“كونت وينستون تشاندلر. أُثني على عنائكَ في المجيء من أقصى الغرب إلى هنا لأجل إحداث الفوضى في العاصمة. غير أني أتساءل، ما الداعي لهذا كله؟ أليس ما حدث قبل سبعة عشر عامًا أمرًا مضى عليه زمنٌ طويل؟”
قال هندريك ذلك بنبرة تشوبها الريبة.
“بالمقارنة بعمر التنين، فسبعة عشر عامًا لا تُعد لحظةً عابرة. في أحد الأيام، زار تنينٌ أسود ابنتي، وكان يشبه إلى حد مذهل العدو اللدود الذي خاض ضده التنين المؤسس العظيم يغدراسيل معركةً اسطورية، بيغدراسيل. لذا، وبما أنني كنت قد تلقيت مهمة حماية الإمبراطورية وكنت أحرس إقطاعيتي في سبيل ذلك، فقد أخفيت الحقيقة بدافع الخوف من الفوضى التي قد يجلبها ذلك التنين وابنتي المختارة من قبل التنين إلى الإمبراطورية.”
“إخفاء الحقيقة..…؟”
أدرك هندريك على الفور أن الظروف التي يرويها الكونت تشاندلر تطابق تمامًا تلك التي لم تستطع سيان البوح بها من قبل حين قالت: “سأتدبر الأمر بنفسي.”
“لقد اطلعتُ أنا أيضًا على ما ورد في سجلات مجلس النبلاء، يا كونت تشاندلر. وقد وُثِّق فيها أن الطفلة إيرا تشاندلر، حين كانت في التاسعة من عمرها وبدأت تعاني من حمى شديدة حتى يوم وفاتها، لم يظهر القمر في السماء مطلقًا.”
تدخل كارل بالكلام، فانحنى الكونت تشاندلر برأسه، وملامحه يغشاها الوقار.
“لقد كان التنين الذي اختار ابنتي سيدةً له بالغ الضخامة والعلو، حتى أنه حجب ضوء القمر. أما السجلات التي دونت حتى وفاتها، فهي تحكي عن الأيام التي قضيتها في الحيرة، أفكر فيما عليّ فعله بابنتي التي اختارها التنين الأسود.”
“أي أن سيدة التنين الأسود لم تمت؟”
تقلص جبين كارل بحدة. فرفع الكونت رأسه ونظر إليه مباشرة.
وأثناء استمرار الحوار بين الكونت تشاندلر و كارل، لم تهدأ الهمسات والضوضاء الصادرة من مقاعد النبلاء المجتمعين في القاعة.
كان الماركيز يتابع ما يجري في قاعة الاجتماع المشوشة وهو يضم كفيه ببعضهما بحذر.
رغم أنه لم يلتفت بنظره صراحة، إلا أن وجود فتاة واحدة بشعر بلاتيني مسدل، تشبه الكونت تشاندلر إلى حد كبير، جالسة في المقعد الوحيد الخالي بين الحضور، كان يشغل باله كثيرًا.
“تلك الفتاة ستحاول بكل وسيلة إخفاء أنها سيدة التنين الأسود.”
رنّ صوت ريفينانت في أذن الماركيز.
“تنينٌ أسود إلى جوار سيد تنين وريث التنين الفضي المقدس، يغدراسيل؟ إنه أمر لا يُصدق.”
صوت ريفينانت وضحكتها المفعمة بالثقة بدت شبه مرعبة.
“اجعل الأمر يُفضح أمام حشد من الناس بأي وسيلة. وليُكشف في الوقت ذاته أن من حاول الكونت تشاندلر قتلها، وفشل، لم تكن سوى خطيبة الأمير نفسها…..هايلي ديدر.”
كان الماركيز واعيًا تمامًا لدقات قلبه الصاخبة التي بلغت مسامعه.
كان قد سمع بالفعل من ريفينانت أن خطيبة الأمير ليست سوى سيدة التنين الأسود، ووافق على خطتها لاستغلالها كنقطة ضعف، فوقف معها في مجلس النبلاء.
غير أنه لم يتوقع قط أن تأتي بنفسها لحضور الاجتماع، إذ لا يُسمح بدخول القاعة إلا لمن سُجِّل اسمه في سجل النبلاء.
أن تجرؤ على الحضور لترى وتسمع بنفسها ما يُناقش حول التنين الأسود؟ لم يُدرِ أذلك جرأةٌ محضة أم أن وراءها نوايا أخرى.
وفوق ذلك، أن تقف أمام أبيها الذي حاول قتلها من قبل، بوجه هادئ لا يرتجف؟
ابتلع الماركيز ريقه الجاف وهو يراقب ردة فعل سيان بطرف عينه. أما خطيبة الأمير، فبدت وكأن ما يجري أمامها لا يمتّ لها بصلة، و لم يطرأ على ملامحها أي تبدّل.
تحدث الكونت تشاندلر، وقد طُرح عليه سؤالٌ من كارل، بصوت مهيب يشي باعتراف ثقيل،
“ابنتي، إيرا تشاندلر، ماتت في اليوم الذي سُجّل اسمها فيه في سجل وفاة النبلاء. على الأقل، بالنسبة لعائلة تشاندلر، فقد ماتت بالفعل. وأغلب الظن أنها ماتت حقاً.”
ثم أضاف، وكأنّه يغرس خنجراً في الهواء،
“لقد أطعمتها السم، ورميتها في الغابة التي كانت الذئاب تجوبها.”
صمت المجلس لحظة، ثم انفجر من جديد بصخب أعنف مما كان.
“أتقصد أنّك قتلتها عمداً؟”
“يا لوحشيتكَ..…”
تحوّل الجدل في طرفة عين، من الخوض في شأن التنين الأسود، إلى صرخات تلعن أباً قاسياً قتل ابنته بيديه.
“هدوء!”
صرخ الخادم التابع بصوت جهوري لإخماد الفوضى.
“الكونت تشاندلر، هل تدرك ما الذي تعترف به الآن؟”
كان كارل قد سمع عن اختيار التنين الأسود وما أثاره من ضجة، لكنه لم يطّلع على ما هو أبعد من ذلك، فعضّ على باطن خده بقوة من غير وعي.
“قبل أن تشهد على وجود التنين الأسود، ها أنتَ تعترف أولاً بجريمة بشعة ارتكبتها بحق دمكَ ولحمكَ.”
حتى هندريك قطّب حاجبيه باشمئزاز وهو يوبّخه على تلك القسوة.
تسع سنوات. لم تتجاوز طفلتكَ التسع سنوات، ومع ذلك، خوفاً من التنين الأسود، سممتها وتركتها طعاماً للذئاب.
‘كانت يداها أخشن مما توقعت…..’
استعاد كارل ذكرى تلك اللحظة في العربة، حين عاد من قصر كارتر وهو يمسك بيد سبان.
كانت صغيرة ونحيلة، لكن خشونتها وقسوتها لا تقل عن يد أي رجل.
و هناك، في تلك العربة، أيقن أنها سيدة التنين الأسود.
كان قد ساوره الشك بعد رسالة ريكايل، ثم جاء تأكيده حين علم أن ريفينانت استدرجتها بحكاية التنين الأسود.
لماذا بالتحديد التنين الأسود؟
لم يطل به التفكير حتى ربط الخيوط: لأن سيان، عدوة ريفينانت، قد تكون سيدة تنينة وريثة بيغادراسيل المظلمة.
وحين سمع جوابها الذي ادّعت فيه اللامبالاة وكأن الأمر لا يعنيها، شعر كارل نحوها بشيء غريب…..أشبه بالشفقة.
لم يكن هناك سببٌ آخر يبرّر طردها من العائلة سوى ذلك الفعل المشين. وإن كان حدسه صائباً، فقد رأى كارل أن لا شيء في هذا العالم يثير الأسى أكثر من تلك اليد الخشنة.
الفضة والسواد…..أي عدالة غامضة تلك؟
ما الداعي لأن تظل قصةٌ صاخبة من زمن تأسيس الإمبراطورية تُلقي بظلالها بعد ألف عام كاملة؟
ربما كان يرى الأمر بهذه المرارة لأنه نفسه سيّد التنين الفضي المجيد، إيدلين، الذي يُشاد به بوصفه وريثاً ليغدراسيل.
‘نفس المصير…..’
تمتم كارل في أعماقه، وهو يكبح مرارةً تتصاعد في صدره.
قبل اثني عشر عاماً، لم يكن لقاؤه بتلك الفتاة ذات الشعر البلاتيني المتطاير في طريقه إلى إيفاريد سوى لحظة عابرة، ومع ذلك ظلّت عالقةً في ذاكرته كل هذا الوقت.
و لعلها كانت غريزةً خفية، انجذاباً غامضاً بين اثنين من النوع ذاته.
شدّ قبضته على الطاولة ليمنع ملامحه من أن تتشوه تحت وطأة تلك الأفكار.
“سأدفع ثمناً وافياً لما ارتكبت.”
قال الكونت تشاندلر ذلك وهو يخفض رأسه في خضوع، متقبلاً توبيخ هندريك.
لكن أنطونيو، الذي ظل صامتاً حتى الآن، فتح فمه أخيراً،
“وربما، يا كونت، تدفع ذلك الثمن أخف مما تظن. فالقتل والشروع في القتل لهما عقوبتان مختلفتان. وابنة الكونت التي زعمتَ أنكَ قتلتها، ها هو تنينها حيّ يثير الفوضى في العاصمة، أليس في ذلك دلالةً على أن محاولتكَ قد باءت بالفشل؟”
عندها، رفع الكونت تشاندلر عينيه نحو أنطونيو بنظرة مختلفة تماماً، كأنما كان ينتظر منذ البداية أن يسمع تلك الكلمات.
“كنت أعلم أن ما فعلته جريمةٌ ضد الدم والرحم، ومع ذلك قتلت بيدي ابنتي التي أنجبتها، لأمنع بأي ثمن خروج التنين الأسود إلى هذا العالم. والآن، بعد كل هذه السنين، وقد وصلت شائعاته إلى ويكريا، لم أعد أطيق الوقوف مكتوف اليدين.”
نهض الكونت تشاندلر من ركوعه أمام ولي العهد، ومدّ قامته، وحدّق مباشرةً في الماركيز وأنطونيو.
“ابنتي ماتت. قتلتها بيدي لأنها اختيرت من قبل التنين الأسود الذي قد يجلب الخراب من جديد إلى هذه الأرض. وإن كان التنين وحده قد عاد حيّاً، فما معنى أن أعيش سبعة عشر عاماً من الجحيم؟ لأي شيء دفعت هذا الثمن؟”
صاح بكلمات امتزج فيها الغضب والمرارة، موجّهاً صوته إلى الماركيز وأنطونيو اللذين استدعياه للشهادة،
“لقد جئت إلى هنا طوعاً بعد أن تلقيت رسالتكما، لأعترف بذنبي وأدفع ثمنه، لكن أيضاً لأثبت أن ذلك التنين الذي اختار ابنتي لم يعد موجوداً!”
ساد القاعة صمتٌ ثقيل، وكأن الهواء نفسه قد تجمّد تحت وطأة اعترافه غير المتوقع.
أما الماركيز وأنطونيو، اللذان كانا على يقين بأنه سيؤكد وجود التنين الأسود، فقد بدت على وجهيهما دهشةٌ مذهولة أمام ادعائه المعاكس تماماً.
“…..ذلك، أولاً.”
توجّهت أنظار الحضور جميعاً نحو الماركيز الذي طلب شهادته، وكذلك نحو أنطونيو الذي أيّد رأيه بأن سيدة التنين ما زالت حيّة.
فتحدث الماركيز مسرعاً وهو يحاول تدارك الموقف،
“حتى لو سممتها وألقيت بها في حقل الذئاب، فقد كانت هي بالفعل سيدة التنين. ألا تدركون كم هي عظيمةٌ القوة التي يملكها سيد التنين؟ حتى لو بقيت حيّة، فلن يكون في الأمر ما يثير الاستغراب..…”
نظر كارل إلى الماركيز وأنطونيو، اللذين ارتدت كلماتهما عليهما كالسهم المرتد، وكاد يضحك بسخرية لكنه بالكاد كتم ابتسامته.
“الآن وقد تذكرت شيئاً..…”
قال كارل ذلك وهو يقطع الصمت.
“حتى في معبد التنانين لم يُصرَّح قط بوجود التنين الأسود، فكيف علمتَ يا عمي أن ابنة الكونت تشاندلر كانت المختارة من قبله؟”
“ذلك…..أنا..…”
تلعثم الماركيز، وابتلع ريقه بصعوبة، ثم ضيّق عينيه نحو كارل وكأنه يحاول استجماع حجّة.
“ألم تذكر أنت نفسكَ قبل قليل أنك اطلعت على سجل إيرا تشاندلر؟”
ابتسم كارل بسخرية هادئة.
“لقد صادفت ذلك السجل عرضاً أثناء بحثي عن أمر آخر. وكل ما قلته هو أن ابنة الكونت تشاندلر ماتت في ظروف غامضة، ولم أذكر قط أن لذلك علاقة بالتنين الأسود.”
عضّ الماركيز على شفته في ضيق.
“وأنت من طلب حضور الكونت تشاندلر للشهادة، أليس كذلك؟ تحدثت وكأنكَ واثقٌ من أن تلك الحادثة كانت اختياراً من التنين الأسود، بل وكأنكَ متيقنٌ أن ابنته ما زالت حيّةً حتى اليوم.”
“لا تحرّف الحقائق ولا الكلام، صاحب السمو الأمير كارلستون.”
تدخل أنطونيو ليغطي على ارتباك الماركيز الذي احمرّ وجهه من الغيظ، بخلافه هو الذي ظلّ هادئاً ورزيناً.
“ما يهمنا الآن قبل أي شيء، هو أن نثبت أن ابنة الكونت تشاندلر، سيدة التنين الأسود، لا تزال حيّة. الغاية من هذا الاجتماع هي كشف حقيقة التنين الذي هاجم بريتا ووضع خطة للتصدي له، أليس كذلك؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات