وكأنما قرأت ما يختبئ خلف نصل السيف. رفعت ريفينانت يديها ساخرة، بضحكة باردة ترتسم على شفتيها.
“المعذرة، أظن أن ولي العهد لن يحضر، أيها الأمير.”
***
“ما……ما الذي تفعله يا ماركبز دانيال غريغوري؟”
فيما كان كارل وسيان يترنحان تحت وطأة القوة الساحقة لريفينانت، كان ولي العهد هندريك يواجه داخل القصر الإمبراطوري وضعًا لا يقل اضطرابًا.
“لقد وضعتُ جلالته في مكان آمن، با ابن اخي.”
غير أن الفراش الذي كان يرقد عليه الإمبراطور بدا خاليًا، وأمام ذلك الفراغ وقف الماركيز وقد صفّ جنوده في نظام صارم، وعلى وجهه ابتسامة المنتصر.
“أحقًا عقدتَ صفقةً مع صيادة التنانين ريفينانت؟”
لطالما كان يشك في ذلك، شكًا يقارب اليقين، لكنه لم يملك دليلًا يجرؤ به على المواجهة.
“صفقة؟! يا لها من كلمةٍ مخيفة. تلك المرأة التي تنشر الفوضى في الخارج لا صلة لي بها. لقد هرعتُ فحسب حين رأيتُ حواجز القصر يتهاوى، خوفًا على سلامة جلالته.”
“لا تظن أنني سأصدّق تلك الكلمات يا عمي.”
“إذاً، فلأي غرض أقولها إن لم يكن لتصديقها؟”
تكلم الماركيز ببرود وهو يسيطر على جناح الإمبراطور بجنوده.
عندها أشار هندريك بإيماءة خفيفة إلى الجنود الواقفين خلفه.
فما كان من الجنود إلا أن أمالوا رماحهم ليصوبوها مباشرةً إلى صدر الماركيز، ومع صرير الحديد المتماوج في القاعة، رفع رجال الماركيز بدورهم أسلحتهم مصوبينها نحو ولي العهد.
فقطب هندريك حاجبيه بشدة.
“أتجرؤون على توجيه رماحكم إلى ولي العهد نفسه؟ هل تعرفون ما الذي تفعلونه الآن؟”
“من يدري……لعلها تُسمّى انقلابًا؟”
“بل خيانةً عظمى يا ماركيز.”
“وإن فشلتُ، فستكون كذلك حقًا.”
كان الماركيز، الذي ارتعد يومًا حين شُكّ في أحد أفراد العائلة الإمبراطورية في اغتيال ملكة التنانين، يبدو الآن متماسكًا على نحو غريب، يعامل هندريك ببرود وسلاسة.
كان يظن أن ريفينانت هي من حرّضته، لكن ربما كان الأمر بالعكس.
لقد بدا مختلفًا عن ذاك الرجل المتحفظ شديد الحساسية، بصوته الواهن وكلامه المترفّع بلا قوة.
شخصية المرء لا تنقلب في لحظة، فلا شك أنه كان يخفي وجهه الحقيقي لسنوات طويلة.
“في النهاية، حتى لو رحل والدي، فبحكم قانون البكورة، العرش سيكون من نصيبي. وإن أردتَ لتمردك أن ينجح، فلابد أن تقتلني أنا أولًا، يا عم.”
قال هندريك ذلك وهو يستلّ سيفه على عجل، فاندفع على نصله وهجٌ بنفسجي يضطرب ويشتعل.
ابتسم المركيز ابتسامةً هادئة وهو يتراجع خطوةً إلى الوراء.
“يا إلهي يا ابن اخي……لم أقل بعد أنني سأفعل بكّ شيئًا، فكيف تسارع إلى رفع سيفك في وجه هذا العجوز؟”
ضاقت عينا هندريك بالشك وهو يرمق الماركيز بكثير من الريبة.
كان الماركيز عجوزاً طاعنًا في السن، وسمع هندريك أنه حتى في شبابه لم تكن براعته في السيف مميزة.
أما عدد الجنود المتقابلين داخل حجرة الإمبراطور، فكان متكافئًا تقريبًا.
وبالرغم من أن كفّة النصر لا تبدو في صالحه البتة، إلا أن الماركيز بدا مطمئنًا على نحو مريب، وكأن في جعبته سرًّا خفيًا.
اجتاح هندريك شعورٌ بارد، كالثلج الذي ينساب من قمة الرأس، وهو يدرك أنه لا يعرف ما يخفيه عمّه.
“كما أخبرتكَ، لقد وضعتُ جلالته في مكان آمن يا ابن اخي. والآن، ضع سيفكَ جانبًا.”
“لا أعلم منذ متى وأنت تحيك هذه الخطط، لكنها متهوّرةٌ يا عم.”
“إن لم تنوِ الامتثال، فلن أجد حلاً سوى أن أستخدم وسائل أكثر خشونة.”
ضم الماركيز يديه معًا بخشوع، فما كان من الجنود إلا أن رفعوا رماحهم في آن واحد، وكأن إشارته كانت علامةً متفقًا عليها مسبقًا، وتقدّموا خطوةً أخرى.
رنّ صرير الأسلحة الثقيلة في القاعة، فاستنفر جنود ولي العهد بدورهم واستعدوا للقتال.
كان من السهل أن يأمرهم هندريك بالهجوم لشلّ خصمه بالقوة، غير أن الخوف من وجود فخّ آخر منعه من التسرّع.
“أمسكوا به.”
قال الماركيز ذلك ببرود وهو يتراجع خطوةً إلى الوراء، وقد نفذ صبره أخيرًا.
فتقدم الجنود بجرأة، و رماحهم مشهرة، يضيّقون المسافة نحوه.
لكن هندريك، وقد اعتراه الاستهزاء أكثر من الارتباك، لم ينتظر أوامره لجنوده، بل اندفع بسيفه بنفسه.
اندفعت طاقة التنين الأرجوانية المتجمعة عند حافة السيف، متحوّلةً إلى نصل حاد يتبع مسار الضربة، منقضًّا كالسهم نحو الجنود المدججين بالسلاح من خوذهم حتى أحذيتهم.
لكن أحد جنود الماركيز في المقدمة، تجرأ وغرس رمحه في طاقة ولي العهد.
راقب هندريك بصمت طرف الرمح الأبيض وهو يصطدم في الهواء بطاقة أرجوانية متوهجة، وفي اللحظة التالية، ارتسمت على وجهه ملامح قاسية، واتسعت أنفاسه في صدمة غير متوقعة.
كان مجرد تماس عادي بين طرف رمح وسحر في الهواء، ومع ذلك انطفأت طاقته الأرجوانية في لحظة، كشمعة تعصف بها الريح. وما عاد إليه كان صدمةً هائلة غامضة، لا يعرف لها سببًا.
“كـه……!”
خرجت منه صرخةٌ مكتومة، ممزوجة بالذهول والألم. ثم فقد السيطرة، وانبعث من صدره أنينٌ وهو يترنح ويقبض على سيفه قبل أن يسقط.
ومن خلف الجنود، بدت عينا الماركيز متسعتين ببريق الانتصار، وارتسمت على شفتيه ابتسامة المستمع.
“من يقتل ولي العهد، فله جائزةٌ عظيمة!”
انكشفت أنياب الأفعى أخيرًا.
سقوط ولي العهد المفاجئ أربك جنوده للحظة، فأوقفهم عن التقدم، لكنهم ما لبثوا أن تماسَكوا وانطلقوا لمواجهة رجال الماركيز.
كااانغ!
وفي غمضة عين تحولت حجرة الإمبراطور إلى جحيم قتال.
هندريك، وقد استعاد بعض توازنه من أثر الصدمة، ترنّح إلى الخلف، قابضًا على سيفه، يحدّق في الماركيز بوجه تعلوه حيرةٌ عميقة لا يفهم سرها.
وحين تراجع أكثر ليتأمل أسلحة خصومه، تبيّن أن رماحهم جميعًا كانت بيضاء، كأنها مصنوعةٌ من عظام، كأدوات تُنحت من عظم الوحوش.
“لقد تحققنا من جثة ملكة التنانين……هناك عشرة مواضع كاملة استُؤصلت منها العظام.”
ثم ومض في ذهن هندريك على الفور كلام كبير أطباء القصر.
‘يا لِفظاعته……!’
في لحظة خاطفة، انكشفت أمامه خيوط الصورة كاملة، فارتجف غضبًا حتى أسنانه. لكن الماركيز ظل واقفًا، مبتسمًا كالأفعى، لا يحرك ساكنًا.
تذكّر هندريك حين جُرح كارل ذات مرة بعظم مأخوذ من تنين حي، وكيف أخذ الجرح يتعفن حتى كاد يودي بحياته.
ذلك المجهول المشؤوم، الذي لم يكن يعرف بوجوده أصلًا، بدا أنه لا يحتاج إلا لاصطدامٍ بسيط مع المانا كي يبعث بألم ساحق.
والآن، وقد حُرم من استخدام المانا، وجد نفسه أعزل تمامًا أمام الماركيز الذي أعدّ كل شيء مسبقًا.
معظم قواته كانت منشغلةً بالخارج في مواجهة جنون بريتا، أما الجنود الذين اصطحبهم لإجلاء الإمبراطور فما تجاوزوا العشرة أو نحو ذلك.
فأدرك هندريك بسرعة أنه لن يتمكن من الصمود طويلًا أمام جنود مدججين بأسلحة مصنوعة من عظام التنين.
إذاً، فالحل ليس بمقاتلة الأتباع، بل بضرب الرأس مباشرة.
فالماركيز، على خلاف جنوده، لا يستطيع التعامل مع عظام التنين الحية بصفته سيد تنين.
وإذا تحوّل القتال إلى مواجهة جسدية خالصة بلا مانا، فالكفة ستميل إلى جانب هندريك لا ريب.
فثبت قبضته على السيف في هدوء، وقد عقد عزمه.
***
“……الماركيز إذاً.”
تمتم كارل بصوت مثقل بالكآبة بعدما فهم مغزى ما يحدث من كلمات ريفينانت.
و لم يخطئ حدسه، فالماركيز هو من يقيد خطوات هندريك داخل القصر.
هزّ ريفينانت كتفيه باستخفاف.
“لو أن سموّك متَّ حسب الخطة بهدوء في الخارج، لما كان كل شيء قد تضخم إلى هذا الحد. لكن……لماذا عدت حيًّا لتجعل الأمور تؤول إلى ما هي عليه الآن؟”
“سخافاتكِ هذه لا تضحكني.”
ضحكت سيان ساخرةً من ريفينانت.
“لو لم تكوني تنوين إشعال هذا كله، لما احتجت إلى اقتطاع كل تلك الكمية من عظام ملكة التنانين.”
اتسعت عينا ريفينانت دهشة.
“تلك لم تكن إلا احتياطًا للاحتمالات. حتى أنا، وأنا أنحت عظام الملكة، ما كنت أتمنى أن أستعمل هذا الكم الهائل كسلاح.”
سيوف، خناجر، سهام……لم يكن كارل ولا سيان يدركان من قبل أن حتى رماح الجنود الذين يواجهون هندريك قد صيغت نصالها من شظايا مستخرجة من جسد ملكة التنانين، إلينا.
“لا بأس……فالحصول على مزيد من عظام تنين حيّ، ليس بالأمر المستحيل.”
قالت ذلك وهي تنظر الى كارل وسيان بابتسامة مشبعة بالاشمئزاز، وقد كانت نظراته المتلذذة تنزلق بخفة إلى إيدلين وبريتا. ولم يكن من الصعب فهم ما يدور في ذهنها.
غمر سيان شعورٌ بالغضب والقرف، و كادت أن تشتمها في وجهها. لكن فجأة تسلّل إلى قلبها إحساسٌ غريبٌ أزعجها.
فمن النصل الذي رفعته ريفينانت راحت قوة إلينا، تنين الدم القرمزي، تتماوج حمراء كاللهب.
لم يبدُ الأمر مختلفًا عما كان من قبل……لكن شيئًا ما في ذلك كان يبعث على الريبة.
_________________________
وش بعد ناوية تسوي فوق ذاه كله؟😭
الماركيز زفتتت يعني عجوز مفروض عنده احفاد مسوي كل ذا الشوشرة ليه؟
ختى لو صار إمبراطور بيحكم كم سنه ويفطس ثم؟ من بعده؟ محد ✨
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات