كلما تحدث أكثر، كان يزداد انجرافًا في دوامة ذلك المنطق الغريب.
ومع علمه بذلك، لم يجد كارل إلا أن يفتح فمه موجّهًا نظراته الحادة نحو الكونت تشاندلر.
و بصعوبة كبح نفسه عن تحويل بصره نحو سيان.
‘…..كيف يمكنها الجلوس هناك، تستمع إلى كل هذا الكلام، دون أن يظهر على وجهها أي رد فعل؟’
كان فضوله يشتد، وقلبه ينقبض، لكنه لم يجرؤ على الالتفات.
ورغم أنه لا يملك دليلًا مؤكدًا، إلا أنه كان متيقنًا أن الماركيز وأنطونيو على حد سواء، يعرفان بأن خطيبته سيان، هايلي دودر، ما هي إلا إيرا تشاندلر نفسها، وسيدة التنين الأسود.
النظر إليها في هذه اللحظة لن يكون سوى تقديم نقطة ضعفٍ للخصوم لينهشوا منها دون رحمة.
“إذاً، أنتَ تنوون الإبقاء على حياة التنين الأسود، مع أنه يهدد دعائم الإمبراطورية؟”
“أليست كل هذه مجرد احتمالات؟ ثم إن التنين الأسود-”
“يا صاحب السمو! بريتا قد تعرّضت لهجوم!”
ضرب أنطونيو الطاولة بعنف، فدوّى صوت الارتطام في القاعة.
ورغم أنه كان منفعلاً، إلا أن التصرف بمثل هذه الوقاحة داخل قاعة الاجتماع، وأمام ولي العهد والأمير، جعل كلًا من كارل وهندريك يقطّبان جبينهما بضيق في الوقت ذاته.
“لماذا يُصرّ سموكَ على تبرئة التنين الأسود؟! قد لا نعرف يقينًا إن كان هو من قتل ملكة التنانين، لكننا نعلم أنه أغرى الكونت بقتل ابنته، وبث الذعر في نفوس العامة، بل وهاجم بريتا! أليس كيانًا مشبوهًا وخطيرًا؟!”
ثم، وقد اتسعت عيناه بنظرة اتهامية، التفت أنطونيو إلى سيدَي التنانين الملكيين، ووجه إليهما سؤالاً مدوّياً،
“أيعقل…..أن يكون سموكَ على معرفةٍ سابقة بالتنين الأسود؟”
عمّت الضوضاء أرجاء القاعة، موجةً من الهمسات والصيحات الخافتة المضطربة.
وهذا تمامًا ما أرادته ريفنانت، والضربة التي خطط أنطونيو والماركيز لتوجيهها إلى كارل: نقطة ضعفه القاتلة.
“ما لم تكن تعرفه وتخطط معه، فكيف يمكنكَ أن تجزم أن هجوم بريتا كان محض ادعاء؟”
“والآن وقد تذكّرت..…”
أضاف الماركيز، وكأنما تظاهر أنه استعاد شيئًا نسيه،
“لقد ذكرتَ أنكَ كنتَ تبحث عن شيء ما، ثم مصادفةً، عثرتَ على سجلّ يخصّ إيرا تشاندلر، سيدة التنين الأسود…..لكن، هل أنتَ واثقٌ من أنها كانت مجرد مصادفة؟”
“يُقال أن تكرار المصادفات يتحول إلى حتمية.”
تابع الماركيز، يدعم مزاعم أنطونيو،
“لقد سألتني ذات مرة إن كنت أعلم بوجود التنين الأسود، لكن…..ألا يكون الأرجح أنكَ، أنتَ يا صاحب السمو، من كان يلاحق أثره، حتى أوصلكَ إلى سجلّ إيرا تشاندلر؟”
شدّ كارل على أسنانه بقوة. و كان يشعر بوضوح كيف أن الشكوك وحدها، دون أي دليل، بدأت تقلب أجواء القاعة رأسًا على عقب.
“وإلا، كيف يمكن تفسير معرفتكَ بسجلات إيرا تشاندلر؟ وكيف نفسّر أنك، أنتَ، سيد إيدلين الفضية، من يُفترض به أن يقود حملة القضاء على التنين الأسود، تسعى الآن إلى الدفاع عنه؟”
بلغ الهمس ذروته.
“أيعقل؟ هل يمكن أن يكون سيد إيدلين، سمو الأمير، متورطًا؟”
كان النبلاء، وقد انجرّوا وراء منطق الماركيز وأنطونيو، يتهامسون بضجة تعجّ بها قاعة الاجتماع.
“…..لحظة واحدة.”
ثم امرأةٌ رفعت يدها، كانت حتى الآن تجلس بين الحضور كأنها لا وجود لها.
كان صوتها، غريبًا عن المجلس، يحمل وقعًا عجيبًا، إذ خيّم الصمت فجأةً على الصخب الذي عصف بالمكان.
“أعلم أن من لا يحمل اسمًا ضمن هيئة النبلاء لا يحق له الكلام هنا، لكن، هل لي أن أتحدث قليلًا؟”
كانت سيان قد وقفت من مقعدها، واقفةً بهدوء لم تُلفت الانتباه من البداية.
كارل، الذي لم يكن قادرًا على النظر إليها منذ ظهور والدها، الكونت تشاندلر، وجد أخيرًا لحظةً مناسبة ليحدّق بها.
بشعرٍ بلاتيني يشبه والدها، ينسدل بهدوء أسفل كتفيها، وملامح ساكنة على وجهها لا تعكس أي اضطراب.
كانت نظراتها خاليةً من أي انفعال، كأن كل ما قيل في هذه الجلسة لا يعنيها، لا الهمسات المشؤومة، ولا الاتهامات، ولا الحديث عن التنين الأسود.
رغم أن ملامحها لم تكن سيئة —بل بالعكس، بدت هادئة ومتماسكة— شعر كارل بانقباض غريب تسلّل إلى صدره، فعبس بحاجبيه بحدة غير مريحة.
“اذكري اسمكِ ومن تكونين!”
انطلقت صرخةٌ وسط القاعة، تطالبها بالإفصاح.
دخول سيان غير المتوقع إلى الساحة، لم يكن سوى هدية من السماء للماركيز وأنطونيو. فهي، بصفتها سيدة التنين الأسود، تمثل الثغرة الأخطر التي يمكن استغلالها ضد سيد التنين الفضي، كارل.
وبالنظر إلى العداء الواضح الذي ملأ القاعة تجاه التنين الأسود، كان من البديهي أن يتوقعا محاولتها لإخفاء هويتها بأي ثمن.
“اسمي هايلي ديدر. أنا نبيلةٌ برتبة بارون أمتلك إقطاعية صغيرة وعدداً قليلاً من الأتباع، كما أنني من أنقذ حياة صاحب السمو الأمير كارلستون كلاوس حين كان يصارع الموت بسبب هجوم فارس التنين.”
“…….”
نظرت سيان إلى الماركيز، وأنطونيو، وكارل، وهيندريك بوجه خالٍ من التردد، وملامح هادئة إلى أقصى حد.
“أنا خطيبة صاحب السمو الأمير كارلستون كلاوس.”
“سيدتي، لقد تم منحكِ الإذن بحضور هذه الجلسة بصفتكِ خطيبة الأمير، سيد إيدلين، ولكن هذا ليس مكاناً لتتدخل فيه من لا علاقة لها بالأمر.”
قال الماركيز ذلك بصوت متشدد، مرددًا كلمات لا يؤمن بها هو نفسه.
لكن سيان بالكاد أولته اهتماماً، ليس فقط أنها نهضت من مكانها، بل رفعت طرف تنورتها بخفة واتخذت خطواتٍ حازمة نحو الأمام.
وكان واضحاً تماماً أن وجهتها هي المنصة. المكان الذي لا يزال فيه الكونت وينستون تشاندلر واقفاً، فهو لم يغادر بعد موقع الشاهد.
ولم تظهر على وجه الكونت أي ردة فعل تدل على معرفته بالهوية الحقيقية لسيان وهي تقترب منه.
لكن سيان لم تحزن لكون والدها البيولوجي لم يتعرف عليها، بل انحنت زاوية شفتيها بسخرية باردة.
فلو كان لديه في قلبه ذرةٌ من مشاعر الأبوة تجعله يتعرف على ابنته بعد كل تلك السنوات، لما فكر بقتلها بتلك السهولة.
والآن، كل كلماته عن سنوات العذاب في الجحيم أصبحت مثيرةً للسخرية إلى أبعد حد.
لا يمكن مقارنته بهؤلاء الأمراء اسياد سلالة التنانين الذين لا تربطهم بها أي علاقة، وقد انتقدوا إدانة التنين الأسود، رغم أنه لم يرتكب أي ذنب من الأساس.
لقد كان يتمنى موتها، تمامًا كما تمنوا أن يموت كارل الذي لفّت له الرفينانت تلك التهمة.
بل إن ظهور التنين الأسود مجددًا واضطرابه لأحوال العاصمة لم يكن إلا دافعًا لهذا الرجل كي يمثل أمام الناس، مدفوعًا بالخوف من أن تُفضح جريمته.
فعندما تعود الابنة التي حاول بشراسة دفنها وقتلها حتى يمحو أثرها تمامًا، فإن عودتها لن تحمل معها إلا ديون خطاياه المؤجلة.
نظرت سيان إلى الكونت تشاندلر بنظرة لم يعهدها بها من قبل، ببرود حادّ لا يخلو من التهديد.
في البداية، لم يكن الكونت تشاندلر قد استوعب بعد ما يحدث، فبدا جامد الملامح حائر النظرات أمام ظهور سيان المفاجئ.
لكن مع اقترابها خطوةً بعد أخرى، بدا وكأنه قد لمح نذير شؤم في ظلها القادم نحوه.
ومع كل تموّج في خصلات شعرها البلاتينية المتموجة التي اهتزت بخطواته، كانت ملامح الكونت تهتز معها.
“أنتِ..…”
“صاحب إيديلين، وسيد إيفاريد، وفي الوقت نفسه، خطيبي صاحب السمو الأمير كارلستون كلاوس، لا علاقة له بالتنين الأسود.”
قالت سيان ذلك بصوت واضح، وهي تقف إلى جانب الكونت الذي اختنق صوته، وكأن الكلمات عالقةٌ في حلقه.
كانت كلماته أشبه بخطوٍ جريء داخل مستنقع، ومع ذلك، أخفى المركيز ابتسامة نصرٍ واثقة تحت ملامحه المتجهمة.
“لا شك أن الآنسة تريد تصديق ذلك وتؤمن به بكل جوارحها-”
“وأضيف أيضًا.”
قاطعت سيان حديث الماركيز، الذي كان يحاول تشويش الحقائق كي يتفادى الإجابة، ثم رفعت ذقنها بثقة لا تقل عن حدة صوتها.
“التنين الأسود لم يهاجم بريتا، بل لم يقترب حتى من عشّ ملكة التنانين، فضلًا عن أن يقتلها. فهو لم يكن يعلم أصلًا أن العش موجودٌ تحت القصر الإمبراطوري.”
“وكيف للآنسة أن تعرف ذلك؟”
تدخّل أنطونيو فجأة، كردّ فعل على كلمات سيان المباشرة والحاسمة، التي بدت وكأنها تعترف بكونها سيدة التنين الأسود بنفسها.
بينما ضغط كارل على أسنانه بقوة، وقد انتابه شعورٌ مزعج بأن هناك شيئًا سيئًا على وشك الحدوث.
“قبل أن أُجيبكم على كيف لي أن أعلم ذلك، أود منكم جميعًا أن تروا هذا أولًا.”
قالت سيان ذلك وهي تُخرج شيئًا من يدها. كانت قد صعدت إلى المنصة خالية الوفاض، ولم يُدرك أحدٌ متى ولا من أين ظهرت تلك اللفافة القماشية البيضاء التي كانت تَلف بها شيئًا غامضًا بين يديها.
“أنصح كل من في هذا المكان من سادة التنانين أن يقطعوا صلتهم مؤقتًا مع تنانينهم. هذا نصحٌ مني بصدق.”
قالت سيان ذلك بابتسامة باردة سحبت بها شفتيها بشكل ساخر، ثم بدأت بفكّ القماش حتى قبل أن تُنهي كلامها، كاشفةً عن صندوق صغير.
كارل، الذي كان قد رأى هذا الشيء من قبل، عبس على الفور وبدت عليه ملامح الانزعاج.
“أخي…..احذر.”
تلعثم هندريك وهو يرمش باستغراب، غير مستوعب سبب التحذير. لكنه، انتبه لنبرة الجدية في صوت كارل وسيان، فأسرع إلى قطع ارتباطه الذهني مع تنينته “ناثان”.
وبلمسة خاطفة خالية من الرحمة، فتحت سيان الصندوق دون إنذار.
كيييييك-
لم يُدرك المركيز وأنطونيو ما الذي أمامهم، وبقيا مندهشين للحظات، ثم شهق كلاهما شهقةً واحدة كبيرة، وقد اجتاحت جسديهما موجةٌ مباغتة من الرعب والألم الحادّ.
حتى مقاعد النبلاء، التي كانت قد غرقت في صمت ثقيل منذ تصريحات سيان السابقة، تغير حالها فجأة.
تجمّدت وجوه الجميع وهم يتبادلون نظرات فزع، وكأنهم شعروا بكارثة وشيكة تهبّ في الأفق.
“ما…..هذا الشيء؟”
عندما تمكّن المركيز وأنطونيو أخيرًا من قطع صلتهما بتنانينهما وتحرّرا من ذلك الإحساس المرعب، كان هندريك قد بدأ يطرح سؤاله، وقد استشعر خطرًا غامضًا في الشيء الذي أخرجته سيان.
صحيحٌ أنه لم يتعرض لصدام سحري بنفس الشدة التي أصابت المركيز وأنطونيو، لأنه استجاب لتحذير كارل وقطع التواصل مع تنينته مسبقًا، لكن رغم ذلك، لم تفته تلك الهالة المظلمة والطاقة الفاسدة التي كانت تفوح من الشيء الذي تحمله سيان.
أحس بصداع خفيف يتسلل إلى رأسه، فتقطّبت ملامحه بحدة وهو يحدق في الصندوق.
و سيان، التي بدت متزنة الملامح تمامًا، نظرت إلى هندريك مباشرة وشرعت بالكلام،
“هذه تعويذةٌ مصنوع من عظام تنين حي.”
اتسعت عينا المركيز وأنطونيو بدهشة تأخرت كثيرًا، وقد بدت على وجهيهما ملامح الذهول والريبة.
كانا قد شكا سابقًا في أن يكون الأمير قد عاد حاملًا معه هذا الشيء، لكن بما أن أحدًا لم يذكره طوال الفترة الماضية، فقد نسياه كليًا.
“عظام…..تنين حي؟”
“سمعت بهذا من قبل…..إن قُطعت عظام تنين وهو على قيد الحياة، فإن الألم يُنقش فيها، فتصبح مشؤومةً وخطيرة..…”
تمتم بعض كبار السن من النبلاء الجالسين في المقاعد العالية، وكأنهم رأوا أمامهم قطعةً من الأساطير الملعونة القديمة.
فابتسمت سيان ابتسامةً خفيفة لا تخلو من البرود، وأجابت،
“كما توقعت، بعض حكماء نبلاء الإمبراطورية يعرفون الحقيقة. نعم، هذا صحيح. هذه العظام انتُزعت من تنين حي. عذاب التنين المرعب اندمج بسحره وانغرس في العظم، ليحوّله إلى مادة قاتلة تؤثر مباشرةً في سادة التنانين.”
سادت القاعة جلبةً أخرى، مزيجٌ من الدهشة والخوف والهمسات المكتومة.
ثم تحدثت سيان بصوتٍ واضح،
“لقد وجدت هذا الشيء في جسد سموّ الأمير، عندما كنت أنقذه من بين الحياة والموت.”
وفجأة، التفتت كل الأنظار المضطربة نحو أنطونيو، كأنها تطوقه باتهامٍ صامت.
_____________________
هاااهاهاعاهاهاهاهاهاعاها اخيراااااا احد تحرك يا ان انطونيو خاصه ينرفزززز يقهرررر
وسيان شكلها بتعترف انها هي سيدة التنينة السودا؟ بسرعه وناسه اصفقي ابوس
كارل من يوم بدت ذا الجلسة: انا؟ اها؟ لا كذابين، ليه؟ وين؟ وش؟
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات