ابتسمت سيان ابتسامةً ساخرة، وأطلقت ضحكةً قصيرة خاويةً من أي بهجة.
“لقائي بسمو الأمير كان بعد أن لُفّقَت له تهمة اغتيال ملكة التنانين. فهل تزعمون أنني قفزت عبر الزمن لقتل إلينا؟”
ساد الصمت بين النبلاء أمام ملاحظتها الباردة الدقيقة.
“إعلاني أنني سيّدة التنين الأسود لم يكن إلا لأدافع عن براءتي بالمنطق والحقائق…..لا لأطلب منكم أن تحرّفوا الوقائع كي تجدوا سببًا لاتهامي.”
ورغم ذلك، كانت كلمات الشك تتماوج هنا وهناك مثل أمواج صغيرة، غير مقتنعين تمامًا بطرحها.
حتى مع جرأتها في كشف هويتها وتفسير ما حدث بوضوح، بدا وكأنهم غير قادرين على تصديق أن قاتل ملكة التنانين يمكن أن يكون نبيلًا مسجلًا رسميًا في مجلسهم.
بل لعلهم فقط لا يريدون التصديق.
فكرت سيان بمرارة؛ فالناس يجدون راحةً أكبر في إدانة شرّ مطلق يمكن للجميع أن يوجهوا إليه أصابع الاتهام، أكثر من مواجهة جريمةٍ ارتكبها شخص يعرفون مكانته وهويته بوضوح.
“أما عن سبب وجود حرشفة إيدلين هناك، وكيف حصل القاتل على تلك الحرشفة ليستخدمها في تلفيق التهمة لي…..فذلك أمر سيُكشف مع الوقت.”
“وكذلك، على سموك أن تشرح لنا كيف سمحتَ لسيّدة التنين الأسود بالدخول إلى القصر بصفتها خطيبتكَ.”
جاء الصوت من بين الحضور، فالتفتت كل الأنظار دفعةً واحدة نحو كارل، كأنها قد جُمعت بخيط واحد.
“حتى لو لم يكن للتنين الأسود أي ذنب، فإنه يظل الشرّ المطلق الذي وقف في وجه التنين الفضي، والتنين الفضي هو رمز الإمبراطورية. ومنذ تأسيسها، لم يكن من الممكن مطلقًا أن يجتمع التنين الأسود والتنين الفضي.”
كانت آراء النبلاء حازمةً وقاطعة، وهو أمرٌ كان متوقعًا تمامًا، لكن هندريك ألقى بنظره نحو كارل، وكأنه يتساءل عن رد فعله.
“سموه لم يكن يعلم أنني سيّدة التنين الأسود، لأنني لم أخبره بذلك أبدًا.”
لم تنتظر سيان إجابة كارل، بل سبقت بالحديث.
“لذا…..سأفسخ الخطوبة.”
نظرت نحو كارل مباشرة.
“كما قلتُ سابقًا، لا أنوي إلحاق أي أذى بالعالم. لكن إن كان مجرد وجود التنين الأسود يجعلكم ترتعدون خوفًا وتعتبرونه نذير شؤم..…”
رأت سيان بوضوح التجهم الخفيف الذي ظهر على حاجبي كارل.
“فسأتقبل أي حكم، سواء كان السجن أو الإعدام.”
ثم، دون أن تغفل عن ملامح كارل، أطلقت الكلمات التي كانت قد أعدتها مسبقًا، فعبس وجهه فجأة.
“ماذا..…!”
كاد كارل أن ينهض مندفعًا من مقعده وهو يركل الطاولة، لولا أن يد هندريك التي امتدت من جانبه أوقفته في اللحظة الأخيرة.
“يجب أن تُسجن.”
“أرسلوها إلى أرض التنانين الفاسدة. فهي المكان الذي فرّت إليه بقايا التنين الأسود المهزوم بعد حرب التأسيس، وهو المكان الأنسب له.”
تعالت الأصوات من هنا وهناك، تتوجه إلى ولي العهد، تطالبه بالحكم. أما كارل فقبض على أسنانه بقوة، وعيناه تمسحان من حوله بنظرات غاضبة.
فتاةٌ كادت تُقتل ظلمًا على يد والديها، وعاشت طوال حياتها في هدوء دون أن تؤذي أحدًا، ومع ذلك لم يظهر هؤلاء النبلاء ذرة من التعاطف نحوها.
و لم يكلّفوا أنفسهم حتى عناء التفكير بما يعنيه أن تقف الآن، أمام هذا الجمع، لتعلن بكل شجاعة أنها سيّدة التنين الأسود، و مستعدةً لتلقي الحكم، أياً كان.
كل ما فعلوه أنهم انغمسوا في صخبهم، يتجادلون ويأمرون بعضهم بعضًا وكأن مصيرها لعبةٌ يلعبون بها.
‘…..تبا لهم.’
ضغط كارل على أسنانه، يمضغ بينهما شتيمةً لاذعة.
لم يتغير شيء…..كان الأمر نفسه في الماضي، حين كان والده الإمبراطور في أوج سلطته، حيث اجتمعوا في هذه القاعة ذاتها، وصرخوا بأن يُجرَّد هندريك كلاوس، سيّد التنين وولي العهد الشرعي، من مكانته، ويُنصَّب بدلاً منه كارلستون كلاوس، سيّد التنين الفضي، على اعتبار أن التنين الفضي هو “ركيزة الإمبراطورية”.
وتحت ضغطهم، لم يجد الإمبراطور مفرًا من إرسال كارلستون، الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، إلى براري إيفاريد.
رسميًا كانت مهمة تعيينه كلورد لتلك الأرض، لكن في الحقيقة لم يكن سوى نفي مُقنَّع لإبعاده عن القصر بحجة أنه يثير الاضطرابات داخل العائلة الإمبراطورية.
“…..على أي حال.”
رفع هندريك يده إلى صدغيه، يضغطهما بإصبعيه كما لو كان يحاول تهدئة صداع بدأ يشتد.
“بعيدًا عن الفوضى التي لم تكن مقصودة، لم يثبت حتى الآن ما إن كان للتنين الأسود ذنبٌ أم لا، لذا لا يمكن إصدار حكم بحقه.”
استعاد ولي العهد هندريك الذكرى نفسها، وزفر تنهيدةً ثقيلة، ثم جلس متراخيًا على غير عادته.
“إذًا فلتُحتجز على الأقل.”
قال الماركيز ذلك بنبرة حذرة وهو يوجه كلامه إلى هندريك.
“إن فصاحة سيّدة التنين الأسود ليست بالأمر العادي، وإذا تُركت تتحرك بحرية، فمن يدري أي فوضى قد تثيرها بعد ذلك؟ من الأفضل تقييدها أولًا، ثم التفكير في الأمر بروية لاحقًا.”
ألقى الماركيز نظرةً جانبية نحو سيان الواقفة على المنصة.
وفي اللحظة التي بدأ فيها هندريك بالتفكير في الأمر، حدّق كارل بالماركيز بعينين حادتين، كأنه على وشك أن يمسكه من ياقة ثوبه، كاشفًا عن أسنانه في غضب.
“لا تقل هذا الهراء، يا عمّي. مهما كانت حقيقتها، فهي خطيبتي.”
“ألم تقل هي بنفسها أنها تريد فسخ الخطوبة، يا ابن أخي؟”
قال الماركيز ذلك وهو يعقد حاجبيه بأسى مصطنع.
“إنها تصر على فسخ الخطوبة بهذه الحدة من أجل الحفاظ على شرفكَ بصفتكَ سيّد التنين الفضي. إنه أمرٌ مؤسف، لكن استمرار هذه الخطوبة مستحيل.”
“عمّي!”
“أم أنكَ مستعدٌ، من أجل امرأة واحدة، لأن تلطخ شرف إيدلين، التنين الذي ورث دماء ييغدراسيل؟”
جاءت كلمات الماركيز عاليةً متعمداً، لتتساقط من حولهم نظراتٌ حادة من المقاعد الدائرية.
نظرات كالسيوف، غارقةٌ باللوم والاتهام، فوجد كارل نفسه عاجزًا عن الرد، كأنه فقد صوته.
هز الماركيز رأسه في أسف متصنع.
“على أفراد العائلة الإمبراطورية أن يحافظوا على شرف الإمبراطورية وكرامتها. لذا، يا ابن أخي الصغير، التزم الصمت من الآن فصاعدًا.”
قبض كارل على أسنانه وهو يرمق الماركيز بنظرة مدمّرة.
كان بإمكانه أن ينفجر غضبًا ويثير جلبةً كما يشاء، لكن المشكلة كانت سيان الواقفة على المنصة.
فهي بالتأكيد لن ترضى بأن يُلطخ اسم إيدلين الفضي لمجرد أنها خطيبته، وإلا لضاع كل ما جازفت به وأقدمت عليه حين أعلنت هويتها كسيّدة التنين الأسود، وصار جهدها كله هباءً.
“الرأي يكاد يكون بالإجماع، لذا، وعلى أي حال، من الأفضل في الوقت الراهن إبعادكَ، يا كارل، عن الآنسة.”
“وما الذي فعلته هي؟!”
“الأمر لا يتعلّق بالعقوبة، فلا شأن لنا بكونها مذنبةً أم لا. لكن الجميع يخشون وجود التنين الأسود، وهذا إجراءٌ احترازي لا أكثر.”
قال هندريك ذلك، وملامحه تُظهر أنه لم يكن راضياً تماماً عن القرار، لكنه لم يجد سواه.
فحين تكون غالبية مجلس النبلاء – الذي يمكن القول أنه يمثل كامل الإمبراطورية تقريباً – يترقبون جريمةً من التنين الأسود، ويحدّقون بأعين قاسية، إلا أن سلطة ولي العهد نفسها لا تتسع لاتخاذ قرار خارج هذا الإطار.
“في زمن التأسيس، كان التنين الأسود والتنين الفضي خصمين لدودين. وإن كنا نجهل هويتها في السابق، فها نحن قد علمناها الآن. لذا، كما قال عمي، سنحتجزها احتياطياً.”
“أخي!”
حين قبل هندريك رأي الماركيز، إذ لم يستطع تجاهل الجو المشحون في مجلس النبلاء، انفجر كارل رافعاً صوته بالاعتراض.
“سنستجوب أنطونيو كارتر ونحقّق بعمق أكبر في حادثة هجوم بريتا، وإن ثبتت براءتها فستُطلَق سراحها.”
“موافقة.”
قالت سيان ذلك بهدوء، موافقةً على قرار هندريك، فعاد الضجيج الذي كان يعصف بالمجلس مطالباً بإسكات صاحبة التنين الأسود.
لم يكن هناك من لم يتقبل القرار سوى كارل. وحين همَّ بفتح شفتيه ليعترض أكثر، أشار له هندريك بهزة خفيفة من رأسه في معنى: “كفَّ عن ذلك.”
كان هندريك، الذي اعتاد زيارتهم كثيراً، يعرف جيداً أن التنين الأسود لم يُظهر نفسه قط، وأنه منذ وصول سيان إلى القصر الإمبراطوري، كانت ملازمةً لكارل طوال الوقت.
وكما كان كارل يعتقد، فقد رأى هندريك أيضاً أن احتجازها أو فسخ خطبتها لمجرد كونها سيدة التنين الأسود، إجراءٌ مبالغ فيه، لكن الأمر كان يحتاج إلى وقت.
وقتٌ كافٍ ليتقبل النبلاء والعالم، الذين أثارهم الصخب الفارغ حول التنين الأسود، حقيقة وجوده.
***
“أنا بريءٌ يا صاحب السمو! لا أعلم شيئًا عن عظام التنين الحي، وطعن سموه كان، كما تعلم، محض خطأ غير مقصود!”
“مجرد قولك أنك لا تعلم لا يحل الأمر يا أنطونيو.”
كان أنطونيو، المقيّد اليدين والقدمين، يصرخ محتقن الوجه مدافعًا عن براءته، غير أن هندريك، الذي اعتمد عظام التنين الحي دليلاً قاطعًا، ظل باردًا لا يتزعزع.
“لقد تأكدنا من أن جثمان إلينا قد نُزِعت منها عشرة عظام كاملة، وكما قالت إيرا تشاندلر، فإن هذه الأشياء لم تعد تُتَداول في السوق السوداء منذ زمن بعيد.”
تأرجحت المشاعل باضطراب، تلتهم رطوبة الهواء الثقيل المميز للسجن، بينما كانت قضبانٌ خاصة تمتص طاقة التنانين تحجب الداخل.
ومن خلف ظلال اللهب المتراقص، راقبت سيان بصمت مجريات التحقيق.
“إن أردت تخفيف العقوبة، فليس أمامكَ سوى الاعتراف بما فعلت وطلب العفو. فعظام ملكة التنانين المفقودة، والخنجر الذي طعنت به كارل…..في ظل هذه الملابسات، ستتحمل وحدكَ عقوبة قتل ملكة التنانين.”
لم يكن في نبرة هندريك ما يوحي بالتهديد أو بمحاولة إثارة الخوف، لكنها، ببرودها الحاد وخلوها من أي انفعال، عمّقت رعب أنطونيو المقيد والعاجز.
“الممر المؤدي إلى عش ملكة التنانين لا يعرفه سوى أفراد العائلة الإمبراطورية، ولا أظن أنكَ استطعت مواجهته وانتزاع عظامه وهو حي بمفردكَ. لا بد أن هناك شريكًا دلّك على الممر وساعدكَ على قتله.”
جلس هندريك على مقعد بعيد عن الجنود المحيطين بأنطونيو، فيما كان كارل بجواره يراقب بصفته شاهداً على التحقيق.
___________________
انطونيو يازفت قل اسم الماركيز بس خل ريفينانت على جنب شوي لين تمسكها سيان ابي اشوفهم يتهاوشون🥰
وسيان انسجنت؟😭 حسبي الله وين سلطة المعبد طيب ؟ النت بطيء عندهم ماوصلتهم الرسالة؟
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات