ظل كارل متمدّدًا على الأريكة، يحدّق في هندريك بنظرةٍ فارغة.
“هل يمكنني أن أعرف في أي سياق جاء هذا السؤال؟ يبدو مفاجئًا جدًا، بلا تمهيد.”
“لأنك شخصٌ بلا…..أقصد، بلا طموح يُذكر، فكرتُ في الأمر وقلت: لا عجب أن تُخطب بهذه السرعة لفتاة لا نعرف أصلها من فصلها، لا نسبًا ولا عملًا.”
أومأ كارل برأسه، وكأنه فهم المغزى أخيرًا.
“في هذه الحالة، أستطيع أن أتفهم وجهة نظركّ.
كما قلت، متى ما انتهيت من أموري هنا، سأعود إلى إيفاريد، وأفكر جديًا في الأمر.”
أجاب كارل دون تردد، وكأنه لم يحتج إلى لحظة للتفكير. و كانت حدة حسمه تدل على شخص أنهى استعداده النفسي منذ زمن.
فازدادت تعابير هندريك تعقيدًا، حتى بدت أكثر من تلك التي ظهرت حين تحدث عن التنين الأسود، ثم تابع،
“الآن أنت أمير، لكن قريبًا لن يبقى لك سوى لقب أرشيدوق إيفاريد، لذا لا أنوي أن أزعجكَ بكلامٍ عن ضرورة الزواج بمن تناسبك من حيث الأصل والنسب.”
“إنها الابنة الوحيدة للماركيز تشاندلر، أليس كذلك؟ هل أحتاج إلى نسب أعظم لاختيار زوجة؟”
“يُقال أنها ميتة، لذا لا معنى لأصلها الآن. فهي مجرد نبيلة تُدعى هايلي ديدر، ابنة بارون فحسب.”
“وما العيب في ذلك؟ أليست رتبة البارون كافية؟ على الأقل ليست عبدة.”
قال كارل ذلك بثقة وكأن لا شيء يثير القلق. أما تعبير وجه هندريك فكان معقدًا. وكأن ملامحه تصرخ: ‘ولهذا السبب تُعتبر مغفلاً.’ لكن كارل لم يلحظ شيئًا.
بما أن كارل أمير، بل وسيرث حكم إيفاريد أيضًا، فكان من البديهي أن يختار عروسًا من عائلة ذات نفع سياسي أو اقتصادي أو عسكري. غير أن كارل بدا وكأنه لا يهتم بتلك الأمور إطلاقًا.
“حسنًا…..إن كنت مصرًا، فلا مزيد لأقوله.”
“هل هناك مشكلة؟ ملامحكَ توحي بشيءٍ من الانزعاج.”
“بالطبع هناك مشكلة. أنتَ نفسكَ لا تعرف السبب الذي جعلها تُمحى من سجل عائلة تشاندلر وتبدأ حياة التشرد، أليس كذلك؟”
“آه، تقصد تلك القصة..…”
تذكّر كارل الموقف الذي تهرّبت منه سيان بعبارتها غير المسؤولة “سأتدبّر الأمر بنفسي”، فرفع يده يحكّ مؤخرة عنقه بتردد.
ر عند رؤيته لتردده المريب، رفع هندريك حاجبه وسأله.
“أتعرف شيئًا؟”
“لا، لا أعرف. لكن لا بأس بذلك.”
“لا تعرف، وتقول لا بأس؟”
كان وجه هندريك يدل على أنه لا يفهم الأمر إطلاقًا، إذ اعتاد تقسيم كل شيء في حياته إلى أسباب ونتائج واضحة لا تقبل الغموض.
“لا يهم ما كانت عليه، سواءً كانت ابنة كونت في الماضي أو صديقة صائدة تنانين، فكل ذلك لا يعنيني.”
“هذا النوع من التفكير خطيرٌ جدًا على من يملك السلطة. قد ينتهي بكَ الأمر إلى أن تُدخل جاسوسةً إلى بيتكَ وتلقى حتفكَ بسببها.”
“لماذا تتشائم بهذا الشكل؟ أتراني لا أستطيع حتى تمييز الجواسيس؟”
“….…”
بصراحة، بدا الأمر وكأنه احتمال وارد. فشعر هندريك بقلق بالغ، لكنه لم يستطع أن يقول ما في قلبه صراحة.
“ألست أنتَ من قال قبل قليل أن التنين مجرد تنين؟ كذلك الأمر، سيان هي فقط سيان. لا يهمني مطلقًا ما تكون حقيقتها أو من تكون في الأصل.”
كاد هندريك أن يتنهّد بمرارة على كلمات كارل، لكنه بالكاد تمالك نفسه.
وكان ذلك خطأ. إذ ما إن رأى كارل أن شقيقه لم يعترض علنًا حتى ظن أن الأمور تسير بسلاسة، فاعتدل في جلسته ورفع كتفيه بثقة.
“رغم ما قد يبدو عليّ، إلا أنني شخص واقعيٌ جدًا يا أخي. ولو لم أكن كذلك، لما استطعت أن أُعيد إعمار إيفاريد التي كانت صحراء قاحلة بهذا الشكل. وبالحكم نفسه، فلا توجد امرأةٌ أصلح من الآنسة سيان لتكون سيدة إيفاريد.”
“يبدو أنها امرأةٌ قوية وذكية، لا بأس بها حقًا…..لو لم يكن ماضيها مشبوهًا.”
قال هندريك ذلك أخيرًا، ولم يتمالك نفسه عن إطلاق تنهيدة ثقيلة حاول كتمها طويلاً.
“اسمح لي بسؤالٍ أخير. ما الذي أعجبكَ في الآنسة سيان إلى هذا الحد؟ لدرجة أنكَ، الذي لم تكن مهتمًا بالزواج أصلًا، أصبحت بهذا الحزم؟”
رغم مكانته كولي للعهد، لم يكن لهندريك أي خطيبة حتى الآن. والسبب المعلن هو مرض الإمبراطور، الذي جعل الحديث في مسألة الزواج مؤجلاً.
لكن الحقيقة أن هندريك لم يكن مهتمًا بالنساء أصلًا. فقد كانت مسألة الزواج بالنسبة له مزعجةً فتركها معلّقة.
أما أمير إيفاريد، فصحيحٌ أن الكثيرين طمعوا به، لكن بسبب ما سمعه عنه من إشاعات، ظن هندريك أنه على نفس الشاكلة، لا يأبه للزواج.
ثم إذا بالأخ الأصغر، وبعد حادث كبير، يظهر فجأةً ومعه امرأة غامضة لا يعرف أحدٌ ماضيها، ويعلن أنها خطيبته!
كان من الطبيعي أن يُثار فضول هندريك.
امرأةٌ ذكية، جريئة، وحتى أنها كانت تضع سيفًا عند لقائه الأول بها، كمحاربة أو مرتزقة.
فأيّ شيء في هذه الآنسة جعله يراها مناسبةً تمامًا لتكون سيدة إيفاريد المستقبلية؟
ما الذي أعجبه فيها لهذا الحد حتى قرر الخطبة بهذا الاندفاع؟
انتظر هندريك جواب أخيه وهو يحمل شيئًا من الترقب.
“يا أخي، أنتَ تسأل أسئلةً غريبة فعلًا.”
ردّ كارل بضحكة خفيفة وهو ينقر لسانه، ثم تابع وهو يبتسم برضى وفخر.
“إنها جميلة، أليس كذلك؟”
و أجاب إجابةً كانت بالفعل تليق بشخص يزعم أنه “واقعيٌ للغاية.”
***
انتشرت شائعةٌ مفادها أن التنين بريتا، تنين الفارس أنطونيو كارتر، قد تعرّض لهجوم من تنين أسود، كما قالت ريفينانت، بسرعة خاطفة في أرجاء الإمبراطورية.
لكن ما هزّ الإمبراطورية لم يكن مجرد خبر تعرض بريتا لهجوم، بل الظهور المفاجئ لتنين أسود، كائنٌ لم يُذكر من قبل قط، بل لم يكن أحدٌ يعلم بوجوده أصلًا.
لا أحد يعرف إن كان هذا التنين تابعًا لأحد أم بريًا، ولا كيف تمكن من مهاجمة عش بريتا، بل لم يره أحد كٌ بعينه حتى.
وجود كائن مجهول بهذه الصورة لم يزد الناس إلا رعبًا، والخوف من المجهول كان يتضخم بلا توقف.
أما الصراع بين ولي العهد والأمير الآخر، الذي اندلع سابقًا بسبب تهمة اغتيال ملك التنانين، فقد اختفى من أذهان الناس تمامًا بفضل ظهور التنين الأسود.
حتى حقيقة أن تهمة الاغتيال بدأت بعد العثور على قشور التنين إيدلين قرب جثة ملك التنانين، صار الجميع يتظاهر وكأنهم يجهلونها.
لم يصدر أي بيان رسمي من القصر الإمبراطوري، لكن في نظر العامة، أصبح من المؤكد تقريبًا أن التنين الأسود هو قاتل ملكة التنانين.
‘علينا أن نبتعد لفترة. فالأجواء مشحونةٌ وخطيرة.’
[لم يعد من السهل التحرك. فالشائعات عن التنين الأسود انتشرت أكثر من اللازم.]
‘ما باليد حيلة. تحرّك ليلًا، خطوةً بخطوة، دون أن يراكَ أحد. ابتعد…..إلى مكان بعيد جدًا، لا يمكن لأحد أن يصل إليه.’
كانت حديقة المتاهة في القصر الإمبراطوري غايةً في الجمال. وكما يليق بقصر يعود تاريخه إلى أكثر من ألف وخمسمائة عام، و كانت الأزهار فيه مزدهرةً بأنواع لم ترَها سيان في حياتها قط.
رغم أن الفصل ليس الربيع، إلا أن الأزهار كانت متفتحة بكثرة. ويبدو أن ذلك بفضل التخطيط الدقيق لغرس أنواع الأزهار حسب المواسم، والاهتمام الدقيق الذي أولاه البستانيون المهرة للحديقة.
في أحد أركان متاهة الحديقة، كانت سيان تستمتع وحدها بوقت الشاي تحت قبة الجلوس.
كانت تتظاهر بأنها تجلس برشاقة كنبيلة أرستقراطية، تتأمل النسيم وعطر الزهور، لكنها في الحقيقة لم تكن ترى شيئًا من ذلك، إذ كانت منشغلةً تمامًا بوعي التنين.
[أرغب في ذلك حقًا، لكن المسافة التي يمكننا اجتيازها بالطيران خلال الليل محدودة. ولو لمحنا أحدهم بالخطأ، فسنكون كمن يصب الزيت على نار الوضع المتوتر أصلًا.]
تنهدت سيان وهي ترفع فنجانها بتعب، موافقةً على ما قاله التنين.
‘معكَ حق. بدل المخاطرة، من الأفضل أن تبقى حبيس العش.’
[آسف…..]
قال التنين ذلك بصوت خافت حزين، تمامًا في اللحظة التي أوشكت فيها سيان على ارتشاف الشاي.
رغم أن التنين بعيدٌ عنها، إلا أنهما يتواصلان بصوت لا يُسمع بالأذن، بفضل السحر الذي يُمنح للسيّد والتنين عند الارتباط، وهو ما يُعرف بسحر “الاتحاد”.
عادةً ما يقتصر هذا الاتصال على تبادل الأفكار البسيطة، لكن هذه المرة، ورغم أنها لم تُضَخ أي قوة سحرية إضافية، فقد وصلت مشاعر التنين بوضوح إلى سيان.
وهذا لم يكن إلا دليلاً على مدى مرارة الشعور الذي كان يغمره. شعورٌ بالذنب، بالحزن، وبوحدة ثقيلة اجتاحت قلب سيان وكأنها مشاعرها هي.
شعرت فجأة وكأن دموعها ليست ملكًا لها، وكادت تسيل من عينيها، فخفضت رأسها بهدوء، ثم وضعت فنجان الشاي جانبًا دون أن ترتشف منه.
‘لا داعي لأن تشعر بالذنب. أنتَ لست من أخطأ.’
[ما كان يجب أن أختاركِ أنتِ.]
‘وأنت أيضًا لم تختر لونكَ بإرادتكَ، أليس كذلك؟ الأمر مضى وانتهى. لن أسمح لنفسي بعد الآن بأن أغرق في الحزن أو الكراهية بسبب شيء لا ذنب فيه لأحد.’
قالت سيان ذلك ثم رفعت بصرها نحو السماء.
في الوقت الذي كانت فيه أرجاء الإمبراطورية تضجّ بالشائعات حول التنين الأسود الذي هاجم بريتا، تنين أنطونيو كارتر، كانت السماء صافيةً ونقية على نحوٍ مستفز، وكأنها لا تدري بما يجري.
‘ومع ذلك…..كنت أتوقّع أن تتمسّك ريفينانت يوماً ما بمعرفتها بوجودكَ. لكنني فقط لم أتخيّل أن تكون بهذا الأسلوب.’
‘نعم…..لكن كما قال كارل، يبدو أنني أنا من تلقى الضربة أولًا.’
أسندت سيان ذقنها إلى الطاولة وزفرت تنهيدةً طويلة من أعماقها.
[هل يجب علينا فضح هوية ريفينانت الآن؟]
‘وبأي حجة؟ حتى أُفصح عن كونها صائدة تنانين، عليّ أن أُعلن أنني سيدة التنين. وفي نظر الناس، من سيكون الأخطر؟ صائدة تنانين سابقة؟ أم سيدة تنين أسود؟ الجواب واضح.’
سكت التنين ولم يرد.
‘ثم إن كشفنا أمرها الآن، فلن يحدث شيء. فكل ما عليها هو أن تغادر المكان، وينتهي كل شيء. صائدو التنانين لا يُكرهون إلا في البلاط الإمبراطوري، أما تأثيرهم، فلا يُقارن بما يمكن أن يُحدثه ذكر تنين أسود.’
عاد شعورٌ مرير يتصاعد بداخلها من جديد. لكنها كانت تعرف جيدًا أن ذلك الإحساس…..لم يكن من مشاعرها هي.
____________________
ياعمري يالتنين تذكرت راون وليدي طبطبوا علييييه
سيان ماتقدر تروح له؟ تربت عليه 😔
هي تحبه بس من يوم اختارها تغيرت حياتها فما ألومها يعني
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات