الكاهنة العظمى التي تمنت لها السعادة، وكارل الذي قال أن التنين ليس سوى تنين…..لا شك أن كليهما شخصٌ طيب.
مجرد وجودهما جعل زاويةً مظلمة في قلبها تدفأ لأول مرة.
التنينة السوداء. كم مرة سألت نفسها: لماذا أنا؟ ولماذا بالذات كان يجب أن تختارني؟ كم مرة كرهت ذلك ولعنت نفسها؟
لهذا السبب رفضت أن تكون مالكتها، وأدارت ظهرها للمعبد، وراحت تتجول في العالم هاربةً من حقيقتها.
لكنها الآن تدرك أن ما فعلته ربما لم يكن سوى فخ صنعته بنفسها من عنادها وغرورها.
لو أنها منذ البداية رفعت رأسها بفخر وقالت أن تنينتها السوداء لا علاقة لها بأحكام العالم المسبقة، لكانت التقت بهؤلاء الأشخاص الطيبين في وقت أبكر، ولما اضطرت إلى خوض ذلك الطريق الطويل الموحش.
“اختيارمسارحياتكِ…..قرارٌيخصكِوحدك.”
أنت محقة، أيتها الكاهنة. الطريق الذي ظننته قد دفعني إليه القدر عنوة…..كان في الحقيقة الطريق الذي اخترته بنفسي.
فابتسمت سيان بسخرية مُرة.
***
“علينا تشكيل فرقة صيد.”
ارتفع الصوت من وسط مقاعد النبلاء، فالتفت هندريك وكارلستون في اللحظة نفسها نحو المتحدث.
“لقد مرّ أكثر من ثلاث سنوات منذ أن سقط جلالته الإمبراطور طريح الفراش، غير قادر على النهوض. وفي هذه الأثناء، قُتلت ملكة التنانين إلينا، وتعرّض تنين السيد أنطونيو كارتر، الذي كان رمز الأمل للعامة، لهجوم.”
“إنها أزمة جديدة تعصف بالإمبراطورية. ولا شك أن كل هذه الأفعال هي من تدبير التنين الأسود الشرير، الذي يسعى للإطاحة بالإمبراطورية المقدسة التي وُلدت تحت بركة التنين الفضي، إيغدراسيل.”
“من المؤكد أن اغتيال ملكة التنانين إلينا كان من فعل التنين الأسود. فمن غيره يستطيع اختراق تحصينات القصر الإمبراطوري والتسلل إلى عُش الملكة؟”
“قصة التنين الأسود الذي هاجم بريتا تثير الذعر بين سكان العاصمة.”
“علينا أن نشكّل فرقة صيد لإبادة التنين الأسود وبذلك نعيد الطمأنينة إلى قلوب الناس.”
كانت الأحاديث تتدفق بسلاسة، بلا أي عائق.
و كل شيء سار كما توقع كارل تماماً. لا مفاجآت، لا منعطفات مثيرة، مجرد سيناريو مبتذل مكرر جعله يشعر بالملل وهو يحك صدغَه بفتور.
“كل ما نسمعه منكم هو، هذا مؤكد، وذاك لا شك فيه…..لكن في النهاية ليست سوى تكهنات. أليس كذلك، أيها النبلاء المحترمون؟”
تسلل صوت كارل الواثق عبر ضجيج القاعة، فأطبق الصمت فجأة على من كانوا يصرخون مطالبين بتطهير الإمبراطورية من شرور التنين الأسود. و سكنت الوجوه التي كانت قبل لحظات تتفجر غضباً.
“عندما وُجدت إحدى حراشف إيدلين في موقع اغتيال الملكة إلينا، اتُّهمت أنا ظلماً، وكدتُ أُقتل لولا أن الحقيقة انكشفت. فهل نريد أن نكرر السيناريو نفسه، لنصنع ضحيةً جديدة بالطريقة ذاتها؟”
“مع كامل الاحترام، يا صاحب السمو، فإن مسألة وجود حرشفة من إيدلين على جثة الملكة ما تزال لغزاً لم يُحل بعد.”
“الحصول على حرشفة من أي تنين ليس أمراً صعباً على من يسعى لذلك، خصوصاً من تنين مثل إيدلين، الذي كان كثير التنقل.”
حول كارل بصره إلى ما وراء صفوف النبلاء، محاولاً تحديد صاحب هذا الاعتراض، لكنه أدرك سريعاً أن الهوية لا تهم. فمعظم الجالسين هناك، في أعماقهم، يشاركونه الرأي نفسه.
“إن كنتم ما زلتم تشكّون بي بسبب تلك الحرشفة، فذلك لا يعني سوى شيء واحد: أنكم تتجاهلون عمداً سلطة المعبد الذي حمى التنانين والإمبراطورية منذ تأسيسها. أهذا ما تريدونه؟”
“مستحيل، بالطبع لا نقصد ذلك..…!”
تراجع الصوت الذي صاح من مقاعد النبلاء، متلعثماً تحت وطأة سخرية كارل الحادة.
“أفهم تماماً مخاوف نبلاء إمبراطوريتنا المحترمين، لكن التنين الأسود الذي تطالبون بإبادته…..لم يره أحدٌ قط. كيف تطاردون كائناً لا يعرف أحدٌ إن كان موجوداً أصلاً؟”
“ثم، حتى لو افترضنا جدلاً أن اغتيال ملكة التنانين كان من فعل التنين الأسود، فسنظل نواجه المشكلة ذاتها التي واجهناها حين أُلصقت التهمة بإيدلين، لغزٌ لا يمكن حله.”
ثم واصل هندريك، الذي كان يراقب الفوضى بصمت حتى تلك اللحظة، الحديث مؤيداً لكارل،
“الحاجز السحري للقصر. كما يعلم الجميع، هناك، عش الملكة يقع في أعماق القصر الإمبراطوري، محاطاً بحاجز بالغ القوة. أن يخترقه تنين ويقتل الملكة…..أمرٌ ينافي المنطق.”
ساد السكون القاعة إثر هذا الطرح الواقعي، كأن صوت هندريك قد قصم صخبها.
“بمعنى آخر، القاتل على الأرجح ليس تنيناً…..بل بشراً.”
“هذا مستحيل يا صاحب السمو! كيف لإنسان حقير أن يقتل تنيناً؟”
“من يملك خبرةً في صيد التنانين قد يفعلها.”
“إن كنت تقصد صيادي التنانين، فهؤلاء انقرضوا منذ زمن طويل.”
“انقرض نسلهم، نعم. لكن أرواحهم لم تنقرض معهم، أليس كذلك؟”
ابتسم هندريك ابتسامةً باردة، مشوبةً بسخرية لاذعة التوت عند طرف شفتيه.
عندها، ارتفع صوتٌ آخر، هذه المرة بنبرة رسمية مهذبة،
“اسمحوا لي أن أقول كلمة.”
عش التنين محصّن بحاجز سحري صارم لا يمكن لاختراقه إلا لمن يعرف الطريق، وهو محاط بمتاهة معقدة لا يمرّ منها إلا العالمون بخفاياها.
حتى لو كان الفاعل إنسانًا، فإن عبوره لتلك المتاهة يظلّ موضع شك وتساؤل.
كان المتحدث هو الماركيز دانيال.
حلس ولي العهد هندريك في المقعد الأعلى، وعن يمينه جلس الأمير كارلستون، بينما اتخذ الماركيز مكانه عن اليسار.
“التنين الأسود موجود، بلا شك. وإن كان البعض لا يزال يشكك في وجوده، بحجة أن المعابد لم تعلن عنه، ولا أحد قد رآه بأمّ عينه بعد. فلِمَ لا نستدعي من يشهد بوجوده؟”
شاهد؟
قطّب كارل حاجبيه لكنه كتم ردّ فعله بصعوبة.
أما سيان، فجلست في المقاعد الدنيا البعيدة عن صفوف النبلاء المسجّلين، وكأنها غير موجودة، تتابع الموقف بصمت.
حين التفت كارل نحوها دون وعي، صادف نظراتها الثابتة التي ارتفعت نحو الماركيز لحظة انتهائه من حديثه.
و يبدو أنها شعرت بنظرات كارل.
“لقد أرسلنا برسالة إلى المعبد بشأن وجود التنين الأسود، وسنحصل على الجواب قريبًا.”
“لكن ألا ترون أن الجواب قد تأخّر؟ لقد استدعيت الشاهد مسبقًا، فلنستمع إليه هنا والآن.”
كان الماركيز صلبًا على غير عادته، وكأنّه أعدّ لكل شيء سلفًا.
فارتفع حاجبا هندريك قليلًا حين سمع ثقته المتعالية. أما سيان، فكانت تتابع المشهد بعين هادئة وقلب مشدود.
أجل، لا شك أن الأمر لن يتوقّف عند إثبات وجود التنين الأسود فحسب.
و كانت قد بدأت تدرك من هو الشاهد الذي أعدّه الماركيز. أو بالأحرى، الشاهد الذي أعدّه من يقف خلفه…..ريفنانت.
ذلك الشاهد الذي سيكون سهمًا موجّهًا إلى نقطة ضعفها.
ومع ذلك، بقي قلبها ساكنًا كبحيرة هادئة.
“أطلب تقديم صاحب اراضي ويكريا لحماية الحدود، الكونت وينستون تشاندلر، كشاهدٍ على رؤيته للتنين الأسود.”
عند هذا التصريح الذي تبِع حديث المركيز، كان كارل—لا سيان—هو من عبس على الفور.
و انتشرت الهمهمات بين صفوف النبلاء كأمواج مضطربة تهزّ القاعة.
بالنسبة لأولئك الذين طال انتظارهم لوصول رسالة من معبدٍ قد لا يأتي جوابه أبدًا، فإن ظهور شاهد يزعم معرفته بوجود التنين الأسود بدا كمفاجأة سارّة.
“…..الكونت تشاندلر؟”
تساءل هندريك بصوت خافت، كمن لا يزال يجهل الحقيقة.
أما كارل، من جهته، عضّ شفتيه بحدة دون أن يراه أحد.
“أدخِلوا الشاهد.”
أمر هندريك بنبرة ثابتة، فصاح الخادم الواقف إلى جانبه بصوت جهوري دوّى في أرجاء القاعة: “أدخِلوا الشاهد!”
ومن الباب الذي كان كارل قد مرّ به في جلسة سابقة، ظهر رجلٌ في منتصف الخمسينات، أو ربما أكبر بقليل.
و لحظة أن وقعت عيناه عليه، عرف كارل على الفور أنه والد سيان. فقد كان الكونت تشاندلر، الذي يراه لأول مرة، يحمل نفس خصلات الشعر البلاتينية التي تميز سيان.
نظرت سيان إليه من بعيد وهو يتقدّم ببطء إلى القاعة، فابتسمت دون أن تشعر، ابتسامةً خافتة خالية من الصوت.
لا تكاد تتذكّر متى رأته آخر مرة. عشر سنوات؟ لا…..بل سبعة عشر عامًا بالتمام.
والدها، بشعره القصير المرفوع، بدا أكثر تجعدًا وأكبر سنًا من الصورة المحفوظة في ذاكرتها، لكن قامته المستقيمة وكتفيه الصلبين أعادا إليها طيف ذلك الماضي على الفور.
‘…..كان أبًا عظيمًا ومخيفًا في آنٍ واحد.’
الرجل الذي كان من المفترض أن يكون درعًا يحمي ابنته الوحيدة، اختار أن يكون أوفى للإمبراطورية ومكانته ككونت حدود بدلًا من كونه أبًا.
لم يتبقَ في قلبها أيّ ذكرى دافئة تستحق الاستحضار له. و حتى بعد سبعة عشر عامًا من الغياب، لم تشعر بأي شوق أو حنين عند رؤيته مجددًا.
كان الأمر أشبه بلقاء غريبٍ لا يمتّ لها بصلة، باردًا ومفرغًا من كل عاطفة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات