لم يكد شعور سيان بالفرح والاطمئنان لظهور إيدلين يطل برأسه، حتى انقبض قلبها بشؤم غامض، وأحسّت بقشعريرة تسري على طول كتفيها من غير إرادة.
‘…..لا، هذا سيئ.’
إنه فخ.
“كارل! أبعد إيدلين! لا تدعه يقترب من هنا!”
“…..ماذا؟”
استدار كارل نحوها متفاجئًا، والسيف لا يزال مشدودًا في قبضته. لكن إيدلين كان قد تجاوز بالفعل سور القصر الخارجي، واقترب من أطراف حديقة المتاهة.
“ريفينانت…..هدفها هو إيدلين!”
صرخت سيان بكل قوتها، تقبض من جديد على سيفها، واندفعت نحو ريفينانت. لكن رغم سرعتها، لم تتمكن حتى من الاقتراب منها.
و في لحظة عابرة، التقت عينا سيان بعيني ريفينانت، ثم دفعتها بجناح بريتا الثابت فوق الأرض، قافزةً إلى أعلى بخفة، وكأنها تفرّ هاربة.
“ريفينانت!”
عندها فقط أدرك كارل أن كل ما أثارته ريفينانت من فوضى لم يكن سوى لإغراء إيدلين بالقدوم إلى هنا، فانعقدت ملامحه بغيظ.
لكن الأوان كان قد فات؛ فسرعة إيدلين وهو يطير كانت أكبر من أن يتمكن من الالتفاف والعودة. وحتى مع خفق جناحيه لتقليل سرعته، بعدما شعر عبر ارتباطه بكارل بما يجري، كان جسده الضخم قد شق نصف المسافة عبر حديقة المتاهة في لحظة واحدة.
وعلى ظهر بريتا، ثبتت ريفينانت سهمًا مصنوعًا من عظام تنين حي على وتر قوسها، ووجهته نحو إيدلين الذي كان يشق السماء أمامها.
ارتسمت على شفتي ريفينانت ابتسامة تفوح منها رائحة الدم، بينما كانت تشد القوس موجهةً السهم نحو هدفها.
و في خضم الصخب المحيط، انطلق السهم بلا صوت، متجها بدقة نحو رأس إيدلين وهو يحلّق.
كانت لحظة ارتباك عابرة، إذ كان إيدلين يغير اتجاهه، فأدرك أنه لن يستطيع تفادي السهم. عندها أطلق هالة من السحر الفضي، فارتطم السهم—الذي بدا للعين عاديًا—بجدار الطاقة، وارتد متذبذبًا قبل أن يسقط على الأرض.
— كآآآااخ!
ثن دوّى صرخة إيدلين المروعة في أرجاء حديقة القصر، تمزق السكون و غمر المكان بالرهبة. وفي اللحظة ذاتها، شعر كارل، المتصل بوعي إيدلين، بألم لا يُحتمل، فكاد يصرخ لولا أنه ابتلع صرخته، ليسقط جاثيًا على ركبتيه.
انفجر رأسه بصداع وحشي، ودوّى في أذنيه طنين مميت. فغرس سيفه في الأرض ليتكئ عليه، متفاديًا السقوط، بينما كان هناك عرقٌ بارد يتصبب على ظهره.
دويّ-!
وقفت سيان جامدة، و عقلها فارغ كصفحة بيضاء، وهي تحدق في إيدلين الذي بدأ يهوي من السماء. و لمحت أيضًا كارل وهو ينهار متألمًا، يشارك تنينه المعاناة، لكن لم يكن بيدها ما تفعله.
ترددت لثوانٍ، ممزقة بين الاندفاع نحو كارل أو الجري باتجاه إيدلين الساقط، قبل أن تملأ صدرها بنفس عميق.
أما ريفينانت، فوق ظهر بريتا، فقد خفضت جسدها قليلًا وهي تطلق ضحكةً عالية، عيناها تتابعان إيدلين الساقط. لكن سيان تماسكت في اللحظة التالية، واندفعت نحو إيدلين، تلمح ريفيمانت وهي ترفع قوسها من جديد نحوه.
“أيتها الحقيرة!”
لم يكن السهم قد أصاب إيدلين، لذا كانت واثقة أنه سيستعيد توازنه قريبًا. و كان هدفها الآن أن تكسب أي لحظة ثمينة، فصرخت متعمدة بكلمات نابية لتستفز ريفينانت وتشتت تركيزها.
“تلك الحيلة الرخيصة لن تجدي معي.”
لكن ريفينانت ابتسمت بلا مبالاة، ثم شدّت وتر القوس، موجهةً السهم نحو جسد إيدلين.
‘…..تباً.’
لم يكن من الممكن صد السهم بالجسم العاري. و كانت سيان تعلم أن رأس السهم المشحون بسحر التنين، عند تصادمه مع طاقتها، سينقل كامل الصدمة إليها، لكنها لم تجد حلًا.
اصطدم السهم بصمت بجدار السحر الأسود الذي أطلقته سيان، فسقط قبل أن يلمس جسد إيدلين. ومع ذلك، نقل التصادم مع رأس السهم الملعون الألم ليجتاح جسد سيان بالكامل.
“بريتا، أمسك بإيدلين!”
قفزت ريفينانت إلى الأرض بعد أن سيطرت بسهولة على إيدلين و كارل، وأمرت بريتا الخالية من السيطرة، التي أطلقت صوتًا غريبًا وهي تلف عنقها.
“هكذا فقط يمكنك إنقاذ سيدكَ. هل ستقف مكتوفة الأيدي لتراه يموت على أيديهم؟”
تملّكت الصدمة جسد سيان، فلم تستطع النطق بكلمة. وبين الألم والارتباك، بدأت تدرك بصعوبة كيف استطاعت ريفينانت التحكم ببريتا رغم أنها ليست سيدته.
“كل كائن ذكي مضطر للخضوع أمام قوة ساحقة.”
كان هذا ما تؤمن به ريفينانت دومًا. لقد أجبرت بريتا على الخضوع بالقوة، وابتزاز حياة سيده لتجعله دميةً تحت سيطرتها.
رغم أن بريتا كان مُجبراً على الانقياد لإرادة ريفنانت، إلا أنه بدا قادراً على التمييز بين الصواب والخطأ.
زمجر كالحيوان كاشفاً أنيابها في وجه أوامر ريفنانت، لكنه في النهاية، وبسبب حياة سيده، لم يجد إلا الانقضاض على إيدلين
.
رفع إيدلين رأسه بعدما استعاد وعيه، لكنه لم يستطع مقاومة الجسد الهائل لبريتا الذي غطّى جسده، فأُمسك به بإحكام.
انغرست مخالب بريتا الحادة في حراشف وجلد إيدلين، مخترقةً إياها بقوة. فأطلق إيدلين صرخةً ممزوجة بالألم الحاد، بينما كانت ريفنانت تسحب الوتر ببطء وهدوء وكأنها تستمتع بالمشهد.
“لا..…”
قطّبت سيان حاجبيها، لكنها، ما زالت تحت أثر الصدمة الناتجة عن اصطدامه بعظام التنين الحي، و لم تستطع التحكم جيدًا بقواها السحرية، وكأن جسدها قد أصيب بالشلل، فلم تتمكن من الحركة.
وفي تلك اللحظة، اخترق الهواء صوتٌ مروع لسهملريفنانت وهو يشق طريقه ليغرس نفسه مباشرةً في جسد إيدلين.
“كآآآخ!”
“…..كَه!”
تناثر الدم الأسود مع صرخة موجعة، وإيدلين يتلوى من الألم فيما كان كارل يمسك صدره كاتمًا أنفاسه من شدته.
“آهاهاهاها!”
غرست ريفنانت سلاحها الوحشي في جسد إيدلين، وأطلقت ضحكةً مجنونة تحمل جنون المنتصر.
أما سيان، فظلت عاجزةً، تراقب المشهد أمامها بقلب يعتصره الأسى.
فالسلاح المصنوع من عظام تنين حي يمتلك تفوقًا ساحقًا على كل من التنين وسيده، إذ يكفي أن تلامس قوته السحرية دون أن تصيب الجسد حتى يشعر الخصم وكأنه ضُرب بصاعقة تشل جسده بالكامل.
فكيف إذا أصيب به إصابةً مباشرة؟ ولهذا، كان من المؤكد أن إيدلين لن يتمكن من الحركة لفترة طويلة.
شعرت سيان وكأن صدرها يحترق بسواد قاتم، فقبضت على أسنانها بقوة وأحكمت قبضتها على سيفها من جديد.
“…..أنتِ مجنونة.”
“أهذا أمرٌ جديد؟”
ردت ريفنانت بابتسامةٍ صافية وكأنها تمازحها، وقد استعادت قليلًا من أنفاسها.
“أرأيتِ؟ قلت لك من قبل…..بما أنه كائنٌ يمتلك عقلًا، سيكون من الأسهل إخضاعه.”
رمقت ريفنانت بريتا بنظرة مفعمة بالسعادة، بينما كان بريتا يقبض على إيدلين المرتجف، وعيناه تحملان مزيجًا قاتمًا من القتل والخوف تجاهها.
فارتجفت ريفنانت من فرط سعادتها بذلك البريق في عيني التنين.
“صحيحٌ أنني لم أستخدم القوة وحدها، بل رهنت حياة سيده، لكن النتيجة واحدة.”
[الآن…..أنقذي سيدي.]
زمجر بريتا بصوت متحشرج، وكانت نبرته مفعمةً بالحزن.
“ليس بعد…..سواء أذللته أو قتلته، بعدها فقط سأُبقي سيدكَ حيًّا. وحتى ذلك الحين، فأنا سيدتكَ الآن، وعليك أن تطيع أوامري.”
انكمش بريتا ككلب مقيد بالسلاسل.
“يبدو أنكِ في غاية السعادة…..فلطالما تمنيت أن تكونِ سيدةً لتنين.”
كشفت سيان عن أنيابها في وجهها.
“لكن سيد التنين الحقيقي ليس هكذا…..لو غيّر بريتا رأيها، قد يلتهم عنقكِ في لحظة، فهل يفرحكِ أن تكونِ نصف سيدة تنين فقط؟”
“…..أنت لا تفهمين، سيان…..أنتِ التي جلست ساكنةً وتلقيتِ اختيار التنين دون جهد.”
ابتسمت ريفينانت وكأنها تلقت أعظم المديح، راضيةً عن نفسها كل الرضا.
“تنين…..ذلك الاسم العظيم، ذلك الكائن الجبار المهيب، أصبح الآن تحت قدمي.”
مسحت ريفنانت بنظره بريتا وإيدلين، وفي عينيها بريق حماسٍ مكتوم.
“هل يمكنكِ أن تدركِ شعور الخفقان الذي يملأ صدري الآن؟”
قالت ذلك ثم تركت القوس جانبًا، وسحبت سيفًا من غمده. و ارتسم قوسٌ مائل في الهواء مع شفرة بيضاء حادة كالسيف المرهف، مصقولة الحواف كأنها قد صيغت لتقطع الروح ذاتها.
ورغم أن أعين الناس العاديين لم تكن ترى شيئًا مميزًا، إلا أن سيان أبصرت بوضوح تلك الهالة القرمزية التي تتصاعد من حد السيف، هالةٌ تحمل ألمًا خانقًا من قوى سحرية تتخلل العظم ذاته، حتى شعرت بثقل رهيب يجثم على كتفيها.
“هل صنعته من عظام ملكة التنانين؟”
“كما توقعت…..عرفتِه فورًا.”
ابتسم ريفنانت ابتسامةً هادئة وهي ترفع السيف، فتراقصت على حدّه موجاتٌ حمراء متلوية، لتستقر في النهاية مصوَّبةً نحو عنق سيان.
“أين أخفيتِ التنين الأسود؟ أريد أن أضمه أيضًا إلى ممتلكاتي.”
لم يلامس البرد القاطع جلدها، ومع ذلك كان النفس يختنق في صدرها من شدة ما انبعث من النصل من هالة ملعونة.
ومع ذلك، تكلّفت سيان ابتسامةً ساخرة باردة.
“هل تظنين أنني سأخبركِ؟”
“أنصحكِ بذلك…..إلا إذا أردتِ أن تري بأم عينيكِ التنين الفضي، الذي طالما حلمنا به، و عظامه تُنتزع حيًّا.”
[…..أفضل الموت ألف مرة ولا أن أرى ذلك.]
____________________
من؟ جت تنينة سيان؟ الو؟
بعدين رفيفنانت تبين ايدلين ولا تقتلينه يامجنونه؟ ليه مسيكين وش سوا؟
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات