تلقّى كارل وحده الصدمة الخفية التي لا تُرى بالعين.
ثم عادت السهام مجددًا تشق الهواء بصوت حاد، مندفعةً إلى السماء. والتنين البني يحلّق بخفة، متفاديًا السهم الثاني بلا عناء.
ومن دون أن يترك للحظة أنفاسه تستقر، تجمّع بريقٌ بني آخر في الهواء. فأطلق كارل شتيمةً خافتة وهو يمد يده لاستدعاء قواه السحرية من جديد، غير أن التوقيت خانه.
و مثل وابل شهب، انهمرت كتلٌ لامعة بلون البني من السماء. وتأخّر سحر كارل، المُزوّد بقوة إيدلين، لحظاتٍ وجيزة قبل أن ينتشر ليغمر ما حوله.
كان ذلك في اللحظة التي انبسطت فيها أجنحة التنين متأخرة عن أنفاسه المندفعة، فكشّر كارل عن أسنانه.
— كوااااانغ!
اندلعت الكتل البنية المنقضة نحو الأرض بسرعة مروعة، وانفجرت في الهواء بشرر متقد. فتشنّج وجه كارل تحت وقع دوي هائل يكاد يصم الآذان.
وحول السحر الفضي الذي أطلقه، تموّجت هالةٌ سوداء كثيفة كأعمدة سراب. فلم يكن سحر كارل هو من أوقف أنفاس التنين، بل تلك القوة السوداء التي تدفقت متأخرة.
اتسعت عينا كارل وهو يحدّق في المكان الذي كانت تقف فيه سيان، رافعةً يديها لتُحكم السيطرة على تلك الطاقة السوداء، وعيناها تتوهجان ببريق ذهبي حاد.
فانفلتت ضحكةٌ قصيرة من بين أسنان كارل.
“…..لقد كنتِ حقًا سيدة التنين.”
لطالما راوده الشك وسمع الحكاية مرارًا، لكن أن يراها بعينه الآن، جعل الحقيقة تثبت في قلبه بقوة.
فرفعت سيان عينيها الذهبيتين عن السماء، لتلتقي بنظرات كارل.
“تبدو و كأنك اكتشفت الأمر للتو.”
ابتسم كارل في وجه سيان التي بادلَته ابتسامة هادئة، ثم أمسك بيدها وجذبها إلى الخلف.
وبفضل مساعدة سيان، تمكّنا بصعوبة من صدّ أنفاس التنين، فعاد الصفاء ليمتد في السماء من جديد. لكن…..لم يكن ذلك سوى هدوء قصير، فالهجوم التالي كان وشيكًا.
وبينما كان كارل وسيان يحدّقان في السماء، أطلقت بريتا هذه المرة أنفاس التنين مجددًا من غير أن تُظهر نفسها.
— وزززججج!
اهتزّت السماء الصافية وتلوّنت بأطياف متلألئة، يتخللها صوت شقّ مخيف…..كان ذلك صوت تحطم الحاجز الواقي للقصر الإمبراطوري.
وبينما كانت أجنحة التنين تستعد للانبساط، قطّب كارل حاجبيه.
“الحاجز سينهار…..وبقوة التنين وحدها لن نتمكن من ردع الجسد الحقيقي لبريتا.”
“…..لا أستطيع استدعاء تنيني.”
ارتسمت على وجه سيان ملامح حرج وهي تجيب، مدركةً أنه حتى في هذا الموقف الحرج، فإن ظهور التنين الأسود سيثير ذروة الخوف والذعر في النفوس، نظرًا لسمعته المخيفة التي ترددت عبر الألسنة.
“إيدلين يكفي.”
فارتسمت على شفتي كارل ابتسامة باهتة، وتحولت عيناه الذهبيتان إلى نظرة حادة متوهجة بالضوء.
وفي تلك اللحظة، انهمرت أنفاس التنين المعلقة في السماء. لكن كارل، وقد كان مستعدًا هذه المرة، لم يُفوّت التوقيت، وبسط أجنحة التنين في الهواء ليتصدى للهجوم.
— تشاانغ!
إلا أن الحاجز الواقي للقصر، الذي تلقّى ضربات التنين مرارًا، لم يعد يحتمل، و أطلق صوتًا حادًا ينذر بانهياره.
وعلى خلاف ذلك الصوت المريب، انسكبت ألوان لا حصر لها من السماء، تحيط بالقصر كقوس قزح وتنتشر في مشهد بديع.
‘جمالٌ لا طائل منه..…’
قطّبت سيان حاجبيها وهي تراقب الحاجز الذي حمى القصر الإمبراطوري لأكثر من ألف عام وهو يتداعى أمام عينيها.
لم يكن في وسعها استدعاء التنين الأسود، لكنها لم تتردد في استدعاء قوته. فمدّت سيان يدها، و انبعثت في الهواء هالةٌ سوداء تتصاعد مثل السراب، وتجسدت منها شفرة سيف.
تابع كارل المشهد بنظرة معقدة وهو يراقب سيان تقبض على السلاح.
ثم اخترق الجو صوتٌ حادّ، أشبه بجناح طائر ضخم يشق السماء، معلنًا عن أنفاس تنين بريتا وهي تتساقط من السماء من جديد.
مرّر كارل لسانه على شفتيه اليابستين من غير وعي. لقد تحطّم الحاجز الإمبراطوري بالكامل، وما سيأتي بعده من سحر هائل ينفثه جسد التنين، سيكون عليه أن يواجهه بقوته وحدها.
“سأساعدكَ.”
حتى وصول إيدلين إلى القصر، كان عليهما الصمود مهما كلّف الأمر.
قالت سيان ذلك بصلابة، وهي تترك سيفها الأسود يتدلى إلى جانبها، ونبرتها ثابتة لا تقل حزمًا عن أي رجل محارب.
وفي اللحظة التالية، اندفعت سهام الجنود نحو السماء.
كانت بريتا تحلّق على ارتفاع منخفض بعدما أدركت أن الحاجز قد تحطم. وفي اللحظة ذاتها تقريبًا، انهمرت أنفاس التنين.
لهبٌ بني اللون، متألقٌ ومهلك، انقضّ على الأرض في هيئة كتل كادت أن تكون كارثية، فاعترضتها أجنحة متشكلة من سراب أسود وفضي شقّت الفضاء لتحجبها.
— كواكوااانغ!
اصطدمت القوى السحرية وحدها، من دون أي سند من الحاجز، فانفجر التصادم بقوة لم يعرفاها من قبل، قوةٌ وحشية تكاد تفتت الآذان.
انخفضا كارل وسيان معًا في آن واحد، لتفادي الموجة العاتية. بينما اهتزت الأرض كما لو أصابها زلزال، وتصاعدت أصوات القصر الإمبراطوري وهو يتمايل مهددًا بالانهيار.
“آااااه!”
قبل أن يستعيدو وعيهم حتى، بدأت صفوف الجنود المصطفّين في حديقة المتاهة تتفكك، وصيحات الألم تتعالى من كل جانب.
كانت عاصفةً عاتية تجتاح المكان، تهز الشعر والرايات بقوة.
مدّت سيان ذراعها لتحجب الريح عن وجهها، وعيناها تتابعان المشهد أمامها—وبينما كانت تصدّ أنفاس التنين، كان بريتا قد خفّض ارتفاعه حتى كاد يلامس الأرض، ثم راح يجتاح الجنود بجناحيه الهائلين.
أمام هجوم كائن بهذه الضخامة وهذه القدرة الساحقة، بدت أسلحة البشر مجرد خردة عاجزة.
لم يتمكن الرماة من شد أوتار أقواسهم، ولم يجد الجنود فرصةً لرفع دروعهم. و كدمى محشوة بالحديد، سقطوا أرضًا قبل أن يتمكنوا حتى من صدّ ضربة واحدة.
انعقد حاجبا سيان بحدة. فعلى ظهر التنين الذي هبط لمهاجمة الجنود فور تحطيم الحاجز، كانت تجلس امرأة ذات شعر أحمر قانٍ.
“إنها ريفينانت!”
صرخت سيان لكارل، قبل أن تتمكن من تحليل الموقف، مدفوعةً بسؤال واحد يملأ رأسها: كيف؟
ريفينانت…..كانت صيّادة تنانين، لا سيدة تنين. أما سيد بريتا، أنطونيو، فكان محتجزًا في زنزانة تحت الأرض.
فكيف إذًا تتمكن هي من التحكم ببريتا؟ كلن الأمر خارج حدود الفهم.
وبينما تتجه إليها صيحة سيان، التفتت المرأة الجالسة على ظهر بريتا نحوها، وتلوّت شفتاها بابتسامة مشوّهة.
كانت تلك الابتسامة مشبعةً بنية القتل، ابتسامةٌ باردة مخيفة إلى حد لا يوصف.
‘تلك المرأة المجنونة…..’
لم يعرف بأي طريقة فعلتها، لكنها ابتلعت لعناتها داخلها، و هي تواجه حقيقة الموقف الماثل أمامها.
كانت ريفينانت طوال الوقت تتوق لأن تصبح سيدة تنين، ويبدو أنها—بأي وسيلة—حققت ما أرادت.
قبل أن تتمكن سيان من اتخاذ أي وضع دفاعي، كانت ريفينانت قد رفعت قوسها بخفة مذهلة، وانتزعت سهمًا من الجعبة المعلقة على ظهرها، ووضعته على الوتر.
و لم يكد يمر طرف رمش حتى كانت قد شدّت القوس وأطلقت السهم مباشرة نحو قلب سيان.
حتى كارل، الذي كان يراقب ريفينانت الجالسة على ظهر بريتا، لم يتمكن من متابعة كل حركتها؛ فقد كانت السرعة خارقة.
لكن السهم المتجه إلى سيان اصطدم بجدار من السحر الأسود، وتوقف في الهواء قبل أن يلامسها. ثم هبط على الأرض بلا حياة، إلا أن سيان تهاوت أنفاسها فجأة، وكأن السهم قد اخترق جسدها فعلًا، فتراجعت بخطوات متعثرة.
رغم أنها صدّت السهم، إلا أن ألمًا طاعنًا اجتاح جسدها بأسره، كأن عظامها قد تهشمت من الداخل.
تماسكت بقوة لتكتم صرخةً حادة، واستندت بصعوبة على قدميها بينما العالم أمام عينيها يغرق في السواد، وعقلها فارغٌ من أي لون.
فأدركت في الحال أن السهم الذي استهدفها لم يكن سهمًا عاديًا.
“سيان!”
كان كارل قد اطمأن حين رأى السحر يصدّ السهم، لكن ما إن لمح سيان تتمايل وتتلوى من الألم حتى شحب وجهه وصرخ بفزع، منطلقًا نحوها. غير أن الهواء من حوله ارتج فجأة، واهتز بحدةٍ مشبعة بنية القتل.
“كارل، احذر!”
من دون أن يجد وقتًا لاستدعاء السحر، انقلب بجسده على الأرض ليتفادى الهجوم. وحين رفع رأسه واقفًا، كان السهم نفسه—المماثل لذلك الذي صدّته قوة التنين—قد انغرس في أرضية المكان حيث كان يقف قبل لحظات.
حقًا…..لم يكن لقبها “أعظم صيّادة تنانين في عصرها” مجرد ثناء فارغ.
شعر كارل بقشعريرة تتسلل إلى مؤخرة عنقه، ولسانه يبلل شفتيه بقلق.
“إنها عظام تنين حي…..لقد صنعت رؤوس السهام منها.”
كان إحساسًا مألوفًا…..برودة تسري في العمود الفقري، وألم يخنق الأنفاس. فأغمضت سيان عينيها بقوة، وهزت رأسها بعنف محاولة استعادة وعيها.
كانت تعويذة أنطونيو التي كادت تقتل كارل قد حُفظت في صندوق خاص، بحيث يمكن التعامل معها دون أن تسبب أي ضرر، لكن الهجوم الذي باغتها الآن كان مختلفًا تمامًا.
تحت وطأة طنين يصم الأذن يكاد يشطر رأسها، وعرق بارد يتصبب منها، شرحت لكارل ما يحدث. عندها فقط قطّب حاجبيه بشدة دون وعي، مدركًا السبب الذي جعلها تترنح وكأنها أصيبت إصابةً قاتلة رغم أنها صدّت السهم.
وفيما كانا سيان وكارل مشوشي التفكير بهجوم ريفينانت، كانت بريتا قد أجهزت على الجنود من حولها، ثم رفرفت بجناحيها مولدةً عاصفة هادرة.
أتحاول الهرب؟ ضيّق كارل عينيه.
[لن أسمح بذلك.]
وما إن بدأت بريتا ترتفع نصف متر عن الأرض، مثيرةً دوامة هواء عنيفة، حتى دوّى صوت إيدلين في السماء، يملأ الأفق. ومن خلف الأسوار العالية، اخترق بريقٌ فضي واضح زرقة السماء، مقتربًا بسرعة هائلة.
— كآآآااخ!
وعلى خلاف ما فعل في إيفاريد حين تعمد الظهور بهدوء، اندفع إيديلين هذه المرة محلقًا بسرعة جنونية، بزئير هادر، وأجناده الفضية تتلألأ بجمال ساحر، فيما تتعقبها هالة من السحر تمتد كذيل طويل خلف جسده.
ارتسمت على وجه سيان ملامح ارتياح، وكأنها أبصرت أخيرًا دعمًا حاسمًا.
أما كارل، فاستدعى سيفه في الهواء مستخدمًا قواه السحرية، وقبض عليه بقوة.
وعلى مقربة منهما، كانت ريفينانت قد هبطت من على ظهر بريتا، واقفةً بثبات، تبتسم لهما ابتسامةً باردة موغلة في الخطر.
و لم تلتفت حتى إلى زئير إيدلين المدوّي خلفها، وكأن وجوده لا يعني لها شيئًا.
______________________
ريفينانت ناويه تقتلهم؟😦
سيند هيلببب هندريك وينه؟ كل ذاه يطلع الامبراطور؟ حشا!
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات