“وإن كان ما قاله الكونت تشاندلر صحيحاً، وكانت ابنته ما تزال حيّة، فسيغدو مفهوماً إلى حد ما ما دفعها لقتل ملكة التنانين والهجوم على بريتا. فمن المؤكد أن تلك الفتاة، وقد اختيرت سيدةً للتنين الأسود ثم تُركت وحيدةً في العراء، قد عاشت طوال هذه السنين مشبعة بالحقد. ولا بد أنها تحمل ضغينةً على الإمبراطورية التي وُلدت من زوال التنين الشرير.”
فصرخ الكونت تشاندلر محتجاً،
“إيرا لا يمكن أن تكون حيّة، يا سيد أنطونيو!”
لكن أنطونيو أجابه بصوت منخفض لا يتزعزع، بنبره هادئة لدرجة بدت أقسى من أي غضب،
“تلك مجرد أمنية لك، أيها الكونت، أمنيةٌ لرجل حاول قتل ابنته ليُخفي حقيقة التنين الأسود.”
فانكمش الكونت تشاندلر على نفسه، شاحب الوجه، وكأنّه حُشر في زاوية بلا مهرب.
عندها، رنّ صوت هندريك وهو يطرق الطاولة بخفة،
“أيها السادة، فلنهدأ.”
كان حتى الآن يراقب ما يجري بصمت، والآن تقدّم ليفرض النظام بنبرة متزنة،
“دعونا نعيد ترتيب الأمور بهدوء. أولاً، الكونت تشاندلر، لقد جئت اليوم لتقر بخطاياك قبل سبعة عشر عاماً، ولتثبت لنا أن التنين الأسود لم يعد موجوداً. أما ما نسعى نحن إلى التحقق منه، فهو قبل كل شيء حقيقة التنين الذي هاجم بريتا.”
ثم رفع حاجبيه وهو يوجّه نظره نحو الكونت الذي قدّم نفسه بنفسه كخاطئ.
“أما عن جريمتكَ، فسوف تُستجوب لاحقاً ويصدر الحكم بحقكَ. لكن، بصفته شاهداً على مسألة التنين الأسود، فقد أنهى الكونت تشاندلر ما طُلب منه تماماً.”
“…….“
“بصفتي ولي العهد وسيّد التنين، لا أستطيع أن أتصوّر أن ابنتكَ، سيدة التنين الأسود، قد ماتت لمجرد أن أطعمتَها السم ورميتها في حقلٍ للذئاب.”
خفضت سيان نظراتها وهي تتابع الموقف بصمت.
كان هندريك قد التزم بما وعدها به بدقة تامة: سيساعدها بقدر ما يستطيع، لكن دون أن يتجاوز الحدّ الذي رسمه لنفسه.
والآن، وقد أدرك بوضوح أنها هي سيدة التنين الأسود، بات يقرّ دون تردد بوجوده.
“حياة من يختاره التنين بالغة الصلابة. لا أعلم إن كانت تلك الفتاة قد عاشت تحمل حقداً على الإمبراطورية أم لا، لكن ما يبدو لي واضحاً أن التنين الأسود الذي هاجم بريتا موجود بيننا الآن، وهذا هو التفسير الأرجح.”
فتحدث أنطونيو بهدوء راسخ،
“علينا العثور عليه. فقد هاجم بريتا، لكنه لم يُلحق أذى حقيقياً، بل اكتفى بجرح طفيف، ما يعني أنه سيعود لاستهدافها مجدداً.”
ثم أضاف هندريك، وقد مال إلى الأمام قليلاً بنظرة متفحصة نحو الكونت تشاندلر،
“غير أن هناك أمراً آخر يجب أن نتأكد منه أولاً. أنت تصف التنين الأسود بالرهيب، حتى أنك فكّرت بقتل ابنتكَ لتمنع ظهوره، لكن..…”
رفع حاجبيه وسأل بنبرة حادة كالسيف،
“ما الذي فعله ذلك التنين بالضبط؟”
ارتجفت ملامح الكونت تشاندلر، وعبس في حيرة وهو يواجهه.
“أعرف أنه اختار ابنتكَ، لكن على أي أساس حكمتَ أنه شرٌّ مطلق سيجلب الخراب للإمبراطورية؟”
“ماذا…..ماذا تقول يا صاحب السمو؟ التنين الأسود هو عدو ييغدراسيل..…”
لكن صوته ارتعش، ولم يُكمل كلامه. عندها ابتسم هندريك ابتسامةً قصيرة، أقرب إلى سخرية مكتومة.
“دعنا من القصص العتيقة التي مرّ عليها ألف عام، و تحدث بدلاً من ذلك عن ذلك اليوم الذي غطى فيه التنين الأسود القمر بجناحيه. هل قال لكَ بنفسه أنه وريث بيغدراسيل؟ هل أعلن أنه جاء ليدمر الإمبراطورية؟”
“….…”
“أو على الأقل، هل دمّر أراضيكَ؟”
ظلّ الكونت تشاندلر صامتاً، يحمل على وجهه ملامح بائسة لا تقل عن عجزه عن الرد.
‘هو لا يملك ما يقوله..…’
ابتلع كارل سخريةً مرة وهو جالسٌ إلى جوار ولي العهد. بينما تابع هندريك، وكان صوته بارد كالنصل.
“إن كان لديكَ سببٌ وجيه يجعلك تظن أن ذلك التنين شرير حقاً، فقد يُؤخذ بعين الاعتبار في محاكمتكَ لاحقاً وفي هذا المجلس أيضاً. أما إن كنت قد ارتكبت فعلتك الشنيعة لمجرد أنه تنينٌ أسود، وظننتَ أن ما فعلته سبيلٌ لخدمة الإمبراطورية..…”
ترك كلماته تتلاشى قليلاً وهو يمسح بنظره صفوف النبلاء بدقة، وكأنه يوجه تحذيراً عاماً لا للكونت وحده، بل للجميع.
“فمعنى ذلك أنكَ، بدوركَ، صدّقت تلك الشائعات التي تزعم أن تنيني، ناثان، ملعونة لمجرد أن لونها أرجواني. وهي نفس النظرة التي نشأت لأن بيغدراسيل، الشر المطلق الذي جلب الفوضى إلى هذا العالم، كان تنيناً أسود.”
“وأي جزء منه تراه متعسفاً يا عمّي؟ إن تنين كارلستون، إيدلين، ذو قيمة ليس لأنه فضي اللون مثل ييغدراسيل، بل لأنه حين اختار سيده أعلن بنفسه أنه وريث ييغدراسيل. ومع ذلك، ما يزال كثيرون يزعمون أن كل تنين فضي حليف للخير بالضرورة، وأن كل تنين أسود حليف للشر دون استثناء…..أليس هذا ما يردده الكثيرون بينكم؟”
“التنين الأسود، بحد ذاته، يبعث القلق في نفوس شعب الإمبراطورية، تماماً كما أن إيدلين خاصة صاحب السمو، تُعد رمزاً للأمل حتى لو لم تفعل شيئاً.”
جاء هذا الصوت من بين مقاعد النبلاء قبل أن يتمكن الماركيز من الكلام.
فرفع كارل عينيه الحادتين نحو الجهة التي صدر منها، وملامحه مشدودة بالغضب.
“وهل تقصد بهذا أن مجرد بثّه القلق يبرر معاقبته، حتى دون دليل على جريمته؟”
فانطلقت صيحة أخرى من بين الصفوف،
“لكن التنين الأسود هاجم بريتا!”
فابتسم كارل ابتسامةً ساخرة وأجاب بنبرة صارمة،
“وحتى ذلك يثير الريبة. ما الذي أراد تحقيقه من هجومه على بريتا؟ وكيف لتنين أسود استطاع أن يخترق تعاويذ العاصمة بهدوء، ويتسلل إلى عش ملكة التنانين ليقتله، أن يكتفي بإصابة طفيفة هناك ثم يفرّ؟”
فتبادل الماركيز وأنطونيو نظرات سريعة، كلٌّ منهما يقرأ في الآخر نفس الفكرة.
“سواء عرف الأمير أن تلك الفتاة هي سيدة التنين الأسود أم لم يعرف، فسيسعى حتماً لإنكار وجودها. فالصغيرة التي ترافقه زرعت في قلبه بذرة الشك تجاه، ولن يصدق حتى هجوم بريتا نفسه.”
استعادت أذهانهما كلمات ريفينانت، وكل ما يحدث بدا متطابقاً تقريباً مع ما تنبأت به.
“إذن، فليهاجم كلٌ منكما الأمير.”
كانت ريفينانت قد قالتها بابتسامة جانبية باردة، وهي تخفي نصف وجهها خلف مروحة حريرية، وتلك النظرة المبتسمة التي حملت تهديداً خفياً عادت إلى ذاكرة الماركيز فجعلته يعضّ على شفتيه ليصمت.
أما أنطونيو، فثبت بصره على كارل و تحدث بصوت يقطر اتهاماً،
“يا صاحب السمو…..أنتَ سيد وريث سلالة ييغدراسيل، إيدلين الفضي. فمن يفترض به أن ينكر الشر أياً كان شكله، كيف يمكنه أن يتخذ جانب التنين الأسود؟”
“في صفه؟ هاه.”
ضحك كارلستون علنًا بسخرية.
“أنحن في ساحة لعب أطفال حتى نتحدث عن الانحياز لهذا أو ذاك، يا أنطونيو؟”
“حتى لو كان التنين الأسود هو من قتل ملكة التنانين، فربما لم يُلحق سوى إصابات طفيفة ببريتا وفرّ بعدها. وإن كان عدم إصابة بريتا أمرًا يثير استغرابكَ، فأنا لا أرى في ذلك سوى تحيز واضح من قبلكَ للتنين الأسود.”
شوه كارل شفتيه ساخرًا من كلام أنطونيو، وكأن حديثه تجاوز حدود المنطق.
“لو أن بريتا قد تعرضت لهجوم فعلاً-”
“لا تقل لو، بل تعرضت بالفعل. لماذا تستخدمون صيغة الافتراض أمام حقيقةٍ واقعة يا صاحب السمو؟”
قاطع أنطونيو كلام كارل بحدة، بينما عبس كارل كما لو تلقى ضربةً مفاجئة على مؤخرة رأسه.
“لقد رأيت بأمّ عيني عبر ذاكرة بريتا هيئة التنين الأسود الذي هاجمها. قشور سوداء لامعة، وعينان حمراوان كدم ذائب في الظل. أليس من الممكن أنكم لا تصدقون ذاكرتها، أو حتى لا تصدقونني أنا؟”
“وهل يُعقل أن يفعل؟ و هو السيد على إيدلين الفضية؟”
ردّ الماركيز على أنطونيو مؤكدًا، فاشتد عبوس كارل أكثر.
بينما نظر هندريك إلى كارل بطرف عينه دون أي تعبير يُذكر.
الماركيز لم يكن يصرّح بهذا الكلام لأنه يعتقد أن كارل لن ينحاز للتنين الأسود، بل العكس تمامًا.
كان يحاول التأكيد على استحالة أن يكون سيد إيدلين في صف مخلوق مثل التنين الأسود، وكأن حدوث ذلك سيكون كارثةً لا تُغتفر.
“يجب أن يكون التنين الفضي خصمًا دائمًا للتنين الأسود. أليس الصراع بين الفضة والسواد جزءًا من جذور هذا الإمبراطورية؟”
كان ذلك تصريحًا لا يحمل طابع التأكيد، بل بدا أقرب إلى الإلزام، وربما حتى إلى التهديد.
“بيغادراسيل كان تنينًا انقرض منذ عهد ييغدراسيل. فكيف نحكم على كيان آخر تمامًا لمجرد أن قشوره سوداء؟”
“لكن، ألا ترون أن هذا التنين الأسود وحده، وبمجرد ظهوره، قد زعزع ثقة الناس وأغرق الإمبراطورية في الاضطراب؟”
تابع أنطونيو حديثه، دون أن يمنح كارل حتى فرصةً لالتقاط أنفاسه، وكأن هجومه كان معدًا بعناية.
‘…..أيعقل أن الشائعات التي أثيرت حول التنين الأسود لم تكن تستهدف سيدتها سيان، بل كانت موجهةً نحوي أنا؟’
أخيرًا بدأ كارل يفهم السبب الحقيقي وراء نشر ريفنانت لتلك الشائعات على نطاق واسع.
بصفته سيد وريث ييغدراسيل، ومالك تنينٍ بقشور فضية براقة منذ ولادته، كان يُفترض أن يُمثل المجد والتفوق، ولكن الآن، يُراد له أن يُربط بحامي التنين الأسود، ليُصوَّر كخائن.
الدفاع عن التنين الأسود لن يُعد شرفًا، بل سيكون لطخةً سوداء على شرفه ومكانته.
وحين سكت كارل عن الكلام خشية الانزلاق، ارتجف طرف شفة أنطونيو في ابتسامة بالكاد تظهر.
“ثم، لولا أن التنين الأسود قد اختار ابنة الكونت تشاندلر، لما واجه ذلك الرجل مأساته الحالية. كل ما حدث سببه هذا الكائن النجس الشرير. أليس كذلك، الكونت تشاندلر؟”
أنطونيو لم يكن يُمهل أحدًا ليتفكر أو يُراجع نفسه، بل كان يدفع بالرأي العام بكل قوته نحو هدفه.
أما الكونت تشاندلر، الذي كان جاثيًا فوق المنصة، منكسرًا تحت ثقل الذنب، غارقًا في الندم على ما اقترفه، فقد ارتسمت على وجهه ملامح حيرة واضطراب.
“كلامٌ لا يُعقل! ألم تسمعوا ما قاله سموه؟ أن نحكم على تنين بالشر لمجرد أن لونه أسود، دون أن يقترف أي جرم، ذلك الحكم المتسرع لا يصدر إلا عن..…”
“إذاً، هل تقصدون أنكم، لو واجهتم التنين الأسود، لما تصرفتم كما فعل الكونت تشاندلر؟ وخصوصاً سموك، يا من تملك إيدلين الفضي؟”
…..تبًا، ما هذا المنطق الأعوج؟
أن يُجبر، لمجرد كونه سيد إيدلين، على أن يعادي التنين الأسود بلا قيد أو شرط؟ أي هراءٍ هذا؟
لم يستوعب كارل تمامًا هذه الفكرة، لكن يبدو أن ردود الفعل المضطربة التي اجتاحت مقاعد النبلاء لم تكن على وفاق مع ما يجول في قلبه.
“لكن على الأقل، ما كنت لأفكر في قتل ابنةٍ اختارها التنين، بتلك الطريقة الوحشية.”
_____________________
كارل يجلد ولا يبالي ✨
انطونيو ينرفزززز تراك قدام امير وولي عهد يا قليل الادب ! يعني الماركيز على الاقل عمهم بس انت؟ عامي مصدق نفسه عشان تنين بني اختاره
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات