‘رغم أن الضجة كانت ستقوم على أية حال، إلا أنكَ على الأقل ما كنت ستُتهم بكونك تنينًا شريرًا كما هو الحال الآن.’
نقرت سيان لسانها بضيق.
كانت تتوقع تمامًا أن تستغل ريفينانت معرفتها بسر كونها سيد التنين الأسود. ولو فكرت بالأمر حينها، لكان من الأولى أن تسبقها بخطوة لتمنع وقوع الأسوأ.
لكن ما أخرها كان ترددها وخوفها من أن تخبر كارل، سيد التنين الفضي، بالحقيقة.
فعائلتها أنفسهم نبذوا ابنتهم الوحيدة لمجرد أن التنين الأسود بدا لهم نذير شؤم. فكيف لا تخشى أن يفعل كارل الشيء ذاته؟
شعرت بالخوف من أن يكون مثلهم تمامًا.
[العائلة الإمبراطورية والمعبد سيشهدون بأني لا علاقة لي ببيغادراسيل. لكن كيف أثبت أن لا صلة لي بموت ملكة التنانين ولا بهجوم بريتا؟]
‘عن أي إثبات تتحدث؟ الشائعات انتشرت أكثر مما ينبغي. و من كمية ما يُقال، يبدو الأمر وكأنه صار حقيقةً لا جدال فيها..…’
تلاشت نهاية جملتها. فمن خلف الحديقة الهادئة، سُمع صوت حركة بين الأعشاب.
فرفعت سيان فنجان الشاي بخفة لتحجب تعبير وجهه.
و ما حسبته وهماً في البداية كان بالفعل إحساسًا واضحًا بوجود أحدهم. فقد سمعت صوت خطوات تقترب بثبات.
“ماذا تفعلين هنا؟”
“أوه، كارل.”
رغم أنها كانت تتوقع ظهوره، تظاهرت سيان بالمفاجأة عند رؤيته.
“خرجت قليلاً لأفكر.”
“وحدكِ؟”
نظر كارل إلى إبريق الشاي وكوب الشاي الموضوع أمام سيان، و كانت نظراته وكأنه يتحقق مما إذا كانت سيان بصحبة أحدهم.
“في الآونة الأخيرة، تخرجين بمفردكِ كثيرًا.”
“ذهني مشوشٌ قليلًا هذه الأيام.”
لم يسترسل كارل بالسؤال أمام عذر سيان المتردد، بل اكتفى بسحب الكرسي المقابل لها وجلس عليه.
“هل تشوشكِ هذا بسبب السيدة كارتر؟”
“ممم، يمكن القول أنه بسبب هذا وذاك..…”
“أم بسبب التنين الأسود؟”
طرح كارل سؤاله بسلاسة بينما كانت سيان تراوغ في إجابتها، لكن بسبب الحديث الذي دار قبل لحظات بينها وبين التنين، شعرت سيان بانزعاج مفاجئ، وكاد يتغير تعبير وجهها لا إراديًا.
كان سؤال كارل طبيعيًا جدًا، لكن بدا وكأنه يعرف كل شيء.
ما الذي يعنيه بسؤاله؟
وجدت سيان نفسها تبلع ريقها دون وعي وهي تغوص في التفكير.
“بسبب حادثة الهجوم على بريتا، عُقد اجتماع لمجلس النبلاء. و شخصيًا، لا أعتقد أن الأمر يستحق كل هذه الضجة.”
“…..لا بد أن هناك من يحرّض في الخفاء، وينفخ في الأمر ليبدو وكأنه مصيبةٌ كبرى.”
أومأ كارل برأسه.
“لو كان الأمر حقيقيًا، فذلك يعني ظهور تنين غير معروف، وهذا أمرٌ لا يمكن تجاهله تمامًا.”
“…..سمعت أن سمو ولي العهد قد بعث برسالة إلى معبد التنانين.”
“لم يصلنا ردٌ بعد.”
أجاب كارل، ثم نظر مباشرةً إلى سيان.
لم يكن يعرف ما إذا كان يجب أن يشعر بالارتياح لأن المعبد لم يؤكد شيئًا بعد، أم أن عليه أن يقلق من هذا الصمت.
وقد كانت سيان تخفي تعبيرها المتداعي خلف كوب الشاي متظاهرةً بالاحتساء، لكن ما إن شعرا بنظرات كارل عليها، حتى رفعت رأسها ونظرت إليه.
“هل أنتِ قلقة؟”
سأل كارل بابتسامة ما إن تلاقت نظراتهما.
كان واضحًا أن هناك شيئًا يؤرقها، ولذلك بدا السؤال في غاية المعنى رغم بساطته.
رسميًا، لا توجد أي صلة بين سيان والتنين الأسود. لكن إن لم يكن هناك ما يدعو للقلق، فلماذا سأل كارل هذا السؤال تحديدًا؟
سيان لم تجد له تفسيرًا، لذا أطالت النظر إليه بصمت.
“فالكذب ينكشف دائمًا، بطريقة أو بأخرى، في نهاية المطاف.”
لمن يقصد كارل هذا الكلام؟
إلى ريفانانت؟ أم إلى نفسها، العاجزة عن قول الحقيقة؟
تنهّدت سيان بصمت، ثم أنزلت فنجان الشاي من يدها.
“قصة الهجوم على بريتا، على الأرجح مجرد كذبة. االحقيقة ستنكشف بطريقة ما، لذا لا داعي لأن تقلق كثيرًا.”
“…..وما الذي يدعوني للقلق أصلًا؟”
“صحيح، لا يوجد شيء. لكن لا أدري لماذا، سيان، منذ أن بدأنا الحديث عن التنين الأسود، وأنتِ تبدين كذلك.”
ظهرت ابتسامةٌ خفيفة على وجه كارل، فعبست سيان برفق.
هكذا إذًا، هذا ما يجعل من الصعب على المرء أن يعيش وهو يحمل سرًا.
كل كلمة، كل تعبير، كل نظرة من كارل بدت ذات مغزى، فصار قلبها يزداد ثقلًا.
“ولمَ تعتقد أن الهجوم على بريتا كذبة؟ القصر الإمبراطوري يؤمن بذلك، والناس في الخارج أيضًا، لا أحد يشكك في الأمر.”
“أليس التوقيت مريبًا؟ أول من أثار موضوع التنين الأسود كانت ريفانانت. ثم، ويا للصدفة، تتعرض بريتا—تنين زوجها—لهجوم من تنين أسود؟ أليس واضحًا أنها حيلةٌ مدبرة؟”
“…..لكن قد يكون الأمر حقيقيًا.”
نظرت سيان إلى كارل بعيون يغمرها القلق.
كان من المريح بعض الشيء أن كارل لا يصدق بسهولة بوجود تنين أسود، لكنه في الوقت نفسه جعل قلبها أكثر اضطرابًا.
لم يكن يبدو عليه أنه يصدق شيئًا من تلك الرواية منذ البداية. وإن اكتشف لاحقًا أن من كان يملك ذلك التنين هي سيان نفسها…..فكم سيكون شعوره بالخيانة حينها؟
‘أيتها مخادعة.’
كلمات ريفانانت طعنت قلبها من جديد.
وكلما طالت مدة إخفاءها لهذا السر، تضاعف شعور الخيانة الذي سيجتاح كارل في النهاية.
أطبقت سيان شفتيها بصمت. فقد حان الوقت أخيرًا لتقول الحقيقة.
كان هذا ما فكرت به وسط الصمت المتوتر، بينما كانت تشد قبضتها بتصميم.
لكن في تلك اللحظة…..
“هل تتمنين أن تكون القصة حقيقية؟ أم أنكِ تختبرينني فقط؟”
قال كارل ذلك بصوت هادئ وقد غابت كل ملامح التعابير عن وجهه، بعد لحظة قصيرة من الصمت.
ثو هبّت نسمةٌ دافئة تحت سقف الجلسة في منتصف الحديقة، لكن خلافًا للجو الصافي الخالي من الغيوم، والطقس المعتدل الذي لا يحتاج إلى معطف، بردت أفكار سيان فجأة، وكأن الثلج اجتاح رأسها.
“…..أختبركَ؟”
كان شعورًا أشبه بسقوط القلب من ارتفاع، كأن صدرها دوّى بارتطام صامت.
لم تصدق…..كانت تظنها مجرد أوهام.
ظنت أن كلمات كارل وتلميحاته السابقة لم تكن سوى أصداء لقلقها، إسقاطاتٌ من خوفها، لا أكثر.
لكن…..أيمكن أن يكون؟ هل كان يعلم بالأمر؟
تسارع نبض قلبها إلى حدٍ مؤلم، والصدمة جعلت الدم يتراجع من رأسها إلى أطرافها وكأنها فقدت كل دفء.
لم تدرك حتى أن وجهها صار شاحبًا، و كانت تحدّق به بشرود بينما هو يتنهّد تنهيدةً قصيرة.
“إن كان من الصعب عليكِ الحديث، فلا بأس، لستِ مضطرة. ألم أقل لكِ؟ ليس عليكِ مواجهة كل شيء في هذا العالم بجسدكِ وروحكِ دفعةً واحدة.”
لم يكن على وجهه أي انفعال. لا نظراتٍ حادة، و لا شعورٌ بالخيانة، بل كانت ملامحه ساكنة، هادئة كمن لا يرى في الأمر شيئًا يستحق الانفعال.
فارتجّ صوت سيان قليلًا من الاختناق الذي كاد يعلو في صدرها.
“كنتِ ترددين دائمًا: أنا الليل وأنتَ الصباح، أليس كذلك؟ لطالما تساءلت عن معنى تلك الجملة…..لماذا أنا الصباح وأنتِ الليل.”
قال ذلك وهو واقفٌ تحت الشمس الساطعة، ر ظهره في مواجهة النور، ذلك الذي كان دومًا بالنسبة لسيان صباحها.
“لكن لدي أيضًا ما أعترف به. في الحقيقة…..طلبت من أحد فرسان البلاط الإمبراطوري أن يحقق في خلفيتكِ من خلال معبد التنانين.”
عند تلك اللحظة، قطّبت سيان حاجبيها أخيرًا.
“وهناك، يا إيرا تشاندلر…..وجدت في سجلات النبلاء المتوفين فتاةً صغيرة تدعى إيرا، توفيت في التاسعة من عمرها، وكان هناك أمرٌ مثيرٌ للاهتمام..…”
“…….”
“منذ أن بدأت الآنسة الصغيرة تعاني من المرض، تكررت الليالي التي لم يظهر فيها القمر لأسبوعين كاملين. ثم، في الليلة التي تلت وفاتها…..أشرقت السماء أخيرًا بظهور البدر.”
توقف كارل عند هذا الحد، وغير من جلسته قليلًا ليراقب رد فعل سيان.
كان ينظر إليها ليرى إن كانت غاضبةً من تحريه عنها سرًا أم لا.
لكن سيان لم تكترث أبدًا لحقيقة أنه حقق في ماضيها، بل لم يكن لديها أي أفكارٌ أو كلمات لتقولها في تلك اللحظة.
كل ما أقلقها هو احتمال أن يكون شعر بالخيانة أو خيبة الأمل منها، أن يكون نظر إليها كما فعل والداها، باعتبارها نذير شؤم لمجرد علاقتها بالتنين الأسود.
“…..لذلك أنا الليل، نتقاطع مع الصباح، لكن لا يمكننا أن نكون معًا أبدًا.”
أغلقت سيان عينيها ببطء.
ذكريات الماضي القديم، المدفونة في أعماق ذاكرتها، بدأت تطفو وكأنها حدثت بالأمس.
كانت ليلةً بلا قمر. ليلة أرقٍ طويل، لم تستطع النوم فيها كما لو كانت ترى حلماً من السماء.
وفي تلك الليلة، ظهر التنين الأسود، قاطعًا ضوء القمر بجلده القاتم، واختارها، هي، ابنة كونت الحدود، إيرا تشاندلر، لتكون سيدته.
شعر والدها، الدوق تشاندلر، بذعر شديد من ذلك الوحش الذي لمعت عينيه الحمراوين في الظلام الدامس.
في إمبراطورية بدأت أسطورتها مع التنين الفضي المقدّس، كان التنين الأسود في نظره نذير كارثة. وكان تشاندلر، المخلص المتعصب للإمبراطورية، مقتنعًا بأن وجود التنين الأسود شيءٌ مشؤوم.
فأراد قتل سيان بلا تردد، لأنها اختيرت سيدًا لذلك التنين. لكن والدتها، التي لم تستطع قتل ابنتها الوحيدة، فأخذتها في إحدى الليالي التي حجبت فيها أجنحة التنين الأسود نور السماء، وتخلّت عنها في الخفاء.
“أنتِلمتكونيشيئًاعلىالإطلاق.”
كانت الليلة التي تخلّوا عنها فيها، مظلمةً تمامًا كما في تلك الليلة التي اختارها فيها التنين، ليلة بلا ذرة ضوء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات