كان من المؤكد أن هناك مكانًا مخصصًا يمكن إجراء الاستجواب فيه، ومع ذلك، أدركت سيان أن إجراءه على مقربة من مكان احتجازها كان نوعًا من الاعتبار الموجه لها.
“……لا أحد، لا أحد على الإطلاق. كم مرة يجب أن أقول ذلك حتى تصدقني؟ أنا الذي اختارني التنين، ونلت بفضل جلالته نعمًا كثيرة، كيف يمكن أن تخطر ببالي فكرة إيذاء إلينا؟”
لم يكن هندريك يتوقع منه اعترافًا صريحًا، لذا لم يُفاجأ بإجابة أنطونيو التي لم تتجاوز ترديد نفس الكلام كالببغاء، فرفع يده يحك صدغه بضجر.
“اغتيال ملكة التنانين يعني اغتيال جلالته نفسه، وعقوبته أن تُمزق إربًا إربًا، ويُباد كل من له صلةٌ بكَ.”
“ألم يكن كل هذا مجرد ادعاء من سيدة ذلك التنين الأسود؟ لماذا يثق سموّك بكلمات تلك الخبيثة الماكرة أكثر مما يثق بي؟”
“سيدة التنين الأسود لم تفعل سوى تقديم الأدلة، أما أنا فأصدق ما تبرهنه الأدلة أكثر من الكلام.”
قال هندريك ذلك ببرود وهو يخفض نظره للحظة، ثم رفعه فجأة ليحدق في أنطونيو مباشرة.
عيناه التي كانت كالبحر الهادئ أطلقتا للحظة بريقًا ذهبياً حادًا أشبه بحد السيف.
“……!”
رغم انعدام النوافذ في القاعة تحت الأرض، ما جعل الهواء ساكنًا، إلا أن شعر أنطونيو تطاير فجأة.
فقد تدفقت هالةٌ بنفسجية كأمواج والتفت حول جسده، وفور أن أدرك ماهيتها، جمده الرعب، وأخذ يتلوى في قيوده.
لقد كانت طاقة ناثان السحرية.
كانت القوة التي تطبق عليه حادةً لدرجة أن الجنود الواقفين بجانبه استطاعوا الإحساس بها وهي تمزق السكون من حولهم.
مرّ خيطٌ من تلك الهالة البنفسجية أسفل ذقنه المقيّد، فبدأ الدم يرشح ببطء.
“يبدو أنكَ لا تنوي الاعتراف بسهولة……إذاً، سأمنحكَ وقتًا للتفكير. لكن، إن واصلت الادعاء بالبراءة رغم وضوح الأدلة، فلن يكون أمامي سوى اللجوء لأساليب أكثر قسوة.”
ظل صوته هادئًا على نحو جعل وقع كلماته أكثر قسوة بلا رحمة، فيما تحولت قوة تنين هندريك السحرية إلى شفرات حادة لامست كتفي أنطونيو وذراعيه وساقيه.
ومع أن طاقة الهالة البنفسجية التي لامست جسده لم تُحدث سوى تمزيق طفيف في أطراف ثيابه، إلا أن أنطونيو انتفض مذعورًا وكأن أطرافه قد بُترت بالفعل.
“المرة القادمة ستُبتر أطرافكَ يا أنطونيو.”
كانت تهديداته، الهادئة والنابضة بالثقة، أشد رعبًا من الصراخ.
ومن ملامح هندريك الثابتة التي لا ترتجف، أدرك أنطونيو أنه جادٌ تمامًا. فشهق شهقةً حادة وقد اعتراه الهلع.
“سموك، سموك! أرجوكَ أنقذني! لم أفعل سوى منحها هويتي وبعض العون!”
توقفت الهالة فجأة البنفسجية التي كانت تحوم من حوله بشكل مخيف.
“ومن يكون هذا الشخص؟”
“ريفينانت! لا أعرف كنيتها! جاءتني ذات يوم، أنا الذي كنت أُحتقر لكوني من عامة الشعب، ووعدتني بقوة هائلة وسلطة عظيمة، فتقربت مني!”
كان هندريك يعرف بالفعل الهوية الحقيقية للمرأة التي جلست في قصر كارتر كزوجةٍ له، وكل ما أراده الآن هو سماع اعتراف أنطونيو. لذلك، هو وكارل لم يبديا أي دهشة وهم يسمعون كلامه.
“كانت تحمل سيفًا ذا نصل أسود تحيط به هالةٌ مظلمة، قوة غريبة تشل حركة التنانين، وقد أرغمني تهديدها وسلاحها على……على الزواج من صيادة التنانين.”
سأل هندريك بهدوء وهو يعيد صياغة ما سمع،
“تقول أنكَ تزوجت صيادة التنانين تحت التهديد؟”
حينها فقط أدرك أنطونيو أن هندريك كان يعرف الحقيقة منذ البداية، فتجمدت كلماته في حلقه، وبقي فمه مفتوحاً وهو يحدق فيه، وعيناه المرتجفتان بدتا وكأنهما تواجهان عاصفةً عاتية.
“أكنت……أكنت تعرف بالأمر منذ البداية؟”
“ألم تدرك ذلك إلا الآن؟”
ابتسم هندريك ابتسامةً مائلة تكسوها السخرية.
“لقد كنت تعلم، عن طريق صياد التنانين ريفينانت، أن خطيبة كارل هي سيدة التنين الأسود، لكنكَ لم تفكر ولو للحظة أن كارل نفسه قد يكون على علم بحقيقتها؟”
أطلق هندريك ضحكةً ساخرة، فيما بدا أنطونيو، الذي أذهله الخوف حتى أفقده اتزانه، بأنه لم يسمع من ريفينانت سوى هوية سيان، دون أن تبلغه شيئًا عن علاقتها بها.
“كنت أظن أنكَ قد تخبئ بعض الذكاء، لكنكَ في النهاية مجرد دمية غبية أكثر مما توقعت.”
“سموك……سموك، لماذا تعاملني هكذا؟! لم أفعل سوى أن منحتها هوية تخولها الإقامة في العاصمة بزواج صوري، أما قتل ملكة التنانين، أو قصة هجوم بريتا، فكلها من صنعها! ليس هناك أي سبب يجعلني ألقى هذا المصير……!”
“حتى وإن لم تكن أنت من قتل ملكة التنانين بيدك مباشرة، فبصفتكَ شريكًا في الجريمة، فذنبكَ ثابتٌ لا شك فيه. وما اعترفت به اليوم سيكون الأساس الذي سنبني عليه للقبض على تلك المرأة.”
“أرجوك سموك، أرجوكَ أبقني حيًّا! سأجعلها تأتي إليكَ راكعة عند قدميكَ……!”
صرخ أنطونيو وكأنه على استعداد لأن يلعق قدميه رجاءً في النجاة، لكن هندريك نظر إليه بملامح اشمئزاز، كما لو كان يحدق في جرذ حقير يبحث بيأس عن منفذ للهروب.
“أرسل الجنود إلى قصر اللورد كارتر، واعتقلوا زوجته وصياد التنانين ريفينانت.”
أصدر هندريك أمره لقائد الحرس الواقف بانتظام خلفه.
“أنتَ مختلفٌ تمامًا عن صيادة التنين التي لا تعرف سوى المكر والخداع، فلا حاجة بي إلى أن أستخدمكَ طُعمًا عمدًا.”
كان أنطونيو يعتزم أن يطرح نفسه ذريعة لاستدراج ريفينانت بحثًا عن فرصة للنجاة، لكن ما إن سمع كلمات هندريك التالية حتى اصطكّت أسنانه وارتعد خوفًا.
“حقًا……ياله من منظرٍ مثير للشفقة.”
تنهد كارل بضيق، إذ بدت الأمور تُحل بسهولة مملة، وألقى بنظره نحو ممر السجن السفلي.
هناك، في زاوية يعكس فيها وهج المشاعل الحمراء ظلالًا مقلقة، كانت سيان تقف خلف القضبان مكتوفة اليدين، تتابع كل مجريات الاستجواب وكأن الأمر لا يعنيها.
لم يكن الظلام يسمح بالتيقن، لكن كارل شعر وكأن نظراتهما قد تلاقت، فانعقد حاجباه قليلًا.
في الحقيقة، المشكلة لم تكن في صيادة التنين.
‘هل أسحبها بالقوة……؟’
حدق كارل في ظل سيان الصامت داخل الزنزانة، وكأنه قد استسلم تمامًا، وهو يفكر في الأمر.
طالما لم تُكسر تلك الأحكام المسبقة المشؤومة عن التنين الأسود، فإن كلمات سيان التي سمعها منها في أيام جهله كانت في محلها تمامًا.
“كصباح وليل يعيشان في عالم واحد لكن لا يمكن أن يتواجدا معًا.”
لم يكن الناس يرغبون في عالم غريب تشرق فيه الشمس ويظهر فيه القمر في الوقت ذاته.
و كان من الأفضل لو لم تُفصح عن الأمر.
ابتلع كارل شيئًا من الامتعاض تجاه سيان التي، دون أن تخبره أو تستأذنه، فضحت بجرأة في قاعة اجتماع النبلاء بهويتها الحقيقية.
“إذاً، بعد أن نمسك بريفينانت، سنستأنف الاستجواب معًا. احبِسوها.”
كان كارل غارقًا في أفكاره وهو يحدق عبر الممر السفلي، حينها نهض هندريك متحدثًا.
و في تلك اللحظة، اختفى أثر السحر البنفسجي الذي كان يحوم قرب أنطونيو وكأنه لم يكن.
قبل أن يلتقط أنطونيو أنفاسه مرتاحًا، تحرك الجنود. و كان الجنود المدججون بالسلاح يجرّونه إلى زنزانة منفصلة.
ومن خلف باب حديدي صغير نافذته مخصصة للمراقبة، أُغلق عليه بإحكام، ثم أُحكمت ثلاثة أقفال متتابعة، فيما كان هندريك و كارل يراقبان العملية بعناية حتى نهايتها.
“فلتعد أولًا يا أخي.”
لكن قبل أن يغادر هندريك، تحدث له كارل. عندها ألقى هندريك نظرة عليه، ثم أعاد النظر إلى الممر حيث تُحتجز سيان.
“لا تمكث طويلًا……فهناك الكثير من العيون التي تراقب.”
“مفهوم.”
أومأ كارل برأسه. ثم وقف أمام قضبان زنزانة سيان.
في قلب سجنٍ تحت الأرض، أشد بؤسًا من أي مكان رديء قد مرا به معًا من قبل، كانت سيان جالسةً القرفصاء وكأنها معتادةٌ على هذا المكان.
ذيل الفستان الذي طلبه كارل خصيصًا لها كان ملوثًا بأوساخ الأرضية المظلمة.
وقد ظلت سيان صامتة تحدق به حتى لحظة دخوله إلى الزنزانة بعد أن فتح الباب بتهور.
ولم يبالِ كارل بتلوث طرف سرواله النظيف، بل جثا على ركبة واحدة أمامها ليخفض مستواه.
“……هل كان لابد أن تكشفي نفسكِ؟”
رفعت سيان رأسها عند سؤاله، لتتبادل معه النظرات.
“حتى لو لم تُفصحي عن كونكِ سيدة التنين الأسود، قد لانتهى الأمر على هذا النحو.”
“لو لم أفعل، لكان أحدهم كشف الأمر. فلا يوجد في هذا العالم سرٌ كامل.”
ردّت سيان بهدوء على كلمات كارل.
“ولو أن الحقيقة ظهرت على لسان غيري، لاتُّهمت بأنني أخفيت الأمر عمدًا، ولا شك أن سمعة التنين الأسود كانت ستتلوث أكثر.”
ثم ابتسمت بمرارة، وكأن فكرةً ما خطرت لها.
“……رغم أنني لست متأكدة إن كان هناك أصلًا ما يمكن تسميته بسمعة التنين الأسود.”
فتجهم وجه كارل على الفور عند نبرتها المليئة بالسخرية من الذات.
“لم يقترف ذنبًا، لذا عاجلًا أم آجلًا-”
“وهل كان إيدلين قد أنجز أمرًا مجيدًا جعله يستحق كسر قانون الامبراطورية لتصبح وليّ العهد، حتى تعالت أصوات النبلاء بذلك؟”
كان كارل على وشك أن يقول: “عاجلًا أم آجلًا كان سيُعترف به”، لكن صوت سيان الذي قطع حديثه جعله يطبق شفتيه ويعضها بشدة.
“الأمر سيّان. سواءً فعلتُ شيئًا أو لم أفعل، فهم لا يهتمون. تمامًا كما أنكَ لم تستطع إنقاذ نفسك وانتهى بك الأمر منفيًا إلى إيفاريد.”
بدت كلماتها كأنها تقول: “وأنت أيضًا لن تستطيع إنقاذي.” فشعر كارل بمرارةٍ خانقة تملأ صدره وأطرق برأسه.
عندها ابتسمت سيان نحوه ابتسامةً حزينة.
“ولِمَ هذا الوجه؟ أتدري كم كان شعوري رائعاً عندما اعترفت هناك بأنني سيدة التنين الأسود؟”
___________________
انطونيو الخيخة اعترف بس باسم ريفينانت؟ طيب والماركيز يازفت؟
المهم سيان درباوية متربعة على الارض بالفستان 😭 لا وفي السجن بعد ختمت الزحف✨
كارل مسيكين ماعاد عرف يتصرف يوجع
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"