كلما مرّ الوقت، بدا أن وهج المانا المتجمع على حدّ السيف يزداد عمقًا وقتامة.
فتساءلت سيان في نفسها إن كان ذلك محض وهم أم حقيقة.
وفي غمرة ارتيابها، رأت ريفينانت تغيّر قبضتها على السيف الذي أخذ يفيض بحمرة متصاعدة، ثم انحنت تلتقط الخنجر الذي كانت قد أسقطته من قبل.
الخنجر، المنحوت من عظم أبيض، بدا وكأنه غُمس في الدم، إذ أخذ يتلألأ بوهج قرمزي مخيف هو أيضاً.
“سموك، لقد كنتُ لوقت طويل صديقةً مقربة لتلك، مالكة التنين الأسود. أنا من علمتها فنون السيف، وأنا من منحتها الاسم المستعار سيان روزفلت. ألا تتساءل كيف تحولت صداقتنا تلك إلى عداوة؟”
كانا اثنين، سيان وكارل، في حين وقفت ريفينانت بمفردها. ومع ذلك لم يجرؤا على التقدم لمهاجمتها، مكتفيين بمراقبة الوضع بحذر.
فقوة الأسلحة المصنوعة من عظام تنين حيّ كانت هائلةً إلى درجة مهولة. إذ إن أعظم ما يملكه التنين وراعيه هو المانا، وهذه العظام الملعونة بمجرد تماسها معها تُبث آلامًا وصدمات تسحق الجسد والروح معًا.
فكيف يمكن صدّها؟ بدا الأمر بلا مخرج.
بينما كانا سيان وكارل يتظاهران بالإنصات، بينما يجهدان عقولهما بحثًا عن ثغرة أو خطة، واصلت ريفينانت حديثها دون اكتراث.
“كنتُ أنا وهي نتوق إلى رؤية هذا التنين.”
قالت ذلك وهي ترفع الخنجر، المشبّع بأثر وذكريات إيلينا الميتة، حتى كاد يلامس رأس إيدلين.
لم تخدشه، ولم تضغط عليه، بل كان مجرد تماس قريب، ومع ذلك ارتعش جسد إيدلين كأن صاعقةً ضربته.
اضطرب و انتفض بجنون. أما بريتا الذي كان يضمه بجناحيه، فقد انكمش وهو يضغط جسده مذعوراً، مطلقاً أنينًا حادًا مبحوحًا من حنجرته المرتجفة.
“لقد صادف أن التقينا هذا التنين الجميل في إيفاريد، فأسر قلوبنا معًا. غير أن طرقنا اختلفت كثيرًا بشأن كيفية الاستحواذ عليه.”
أطلق كارل ضحكةً قصيرة ساخرة بعد أن استمع طويلًا إلى حكاية ريفينانت.
“هاه……لهذا السبب لا ينبغي للمرء أن يكون كاملًا أكثر من اللازم. أن أشعل قلوب امرأتين في وقت واحد، يا له من جنون.”
“آسفة، لكنني لا أبالي بسموكَ على الإطلاق. فالرجال شديدو الوسامة ليسوا على ذوقي.”
“…….”
تدخل كارل بروحه المرحة في تلك اللحظة، لكن ريفينانت قطعت كلامه ببرود يثير الحرج.
“التي كانت مهووسةً بالوجوه……هي تلك، قديمًا كما الآن.”
أما كارل، فشعر لأول مرة في حياته بالامتنان لوسامته، و مدح شكله الجميل سرًّا.
“ثم إن سيان هي سيدة التنين الأسود، فلا حاجة لها بغيره. أما أنا……فأختلف عنها. أنا لا أبالي إلا بالتنانين. منذ اللحظة التي رأيتها فيها أول مرة، لم أرغب إلا في امتلاكها.”
و عيناه الذهبيتان، عينا التنين، اخترقتا ريفينانت بنظرة حاقدة لا ترمش.
“إياكِ أن تلمسِ إيدلين.”
جاء صوت كارل منخفضًا، وقد كان كالسيف في حدّته.
“إن استطعتَ منعي……فجرب.”
ابتسمت ريفينانت ابتسامةً ملتوية، ماكرةً كسمّ، ثم رفعت الخنجر الذي في يدها لتهوي به بلا رحمة على جسد إيدلين.
– “كآآآآااااخ!”
تناثر دم التنين الكثيف، وتردّد في القاعة صدى صرخة مروّعة.
“كارل!”
كان الجرح في جسد إيدلين، لكن الألم ارتدّ إلى سيده الذي يشاركه الوعي، فسقط كارل على ركبتيه ممسكًا صدره، عاجزًا حتى عن إطلاق أنين.
“كفى يا ريفينانت! اجتهدي كما تشاءين، ستظلين في النهاية مجرد صيّادة تنانين……لن تكوني أبدًا سيدةً لتنين!”
“إذاً……سأصبح السيّدة والحاكم، فما المانع؟”
قطّبت سيان جبينها بغضب من هذا الرد الوقح.
“إذا حصلتُ على فارس التنين، وجعلتُ الماركيز تحت قدمي، فحتى ألما ستصبح ملكي. سأجعل من الماركيز إمبراطورًا، ومن نفسي سيدة إمبراطورية التنانين كلها.”
وسط أنفاس متقطعة من الألم الذي يعتصر جسده عبر جسد تنينه، رمق كارل ريفينانت بنظرة مسمومة.
“إذاً……هذه هي حقيقتكِ.”
“طبعًا، يا سموّك.”
قالت ريفينانت ذلك بهدوء ساخر وهي تمسح بأطراف أصابعها الدم العالق بخنجرها، دم إيدلين المتوهج.
“فلتتخذ قراركَ إذاً. فالتنين الأسود لا يمكنه أن يظهر للنور علنًا. أما أنت، فإن خضعت لي طوعًا……سأبقي على حياة إيدلين.”
‘تباً……’
عضّت سيان على كلماتها وهي تضم كارل الذي لم يعد قادرًا على فرد ركبتيه من الألم.
“أما إن رفضتَ……”
رفعت ريفينانت خنجرها من جديد. و كانت حافة النصل الحادة ما تزال تتجه نحو عنق إيدلين الذي يرتجف بتشنجات متقطعة.
“سأريكَ بأعينكَ، من خلال إيدلين، كيف قتلتُ ملكة التنانين إلينا وجردتها من عظامها.”
“أيتها اللعينة!”
تحت تهديد ريفينانت المخيف، انفجرت سيان أخيرًا. و انفلتت الشتيمة التي كانت تكبتها بصعوبة، وانطلقت ممسكةً بسيفها، مندفعةً صوب ريفينانت بسرعة خاطفة.
أما كارل فقد ضيّق عينيه للحظة قصيرة وهو يرمق سيان التي نهضت باندفاع.
وبالرغم من ذلك، ظلت ريفينانت حذرةً حتى النهاية، فغرست خنجرها بلا تردد في جسد إيدلين ثانيةً.
ثم اخترقت صرخةٌ حادة المكان، وإيدلين المصاب تقلب في عذاب، يصرخ من الألم.
كانت معاناته فظيعةً إلى حد أن جسده انتفض بعنف شديد، حتى أن بريتا الذي كان يمسك به أفلته، يرفرف بجناحيه مذعوراً وهو يرتفع في الهواء.
في كل الأحوال، لم يكن أمام إيدلين سوى مصيرين: الموت، أو أن يصبح عبدًا لريفينانت.
تشبّثت سيان بعزيمتها، وهي تعض على أسنانه، غير مباليةٍ بصرخات كارل.
و ريفينانت بدورها صدّر هجوم سيان، رافعةً سيفها العريض ذو النصل الأبيض ليلتقي بضربة خصمها.
ـ كااانغ!
انفجر الصوت المعدني الحاد، وارتجفت سيان من قوة الارتطام والألم الذي ارتد عبر ذراعها، لكنها كانت قد هيّأت نفسه لذلك منذ البداية.
“اليوم بالذات، سأمزقكِ وأُنهي أمركِ مهما كان الثمن!”
“أتظنين أنكِ ستنالين مني بهذه السهولة؟”
اتسعت عينا ريفينانت المرعبة وهي تطلق ضحكةً باردة ساخرة.
بينما تطاير الشرر الأسود من نصليهما فيما كانت سيان و ريفينانت يتبادلان الضربات في معركة حامية.
وفي اللحظة ذاتها، أخذت السماء الصافية تتلبّد بالغيوم شيئًا فشيئًا حتى أظلمت.
وعلى المتاهة الملكية في حديقة القصر، التي أُحرقت نصفها وتشوّه نصفها الآخر، راحت ظلال سوداء ثقيلة تزحف ببطء.
أما إيدلين، وقد اخترقه الخنجر، فكان يتنفس بأنفاس متقطعة بالكاد تُسمع.
ثم شعر كارل بوعي تنينه يلامسه، لكنه لم يستطع سوى متابعة القتال بعينيه، يراقب صراع سيان و ريفينانت عاجزًا عن التدخل.
رغب في المساعدة، لكن جسده لم يعد يطيعه. و لم يكن في وسعه سوى التشبث بوعي متداعٍ، على وشك أن ينطفئ مع روح التنين التي ترافقه.
كم مرة أقسم أن يحميها؟ وها هو الآن عاجزٌ حد اليأس.
وبينما يبتلع كارل مرارة عجزه، رفع رأسه فجأة نحو الظلال السوداء التي أخذت تزحف وتحاصر أرجاء القصر.
في تلك اللحظة، بدا أن ريفينانت بدورها استشعرت شيئًا مريبًا من الظلال الممدودة فوق رأسها.
فدفعت بسيفه ضربة سيان العنيفة التي كادت تشطرها نصفين، ثم رفع بصرها للحظة وجيزة، وللمرة الأولى علت وجهها ملامح الاضطراب.
هناك، في أعماق الكتلة السوداء التي حجبت الشمس، اشتعل بريق عيون وحشية قرمزية، عينان كجمر متوهجتان تحدقان من قلب الظلام.
“بريتا!”
بمجرد صرختها الحادة، فرد بريتا ـ الذي كان يتراجع في الخلف ـ جناحيه بقوة، مرفرفاً وهو يستجيب لندائها.
ومن السماء انبعث تيارٌ هائل من السواد، يتماوج حتى انفجر منه نورٌ ضخم كقطرة متوهجة.
“ابسط جناح التنين!”
حينها فقط أدركت ريفينانت أن سيان قد استدعت قوة التنين، فزمجرت وهي تدفع سيف خصمها بعنف لتبعده.
لكن لم يكن ذلك مفيداً. فقد كانت سيان تطارد ريفينانت بلا هوادة، تضيق الخناق عليها خطوةً بخطوة، عازمةً على ألا تترك لها مهربًا.
ـ كوااااا غووووااانغ!
في تلك اللحظة، انقضّ نَفَس التنين الأسود المتجمع في السماء كالكارثة، مندفعًا نحو القصر الإمبراطوري ليغمره بالدمار.
***
“……بالطبع، لا يمكنني أن أغلب ابن أخي اليافع في فنون السيف.”
قال الماركيز ذلك ساخرًا، فحدّق به هندريك بعينين متوجستين لا تيصدق كلمة مما يسمع.
وما زاد من غرابته أن كتفه أخذ يلتهب بحرارة تكاد تحرقه.
“الطبيعة أن الأقوياء يثقون بقوتهم فيغفلون عن الحذر. هذا هو الفارق الكبير بيني وبينكَ، يا ابن أخي. أنت اعتمدت على سلطانكَ وعلى المهارة التي بجانبك دون أن تُعِدّ شيئًا، أما أنا فكنت أعلم ضعفي، فتهيّأت مسبقًا بكل ما أملك من حيلة واستعداد.”
شقّ هندريك طريقه بسهولة وسط فوضى الجنود حتى بلغ الماركيز.
ثم رفع سيفه ليشق جسده بضربة قاضية، غير أن شفرة هندريك المسحورة بقوة ناثان ارتدت بلا جدوى أمام درعٍ صلب خفي تحت طيات ثوب الماركيز.
تلقى الماركيز الضربة بكامل جسده دون أن يتراجع قيد أنملة، بل استغل اللحظة كما لو كان يترقبها، فأخرج خنجرًا كان يخفيه في كمّه، وغرسه فجأةً في كتف هندريك.
الألم المبرح الذي اخترق كتفه بالشفرة لم يتلاشى، بل راح يتعمق مع كل لحظة، يزداد وضوحًا وحدةً حتى التفّ كالنار المشتعلة حول جسده كله.
شهق هندريك شهقةً حادة وهو يكافح لالتقاط أنفاسه وسط عذاب يكاد يخنقه، مثبتًا نظره الحاد على الماركيز.
“أوه……يبدو أن الألم ينهشكَ بشدة.”
قال الماركيز ذلك وهو يتظاهر بالأسى، متصنعًا عبوسًا مثيرًا للاشمئزاز.
“وهذا طبيعي، فما انغرس في كتفكَ ليس خنجرًا عاديًا……بل السلاح نفسه الذي استُخدم في مهاجمة ابن أخي الأصغر.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات