عندما توجّه ولي العهد هندريك إلى إيفاريد لإمساك الأمير كارلستون بسبب اتهامه بقتل ملكة التنانين إلينا، كان الجميع يعلم أن الفارس أنطونيو قد نال عقابه هناك بعد أن طعن الأمير.
ثم أكملت سيان بابتسامة هادئة،
“أظن أنكَ بحاجة إلى بعض كلمات الدفاع عن نفسك، يا سيد أنطونيو كارتر، الفارس التنيني المشرّف للإمبراطورية.”
“ما الذي تقولينه يا آنسة؟! عظام تنين حية؟! اكتشفتها في جسد سمو الأمير؟!”
كان رد فعل انطونيو يوحي بأنه ارتبك لمجرد أن سيان أشارت إلى خطئه مجددًا، لكن الحقيقة أن سيان وكارل، وحتى هندريك، كانوا يدركون أنه قد تلقى ضربةً مباغتة أوقعته في ارتباكٍ شديد.
و أكمل أنطونيو بانفعال،
“لم أكن أعلم حتى أن مثل هذا الشيء موجود في هذا العالم! ثم كيف لي أنا، مالك التنين، أن أتعامل مع أمر كهذا؟! إنها تهمةٌ سخيفة لا أساس لها!”
“إذاً كيف تفسر أن سمو الأمير، الذي طُعن بسيفكَ، كان يحتضر بسبب هذا السلاح الخفي؟”
“وما شأني أنا بذلك؟! نعم، لقد طعنته، وكان ذلك عن طريق الخطأ! وقد عوقبت على ذلك واعتذرت!”
لأول مرة، ارتفع صوته وانتفخت عروقه بعد أن كان هادئًا طوال الوقت.
ثم أضاف بغضب،
“سموه كان مصابًا بجروح خطيرة وفرّ هاربًا، فلا بد أنه تعرض لهجوم آخر قبل أن تلتقينه يا آنسة!”
وفي تلك اللحظة، وبعد أن حاول احتواء الفوضى، وجّه الماركيز سهام انتقاده نحو سيان،
“ما هذا التصرف المشين يا آنسة؟! كيف تتسللين إلى هذا الاجتماع الخطير دون حتى أن يكون لك حق الكلام؟! وفوق ذلك، عظام تنين حي؟! أنا، الذي أُعدّ أقدم مالك للتنين بعد أخي الراقد على فراش المرض، لم أسمع قط ولم أرَ شيئًا كهذا. حتى هنا، لا يعرف بوجوده سوى القلة من كبار السن، فكيف لكِ أنتِ يا آنسة أن تعرفي بأمره؟”
انهمرت عليها نظرات التوبيخ والشك من كل الجهات. وبما أن المنصة الدائرية كانت محاطةً بمقاعد النبلاء، فقد استطاعت سيان أن ترى بوضوح كل تلك العيون الموجهة نحوها في آن واحد.
ومع ذلك، لم تُبدُ عليها أي علامات ارتباك أو خوف، بل اكتفت بابتسامة شدّت بها طرف شفتيها كعادتها.
“بالطبع أعرفه، لأنني رأيته بعيني.”
“ألا يمكن أن تكوني أنتِ من ألحق الضرر بسموه؟! فحتى نحن، أصحاب التنانين، لم نكن نعلم بوجوده، فهل يُعقل……!”
فضحكت سيان بصوت عالٍ،
“يا للعجب، ما أغبى ما تقوله يا ماركيز! أم أن أحدهم أمركَ أن تتظاهر بالغباء؟”
فاحمرّ وجه الماركيز من كلماتها.
“ماذا قلتِ……!”
‘يبدو أن شخصيتها الحقيقية تعود للظهور.’
ابتلع كارل من فوق المنصة مشاعر متناقضة لا يدري إن كانت قلقًا أم ارتياحًا، وهو يراقب سيان وقد تخلّت عن أي قناع مصطنع.
لم يكن قادرًا على التنبؤ بما يدور في رأسها، أو لماذا قررت أن تُخرج السلاح الخفي أمام الجميع. لا، بل كان يعرف السبب تمام المعرفة، لكنه فقط لم يرد أن يصدقه.
ثم عضّ كارل على شفتيه وهو يحدّق في سيان التي تبتسم للنبلاء من فوق المنصة.
“في هذه المرحلة، لا بد أنكم أدركتم جيدًا لماذا وقفت هنا، وما الذي جئت لأشهد به. أما إذا كنتم لا تعرفون فعلًا، فأنتم أغبياء.”
قبضت سيان بيدها الصغيرة التي تحمل الصندوق في الهواء بقبضة حادة تنضح بالوعيد، وكأن تلك المرأة التي اعتلت المنصة برفق قبل قليل وأخرجت ما بداخل الصندوق بحذر شديد كانت شخصًا آخر تمامًا.
فشعر كارل بحدس ثقيل كان يخفيه طوال الوقت تحت وطأة القلق، فيما تجمد وجه هندريك بتعبير بالغ الجدية.
و ارتسمت على شفتي سيان ابتسامةٌ ساخرة متغطرسة، ورفعت عينيها في تحدّ. فأخذ اللون الأخضر في عينيها، الذي كان يلمع كأوراق العشب النضرة، يتبدل ببطء.
“ذلك……!”
قبض كارل قبضته بقوة عند شعوره بذلك الإحساس المألوف، وكاد يناديها بصوت عالٍ، لكنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة.
ومن هنا وهناك في مقاعد النبلاء، تعالت صيحات فزعٍ مذهولة،
“يا إلهي!”
لقد أضحت عينا سيان على المنصة تتلألآن بالذهب، وبؤبؤاها الممدودان يبعثان بريقًا حادًا غريبًا كمخالب وحش كاسر.
فمالك التنين، بغض النظر عن لون عيني تنينه، ما إن تبلغ قوة اتحاده مع رفيقه ذروتها، حتى تتحول عيناه إلى لون الذهب الوحشي.
وبين صرخات الدهشة الممزوجة بالفزع، رفعت سيان طرف تنورتها فجأة ثم هوت بقدمها على الأرض في ضربة قوية كأنها تريد أن تستحوذ على كل انتباه تشتت من حولها.
“اسمحوا لي أن أقدم نفسي من جديد، أيها النبلاء الأعزاء في إمبراطوريتنا.”
وبوضع لا يليق بفستانها الأنيق، وقفت بكل شموخ، و كتفاها مشدودان وذقنها مرفوعة، تصرخ بثبات.
“اسمي الحقيقي هو إيرا تشاندلر. أنا تلك التي ألقيتوا عليها الاتهامات والافتراءات، مالكة التنين الأسود.”
كانت الضجة التي عمّت قبل لحظات مجرد جلبة صغيرة مقارنةً بما اجتاح قاعة الاجتماع بعد أن أنهت سيان……أو بالأحرى إيرا……تقديم نفسها وكشف هويتها كمالكة للتنين الأسود.
الكونت وينستون تشاندلر، الذي كان يملك حدسًا خافتًا بهذا الأمر، شحب وجهه وتراجع خطوةً إلى الوراء أمام عودة ابنته التي صارت حقيقةً واقعة.
لم يكن يتوقع أبدًا أنها على قيد الحياة، بل كان يتمنى من أعماقه ألا تكون كذلك.
ومع الصدمة، تعثّر بخطاه إلى الوراء حتى اصطدم بشيء وسقط على مؤخرته محدثًا صوتًا مكتومًا.
حين التقت عينا سيان بصوت السقوط، ورأت الكونت تشاندلر يحدّق بها عاجزًا عن استيعاب الموقف، أدركت أنه قد عرفها تمام المعرفة.
كان والدها، عن قرب، يبدو أكبر سنًا بكثير. لم يبقَ له الكثير من الشعر، وامتزج البياض بكثافة بين خصلات شعره الأشقر البلاتيني.
لكنه كان أصغر حجمًا مما حفظته في ذاكرتها، ورجلًا في منتصف العمر بدا بائسًا ومهزومًا.
انتهت لحظة “لقاء الأب بابنته” في طرفة عين، لترسم إيرا ابتسامة حادة وهي تحدّق به بعينيها نصف المغمضتين.
“لقد مر وقتٌ طويل، يا أبي.”
“أ….أنتِ.…!”
كان وجه الكونت كوجه من يرى شبحًا، وهذا طبيعي.
أطلقت إيرا ضحكةً قصيرة بلا مبالاة.
فبعد كل شيء، كيف سيكون شعوره وهو يرى أمامه، ابنته التي قتلها قبل سبعة عشر عامًا، حية، والتي كان يؤمن بيقين أنها قد ماتت؟
“مالكة التنين الأسود؟! كيف لخطيبة سمو الأمير، مالك التنين الفضي، أن تكون كذلك؟!”
لم يكن الماركيز يتوقع أبدًا أن تعلن سيان بنفسها أنها مالكة التنين الأسود، فوقع في صدمة وذهول.
لكن سرعان ما رأى في الأمر فرصة، إذ لم يعد مضطرًا لأن يكشف هويتها بنفسه، فانفجر بصوت جهوري وكأنه يؤدي دورًا حفظه عن ظهر قلب.
“سموكَ، هذه المسألة—!”
وقبل أن تكمل الفكرة في رأس سيان، كان الماركيز قد وجّه سهام كلامه نحو كارل، ليقلب الأمر عليه،
“إن كنت تعرف، فكيف راودتكَ فكرة أن تخطب مالكة التنين الأسود؟! أنت، أمير إمبراطوريتنا التي يزهو تاريخها بأسطورة التنين الفضي!”
لكن سيان لم تدعه يكمل، فقطعت حديثه بجملة واثقة جعلت ملامحه تتجمد كمن تلقى طعنةً مباغتة.
“حتى لو كان يعلم، فهذا أمرٌ نناقشه لاحقًا يا ماركيز. أما الآن، أليس لدينا قضيةٌ أكثر أهمية؟”
“…….“
“لقد استمعت جيدًا من مكاني، وكل ما يُقال هو أن التنين الأسود هاجم بريتا. لكن، باستثناء شهادة بريتا نفسها، لا يوجد أي دليل على ذلك. في المقابل، ها هنا أمامكم سلاحٌ خفي استُخرج جراحيًا من جسد سمو الأمير، وهو بلا شك قطعةٌ من سيف السيد أنطونيو. أي الأمرين أحق بأن نناقشه بجدية؟ لا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير، أليس كذلك؟”
لم تعد سيان تحاول إخفاء الأمر، بل بدأت تستخدم قوة التنين بمهارة طبيعية. وفوق يدها الممدودة في الهواء، أخذت الخنجر المصنوع من عظم تنين حي يبث هالةً مشؤومة قاتمة.
أمام الدليل الماثل للعيان، عضّ الماركيز على أسنانه بغضب.
“وكيف نصدق هذا؟! من يثبت أن تلك القطعة خرجت فعلًا من سيف أنطونيو؟!”
كادت صيحة الماركيز، التي اقتربت من حد العناد، أن تدفع سيان للضحك، فأطلقت ضحكةً ساخرة قصيرة.
“إذاً، كيف نصدق أن من هاجم بريتا هو التنين الأسود؟”
“كيف نقارن بين شهادة تنين أسود شرير اختفى فور اختياره وأخفى وجوده حتى الآن، وبين تنين فارس أقسم بالولاء للإمبراطورية؟! يا لكِ من وقحة!”
“شرف؟ أتقصد أن اختلاف لون القشور يمنح فرقًا في الشرف، ولهذا ترفض كلامي وتراه غير قابل للتصديق؟”
ضحكت سيان عاليًا.
“هل تدرك كم يبدو كلامكَ غبيًا الآن؟ ها هو أمامكَ الشخص الذي كان على وشك أن يموت مطعونًا بهذا السلاح الخفي، فلماذا لا تسأله بنفسكَ؟ بما أنه يقف على قمة الهرم في سلم الشرف المزعوم بلون القشور، فلا شك أن كل ما يخرج من فمه سيكون الحقيقة المطلقة، أليس كذلك؟”
وكانت تشير بيدها نحو كارل الجالس بجانب هندريك حينها—
“كفى!”
انفجر صوت هندريك، الذي كان قابضًا على رأسه من شدة الفوضى التي كانت تتصاعد نحو الجنون.
“كفّوا عن رفع أصواتكم، هذا الضجيج لن يحل المشكلة. الصراخ والغضب لا يجلبان أي نتيجة.”
“ولكن، سموك……!”
“تمييز الخير من الشر على أساس لون القشور وحده، ما لم يكن هناك فعلٌ إجرامي مباشر، هو في رأيي معيارٌ غبي يا عمي. وإن كان التنين الأسود حقًا شريرًا، فسوف تنكشف خطاياه هنا، أمام أعيننا، فلا داعي لمزيد من الصياح. رأسي يكاد ينفجر.”
نقر هندريك بلسانه في ضجر، ولم يجد الماركيز أمام حدة كلماته إلا أن يعض على شفتيه و يصمت.
حين خيّم الصمت على القاعة، كاد هندريك يطلق زفرةً ثقيلة لكنه بالكاد كبح نفسه.
فالمكان له هيبته، والضجيج العارم الذي سبق هذه اللحظة جعل السكون المحيط بهم الآن أثقل من أن يقطعه حتى بأنفاس متحسرة.
ألقى هندريك نظرةً مرهقة نحو المنصة، ليرى سيان، ذات الشعر الأشقر البلاتيني المبعثر، وقد اختفى عنها تمامًا ذلك التردد الذي رآه فيها من قبل، لتحل مكانه نظرةٌ شامخة وعيون متقدة تحدّق بثبات في ولي العهد.
كانت هالتها شرسةً وصلبة إلى درجة توحي بأنها، لو حاول أحدٌ إلصاق جريمةٍ بها وهي بريئة، لقلبت القاعة رأسًا على عقب دون تردد.
و دون أن يشعر، التفت هندريك نحو كارل الجالس إلى جانبه.
و قد كان كارل هو الآخر صامتًا، مأخوذًا بتلك القوة التي تشعّ من سيان، لا يرى سواها.
هل ستقدر على احتمالها، يا كارل……؟
_____________________
واو وااااااااااو الفصل حلو اخيرا شخصية سيان القوية تجنننننننننننننننن
بس نفس الشي متى بالله تشرطنون فم انطونيو اشغلنا مسوي نفسه نبيل على غير سنع
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
هههه كارل وهو يكذب ويقول لاخوه حبيتها عشان جمالها ههه