لم يستطع هندريك أن ينطق بالسؤال الذي بلغ طرف لسانه.
فقد كان كارل، شأنه شأن الجميع، مذهولًا من انكشاف سيان المفاجئ.
و ظل يحدّق فيها وهي تخوض جدالًا شرسًا مع الماركيز، محاولًا وسط ارتباكه أن يلملم أفكاره المبعثرة.
‘إذاً…..هي تنوي المواجهة المباشرة.’
كان هدف جماعة ريفنانت واضحًا تمامًا: جعل سيان تكشف بنفسها أنها مالكة التنين الأسود، ثم إلصاق هجوم بريتا وقتل ملكة التنانين بها.
وبالأخص أن سيان كانت تتقمص هويةً مزيفة بصفتها خطيبة الأمير، فجرائم التنين الأسود — من اغتيال ملكة التنانين إلى مهاجمة بريتا — لن تلطخ اسمها وحدها، بل ستجرّ سمعة كارل في الوحل معها.
ومع ذلك، لم يفكر كارل في التهرب. فإذا كان الناس سيصرون بعناد على تصديق أن تنين سيان ارتكب تلك الفظائع لمجرد أن لونه أسود، ومن دون أي دليل، فعلى الأقل هو سيكون الشخص الذي يقف في صفها حتى النهاية.
لكن سيان كانت تعرف جيدًا ما يدور في داخله، ولهذا كانت عازمةً على المواجهة المباشرة.
أرادت أن تكشف بنفسها أنها مالكة التنين الأسود، لتدافع عن براءتها، وفي الوقت نفسه تؤكد أن خطيبها الأمير كارلستون لم يكن يعلم بهويتها الحقيقية.
إن سارت الأمور بسلاسة، فسيحصل ماتريد…..
دار كارل بعينيه في أرجاء قاعة الاجتماع التي غمرها التوتر والارتباك، محاولًا أن يجمع أفكاره.
لم يكن يعرف إن رأي كل نبيل على حدة، لكن النظرات الموجهة نحو سيان على المنصة لم تكن ودودةً أبدًا.
مجد الفضة، وكراهية السواد. لو كان تحطيم هذا التحيز أمرًا سهلًا، لما اضطر هو نفسه إلى مغادرة العاصمة وهو صغير السن.
عض كارل على باطن شفته، وارتسمت على ملامحه جديةٌ ثقيلة.
“كنتُ فقط…..أريد أن أقولها لكَ.”
ولم يدرك إلا متأخرًا لماذا بدت تلك العبارة كأنها وداعٌ أخير.
“إيرا تشاندلر، لدي سؤالٌ لكِ.”
قال هندريك ذلك وهو يضع يديه المتشابكتين فوق الطاولة.
“أعلم أن قرار الكونت وينستون تشاندلر بإعلان وفاتكِ وتسجيلكِ كميتة في سجلات النبلاء كان سبب اختفائكِ. لكن لماذا، بعد أن عشتِ طوال هذا الوقت مُخفيةً هويتكِ كمالكة للتنين الأسود، قررتِ الآن أن تكشفي الحقيقة؟”
“أنا أكثر من يعرف كم يعتبر الناس التنين الأسود نذير شؤم. فقبل أن أفهم حتى ما يعنيه أن تختارني قشور تنين سوداء، كنت قد طُردت من والدي بسببها.”
رفعت سيان ذقنها وهي تحدّق في الكونت تشاندلر، بينما ظل مطأطئ الرأس، شاحب الوجه، وعيناه متسعتان بعدم تصديق، كأن ما هبّ عليه من أحداث مباغتة قد سلبه القدرة على الكلام.
ابتسمت سيان بسخرية خافتة، ثم حوّلت نظرها نحو هندريك.
“لو لم أكن قد عثرت على سمو الأمير وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت تهمة زائفة باغتيال ملكة التنانين، لما أعلنت حتى موتي أنني سيّدة التنين الأسود. لست أرغب في بثّ الفوضى في هذا العالم. فأنا وتنينـي لم نرتكب أي جريمة، ولم تكن لنا نيّةٌ في التأثير على العالم بأي شكل.”
كانت تتحدث بانسياب، وكأنها أعدّت كلماتها مسبقًا، فيما دوّى صوتها الصلب، الجريء في نبرتها، في قاعة الاجتماع الواسعة ذات القبة العالية.
“لكن…..لسوء الحظ، وجدتُ هذا.”
ثم مدّت يدها، كاشفةً من جديد عن عظام تنين حيّ.
“بعد أن طردني والداي، صرتُ مرتزقةً أجوب الأرض. وعندما خشيت أن يُفتضح أمر التنين الأسود، لجأتُ إلى ما وراء النهر الأحمر في أرض التنانين الفاسدة بإيفاريد. وهناك التقيتُ صيادة تنانين، ورأيتُها تستخدم سيفًا مصنوعًا من عظام تنين حيّ.”
ابتلع الماركيز ريقه بصعوبة عند سماع ذلك، وأطبق أنطونيو شفتيه بوجه متجهم.
“عيون التنين، حراشف التنين، عظام التنين…..في الأزمنة التي كانت تعجّ فيها البراري بالتنانين، كان صيادو التنانين يقتنصونها ويتاجرون بهذه النفائس، أما الآن—كما تعلمون—وبعد أن تقلّص عددها بشكل حاد، فقد مرّ زمنٌ طويل لم تُرَ فيه تلك الأشياء حتى في السوق السوداء، لدرجة أن معظم الناس يجهلون وجودها باستثناء الأسرة الإمبراطورية وبعض النبلاء المسنين.”
وعاد همس القاعة يتصاعد، متثاقلًا كالدخان.
“حين ظهر مجددًا في هذا العالم مثل هذا الشيء المشؤوم، القادر على أن يكون قاتلًا لسيّد التنين، لم أستطع أن أقف مكتوفة اليدين. لذلك أقنعتُ سمو الأمير بالعودة إلى هنا، وكشفتُ هويتي بعدما لم يعد ممكنًا التغاضي عن الشائعات التي انتشرت حول ظهور التنين الأسود.”
“كما قلتُ، تنيني الأسود لم يرَ نور العالم منذ زمن طويل جدًا. لم يهاجم بريتا قط، ولا يوجد لديه سببٌ ليفعل ذلك.”
انعوجت شفتا سيان بابتسامة ساخرة.
“بل على العكس…..أليس من ينبغي أن يفسر ما حدث هو السيد أنطونيو كارتر نفسه؟ هذا الخنجر الذي طعن سمو الأمير ليس شيئًا يمكن لأي شخص الحصول عليه. فالسوق السوداء انقطعت عنها هذه البضائع منذ زمن، و مورّدوها من صيادي التنانين قد انقرضوا، لذا أريد أن أعرف: هذه العظام الحية…..عظام أي تنين هي؟ وكيف حصلتَ عليها؟”
حدّقت سيان مباشرةً في أنطونيو، الذي حاول أن يحافظ على هدوئه، لكنه ما إن واجه نظراتها وكلماتها التي كشفت السرّ الذي كان أشد حرصًا على إخفائه، حتى عضّ على شفتيه بقوة.
فابتسمت سيان ابتسامة نصر وهي تتأمل ملامحه المتشنجة.
“ومن المصادفات أن هناك تنينًا قد مات مؤخرًا، وهذا يجعل من الضروري أن نحصل على تفسير واضح بشأن هذه العظام الحية.”
“كذب!”
دوّى صوت ارتطام يد أنطونيو بالطاولة من جديد.
“أنا الذي حظيت بنعمة جلالة الإمبراطور وارتقيت إلى طبقة النبلاء…..كيف لي أن أؤذي إلينا؟!”
“أليس الجاحدون للجميل يملأون هذا العالم؟ حتى أن بعضهم يقتل أبناءه الذين أنجبهم بيديه.”
“أنا…..لا أعلم على الإطلاق لماذا خرج مثل هذا الشيء البشع من جسد سمو الأمير الذي طعنته عن طريق الخطأ! ثم، هل لديكِ دليلٌ يثبت أنه يعود لإلينا؟”
“…..لقد تأكدنا من أن جثة إلينا قد انتُزعت منها بعض العظام.”
تدخل هندريك بصوتٍ منخفض، وكان حتى الآن يراقب بصمت كلمات سيان. عندها التفت أنطونيو نحوه، و حنجرته تصدر صوتًا جافًا من الاضطراب.
“لقد استعنتُ بطبيب القصر للتحقق مرة أخرى من جثة إلينا. في الأصل، كان عشها محصنًا بسحر حاجز يمنع التنانين، وبمتاهة تحجب البشر، لكننا وجدنا أن ذلك العش قد اخترقه أحدهم، وأن إلينا لقيت حتفها بفعل هجوم بشري، وهذا ما أثار شكوكي.”
لم يكن كارل يعلم أن هندريك قد تحقق بنفسه من جثة إلينا، فابتلع إحساسًا غريبًا لا يدري أهو راحةٌ أم شيء آخر، وهو يراقب سيان بعد أن أصاب كلام هندريك دفاع أنطونيو.
شحبت ملامح أنطونيو، ورفع عينيه نحو هندريك بحدة.
“سموك…..هل تشك بي؟”
“ليست شكوكًا، بل يقين. الأدلة الواضحة كلها تشير إليك أنت باعتباركَ الجاني.”
“لكنني لا أعرف طريق الوصول إلى عش إلينا!”
“سواءً كنت تعرف أو لا تعرف، فهذا أمرٌ لا أستطيع أن أحكم عليه…..وفوق ذلك، من يدري، ربما كان لك شريكٌ في الجريمة.”
تحركت نظرات هندريك، فمرت سريعًا على الماركيز الصامت أمام أنطونيو، ثم عادت إليه.
“متاهة الطريق إلى عش إلينا لا يعرفها أحدٌ سوى أفراد العائلة الإمبراطورية. وبالمقابل…..هذا يعني أن أحد أفراد العائلة قد يكون خان، وكشف الطريق لمن أراد قتلها.”
كادت كلمات هندريك التي تلت ذلك أن تنتزع صرخةً من الماركيز، لولا أنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة.
كان حظًا عظيمًا؛ فأي رد فعل هنا كان كفيلًا بأن يجعله موضع شبهة بوصفه شريكًا في الجريمة.
“عظام إلينا المفقودة…..الخنجر المصنوع من عظام تنين حي….الضحية التي طُعنت به وهو لورد إيفاريد….والفارس المرافق للتنين الذي طعن اللورد. كل هذه الملابسات، إضافةً إلى الدليل الحاسم الذي وصل إلى سيّدة التنين الأسود، تجعل من المستحيل ألا نوجه أصابع الاتهام إليكَ يا سيد أنطونيو كارتر.”
قال هندريك ذلك رافعًا يده، فأسرع الحاجب الذي يحرس الباب الموصل بين قاعة مجلس النبلاء والممرات إلى فتحه على مصراعيه امتثالًا لإشارة ولي العهد.
ثم تناهى صوت السلاح، إيقاعًا معدنيًا متناغمًا، فيما كانت صفوف الجنود تدخل بخطوات منتظمة.
فشحب وجه أنطونيو وهو يحدق في الباب الذي تدفقت منه القوات.
“هذه مؤامرة! كيف يمكنكم الجزم بأن هذا الخنجر المشؤوم لم تحصل عليه سيّدة التنين الأسود بقتلها إلينا بنفسها؟!”
صرخ أنطونيو في انفعال هستيري.
“إن أردنا الدخول في هذا الجدل، فلن تنتهي القصة أبدًا. الجرح الذي سببته لم يكن عميقًا…..لكن أنا من ظلّ جرحه لا يلتئم طويلًا، و يزداد تقيحًا حتى أشرف على الموت، وعرفتُ عندها كم هو شريرٌ ذلك الشيء، يا أنطونيو.”
“سموك! كان خطأً! أنا لا أعرف شيئًا عن هذا الشيء البغيض!”
تشبث أنطونيو بكلماته كما لو كان على وشك أن يمسك بقدمي كارل نفسه، لكن كارل لم يرد إلا بابتسامة ساخرة و ضحكة من أنفه.
“باسم القانون، يُحتجز السيد أنطونيو كارتر بتهمة قتل ملكة التنانين إلينا. وسيُعلَّق الحكم عليه حتى تتضح مسألة وجود شركاء له في الجريمة من عدمه.”
لوّح هندريك بيده آمرًا،
“خذوه.”
“دعوني! لستُ أنا! أنا حتى لا أملك القدرة على قتل ملكة التنانين!”
راح أنطونيو يصرخ بأعلى صوته، وعروقه تنتفخ على عنقه، بينما كان الجنود يجرّونه خارج القاعة.
وقف هندريك وكارل، وإلى جانبهما سيان على المنصة، يراقبونه بعينين باردتين وهو يطلق صرخات استغاثته الأخيرة.
تصاعد صوت الأسلحة مختلطًا بصوته المليء بالحقد، ثم بدأ كل ذلك يتلاشى في ممرات القصر خلف الأبواب، تاركًا القاعة غارقةٌ في صمت ثقيل.
“لا يمكن أن يكون..…”
“فارس التنين…..السيد كارتر؟”
سرعان ما انطلقت الهمهمات المليئة بالذهول والاضطراب في أرجاء القاعة.
ثم، وبعد لحظة من الهمس الخافت، تجرأ أحدهم على إبداء رأيه بحذر أمام ولي العهد.
“سموك، أليس احتجاز السيد أنطونيو كارتر حكمًا متسرعًا؟ صحيح أن جثة إلينا فقدت بعض عظامها، لكن لا يمكننا إنكار أننا وجدنا أيضًا حرشفة إيدلين في مسرح الحادث.”
“صحيح…..فإذا كان السيد أنطونيو كارتر هو القاتل فعلًا، فكيف حصل على حرشفة إيدلين؟”
“بل إن سيّدة التنين الأسود هناك، إيرا تشاندلر، قد دخلت القصر بعد أن أوهمت الجميع بأنها خطيبة سمو الأمير…..فمن يدري؟ لعلها هي من ارتكب هذا.”
___________________
شفيهم على سيان خلوها جعلكم العمى
المهم انطونيو انقلع هاهاهاهاعاهاهاهاه✨
باقي عاد كارل وسيان يطلعون منها والماركيز ينكشف ويجي وقت الربيع 🥰
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات