كنتَ تعرفه جيدًا. ولذا، كان واضحًا بالنسبة إلي أنه لا يمكن أن أتركه على قيد الحياة، مهما كان مصير ابن أخي الأصغر.”
رفع الماركيز ذقنه قليلًا وهو يحدّق من الأعلا ببرود قاتل في هندريك الجاثي أمامه.
“إن كان لكَ أن تلوم أحدًا……فلتلعن ذلك القانون الملعون للابن البكر.”
ثم، دون أن يسحب الخنجر المغروس في كتف هندريك، انتزع رمحًا من يد أحد الجنود المترقبين إلى جانبه.
رمحٌ ذو نصل أبيض، يتلألأ بلون العظام. كان سلاحًا صُنع من عظام ملكة التنانين الحمراء نفسها، تتأجج على رأسه هالةٌ قرمزية تهتز بعنف، كأنها لهبٌ مكبوت.
أي سخريةٍ أفظع من أن يتلقى هندريك الخيانة لا من عدو بعيد، بل من عمه نفسه؟
ابتسم ابتسامةً يائسة، خليط من الغيظ واللا تصديق، كاشفًا عن أسنانه.
بينما أطبق الماركيز شفتيه وصمت، ثم رفع الرمح عاليًا. و في عينيه كانت نية القتل واضحة.
ـ بَغتة!
لم يملك هندريك القوة ليهاجم، لكنه حشد ما تبقى من جسده ليتدحرج بعيدًا عن ضربة الرمح.
نجا منها بأعجوبة، غير أن جسده ما إن استقر حتى اسودّت الدنيا أمام عينيه، و وقف مترنحًا على وشك السقوط.
اشتعل غضب المركيز حين رأى هندريك ـ المصاب في كتفه ـ ينجو من طعنته الأولى، فصرّ بأسنانه بقوة حتى كاد يطحنها.
ثم رفع حاجبيه الغاضبين، واستدار ليهوي بالرمح ثانيةً نحو ابن أخيه المترنّح.
“دانيال.”
و فجأة، دوى صوتٌ مهيب، وأمسك بذراعه قبل أن يُكمل ضربته.
حتى هندريك، الذي كان يلهث متقطع الأنفاس وسط ظلام الألم المتخثر في عينيه، أفزعته تلك النبرة التي اخترقت أذنه، فهزّ رأسه ليستعيد وعيه بصعوبة.
هل هذا حلم؟ أم أنه قد مات بالفعل؟
آلاف الأفكار انقضّت عليه في لحظة واحدة. فذلك الصوت الذي أيقن أنه لن يسمعه ثانيةً……ها هو يرنّ من جديد.
ـ تشااانغ!
المركيز، الذي كان على وشك أن يغرس رمحه في هندريك، ارتعد فجأة وكأنه أبصر شبحًا، فأفلت الرمح من يده وتراجع مترنحًا.
“أ..…أخي. أخي الأكبر…..!”
أمام الباب الخلفي الذي كان الماركيز قد أحكم إغلاقه ليمنع اقتراب الإمبراطور، وقف رجل. شعره غزاه البياض، وخداه غارتا شاحبتيْن بعد أعوام من صراع المرض، بلا أثر للحياة فيهما.
“كـ..…كيف..…!”
لم يبدُ هندريك مذعورًا بقدر عمه، لكنه لم يكن أقل ارتباكًا.
فقد كان ما يراه صادمًا: الإمبراطور، بوجهٍ شاحب كجسدٍ ميّت، واقفٌ شامخ كما لو لم يعرف السقوط قط، يحدّق في أخيه دانيال بعينين متقدتين.
كانت عيناه في الماضي بلون زمردي مائل إلى الزرقة، تمامًا كعيني كارل، أما الآن فقد احمرّتا بلون الدم، وبدا بؤبؤه طويلين، عموديين كعيني وحش.
فتقلصت عينا هندريك بحدة.
‘هل هذا والدي حقًا؟’
الجسد هو جسد الإمبراطور المريض الراقد منذ زمن بعيد……لكن تلك النظرة، و تلك العينان الحمراوان المليئتان بالحقد والوحشية، كانتا صورة طبق الأصل من عيني ملكة التنانين، إلينا.
ومع ذلك، كان غريبًا حتى لو أن الإمبراطور قد تلبّسته روح ملكة التنانين إلينا. فهي قد ماتت منذ زمن قصير، بعدما نُزعت من جسدها عشرة عظام وهي تصرخ حتى انطفأت حياتها.
وفوق هذا، حين يحلّ وعي التنين في جسد سيّده، لا تتجلى عيناه بلون التنين نفسه، بل تشعّ بلون الذهب، لون السحر الخالص.
غير أن ما بدا أمامهم الآن لم يكن إلا إلينا بعينها، بعينيها المتوهجتين الواضحتين.
“أتجرؤ……على أن تتمرد وتهاجم أبنائي؟!”
زمجر الإمبراطور، و تتلألأت عيناه الحمراوان غير البشريتين بحدّة قاتلة، وصوته يدوّي في القاعة.
فارتجف الماركيز وابتلع ريقه مذعورًا تحت سطوة ذلك الصوت، غير أنه لم يركع ولم يلقى سلاحه، بل انقضّ على الرمح الذي كان قد أفلت منه قبل لحظات، قابضًا عليه من جديد ومصوّبًا إياه نحو أخيه.
“أخي……أخي الأكبر……! لم يكن أمامي خيارٌ آخر! ذلك القانون الملعون لوراثة الابن البكر! كيف لي أن أظل مجرد ظلّ بلا فرصة، وأنا مثلك سيد لتنين؟!”
يده المرتجفة كانت بالكاد تقبض على الرمح، لكن في عينيه بدا العزم على أن يطعن الإمبراطور نفسه.
“أيها الطمّاع!”
قال الإمبراطور ذلك بصوت مبحوح، رافعًا كفّه. ومن كفه انفجرت الهالة نفسها التي ارتجفت من رأس الرمح القرمزي.
“هاه……!”
كأن قوة جذبٍ خفية شدت الرمح كما يجذب المغناطيس الحديد.
فاهتزّ الرمح في يد المركيز، متساقطًا نحوه رغم أن صاحبه كان يشدّ عضلاته حتى تكاد تتمزق. لكن لم يكن بوسع بشر أن يقاوم تلك القوة.
أما هندريك، فقد أحس بألمه يتضاعف، و يزداد حدة في كل عصب من جسده، حتى كاد يصرخ بلا وعي.
فعضّ على شفتيه بشراسة كي لا يطلق صرخته، فيما كان الخنجر المغروس في كتفه يواصل تمزيق لحمه ببطء وهو ينزلق خارج جسده.
“كخ……!”
و ما إن انتزع الخنجر من كتفه متفجرًا بالدماء، حتى أفلت من حنجرة هندريك الأنين الذي كان يقاومه منذ البداية.
و عاد الألم يكتسح جسده بأسره بموجةٍ عاتية، لكنه سرعان ما أدرك شيئًا غريبًا: فقد صار تنفّسه أسهل، وكأن ثِقَلًا انزاح عن صدره.
الجرح في كتفه ظلّ ينزف بغزارة، و يلسعه بألم حارق، لكن العذاب الموحش الذي سبّبته أسلحة إلينا المصنوعة من عظامها قد انقطع تمامًا.
وقد وقع بصره، بوجه مذهول، على الإمبراطور. ذاك الذي تلمع عيناه بعيني إلينا، و كان يمسك في قبضته كل سلاح في الغرفة صُنع من عظامها.
الخنجر الذي كان يقطر من دم هندريك، والرماح العديدة التي كان الجنود والمركيز نفسه يقبضون عليها……جميعها انتزعت من أصحابها وتجمعت بين يديه.
“بجريمة قتل ملكة التنانين، وبجريمة الخيانة……سأقيم عليكَ حكم الإعدام هنا والآن.”
“ماذا……! كيف يمكن أن يكون هذا؟! أخي! أنا……!”
ارتجف الماركيز من رأسه حتى أخمص قدميه، وقد سُلبت منه حتى أسلحته، وانكشفت خيانته أمام الجميع، بلا مجال للإنكار أو التبرير.
غير أن ملامح الإمبراطور، المشتعلة بذلك البريق المرعب، لم تحتوِ على ذرة رحمة.
عندها، الأسلحة التي قبضها، وكأنها اكتسبت حياةً خاصة، راحت ترتفع في الهواء، مكسوّةً بهالة سحرية حمراء، تماثل تمامًا لون عينيه المتوحشتين.
***
تطاير الشرر الأسود كبركان منفجر، متوهجًا في كل اتجاه.
غير أن أنفاس التنين العاصفة لم تُصِب أحدًا على الأرض، إذ تصدى لها بريتا بجناحيه بالسحر، فحُبست الانفجارات في الفضاء، تنفجر بعنف في السماء وحسب.
لكن في اللحظة ذاتها، حين التحم سيف سيان بسيف ريفينانت، انتابها شعورٌ غريب جعلها تحدّق بعينين متسعتين.
ذلك الارتجاف المزلزل الذي كان يجتاح جسدها في كل مرة تتلاقى فيها نصالهم……اختفى. و لم يبقَ سوى صدام حديدي خشن، مجرّد قوة سيفين.
ريفينانت بدورها تقلصت ملامحها للحظة، مستشعرةً غرابة ثبات سيان التي لم يترنح رغم الضربة.
وما هي إلا لحظة حتى استغلت تيقظ سيان المشوش، فاندفعت بقوة طاغية، دافعةً سيفها بعيدًا ثم تراجعت بخفة قطٍ مراوغ.
“أن تستدعي التنين الأسود……سيُسجَّل اسمكِ إلى الأبد كالسيدة التي جرّت الكارثة فوق الإمبراطورية!”
في تلك الأثناء، أدرك كارل هو الآخر أن الألم الساحق الذي كان يخنقه قد تلاشى فجأة، ففتح عينيه بدهشة.
“ليذهبوا جميعًا الى الجحيم! ما دمت موضع اتهام دائم، فلماذا أتواضع الآن؟!”
انفجرت من فم سيان شتيمتها المعتادة، فوجدها كارل مألوفة إلى حد أنه شعر براحة غريبة.
فاستنشق بعمق وأخرج أنفاسه بهدوء، ثم مدّ ركبتيه واعتدل واقفًا.
أما ريفينانت، فقد عضّت على شفتها بقوة وهي تحدّق في كارل الذي استعاد وجهه لونه ونهض من جديد.
‘ما الذي يحدث بحق؟’
تساءلت في داخلها، ثم خفضت بصرها إلى نصل سلاحها.
إنه السيف المصنوع من عظم التنين، ولم يظهر عليه أي خلل……ومع ذلك، هناك شيء جوهري قد تبدّل.
لكن على عكس ريفينانت، التي لم تكن سوى صيّادة تنانين عاجزة عن التحكم بالسحر، كانت سيان قد لمحت التحوّل في سلاحها، فارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ عريضة يغمرها الابتهاج.
“ما الأمر؟ أترين؟ لقد تلاشى سحركِ.”
العظام التي كانت قبل لحظات تتأجج بالهالة القرمزية الخانقة، غدت نظيفةً كأنها لم تحمل يومًا أي أثر.
حتى الألم والسحر المترسب من عظام التنين المحتضر تلاشى تمامًا، وكأن لم يكن.
و السيف الذي تقبض عليه ريفينانت لم يعد سوى نصلٍ بدائي منحوت من عظم حيوان.
“هذا……هذا مستحيل……”
قالت ريفينانت ذلك وهي تحدّق بين سيان وسلاحها، و عيناها تضطربان بعدم تصديق.
في تلك اللحظة كان كارل قد نهض، و استلّ سيفه عن الأرض وزفر بقوة، بينمت كان شعره منسدلاً على جبينه.
“بريتا!”
أدركت ريفينانت سريعًا أن النزال بقوة الجسد وحدها ضد سيان وكارل معًا بات خاسرًا، فاستدعت التنين بصوت حانق.
غير أن بريتا لم يستجب، بل ظل يرفرف بجناحيه ببطء، يحلق في الفراغ ببرود.
“يبدو أن بريتا لم يعد يرغب في أن يكون جزءًا من لعبتكِ.”
قالت سيان ذلك وهي تنتظر هي اللحظة بترقب، ثم ابتسمت مطمئنة وأعادت قبضتها بإحكام على سيفها.
كان أمرًا بديهيًا. فهي ليست مجرد وحش، بل كائن يملك من الذكاء ما يفوق البشر.
والآن، وقد زال التهديد الكامن في عظام التنين الحي، بات واضحًا أنها لا تستطيع إيذاء بريتا ولا إنقاذ سيدها من يديهم.
“أيها السحلية الضخمة!”
__________________________
ذي ريفينانت تحسب بريتا بيجي عسا هاهاهاعاعاعا
بس يارب نهاية ريفينانت حلوه زي ظهورها
المهم مره واو يعني إلينا نقلت روحها لجسم الامبراطور ولا وش؟ بس واو تنينة حمرا✨ gorgeous
احسني قاعدة اترجم روايه اكشن مع ذا الفصول😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 85"