شعرت سيان بثقلٍ في زاويةٍ ما من قلبها، لكنها هزّت رأسها بقوة محاولةً طرد ذلك الإحساس.
‘عندما يتعافى بما يكفي ليتحرك، عليّ أن أطلب منه الرحيل.’
استجمعت سيان كل ما تملك من خيالٍ لتحاول تصور الموقف بعد أن تقول تلك الكلمات المهمة.
ربما سيشعر بالأسى، وربما بالغضب. لكن لا خيار آخر. الذنب مؤقت، أما الحياة فطويلة.
وفجأة، خطر ببالها عينا الأمير العميقتان الصافيتان بلونهما الفيروزي الشبيه بحجر التركواز، وكأنهما تمسكان بكاحلها وتمنعانها من المضي.
إنه فعلاً يشبه تمامًا فتى الأحلام الذي خرج من مخيلتها…..فأين يمكن أن ترى وجهًا كهذا مرة أخرى؟
ومع تردد ملامح الأمير في عينيها، اجتاحها شعورٌ بالأسى والندم.
فتباطأت خطواتها من تلقاء نفسها. لكن سرعان ما صفعت سيان خدها محاولةً استعادة وعيها.
لا، لا. إن بقي حيًا، فقد ترى نسخةً مقلدة من فتى أحلامها، لكن إن عُلّق رأسه على بوابة المدينة، فلن ترى لا وجه فتى الأحلام ولا حتى شخصًا يشبهه في أطرافها.
عقدت سيان عزمها بثبات، وعدّلت خطواتها المتباطئة لتستقيم من جديد.
ثم اندفعت بشجاعة نحو مدخل الخيمة التي يقيم فيها الأمير، وفتحها على مصراعيها.
“سموك! لدي ما أقوله…..!”
“آه، أتيتِ في الوقت المناسب، يا آنسة سيان.”
وقبل أن تُكمل كلامها، بادرها الأمير بالترحيب.
رمشت سيان بعينيها في ذهول. فالموقف الذي أمامها لم يكن ضمن أي من السيناريوهات التي تخيلتها من الألف إلى الياء في ذهنها.
في كل توقعاتها، كانت البداية دائمًا أن الأمير مستلقٍ شاحب الوجه كالجثة، لكن أول زرٍ في هذه الصورة قد فُكّ تمامًا.
كان الأمير، الذي بدا بصحةٍ أفضل بكثير من قبل أيام قليلة فقط، جالسًا على السرير المؤقت، مستندًا إلى وسادة مرفوعة، بمظهر أنيق.
“كنت بانتظاركِ. لو لم تأتِ، كنت سآمر بإحضاركِ.”
قال الأمير ذلك وهو يبتسم بلطف. و بدا وكأنه نسي تمامًا التوتر الذي كان بينهما في المرة الماضية.
“هـ….؟”
خرج هذا الصوت من سيان دون أن تشعر، وكأن أحدهم باغتها بطعنةٍ في خصرها.
بانت في ذهنها تساؤلات: ‘ينتظرني؟ أنا؟ لماذا؟’، بينما كانت عيناها تنجذبان دون قصد نحو وجه الأمير الذي بدا أكثر راحة.
خرجت منها تنهيدةُ إعجاب في سرها.
خدّاه البيضاوان يكسوهما احمرارٌ خفيف، وملامحه الجميلة التي بدت كدمية دبّت فيها الحياة، فأصبح أكثر جمالًا مما كان.
بعد أن اعتادت على رؤية المرتزقة الغلاظ، بدا الأمير الشاب، ببشرته البيضاء ونقائه، كغسلٍ لبصرها المتّسخ.
‘وهو يبتسم…..يبدو لطيفًا أيضًا.’
ثم، وبينما كانت سيان تفكر بذلك دون وعي، أغمضت عينيها بإحكام وهزّت رأسها وكأن ماءً بارداً قد سُكب فوقها.
في هذه المرحلة، بدأت تكره نفسها بل وصلت إلى حد الاشمئزاز. لماذا تفقد صوابها بهذا الشكل لمجرد رؤية ذلك الوجه…..؟
على أي حال، لم يكن هذا وقت التشتت.
كانت سيان على وشك أن تلتقط نفساً عميقاً بثبات لتتماسك وتبدأ بالكلام.
“هناك بعض الكنوز المخبأة في قلعة إيفاريد.”
لكن الأمير سبقها بالكلام. وبشكل مباشر، دخل إلى صلب الموضوع، بل إلى جوهره تماماً.
بقي فم سيان مفتوحاً وهي ترمش بعينيها. فقد أصابها هجومه المفاجئ بالشلل الذهني.
لاحظ الأمير دهشتها سريعاً، فسعل سُعالاً خفيفاً كمن يحاول تلطيف الأجواء.
“تحسّبًا لحدوث أمرٍ كهذا، كنتُ قد أعددت ذلك المال لحياة الهروب….لكن هجوم أخي جاء مفاجئًا أكثر مما توقعت، فلم أتمكن من أخذه. إن ساعدتني، أفكر في أن أسترجعه وأكافئكِ به.”
كان يملك موهبةَ جعل الناس يصغون إليه.
رغم أن سيان لم تكن ممن يُقهرون بسهولة بالكلام، إلا أنها وجدت نفسها تصغي إليه وفمها نصف مفتوح.
‘فكم هو المبلغ إذاً؟ وأين بالضبط داخل القلعة؟’
أسئلة علقت على طرف لسانها، لكنها لم تستطع نطقها بسهولة أمام ذلك الوجه المقدّس الملقب ببركة إيفاريد، وقد تلوّث لسانها بكلماتٍ بذيئة.
“عشت مثل الضفدع في البئر، كما يقول البعض، لذا لا أعرف تمامًا كم يبلغ المبلغ، لكن أعتقد أنه يكفي ليعيش شخص عادي حياةً مترفة لعدة سنوات على الأقل……آه، طبعًا، لا أقول هذا لأنني أظن أن فتاةً نبيلة سابقًا مثلكِ تطمع بالمال، فلا تسيئي الفهم.”
قال الأمير ذلك مؤكدًا على كلمة “سابقًا”، مما أوحى بأنه لا يريد الاعتراف بأصل سيان النبيل بأي شكل.
أغاظها الأمر قليلاً، لكنها تمالكت نفسها ولم تغضب. فثد كانت القصة جذابةً للغاية. بل إنها أكثر القصص إثارةً للاهتمام التي سمعتها منذ سنوات. بعد أن دخل عالم المرتزقة في ركودٍ منذ زمن طويل.
بالمناسبة، كان حديث الأمير مفاجئًا أكثر مما توقعت.
في المرة السابقة حين تبادلوا الحديث، شعرت أنه ليس شخصًا ساذجًا تمامًا، لكن هذه المرة تأكدت تمامًا من ذلك.
لقد قلّل من نفسه وادّعى أنه مجرد ضفدعٍ في بئر، لكن الحقيقة أن هذه مجرد حيلة ليتجنب الإفصاح عن الرقم الحقيقي. فمن الواضح أنه يعلم أن عدم ذكر المبلغ سيزيد من فضولها.
وفي الوقت نفسه، حاول كسبها إلى صفه من خلال الإيحاء بأنه لا يراها شخصًا ماديًا يطمع بالمال، بل يحترمها ويثق بها.
كان تفكيره واضحًا كصفحة ماءٍ ضحلة وشفافة.
سيان لم تستطع كتمان ابتسامةٍ ساخرة، إذ وجدت نفسها تضحك من سذاجة الحيلة التي كان يستخدمها الأمير، حيلةٌ يعتقد أن بإمكانه خداع الناس بها…..
لكن كيف عرف أنها ستقع فيها؟
“حسنًا، ما النسبة التي تفكر بها لتقاسم المال؟”
سألت وقد ازداد حماسها. و سحبت كرسيًّا وجلست أمامه مباشرة.
فهذا كله، كما تبرر لنفسها، سببه الركود الاقتصادي الناتج عن التنافس الشديد بين المرتزقة ونقص فرص العمل—لا لأنها شخصٌ مادي.
وبينما تحاول تبرير تصرفها بحماية آخر ما تبقى لها من كرامة وضمير، سألت سيان، فنظر كارلستون في عينيها بجديةٍ تامة.
“سبعة لي، وثلاثةٌ لك.”
“هل تمزح؟”
قالت سيان ذلك بحدة، وعبست في وجهه.
“من المؤكد أن رجال ولي العهد يملؤون قلعة إيفاريد، وتريد مني أن أقتحم المكان وسط كل تلك المخاطر، ثم أكتفي بثلاثة فقط؟! وفوق هذا، ففريقي فيه عشرة أشخاص، وأنت وحدك، فكيف تقول أن النسبة ٧ إلى ٣؟! أي نوع من العقود المجحفة هذا؟!”
أطلقت كلماتها دفعةً واحدة دون توقف. أما كارلستون، فلم يتغير تعبير وجهه إطلاقًا.
لم يبدُ عليه خيبة أمل، ولا ارتباك، ولا حتى غضب، وكأنه لم يتوقع أصلًا أن تقع في فخه من البداية.
لم يكن يبدو أنه تفاجأ. لقد كانت مجرد ورقةٍ رماها ليجرب إن كانت ستقع في الفخ.
“الحد الأدنى هو ستة مقابل أربعة. وطبعًا، أنا من يحصل على الستة. وصدقًا، أنا أقول هذا لأنكَ أمير، وإلا لما كنتُ أعطيتك هذا الكثير. بصراحة، ما تراه سموّك كنزًا قد لا يكون شيئًا يُذكر عند فتحه. فماذا لو لم يكن المبلغ بهذا الحجم أصلًا؟”
عند هذا الكلام، اضطربت عينا كارلستون قليلًا.
فخُدعته التي وضعها لاستدراجها – وهي أنه “لا يعرف قيمة المال” – بدأت تنقلب ضده، فظهر عليه بعض الارتباك.
“لا، أؤكد لكِ أنه ليس مبلغًا ضئيلًا لتلك الدرجة.
وفوق ذلك، إن كنا نحسب حسب عدد الأشخاص، فمن الطبيعي أن تأخذي أنتِ الجزء الأكبر، لكنني بحاجة لمصاريف للحفاظ على الهيبة. فأنا أمير، أليس كذلك؟”
هاه؟ يبدو أن دهاءه فاق الحدود! فقد بدأ يطالب بمكافأة إضافية بدعوى الحفاظ على مكانته.
ضحكت سيان بسخريةٍ صادقة.
“على هذا المنوال، فأنا أيضًا كنتُ من عائلةٍ نبيلة عند ولادتي. وفي النهاية، طالما نحن مطاردون من قِبل التنانين الثلاثة، فلن يتمكن أيٌّ منا من العودة إلى مكانه.
أوه، وحقًا، عندما أفكر بالأمر…..أليس هذا سخيفًا؟ هل أنت طاووسٌ أم ماذا؟ هل ستنثر ريشك في كل مكان لتغوي النساء؟ إذا كنت تتحدث عن مصاريف الحفاظ على المظهر، فامرأةٌ مثلي تحتاج أكثر منكَ بأضعاف.
لا تقل كلامًا لا معنى له.”
“…..ذوقي رفيع، لذا مصاريف الطعام عندي مرتفعةٌ أيضًا..…”
تمتم الأمير بصوتٍ خافت، وكأنه لا يجد ما يرد به على كلام سيان.
“وأنا آكل كثيرًا أيضًا، بالمناسبة!”
سيان لم تفوّت حتى هذه الجملة العابرة، وانقضّت عليها على الفور.
عندها توقف فجأةً عن الرد، وأخذ يحدق فيها مطولًا، ثم راح يومئ برأسه إلى أعلى وأسفل كما لو أنه فهم شيئًا أخيرًا.
ما هذا؟ ماذا فهم الآن؟ هل اقتنع فجأةً بأنني أبدو كشخص يأكل كثيرًا؟
شعرت سيان بالذهول، وضحكت من شدة الغضب والغرابة في الموقف.
“حسنًا، لنقسّمها بالتساوي، خمسين بخمسين. لا يمكنني التراجع أكثر من ذلك.”
قالها الأمير بنبرة مفاوض معتاد على النقاش.
سيان أخرجت شفتها السفلية للأمام بعادة لا إرادية.
كان واضحًا أنه كان يستهدف تقسيم ٥٠/٥٠ منذ البداية، وكل ما قاله كان مجرد مناورة.
“أنت تكذب عندما تقول أنكَ لا تعرف كم جمعت، أليس كذلك؟ فشخصٌ دقيق وحذر مثلك، وصل به الأمر إلى الادخار تحسبًا ليوم الهروب، لا يمكن أن يكون قد جمع المال عشوائيًا دون أن يحدد حدًا مناسبًا له. ولا حتى غراب سيفعل ذلك..…”
قالت سيان ذلك وهي تطوي ذراعيها، ثم سألت بصدق.
عندها اتسعت ابتسامة كارلستون التي كانت شكليةً من قبل، واكتسبت عمقًا واضحًا.
“حسنًا، ليس بالكثير. حتى لو انتهى بي الحال هائمًا أبحث فقط عن النجاة، فقد يكفي للعيش براحةٍ حتى الجيل الثالث.”
“لا بد أنكَ حسبت مصاريف المحافظة على هيبتك أيضًا، لذا يبدو أنه المبلغ كبيراً فعلًا.”
“يتوقف الأمر على ما تعتبرينه معيارًا، لكن على الأقل، يكفي لتعيش زوجتي المستقبلية، كزوجة أمير سابق، حياةً لا ينقصها شيء.”
هذا كان إعدادًا مذهلًا حقًا. عدم ذكره للمبلغ بالتحديد لم يكن لأنه لا يعرفه، بل لأنه كبير بما يكفي ليصعب حصره بكلماتٍ بسيطة.
شدّت سيان طرف شفتيها إلى الأعلى في ابتسامة خفيفة.
“حسنًا، اتفقنا على ٥ مقابل ٥. وسأثق بكلامكَ بخصوص إجمالي المبلغ الذي سنقسّمه.”
“إذًا، هل نعتبر الصفقة تمت؟”
“ليس بعد، أين العربون؟”
قالت سيان ذلك بجدية.
وفجأة خيّم ظلٌ على وجه الأمير الذي كان يبتسم قبل لحظة، وانطلقت منه ضحكةٌ ساخرة وقد ارتسمت على وجهه ملامح عدم التصديق.
“هل تمزحين؟ هل تريدين عربونًا أيضًا بعد أن قسمنا المال مناصفة، وأنا من جمعه بكل ذلك الجهد؟”
“وماذا يجعلني أقتحم تلك القلعة، وهي حقل ألغام حقيقي؟ ماذا لو حصل شيء في الطريق؟ حينها لا خمس ولا خمسين سيكون لها قيمةٌ أصلاً.”
“على هذا المنطق، فكل الأمور في الحياة كذلك. إذا فشل الأمر، فلن يفيد العربون بشيءٍ أيضًا. أليس من الأفضل أن تركزي على كيفية إنجاح المهمة بدلًا من التحضير لاحتمال الفشل؟”
“يا للروعة، هذا الكلام يليق فعلاً بضفدعٍ عاش في قاع البئر. طبعًا سأبذل كل ما في وسعي من أجلكَ، لكن من قال أن الأمور في هذا العالم تسير كما نشتهيها؟ حتى إذا كانت الأمور خطيرة، يجب أن يكون الناجون على الأقل قادرين على العودة إلى ديارهم مع بعض المال.”
عند ملاحظة هذه الملاحظة من سيان، عبس الأمير وأغلق فمه. و بدا عليه أنه لم يفكر في ذلك، وكان التعبير على وجهه يعكس حيرةً واضحة.
يبدو أنه كان في حالة تفكير. فلم تضغط سيان أكثر وأعطته الوقت للتفكير.
كان من الطبيعي أن يكون في مأزق. فقد كانت هذه هي النقطة التي أشارت إليها هي بنفسها بشأن العربون.
إذا كان لا يستطيع دفعه، فيمكنه رفع النسبة إلى ٦٠/٤٠ أو ربما استدانته من مكانٍ ما. ذلك ليس من شأنها.
“ماذا تريدين؟ هل أبيع جسدي؟”
بعد فترة من التفكير، بدأ كارلستون يستفسر. فنظرت إليه سيان ببرود.
“إلى أين؟ إلى بيت الدعارة؟ أم إلى سوق بيع الأعضاء؟”
“أعني لكِ أنتِ.”
ابتسم الأمير مرة أخرى، لكنه كان هذه المرة يبدو غير مصدق. أما سيان، فكانت هي من عبست هذه المرة.
“هل تقوم بالتحرش بيَ الآن؟”
“إذا كنتُ سأبيع جسدي، فما علاقة ذلك بكِ؟”
“بالطبع، لأنكَ ليس لديكَ نيةٌ للبيع، أليس كذلك؟ سواء كان جسدكَ أو أعضائكَ.”
“حقًا؟ وهل تعتقدين ذلك؟”
فتح الأمير عينيه بدهشة. فحدقت سيان فيه عن كثب، وهي تضيق عينيها.
كان يفكر في شيء غير متوقع، وكان يبدو حقًا متأكداً.
“منذ أن رأيتكِ لأول مرة، كنت أظن أن نظراتكِ كانت تطلب ذلك.”
فتحت سيان فمها بدهشة. عندها أدركت تمامًا ما كان الأمير يعنيه.
كان كلامه خاليًا من المزاح، مما جعله يبدو أكثر رعبًا.
__________________
يبدو ان الامير شطح~
سيان ياقوي وجهها فلوس الامير وتقعد تكاسره فيها😭😭😭😭😭😭😭
المهم يارب تتحول علاقتهم من أعداء لأحباء😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 7"